بازگشت

المقدمة


بسم الله الرحمن الرحيم

ولا تحسين الذين قتلوا في سبيل الله امواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون، فرحين بماءاتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون، يستبشرون بنعمة من الله وفضل وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين، أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون القران الكريم


- 1 - وأثرت الاحداث الرهيبة التي عاصرها الامام الحسين (ع) تاثيرا هائلا في تغيير مناهج الحياة الفكرية والاجتماعية في الاسلام، كما لعبت دورها الخطير علي مسرح الحياة السياسية علي امتداد التاريخ، وكان من أبرز نتائج تلك الاحداث التناحر علي السلطة، والتنافس علي الحكم، والصراع علي الظفر بخيرات البلاد. وكان من الطبيعي ان يحدث ذلك الصراع السياسي باقسي صوره، وأبشع ألوانه، وان يحتدم الجدال كاشد واعنف ما يكون الجدال فقد سحرت عيون الكثيرين من الصحابة والتابعين ما رؤوه من ألوان الترف، وخفض العيش ورقته، وما شاهدوه من جلال الملك الذي أزالوه من فارس، وما احتلوه من بلاد الروم، وهالتهم الفتوحات التي تقوم بها الجيوش الاسلامية، وما يفتح الله علي أيديهم، وما يجلبونه من البلاد المحتلة من الرقيق، وسائر الاموال التي لم يكونوا يحملون بالنظر اليها، كل ذلك دفعهم إلي التهالك علي السلطة، وفتنهم عن دينهم. واستشف الرسول الاعظم (ص) من وراء الغيب ما تبلغه أمته من المجد والسيادة علي جميع شعوب الارض، وسقوط الدول الكبري تحت


وطاة الزحف الاسلامي المقدس، فادع ذلك بين المسلمين وآمنوا به كجزء من عقيدتهم، كما استشف النبي (ص) من وراء الغيب ما تمني به أمته من الفتنة والفرقة فاحتاط لها كاشد ما يكون الاحتياط فوضع لها رصيدا يحسم كل داء، ويقضي علي كل خلاف فدلل علي امامة العترة الطاهرة من أهل بيته الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، ولم يكن بذلك مدفوعا بدافع العاطفة أو الحب فان شان النبوة أسمي من أن يخضع لاي عامل من عوامل الحب أو غيره من الاعتبارات المادية. وبلغت أحاديث الرسول (ص) في فضل عترته حد التواتر، ولم يتطرق إليها الريب والشك عند أحد من المسلمين، فقد قرنهم بمحكم التنزيل - الذي لا ياتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه - وجعلهم سفن النجاة وأمن العباد، وأما سيد العترة الامام أمير المؤمنين (ع) فانه - حسب النصوص النبوية - أخو النبي ونفسه، وباب مدينة علمه، واقضي امته، وانه منه بمنزلة هارون من موسي، ومن كنت مولاه فهذا علي مولاه... ولكن القوم كرهوا اجتماع النبوة والخلافة في بيت واحد فتاولوا النصوص وزووا الخلافة عن أهل بيت النبوة، ومعدن الحكمة، ومهبط الوحي، وحرموا الامة من التمتع بظلال حكمهم الهادف إلي نشر عدالة السماء في الارض. وأدت عملية الفصل إلي التطاحن الفظيع علي كراسي الحكم بين الاسر البارزة في الاسلام، فمنيت الامة من جراء ذلك بالكوارث والخطوب الني أحالت الحياة في تلك العصور إلي جحيم لا يطاق، فقد كان حكم النطع والسيف هو السائد بين الناس.


