بازگشت

رأي الدربندي في ستر السيدات في الأسر و طعام الأساري


في الاشارة الي جملة من المطالب: فاعلم أنه قد علم مما أسلفنا أن ذلك اليوم أي يوم دخول أهل البيت الكوفة كان هو اليوم الثاني عشر من المحرم، ثم لا يخفي عليك أن بعض الروايات المتقدمة المعتبرة قد دلت علي أن أم كلثوم ما كانت مكشفة الوجه و الرأس و هكذا زينب.

فان في الخبر المروي عن سهل الشهرزوري: ثم أقبلت من بعد أم كلثوم و عليها برقع أدكن.

و في خبر آخر متقدم و خطبت أم كلثوم بنت أميرالمؤمنين في ذلك اليوم من وراء كلتها و الكلة هي الستر الرقيق.

و في الخبر المتقدم المروي عن مسلم الجصاص: أن زينب نطحت جبينها بمقدم المحمل حتي رأينا الدم يخرج من تحت قناعها.

فان قلت: ان ما في رواية السيد في الملهوف ينافي ذلك،و بيان ذلك أنه قال فيه كما تقدمت اليه الاشارة من [أن] ابن سعد لعنه الله رحل بمن تخلف من عيال الحسين، و حمل نساءه علي أحلاس أقتاب الجمال بغير وطاء، مكشفات الوجوه بني الأعداء و هن ودائع سيد الأنبياء رسول الله... الي أن قال: فلما قاربوا الكوفة اجتمع أهلها للنظر اليهن، فأشرفت امرأة من الكوفيات، فقالت: من أي الأساري أنتن؟ فقلن: نحن من أساري محمد صلي الله عليه و آله و سلم. فنزلت امرأة من سطحها، فجمعت لهن ملاء و أزرا و مقانع، و أعطتهن فتغطين.

فما في هذه الرواية يعطي أنهن كن حين دخولهن الكوفة، مكشفات الوجوه و الرؤوس، ثم تغطين ما أعطت تلك الامرأة الكوفية. علي أن ما في هذه الرواية يساعده ما في الرواية الأخري: من أن أم كلثوم غارت علي الحرم و النسوان، و قالت: يا أهل الكوفة غضوا أبصاركم عنا، أما تستحيون من الله و رسوله أن تنظروا الي حرم رسول الله


صلي الله عليه و آله و سلم و هن عرايا.

قلت: ان وجه الجميع بين الأخبار هو: أن أم كلثوم ما كانت مكشوفة الرأس و الوجه، حين دخولهن الكوفة، و هكذا و ان التعري و كشف الوجوه و الرؤوس، انما كان بالنسبة الي جماعة من الحرم، و النساء، و البنات، أو بالنسبة الي الجواري و الوصائف [1] خاصة، و يمكن أن يكون نطح زينب رأسها بمقدم المحمل، بعد تغطي أهل البيت بما أعطته تلك المرأة الكوفية، و تكون زينب أيضا قد تغطت مما أعطته تلك المرأة.

فكيف كان، فقد بان من ذلك كله، أن الحرم و النساء بأجمعهن قد دخلن مجلس ابن زياد، و هن مغطات الوجوه و الرؤوس...

و نعم أن رواية أبي مخنف تنافي ذلك كما يأتي اليها الاشارة في المجلس الآتي هو مجلس دخول الحرم و النسوان مجلس ابن زياد لعنه الله، و كيف كان فلا ينبغي لأحد أن يذكر في مجالس ذكر مصائب اهل البيت و مآدب الرثاء، و التعزية ما يوجب كثرة الهمسات الباطنية و الخيالات المختلطة المشوشة، في قلوب المؤمنين،و ما يورث الوهن و الضعف في اعتقاداتهم، فان غيرة المؤمنين المخلصين، و شيمتهم تأبي عن ذكر الأمور التي لا يناسب ذكرها في المجالس و المآدب [2] فكيف [بغيرة [3] ] حجج الله الطاهرين، و شيمة سادات خلق الله أجمعين، و لا سيما سيد الشهداء الذي خير بين الذلة و السلة، فاختار السلة علي الذلة، فانه سيد أهل الأباء و الآنف، و أصحاب الغيرة و الشيمة [4] الفاضلة، و المروة الكاملة و الله سبحانه و تعالي أغير من الكل.و هو حافظ و حفيظ.

