بازگشت

مصرع الزبير


وكان الزبير رقيق القلب شديد الحرص علي مكانته من النبي (ص) الا أن حب الملك هو الذي اغراه ودفعه الي الخروج علي الامام يضاف الي ذلك ولده عبد الله فهو الذي زج به في هذه المهالك، وباعد ما بينه وبين دينه وقد عرف الامام (ع) رقة طبع الزبير فخرج الي ميدان القتال ورفع صوته: - اين الزبير؟ فخرج الزبير وهو شاك في سلاحه فلما راه الامام بادر اليه واعتنقه وقال له بناعم القول: - يا أبا عبد الله ما جاء بك ها هنا؟؟ - جئت أطلب دم عثمان. فرمقه الامام بطرفه وقال له:


- تطلب دم عثمان،!! - نعم. - قتل الله من قتل عثمان. وأقبل عليه يحدثه برفق، قائلا: " أنشدك الله يا زبير، هل تعلم أنك مررت بي وأنت مع رسول الله صلي الله عليه وآله وهو متكئ علي يدك، فسلم علي رسول الله، وضحك إلي، ثم التفت إليك فقال لك: يا زبير إنك تقاتل عليا وأنت له ظالم.. ". وتذكر الزبير ذلك وقد ذهبت نفسه أسي وحسرات، وندم أشد ما يكون الندم علي موقفه هذا والتفت الي الامام وهو يصدق مقالته: - اللهم نعم. - فعلام تقاتلني؟ - نسيتها والله. ولو ذكرتها، ما خرجت إليك ولا قاتلتك [1] .

- ارجع. - كيف ارجع، وقد التقت حلقتا البطان هذا والله العار الذي لا يغسل؟ - ارجع قبل أن تجمع العار والنار. وألوي عنان فرسه، وقد ملكت الحيرة والقلق أهابه، وراح يقول:



اخترت عارا علي نار مؤججة

ما إن يقوم لها خلق من الطين



نادي علي بامر لست أجهله

عار لعمرك في الدنيا وفي الدين



فقلت حسبك من عذل أبا حسن

فبضع هذا الذي قد قلت يكفيني [2] .



وقفل الامام راجعا الي أصحابه فقالوا له: تبرز الي زبير حاسرا،


وهو شاك السلاح، وأنت تعرف شجاعته!! فقال (ع): " انه ليس بقاتلي، انما يقتلني رجل خامل الذكر ضئيل النسب غيلة في غير ماقط [3] حرب ولا معركة رجال، ويل امه أشقي البشر ليود أن أمه هبلت به، أما أنه وأحمر ثمود لمقرونان في قرن... " [4] .

واستجاب الزبير لنداء الامام فاتجه صوب عائشة فقال لها: " يا أم المؤمنين إني والله ما وقفت موقفا قط الا عرفت اين أضع قدمي فيه الا هذا الموقف؟!! فاني لا أدري أمقبل أنا فيه أم مدبر.؟ " وعرفت عائشة تغيير فكرته وعزمه علي الانسحاب من حومة الحرب فقالت له باستهزاء وسخرية مثيرة عواطفه. " يا أبا عبد الله خفت سيوف بني عبد المطلب؟!! ". وعاثت هذه السخرية في نفسه فالتفت اليه ولده عبد الله فعيره بالجبن قائلا: " انك خرجت علي بصيرة، ولكنك رايت رايات ابن أبي طالب، وعرفت ان تحتها الموت فجبنت؟!! ". انه لم يخرج علي بصيرة ولا بينة من أمره، وانما خرج من أجل الملك والسلطان، والتاع الزبير من حديث ولده فقال له: - ويحك اني قد حلفت له أن لا اقاتله. - كفر عن يمينك بعتق غلامك سرجس. فاعتق غلامه وراح يجول في ميدان الحرب ليري ولده شجاعته ويوضح له أنه انما فر بدينه لا جبنا ولا خورا، ومضي منصرفا علي وجهه حتي أتي وادي السباع، وكان الاحنف بن قيس مع قومه مقيمين هناك،


فتبعه ابن جرموز فاجهز عليه وقتله غيلة، وحمل مقتله الي الامام فحزن عليه كاشد ما يكون الحزن، ويقول الرواة: انه أخذ سيفه وهو يقول: سيف طالما جلا الكروب عن وجه رسول الله (ص) وعلي أي حال لقد كانت النهاية الاخيرة للزبير تدعو الي الاسف والاسي، فقد تمرد علي الحق واعلن الحرب علي وصي رسول الله (ص) وباب مدينة علمه.


پاورقي

[1] الامامة والسياسة 1 / 73.

[2] مروج الذهب 2 / 247.

[3] الماقط: ساحة القتال.

[4] شرح النهج 1 / 135.