- 2 - وظهر الصراع السياسي يابشع ألوانه حينما استولي الامام أمير المؤمنين عليه السلام علي زمام السلطة في البلاد، فقد تحركت القوي الطامعة في الحكم وهي تعلن العصيان المسلح محاولة بذلك اسقاط حكومته التي احتضنت مصالح الشعوب الاسلامية، وتبنت حقوق الانسان وراحت تؤسس معالم العدل والحق، وتدك حصون الظلم، وتنسف قلاع الباطل، وترفع منار الكرامة الانسانية، وتقضي علي جميع أسباب التخلف والفساد التي تركها الحكم المباد. لقد أوجد الامام انقلابا جذريا، وتحولا اجتماعيا في الميادين السياسية والفكرية والاقتصادية، التي كان منها العدالة في التوزيع، وإلغاء الامتيازات التي منحتها حكومة عثمان لبني أمية وآل أبي معيط، ومصادرة الاموال التي اختلسوها بغير حق وعزل الولاة وسائر الموظفين الذين اتخذوا الحكم وسيلة للاثراء والاستعلاء علي الناس بغير حق. وقد أدت التغييرات الاجتماعية التي أوجدتها حكومة الامام إلي زيادة الازمات النفسية في نفوس القرشيين وغيرهم من الحاقدين علي الاصلاح الاجتماعي، فايقنوا أن حكومة الامام ستدمر مصالحهم الاقتصادية وغيرها، فهبوا متضامنين إلي اعلان المعارضة، ومن المؤسف - حقا - أن تضم المعارضة بعض أعلام الصحابة كطلحة والزبير، وأن يكون العضو البارز فيها السيدة عائشة زوج النبي (ص) ومن المؤكد أنه لم تكن للمعارضين أية أهداف اجتماعية أو اصلاحية، وإنما دفعتهم الانانية والاطماع حسب التصريحات التي أدلوا بها في كثير من المناسبات، وقد كان في طليعة القوي المنامرة علي الامام الحزب الاموي فقد سخر جميع أرصدته المالية التي حصل


عليها أيام حكومة عثمان، فجعلها تحت تصرف المعارضين فاشتروا جميع أدوات الحرب ووهبوا الكثير من الاموال للمرتزقة وقد اندلعت بذلك نار الحرب التي اسماها بعض المؤرخين بحرب الجمل، وقد أسرع الامام اليها فاخمد نارها، وقضي علي معالمها، إلا انها اسفرت عن أفدح الخسائر التي مني بها المسلمون، فقد فتحت باب الحرب بين المسلمين، ومهدت الطريق إلي معاوية أن يعلن تمرده علي الامام، ويناجزه أعنف الحروب، وأشدها ضراوة. وأخذت الاحداث الجسام يتصل بعضها ببعض، ويتفرغ بعضها علي بعض حتي انتهت بمقتل الامام أمير المؤمنين، وخذلان ولده الحسن وانتصار القوي الحاقدة علي الاسلام، ويعرض هذا الكتاب الي تفصيل ذلك بصورة موضوعية بما لا تحيز فيه. - 3 - ونجحت الاموية باساليبها الماكرة، وبما استخدمته من وسائل دبلوماسيتها الغادرة في الاستيلاء علي السلطة في البلاد، وظهرت علي الصعيد الاسلامي دولة الامويين بقيادة زعيمهم معاوية بن أبي سفيان القائد الاول لجميع عمليات الحروب التي ناهضت الاسلام حينما فجر المعلم والقائد الرسول (ص) دعوته الخلافة الهادفة لتطوير الوعي الاجتماعي، وتاسيس مجتمع يقوم علي العدل والمساواة. ووقعت الامة فريسة تحت أنياب الامويين، واستسلمت لحكم إرهابي عنيف تتصاعد فيه الاحقاد والاضغان علي قيم الامة ومكوناتها الفكرية


والاجتماعية، وإزالة ما حققه الاسلام من المكاسب علي الصعيد الاقتصادي والسياسي والتربوي. واتجهت السياسية الاموية تضع المخططات الرهيبة للقضاء علي مقومات الامة، واستئصال أرصدتها الروحية والفكرية، وكان من أفجع وأقسي ما اتخدته من المقررات السياسية ما يلي: أ - الحط من قيمة أهل البيت الذين هم مركز الوعي الاجتماعي في الاسلام، والعصب الحساس في جسم الامة الذي يمدها بالنهوض والارتقاء وقد سخرت السلطة جميع أجهزتها السياسية والاقتصادية، وسائر امكانياتها الاخري لتحويل قلوب المسلمين عن أهل البيت وفرض بغضهم علي واقع الحياة الاسلامية، وجعله جزءا لا يتجزء من الاسلام، وقد استخدمت في هذا السبيل أجهزة التربية والتعليم، وأجهزة الوعظ والارشاد وغيرها، واتخذت سب العترة علي المنابر فرضا واجبا تحاسب عليه وتنزل أقصي العقوبات علي من يتهاون في أدائه. ب - ابادة العناصر الواعية في الاسلام، والتي تربت علي هديه وواقعه فقد ساقت الي ساحات المجازر أعلام الاسلام كحجر بن عدي وميثم التمار ورشيد الهجري، وعمرو بن الحمق الخزاعي، وأمثالهم من الذين يملكون القدرة علي التوجيه الاجتماعي، والقابلية علي صيانة الامة من الانحراف والسلوك في المنعطفات، وتذرعت السلطة في سفك دمائهم من أنهم خلعوا يد الطاعة، وفارقوا الجماعة، ولم يكن لذلك أي نصيب من الصحة، وإنما رؤا الاتجاه السياسي يتصادم مع الدين، ويتصادم مع مصالح الامة فامروا السلطة بالاستقامة والخلود الي التوازن، ومجافاة الاضرار بمصالح المجتمع، فاستباحت من أجل ذلك دمائهم. ج - تغيير الواقع المشرق للاسلام، وقلب جميع مفاهيمه ومقوماته،


