بازگشت

درجات الايمان


و هذه الدرجات، غير ما ذكرنا أولا؛ فان تلك مراتب بحسب القوة و الضعف، و هذه درجات و مراقي، يصعد منها درجة درجة، حتي ينتهي الي أعلي درجة في الايمان، كما في الحديث: الايمان عشر درجات بمنزلة السلم. و هذا انما يكون من طريق المعرفة، لأن الايمان يكون فطريا مرة، كايمان الملائكة، و مكتسبا أخري كايمان المكلفين من الانس و الجن، و جامعا للوصفين كايمان الأنبياء و الأوصياء، و هو أعلاها و أرفعها درجة، ثم للمعرفة من طريق الاكتساب و التحصيل طرق عديدة، منها التقليد المحض، كايمان العامي، و منها الاجتهاد المحض، كايمان العالم، و منها المركب من الاجتهاد و التقليد، و أعلاها درجة الاجتهاد. و من هنا نتصور درجات كثيرة، و قد حصرها الفاضل النراقي رحمه الله في أربع درجات نصه في مشكلات العلوم [1] : و تفصيل الكلام في كليات مراتب المعرفة


الايمانية لها أربع درجات، كما للتوحيد؛ (الأولي): المعرفة التقليدية و هي الجزم الحاصل من التقليد للغير، كايمان الأكثر من العوام المؤمنين، و المنحطين عن درجة الاستدلال. و يشير اليه قوله «انما المؤمنون الذين آمنوا بالله و رسوله ثم لم يرتابوا» [2] فان الارتياب يحصل غالبا في الاقتحام في الأدلة الجدلية و شبهات أهل النظر، و المتكلم بها قد ينجر الي زوال الاطمئنان، و اختلاج الشكوك. ثم قال: و بالجملة هذا الجزم كاف في صدق الايمان و صحة العمل. (الثانية): المعرفة العقلية، و هي الحاصلة من البراهين القياسية و الأدلة القطعية الحكمية، و ان كانت خالية عن آثاره القلبية و عن الايمان بالغيب؛ حيث أنه تصديق من وراء حجاب، مجردا عن ضياء و صفاء. (الثالثة): المعرفة القلبية المقترنة ببصيرة نورية، و محبة روحانية، و حالة شوقية، و هي أمارة الكمال المتأثر به القلب، و ينشرح به الصدر، و اليه الاشارة بقوله تعالي «انما المؤمنون الذين اذا ذكر الله و جلت قلوبهم و اذا تليت عليهم آياته زادتهم ايمانا» [3] ، الي قوله «اولئك هم المؤمنون حقا» [4] فالهداية السابقة بدلالة العقل، و هنا بنور القلب. (الرابعة): المعرفة الشهودية، و هي التصديق الحاصل من شهود التجليات الالهية، و الاشراقات الصمدانية، و الاستغراق في بحارالأنوار الجبروتية، حيث ينسلخ من ادراك الكيفية و نفسه و يسير الي هذا المقام الي آخره.

و اذا عرفت هذه الدرجات، فاعرف أن درجة «العباس بن أميرالمؤمنين عليهماالسلام» هي الرابعة، و هي العليا، لأن الامام عليه السلام أثبت له أمرين، قوة الايمان و البصيرة التي هي الدرجة الثالثة، و أثبت هو لنفسه، كما عرفت في علمه، درجة صدق اليقين. و معلوم أن من تجاوز الثالثة، و اتجه بسيره الي الرابعة وصلها بسيره الحثيث؛ و لا خفاء علي العارف أن المؤمن اذا سري الايمان في جميع جوارحه، و أنبث في عامة أعضائه، و خالط لحمه و دمه، استغرق في حب الله تعالي و فني احساسه في حب الذات الصمدية، فليس يري في الوجود الا الله، و لا يشعر بغير كمالاته تعالي، فان الحب الصحيح يوجب الاستغراق،


و يستولي علي كيان الشعور، و يستلب المشاعر و الحواس. فقد ذكر المؤرخون أن قيسا المجنون كان يحز يده بالسكين و لا يشعر، حتي أدماها و أنه يقلب الجمر بكفه و لا يحس حتي احترقت، و أنه صب ظرفين من سمن و عسل علي قدميهما و لا يشعران؛ راجع تزيين الأسواق و الدر المنثور و غيرهما. و المروي في محبة زليخا ليوسف الصديق، أنها اذا قطرت من دمها قطرة، تشكلت يوسف كأنها خطت بقلم. فالمؤمن اذا استغرق غاب عن الحس، و اذا قام المؤمن بواجبات التكاليف التي كلفت بها أعضاؤه الباطنية و الظاهرية، فقد وصل الدرجة العليا، و هي الرابعة فيما رواه النراقي، و العاشرة في الحديث المشهور الايمان عشر درجات. و في بسط الايمان علي الجوارح حديثان رواهما الكليني في الكافي، أحدهما عن أبي عمرو الزبيري عن الامام جعفر الصادق عليه السلام ذكرناه في المسودة و تركناه لأجل الاختصار أنظره [5] فيه [...]


پاورقي

[1] مشکلات العلوم ص 304.

[2] الحجرات: 15.

[3] الأنفال: 2.

[4] الأنفال: 4.

[5] أصول الکافي ص 238.