بازگشت

منزلة العميد في الجيش النظامي المتمدن


و العميد في نظر الدول الحرة، و الحكومات المتمدنة في هذه العصور، رتبته الثالثة في الوزارة العسكرية، أو وزارة الدفاع، لأن وزارة الدفاع يقدم فيها شخص الوزير، أي وزير الدفاع، ثم أركان الجيش، ثم العميد، ثم الفريق، و هكذا، كما ستسمعه قريبا ان شاء الله؛ و انما سمي عميدا، لأن عليه اعتماد الجيش، و به يثقون في الملمات، و في الشدائد الحربية، فهو بمنزلة عمود الخيمة، و عماد البناء الذي عليه يعتمد السقف، و تقوم الخيمة، أو لأن عليه اعتماد السلطان، و علي كل لا يكون عميدا للعسكر الا من كان شجاعا مقداما من غير تهور، ذا جرأة و ثبات، خواضا للغمرات، قذافا بنفسه في الأهوال و المتالف مع تحري الظفر، و الفوز، و مجربا خبيرا بفنون الحرب و أساليبها، محنكا ذا مهارة فنية، و ثقافة حربية، و خبرة تامة بشؤون الاقدام و الاحجام و التقدم و التأخر، ليقي نفسه و جيشه من العطب، ان لم يكن مستميتا، فان عميد الجيش مادام في مركزه، يخفق لواؤه علي رأسه، فالعساكر ثابتة في مراكزها علي نظامها و ترتيبها الذي رتبه، فاذا زال عن مركزه، و لم يكن انسحابا بانتظام يعلم به القواد، أو قتل و لم يقم مقامه نظيره، اختل النظام، و تبدد الجيش، و نال العدو منه ما يريد؛ و لهذا قال القائل، و قد سئل عن مالك الأشتر بعد موته: ما أقول بمن هزمت حياته أهل الشام، و هزم موته أهل العراق.

معني العميد لغة:

قال في القاموس: و السيد كالعميد و رئيس العسكر، و في مجمع البحرين: و عميد القوم و عمودهم سيدهم. و منه قوله عليه السلام من عميد هذا الجيش: أي كبيرهم الذي اليه المرجع.


و قال الزمخشري في أساس البلاغة: و هو عميد قومه، و عمود حيه، أي قوامهم. قالت أخت حجر بن عدي الكندي:



فان تهلك فكل عمود قوم

من الدنيا الي هلك يصير



و في المنجد، عميد القوم: سيدهم و سندهم، و ظاهرا في مقدم الجيش، لأنهم يسندون أمرهم اليه، و يستندون عليه، كما يستند البناء علي العمود [...]

[...] فالعباس الأكبر هو عميد عسكر الحسين عليهماالسلام مفاد ما دلت عليه الروايات الواردة في كتب المقاتل، و التي اعتني بضبطها علماء هذا الشأن، و قد عبر عنها الحسين عليه السلام بقوله: أنت مجمع عددي، و العلامة من عسكري. و قول العباس عليه السلام له لما أراد حمله الي خيمة الشهداء: أنا مجمع عددك، و العلامة من عسكرك، و قد تقدمت في الفصول السابقة، و هي صريحة في ارادة العميد، لأنه مجمع العسكر، و العلامة لهم لأنه حامل لوائهم، و الاشارة النظامية معه. قال في معالي السبطين ص 271: كان لواء الحسين عليه السلام معه، و كان أميرا و وزيرا و سفيرا الي آخره.

المظفر، بطل العلقمي، 63، 60 - 59 / 3