وتدنيسه بالخرافات والاوهام حتي تشل طاقاته، ويصبح عاجزا عن مسايرة الحياة، والانطلاق مع الانسان لتنمية ملكاته، وقدراته وتطوير وسائل حياته ووضعت الحكومة لجان الوضع، ورصدت لها الاموال الهائلة لتضع الاحاديث علي لسان المنقذ العظيم الرسول (ص) لتكون من بنود التشريع وتلحق بقافلة السنة التي هي من مدارك الاحكام، وقد راح الوضاعون يلفقون الاكاذيب، وينسبونها للنبي (ص) وكثير مما وضعوه يتنافي مع منطق العقل، ويتجافي مع سنن الحياة، ومن المؤسف أنها دونت في كتب السنة، ودرجت في كتب الاخبار، مما اضظر بعض تلك المسلمون فانه لم يكن الابتلاء به آنيا من الزمن، وانما ظل مستمرا مع امتداد التاريخ فقد تفاعلت تلك الموضوعات مع حياة الكثيرين من المسلمين، وظلوا متمسكين بها علي أنها جزء من دينهم، وقد وضعت الحواجز في نمو المواهب وانطلاق الفكر، كما بقيت حجر عثرة في طريق التطور والابداع الذي يريده الاسلام لابنائه. - 4 - وعاني الانسان المسلم في عهد معاوية ضروبا شاقة وعسيرة من المحن والبلوي، فقد جهدت حكومة معاوية علي نشر الظلم والجور في جميع أرجاء البلاد، وعهدت بامور المسلمين الي الجلادين والجزارين أمثال زياد بن أبيه وبسر بن أبي ارطاة، وسمرة بن جندب والمغيرة بن شعبة، وأمثال هؤلاء من أرجاس البشرية، وقد صبوا علي الناس وابلا من العذاب الاليم لم


تشهد له الانسانية مثيلا في كثير من مراحل تاريخها. لقد كانت المظالم الاجتماعية - في عهد معاوية - بمراي من الامام الحسين عليه السلام ومسمع، فروعته وافزعته إلي حد بعيد، فقد كان بحكم قيادته الروحية لامة جده يحسن باحاسيسها، ويتالم لآلامها، ويحيا بحياتها، وكان من أعظم ما عاناه من المحن والخطوب تتبع الجزارين والجلادبن من ولاة معاوية لشيعة أهل البيت امعانا في قتلهم، وحرقا لبيوتهم، ومصادرة لاموالهم، لا يالون جهدا في ظلمهم بكل طريق، وقد قام الامام بدوره في شجب تلك السياسة الظالمة فبعث المذكرات الصارخة لطاغية دمشق يشجب فيها الاجراءات الظالمة التي اتخذها عماله وولاته لابادة محبي أهل البيت والعارفين بفضلهم، وقد جاء في بعض بنودها أنه نفي أن يكون معاوية من هذه الامة، وانما هو عنصر غريب، ومعاد لها، والحق إنه كذلك فقد أثبتت تصرفاته السياسية أنه من ألد أعدائها، وانه كان يبغي لها الغوائل ويكيد لها في غلس الليل، وفي وضح النهار، قد جهد في اذلالها وارغامها علي الجور. وكان من أفج مارزا به معاوية الامة أنه فرض خليعه المهتوك يزيد القرود والفهود - كما يسميه المؤرخون - خليفة عليها يعيث في دينها ودنياها، ويجر لها الويلات والخطوب. - 5 - وفقدت الامة في عهد معاوية وخليعه يزيد جميع عناصرها ومقوماتها ولم تعد خير أمة أخرجت للناس - حسب ما يريده الله لها - فقد عاث فيها معاوية فرباها علي الوصولية والانتهازية، ورباها علي الذل والعبودية،


