بازگشت

ورد عليها ابوالاسود قائلا


" ما أنت من السوط والسيف، انما أنت حبيسة رسول الله (ص) أمرك أن تقري في بيتك وتتلي كتاب ربك، وليس علي النساء قتال، ولا لهن الطلب بالدماء، وان عليا لاولي منك، وأمس رحما، فانهما ابنا عبد مناف ". ولم تذعن لقوله، وراحت مصرة علي رايها قائلة: " لست بمنصرفة حتي أمضي لما قدمت إليه، أفنظن أبا الاسود أن أحدا يقدم علي قتالي؟!! ". وحسبت أنها تتمتع بحصانة لعلاقتها الزوجية من النبي (ص) فلا يقدم أحد علي قتالها، ولم تعلم أنها أهدرت هذه الحرمة ولم ترع لها جانبا فاجابها أبو الاسود بالواقع قائلا: " أما والله لتقاتلن قتالا أهونه الشديد ".


ثم انعطف أبو الاسود صوب الزبير فذكره بماضي ولائه للامام وقربه منه قائلا. " يا أبا عبد الله عهد الناس بك، وأنت يوم بويع أبو بكر آخذا بقائم سيفك تقول: لا أحد أولي بهذا الامر من ابن أبي طالب، وأين هذا المقام من ذاك؟ " فاجابه الزبير بما لم يؤمن به قائلا: " نطلب بدم عثمان ". " أنت وصاحبك وليتماه فيما بعد ". ولان الزبير واستحباب لنصيحة أبي الاسود الا انه طلب منه مواجهة طلحة وعرض الامر عليه، فاسرع أبو الاسود تجاه طلحة وعرض عليه النصيحة فابي من الاستجابة وأصر علي الغي والعدوان [1] ورجع أبو الاسود من وفادته التي اخفق فيها فاحاط ابن حنيف علما بالامر فجمع أصحابه وخطب فيهم وقال: " أيها الناس، انما بايعتم الله، يد الله فوق أيديهم، فمن نكث فانهما ينكث علي نفسه، ومن أوفي بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما والله لو علم علي أحدا أحق بهذا الامر منه ما قبله، ولو بايع الناس غيره لبايع، وأطاع وما به الي أحد من صحابة رسول الله (ص) حاجة وما باحد عنه غني، ولقد شاركهم في محاسنهم، وما شاركوه في محاسنه، ولقد بايع هذان الرجلان، وما يريدان الله، فاستحلا الفطام قبل الرضاع، والرضاع قبل الولادة، والولادة قبل الحمل، وطلبا ثواب الله من العباد، وقد زعما أنهما بايعا مستكرهين، فان كانا استكرها قبل بيعتهما وكانا رجلين من عرض قريش لهما أن يقولا ولا يامرا، إلا وان الهدي ما كانت عليه


العامة، والعامة علي بيعة علي فما ترون أيها الناس؟ ". فقام اليه الفذ النبيل حكيم بن جبلة فخاطبه بمنطق الايمان والحق والاصرار علي الحرب [2] .

وجرت مناظرات بين الفريقين إلا انها لم تنته الي خير، وخطب طلحة والزبير، وكان خطابهما الطلب بدم عثمان، فرد عليهما أهل البصرة ممن كانت تاتيهم رسل طلحة بالتحريض علي قتل عثمان وحملوه المسوؤلية في اراقة دمه وخطبت عائشة خطابها الذي كانت تكرره في كل وقت وهو التحريض علي المطالبة بدم عثمان لانه قد خلص من دنوبه، واعلن توبته ولكنها لم تنه خطابها حتي ارتفعت الاصوات فقوم يصدقونها وقوم يكذبونها وتسابوا فيما بينهم وتضاربوا بالنعال، واقتتل الفريقان أشد القتال وأعنفه وأسفرت الحرب عن عقد هدنة بينهما حتي يقدم الامام علي، وكتبوا بينهم كتابا وقعه عثمان بن حنيف، وطلحة والزبير وقد جاء فيه باقرار عثمان ابن حنيف علي الامرة، وترك المسلحة وبيت المال له، وان يباح للزبير وطلحة وعائشة ومن أنضم اليهم أن ينزلوا حيث شاءوا من البصرة. ومضي ابن حنيف يقيم بالناس الصلاة، ويقسم المال بينهم، ويعمل علي نشر الامن واعادة الاستقرار في المصر، إلا أن القوم قد خاسوا بعهدهم ومواثيقهم، فاجمعوا علي الفتك بابن حنيف، ويقول المؤرخون: ان حزب عائشة انتهزوا ليلة مظلمة شديدة الريح فعدوا علي ابن حنيف وهو يصلي بالناس صلاة العشاء فاخذوه ثم عدوا الي بيت المال فقتلوا من حرسه أربعين رجلا، واستولوا عليه، وزجوا بابن حنيف في السجن وأسرفوا في تعذيبه بعد أن نتفوا لحيته وشاربيه [3] .


وغضب قوم من اهل البصرة، ولقموا علي ما اقترفه القوم من نقض الهدنة، والنكاية بحاكمهم، واحتلال بيت المال فخرجوا يريدون الحرب، وكانت هذه الفئة من ربيعة يراسها البطل العظيم حكيم بن جبلة فقد خرج في ثلثمائة رجل من بني عبد القيس [4] وخرج اصحاب عائشة، وحملوها معهم علي جمل، وسمي ذلك اليوم الجمل الاصغر [5] والتحم الفريقان في معركة رهيبة، وقد ابلي ابن جبلة بلاءا حسنا، ويقول المؤرخون ان رجلا من اصحاب طلحة ضربه ضربة قطعت رجله، فجثا حكيم واخذ رجله المقطوعة فضرب بها الذي قطعها فقتله، ولم يزل يقاتل حتي قتل [6] .

لقد اضاف القوم الي نقض بيعتهم للامام نكثهم للهدنة التي وقعوا عليها مع ابن حنيف، واراقتهم للدماء بغير حق ونهبهم ما في بيت المال وتنكيلهم بابن حنيف ويقول المؤرخون انهم قد هموا بقتله لولا انه هددهم باخيه سهل بن حنيف الذي يحكم المدينة من قبل علي وانه سيضع السيف في بني ابيهم إن اصابوه بمكروه، فخافوا من ذلك، واطلقوا سراحه فانطلق حتي التحق بالامام في بعض طريقه الي البصرة فلما دخل عليه قال للامام مداعبا: " ارسلتني الي البصرة شيخا فجثتك امرد ". واوغرت هذه الاحادث الصدور، وزادت الفرقة بين اهل البصرة فقد انقسموا علي انفسهم فطائفة منهم تسللوا حتي التحقوا بالامام، وقوم انضموا الي جيش عائشة، وطائفة ثالثة اعتزلت الفتنة، ولم يطب لها الانضمام الي احد الفريقين.



پاورقي

[1] شرح النهج 2 / 81.

[2] الامامة والسياسة 1 / 64.

[3] شرح النهج 2 / 50.

[4] شرح النهج 2 / 50.

[5] حياة الامام الحسن 1 / 430.

[6] أسد الغابة 2 / 40.