بازگشت

كبش الكتيبة أو كبش كتيبة الحسين


و تفسير الكتيبة يأتي في أنظمة الجيوش في الجزء الثالث. أما «الكبش»، فالعرب تطلقه علي مقدم العسكر، أميرا كان أو ملكا؛ و علي الشجاع الذي لا يقاوم بأسا و نجدة. قال «الفيروزآبادي» في القاموس «الكبش»: الحمل اذا انتهي، و اذا خرجت رباعيته جمعه أكبش و كباش و أكباش و سيد القوم و قائدهم الي آخره.

و ليس هو حقيقة، بل هو مجاز، لأن الكبش حقيقة، و في أصل الوضع، هو الذي يرأس القطيع من الأغنام و الظباء، و يحميها بنطاحه، و لما كان قائد الجيش، و رئيس القوم، و البطل الجرئ يرأس الجيش و يحميه بيده و تدبيره، قيل له: كبش، و له جرأة علي النطاح و اقدام كما شهد الوجدان بذلك؛ فان الكبش اذا ناطح كبشا، لم ينصرف عنه حتي يحجز بينهما أو يقتل أحدهما الآخر. و كما أطلق الكبش علي الشجاع مجازا، أطلق علي المبتدع اذا كان متبوعا علي جهة الاستعارة، حيث أن قطيع الأغنام يتبع الكبش في المرعي، كذلك بهائم العوام، و العامة يتبعون الضال المبتدع في ضلالته و بدعته.

فقد قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم في رجل من قريش يلحد بمكة: كبش اسمه عبدالله، عليه نصف عذاب أهل النار، متفق عليه عند الشيعة و السنة. و قد ذكرنا من رواه من حفاظ أهل السنة في كتابنا «الميزان الراجح» في ترجمته، و لا يطلق الكبش في الحرب عند العرب الا علي من تكاملت فيه سمات البطولة و جمعت فيه صفات الرجولية. و لقب بهذا اللقب قبل أبي الفضل العباس بن علي عليه السلام رجلان من أعظم رجال العرب و أشهرها؛ أحدهما: بطل المشركين بلا نزاع - طلحة بن أبي طلحة القرشي - من آل عبدالدار، فكان يلقب: (كبش الكتبية)، قتله أميرالمؤمنين عليه السلام يوم أحد، فسر بقتله رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، و بقتله فلت شوكة المشركين و كسر حدهم. «و الثاني» بطل المسلمين غير مدافع و هو: مالك بن


الحارث - الأشتر النخعي - صاحب أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، بطل العرب المشهور، كان يلقب (كبش العراق).

و يطلق لفظ الكبش علي كل بطل، و يقال للأبطال كباش، و شبهوا اعتراك الأبطال بالنطاح. و أما اطلاقه علي الملوك الظلمة، فقد ورد في كلام مولانا أميرالمؤمنين عليه السلام، بقوله في عبدالملك بن مروان أبوالأكبش الأربعة.

هذا لقب يختص به أبوالفضل العباس الأكبر بن أميرالمؤمنين عليهماالسلام دون سائر شهداء كربلا. و قد اختصه بهذا اللقب أخوه الحسين عليه السلام، و جعله من ألقابه المميزة له، و ذلك حين أتاه يطلب منه الرخصة للهجوم علي جيوش أهل الكوفة المحيطة به. و قد أكثر الشعراء في تأبينه من ذكر هذا اللقب. فقال بعضهم بلسان حال سيد الشهداء الحسين عليه السلام:



عباس كبش كتيبتي و كنانتي

و سري قومي بل أعز حصوني



و قال الأزري رحمه الله:



اليوم بان عن الكتائب كبشها

اليوم فل عن البنود نظامها



قال الفاضل الدربندي في «أسرار الشهادة» ص 321 و عنه الكربلائي في «معالي السبطين» ص 274 ج 1 في شهادة العباس عليه السلام: أن الحسين عليه السلام انحني عليه ليحمله، ففتح العباس عينيه فرأي أخاه الحسين عليه السلام يريد أن يحمله، فقال: أين تريد يا أخي، فقال الي الخيمة؛ فقال يا أخي بحق جدك رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم عليك أن لا تحملني، دعني في مكاني هذا. فقال: لماذا؟ فقال: اني مستح من ابنتك سكينة، و قد وعدتها بالماء، و لم آتها به. (و الثاني): اني كبش كتيبتك، و اذا رآني أصحابك مقتولا، فربما يفل عزمهم. فقال له الحسين عليه السلام جزيت عن أخيك خيرا، حيث نصرته حيا و ميتا، انتهي. و يعلق الكربلائي علي اشكال عرض له، و يجعلها دليلا علي شهادة العباس، أولا، و أنه أول قتيل، ثم أيد نظريته هذه بكلام المقتل المنسوب لأبي مخنف، و أوقفتنا هذه النظرية علي عامية الكربلائي و أرتنا بساطته، (أولا): الغاء ما حققه العلماء، و ورد في الزيارة: أن أول


الشهداء من العلويين علي بن الحسين عليه السلام، فلا يصح الغاء هذا المحقق لحكاية واهية في مقتل لم يثبت أنه لأبي مخنف. (و ثانيا)، لا يلزم من قوله فل عزم أصحابك أن يكون أول قتيل، و أن أصحابه لم يقتلوا قبله، هذا جهل فاضح، بل المراد لو صح ما في المقتل، أن أصحابه، المراد بهم الباقين بعد مقتله عليه السلام، فقد بقي من أصحاب الحسين عليه السلام بعد شهادة العباس جماعة و بعضهم جرحي؛ فالامام زين العابدين، و عقبة بن سمعان مولي الرباب، و بعض الموالي كانوا أحياه، و الضحاك المشرقي الذي نجي بعد شهادة العباس عليه السلام، و عنه و عن عقبة بن سمعان تروي أخبار الطف، و نجي زياد الأقطع والد الفراء بعد أن قطعت يده بالطف، و الموقع الأسدي أسر. و نفاه ابن زياد الي الرزازة و الحسن المثني عالج أخواله جراحاته فبرء منها. و سويد بن أبي المطاع قتل بعد شهادة الحسين عليه السلام سمعهم و هو جريح يقولون: قتل الحسين عليه السلام، فأخرج سكينا فقاتل بها فقتل. و سوار بن المنعم النهمي الهمداني أسر جريحا، و مات لستة أشهر. و غير هؤلاء، و هم الذين يفل عزمهم عند مشاهدة العباس عليه السلام قتيلا، و كذلك كان الأمر؛ فقد هرب الضحاك، و استسلم عقبة، و أسر الباقون بعد قتل الحسين عليه السلام، و كانوا بوجوده واثقين بسلامة الحسين عليه السلام، و بسلامة الحسين عليه السلام سلامتهم مضمونة، فاذا قتل العباس تيقنوا قتل الحسين عليه السلام ففل عزمهم، و هذا من التدبير، و هو يدل علي مهارة العباس عليه السلام بالفنون الحربية و خبرته بها.

المظفر، بطل العلقمي، 61 - 60، 54 - 53 / 2