وسلب عنها صفاتها، وجرد عنها أخلاقها القويمة، فلم تعد تهتم بتحقيق أهدافها وآمالها، ولا بما يضمن لها الحياة الكريمة، قد استسلمت للحكم الاموي، وقبعت ذليلة مهانة تحت وطاة سياطه، وهو يسفك دماءها، ويستنزف ثرواتها، ويشبع فيها الجور والفساد، فقد تخدرت بشكل فظيع وأصبحت جثة هامدة لا وعي فيها ولا حراك، فلم تهب للدفاع عن كرامتها وعزتها، ولم تنطلق في ميادين الشرف والتضحية لتحمي نفسها من الظلم والاعتداء. راي الامام الحسين (ع) وهو سبط الرسول (ص) وأمله الباسم الذي تجسدت فيه جميع طاقاته حالة المسلمين، وما هم فيه من الذل والهوان وانهم لم يعودوا تلك الامة العظيمة التي تبنت رسالة الاسلام، وحملت مشعل الهداية والنور إلي جميع شعوب الارض. واستوعب الالم القاسي مشاعر الامام وعواطفه، وراح يطيل التفكير وينفق الليل ساهرا في انقاذ دين جده العظيم، وحمايته من الردة الجاهلية، فعقد المؤتمرات تارة في مكة وأخري في يثرب، وعرض علي الصحابة وأبنائهم الحالة الراهنة التي مني بها المسلمون، وأخذ يدلي بمنكرات معاوية وموبقاته، وقد استبان له أن هذه الطريقة لا تجدي باي حال في ميادين الاصلاح الاجتماعي، ولا يمكن أن ترد شوارد الاهواء وترجع للامة مافقدته من معنويات، فراي أنه بين أمرين لا ثالث لهما وهما: 1 - أن يسالم الامويين، ويبايع ليزيد، ويغض الطرف عما تقترفه السلطة من الظلم والجور، وما تعانيه الامة من الازمات في مجالاتها العقائدية والاجتماعية، ويكون بذلك - علي سبيل الاحتمال لا القطع - قد ضمن سلامته وحياته، ولكن هذا مما ياباه الله له، وياباه ضميره الحي المترع بتقوي الله فهو بحسب مكانته من رسول الله (ص) مسؤول أمام الله عن صيانة الامة


وحماية أهدافها ومبادئها، ومسؤول أمام جده الرسول (ص) عن رعاية الاصلاح الاجتماعي، وصيانة الاسلام من عبث العابثين، وكيد الفاجرين وقد أعلن سلام الله عليه هذه المسؤولية الخطيرة وما يفرضه الواجب عليه في خطابه الذي ألقاه علي الحر و أصحابه من شرطة ابن زياد قائلا: " أيها الناس إن رسول الله (ص) قال: من راي سلطانا جائرا مستحلا لحرم الله ناكثا عهده، مخالفا لسنة رسول الله يعمل في عباد الله بالاثم والعدوان فلم يغير عليه بفعل ولا قول كان حقا علي الله أن يدخله مدخله... ". لقد كان الواجب الشرعي حسبما أدلي به مما يحتم عليه القيام في مقارعة الظلم ومناهضة الجور، والضرب علي أيدي المعتدين والظالمين. 2 - أن يعلن الثورة، ويضحي بنفسه وأهل بيته وشيعته، وهو علي يقين بعدم نجاح الثورة، فقد درس أوضاع المجتمع، وعرف أن الدين لعق علي ألسنة الناس، إلا أنه أيقن أن تضحيته ستعود علي المسلمين بالخير العميم فستتحرر ارادتهم، ويهبون الي ميادين الجهاد، ويرفعون أعلام الحرية وينزلون الجبابرة الطغاة من بني أمية من عروشهم إلي قبورهم واختار هذا الطريق المشرق علي ما فيه من ماسي وخطوب لا يطيقها أي كائن حي. - 6 - ودرس الامام أبعاد التضحية بعمق وشمول، فراي أن يزج بجميع ثقله في المعركة، ويقدم أروع النضحيات التي تهز الضمير الانساني علي امتداد التاريخ، وتعيد للامة أصالتها ووعيها عبر أجيالها الصاعدة... لقد خطط الامام فصول ماساته، وفصول تضحيته علي أسس عميقة


