بازگشت

منزلة أبي الفضل العباس عند أخيه الحسين


لا ريب أن التأبين، و هو تعداد محاسن الميت، كما عرفوه، انما يستحقه العظيم من الناس، لشرفه و سؤدده و لأعماله الصالحة، و لمآثره الجميلة، أو لأن له منزلة عظيمة من المحبة في قلب المؤبن، فعند ذلك يلقي كلمات التوجع، و يفوه بألفاظ التأسف، و يظهر التفجع له، و من هنا تعرف أن للعباس عليه السلام عند أخيه الحسين عليه السلام أعظم المنازل، و أسمي المراتب، لمحبته اياه، و لفرط اعجابه به، لا من حيث الأخوة، و ان كانت بعض المقتضي للمحبة، بل من حيث الأعمال الصالحة، و المآثر الكريمة، و الطباع الفاضلة، و السجايا المحمودة، و أنه أعظم من ضحي نفسه أمامه، وفاداه، و أنه أشدهم همة في المحاماة عنه، و أفضلهم شجاعة، و أكثرهم برا و ألطافا به، و أسرعهم قياما بخدمته، و أحسنهم ايثارا له و مناصحة، فلتلك الأسباب و غيرها أبنه بما سمعت، و الا فقد تسمع كمية من استشهد مع الحسين عليه السلام من اخوته، و لعل عددهم يزيد علي خمسة عشر، و كل واحد منهم كان حبيبا اليه، فما سمعنا أنه بكي علي واحد منهم، أو قال عند قتله: الآن انكسر ظهري، و قلت حيلتي، و شمت بي عدوي، علي ما ذكره السيد هبة الدين الشهرستاني في النهضة الحسينية ص 106؛ و الفقيد الذي يوجب افتقاده شماتة الأعداء، و ذهول الرئيس الحازم، عن تدبير الحيلة في المصلحة الحربية المهمة في مقابلة العدو المتكالب لفقيد عظيم، و منزلته لا تقاس بها منزلة، و رتبته لا تدانيها رتبة، و قد دل دلالة واضحة أن أثره في حياته كان كبيرا حتي يكون أهلا لأن يوصف بهذه الأوصاف، و انما يشمت العدو بفقد من يعد فقده كسرا في عدوه، و وهنا عظيما في ناحية خصمه؛ و لست أستريب أن هذه الكلمات الثلاث من سيد الشهداء، وردت لبيان فضيلة العباس عليه السلام، و كشف حقيقته المخفية علي الجاهلين بقدره.

و أن له منزلة عظيمة، بل هي أعظم منازل الشهداء معه، و أرفعها و أعلاها، و هو مع


ذلك، فقد كان باب الحسين، كما كان أميرالمؤمنين علي أبوه باب رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، و منزلته منه تلك المنزلة؛ فقد كان رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم يعد عليا عليه السلام لكل عظيمة، و يدعوه عند كل نازلة، و يختصه و يحبه و يكرمه، و كذلك كان أبوالفضل العباس عليه السلام عند الحسين عليه السلام يعده لكل عظيمة، و يدعوه لكل نازلة، كما سمعت من حديث رد العسكر الزاحف اليه يوم التاسع، و بعثه لجلب الماء من الفرات، و انتدابه لاستنقاذ أصحابه الذين اقتطعهم جيش عمر بن سعد. قال هبة الدين الشهرستاني في نهضة الحسين عليه السلام ص 104: كان الحسين عليه السلام مستميتا، و مستميت كل من كان معه، و كانت أنفسهم الشريفة متشربة من كأس التضحية، و ريانة من معين التفادي، و في مقدمة هؤلاء أبوالفضل، أكبر اخوة الحسين عليه السلام، الممتاز في الكمال و الجمال، و قمر بني هاشم، و حامل راية الحسين عليه السلام، و عقيد آماله في المحافظة علي رحله و عياله، لذلك شق علي الحسين عليه السلام أن يأذن له بالبراز الي الأعداء الي آخره.

المظفر، بطل العلقمي، 35 - 34، 5 / 3