من الوعي والادراك بحيث تؤدي إلي النتائج المشرقة التي منها انتصار القضية الاسلامية وإعادة الحياة الدينية الي شرايين الامة، وازالة التخدير الذي بسطه الامويون علي جميع أجزائها. وقد أعلن سلام الله عليه ما صمم عليه، وأذاع فصول ماساته الخالدة في كثير من المناسبات، وهذه بعضها. 1 - أدلي بمصرعه، وهو بمكة في خطابه الذي أعلن فيه الثورة علي بني امية، فقد جاء فيه " وخير لي مصرع أنا لاقيه كاني باوصالي تقطعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلا... " أليس في هذا الكلام دلالة علي روعة العزم والتصميم علي التضحية؟! أليس فيه اخبار جازم عن مصرعه الكريم، وأنه في كربلاء، فهي التي تحضي بموارة جثمانه الطاهر كما أذاع ذلك جده وأبوه من قبل. 2 - وأعلن الامام العظيم الماسي الاليمة، والخطوب المفجعة التي تحل باهل بيته من القتل والسبي والاسر، وذلك حينما أشار عليه ابن عباس بان لا يحمل معه مخدرات النبوة وعقائل الوحي الي العراق، ويتركهن في يثرب حتي تستقيم له الامور، فاجابه الامام قائلا: " قد شاء الله أن يراهن سبايا ". لقد صحب معه عياله وهو يعلم ما سيجري عليها من الاسر والسبي لان بها سوف تستكمل رسالته، وتؤدي فعاليتها في القضاء علي العرش الاموي واعادة الحياة الاسلامية الي واقعها المضيئ. 3 - كان الامام يتحدث وهو في طريقه الي العراق من أن راسه الشريف سوف يرفع علي الحراب فيطاف به في الاقطار والامصار، ويهدي الي بغي من بغايا بني أمية كما صنع براس أخيه يحيي بن زكريا حيث أهدي الي بغي من بغايا بني اسرائيل.


لقد استهان بجميع ما يعانيه في سبيل احقاق الحق، واعلاء كلمة الله في الارض. - 7 - وفجر الامام ثورته الكبري التي أوضح الله بها الكتاب، وجعلها عبرة لاولي الالباب، وهي بجميع مخططاتها جزء من رسالته الاسلام وامتداد مشرق لثورة الرسول الاعظم، وتجسيد حي لاهدافه وآماله، ولولاها لذهبت جهود النبي، وضاعت آماله، ولم يبق للاسلام أثر ولا عين. لقد انتصر الامام الحسين (ع) وفتح الله له الفتح المبين، فقد أشرقت سماء الاسلام بثورته الخالدة، وتفاعلت تضحيته مع مشاعر الناس وعواطفهم، وامتزجت بقلوبهم، وأصبحت أعظم مدرسة للايمان بالله، تبث روح العقيدة والفداء في سبيل الحق والعدل، وتغدي الناس بالقيم الكريمة والمثل العليا، وتعمل علي توجيههم نحو الخير وتهديهم إلي سواء السبيل. لقد أقبل الناس بلهفة علي ماساة أبي الاحرار، وهم يمنعون النظر في فصولها ويقتبسون منها أروع الدروس عن الكرامة والتضحية، والبطولات الخارقة والعزة التي لا يلويها الظلم والجور. إن الانسانية لتنحني اجلالا واكبارا للامام العظيم الذي رفع راية الحق عالية خفاقة. وتبني حقوق المظلومين، ودافع عن مصالح المضطهدين... وانها لتمجد ذكره أكثر مما تمجد أي مصلح اجتماعي في الارض، وقد أحرز الامام العظيم بذلك من النصر ما لم يحرزه غير من المصلحين في العالم.


لقد كان من أوليات النصر الذي حققه الامام تحطيم الكيان الاموي فقد وضعت ثورته الخالدة العبوات الناسفة في قصور الامويين، وألغمت طريقهم، فلم يمض قليل من الزمن حتي تفجرت فاطاحت برؤوس الامويين واكتسحت نشوة نصرهم، وجعلتهم أثرا بعد عين، ويعرض هذا الكتاب بصورة موضوعية إلي بعض ما قدمته الثورة من المعطيات المشرقة علي الصعيد الفكري والاجتماعي للعالم الاسلامي. - 8 - ولن يستطيع التاريخ الاسلامي أن ياخذ حظه من الحياة اذا كان مثقلا بالقيود والاغلال، ولم يخضع للدراسة والنقد، فلا بد أن تتسلط مجاهر البحث العلمي النزيه علي أحداثه، وتدرس بدقة وتجرد، شان غيره من تاريخ الاممم الحية التي تتناول أحداثه أقلام المفكرين والباحثين بكثير من العمق والتحليل، فان دراسة التاريخ عندهم تحتل الصدارة في دراساتهم الثقافية والعلمية. إنا إذا أردنا للتاريخ الاسلامي أن يزدهر، ويساير النهضة الفكرية، والتطور العلمي في هذه العصور، فلا بد من دراسته دراسة واعية تعتمد علي المناهج العلمية، وعلي التجرد من النزعات المذهبية والتقليدية، فننظر بدقة إلي الاحداث الجسام التي دهمت المسلمين في عصورهم الاولي فانها - فيما تعتقد - مصدر الفتنة الكبري التي اخلدت لهم المصاعب، وجرت لهم الفتن والخطوب علي امتداد التاريخ. إن البحث عن التاريخ الاسلامي في تلك الحقبة الخاصة من الزمن إذا لم يعرض لتلك الاحداث بالبسط والتحليل، ولم يلق الاضواء علي


دوافعها ومجرياتها فانه يكون بحثا تقليديا لا روح فيه، ولا ثمرة تعود فيه علي القراء. وقد ألمعنا في الحلقة الاولي من هذا الكتاب إلي الكثير من الاحداث وعرضنا الانظمة السياسية والاقتصادية التي وضع برامجها الخلفاء في العصر الاول، وقد تاملنا في كثير منها بتحفظ وتجرد شان الباحث الذي يهمه الوصول إلي الواقع مهما استطاع إليه سبيلا، واني - فيما اعتقد - ان من الاثم وتعمد الجهل ان نتكلف اخفاء أي ناحية من النواحي السياسية أو الاجتماعية في ذلك العصر فان اخفاء ذلك من ألوان التضليل والدجل علي القراء. وليس في دراسة التاريخ منهجية تغيير له أو قلب لمفاهيمه، أو خروج عن موازين البحث العلمي المجرد، وإنما هي من صميمه كما هي من متطلبات الحياة الثقافية في هذا العصر. وعلي أي حال فان هذه الدارسة ترتبط ارتباطا ذاتيا وموضوعيا بحياة الامام الحسين، فقد عاش ذلك الحقبة الخاصة من الزمن المليئة بالاحداث وقد نظر إليها بعمق وشمول، ووقف علي أهدافها وهي - من دون شك - قد ساهمت مساهمة ايجابية في كثير من الاحداث التي فزع منها المسلمون والتي كان منها كارثة كربلاء، فانها كانت احدي النتائج المباشرة لذلك التخدير الذي منيت به الامة من جراء الحكم الاموي الذي جهد علي شل الحياة الفكرية والاجتماعية واشاعة الانتهازية بين المسلمين. وأنا آمل أن أكون في هذه الدراسة قد واكبت الواقع، وابتعدت عن العواطف التقليدية وآثرت الحق في جميع ما كتبته لا ابتغي بذلك إلا ابراز التاريخ الاسلامي علي واقعه من دون تحيز وقبل أن أقفل هذا التقديم أري من الواجب علي أن أذكر بالوفاء والعرفان ما قام به سيادة المحسن


الكبير الحاج محمد رشاد عجينة من التشجيع البالغ علي الخوض والاستمرار في خدمة أئمة أهل البيت (ع) ونشر ماثرهم التي هي من أفضل الخدمات التي تقدم لهذه الامة، وقد قادم سيادته بالانفاق علي نشر هذا الكتاب وقد رغب أن تكون من الميراث التي أوصي بها المغفور له والده الحاج محمد جواد عجينة المتوفي سنة (1391 ه)، أجزل الله له الثواب، ووفقه لكل مسعي نبيل. النجف الاشرف - باقر شريف القرشي