فيا اخواني و يا ايها المحبون الموالون، قد ورد عن الأئمة المعصومين: أن رواية واحدة مع الدراية أفضل من ألف رواية بلا دراية. فاذا كان سيد الساجدين روحي له الفداء مع الحرم و النسوان و هو معدن المرؤة و الشيمة و الغيرة. و وارثها عن آبائه المعصومين و في


شأنهم و شأن أولادهم المعصومين نزلت آية أم يحسدون الناس علي ما آتاهم الله من فضله الي آخره.

فاذا كان من جملة أقل مقدوراته بحول الله و قوته و بما أتاهم الله من فضله.جعل الكوفة شاما، و الشام كوفة، فكيف يرضي بحصول ما عن ذكره يشمئز [5] قلوب مخلصي شيعتهم المخلوقة من فواضل طينتهم؟ و ليس سر كون قلب عوالم الأمكان بأسرها أعني رأس سيدي و مولاي روحي و روح العالمين فداه في الرمح الطويل الا أنه كان يراعي فيه أحوال الحرم و النساء، و كان يري جميع ما كان يجري علي أهل البيت، و قد كان عالما بما كان و ما يكون و ما يختلج بقلوب الناس، و قضية تكلمه مع ابن وكيده و اخباره عما اختلج بباله من القضايا المستفيضة و يأتي اليه الاشارة.

و الحاصل: أن الحماة و الكفاة لأهل البيت و النسوان كان زين العابدين و زينب و أم كلثوم و حامي الكل الرأس الشريف روحي له الفداء و الله بعد ذلك حفيظ، و الله من ورائهم محيط، فان شئت بيانا لما في المقام فانظر الي شيمة سيد الساجدين و مروته و غيرته فانه مع ما كان فيه من ضعف البدن، و شدة المرض كان يباشر بنفسه الشريفة أمر محامل الحرم، و الجواري، و الوصايف بأجمعن في باب الركوب علي المحامل و النزول منها، و ضرب الفسطاط لهن...

ثم انظر الي شيمة أم كلثوم و غيرتها، فان تلك الطاهرة مع ما هي فيه من اضطراب القلب و شدة حرقته، و حزنه كيف التفتت الي ما كان في قصد أهل الكوفة من النظر الي الحرم، و قالت: يا أهل الكوفة! غضوا أبصاركم عنا... الي آخره.

ثم الي ما كان يفعله الجهلاء، و السفهاء من اعطائهم أطفال اهل البيت ضغثا [6] من التمرات و ضغثا من الجوزات و نحو ذلك فكانت تلك الصديقة الطاهرة تمنع أهل الكوفة عن ذلك و تبين لهم حكم الله تعالي، و تأخذ كل ذلك من أيدي الأطفال، و أفواههم


و ترمي بذلك الأرض، و سيأتي الاشارة الي ما يشبه ذلك، مما صدر عن زينب و أم كلثوم في جملة من المجالس الآتية.

(فان قلت) بين الحال، و أوضح المقال في التفرقة بين ما فعلته تلك المرأة الكوفية من اعطائها أهل البيت من الثياب و الملاء و الأزار و المقانع و قبول زينب و أم كلثوم ذلك منها، و تغطي الحرم و النسوان بما أعطته و بين ما كان يفعله جماعة من نساء، و رجال أهل الكوفة من اعطائهم أطفال أهل البيت أشياء من التمر و الجوز، و نحو ذلك، و توبيخ [7] أم كلثوم و تقريعها اياهم علي فعلهم ذلك.

(قلت) الفرق بين الفعلين غير خفي فان فعل تلك المرأة كشف عن كونها مؤمنة عارفة بحق أهل البيت، و من هي حالها كذلك لا تعطي ما أعطته الا علي النهج الشرعي، و الطريق الموافق للكتاب، و السنة فذلك اما من باب احتسابها من الخمس، و اما من باب التبرع و الهدية، فساغ لأهل البيت، قبول ذلك منها، و أما من عدا تلك المرأة ممن يعطي الأطفال كفا من التمر و كفا من الجوز فالظن من فعلهم هذا و لو قطع النظر عن سائر الأمارات: أن ذلك كان منهم من باب الصدقة و الرقة النوعية البشرية، فلما اطلعت [8] ام كلثوم علي ذلك وجب عليها المنع عن ذلك من باب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، و أما أخذ التمرات عن أفواه الأطفال، فكان ذلك منها للشيمة العلوية الهاشمية، و الغيرة الحسينية، فان الأطفال و ان لم يكونوا في دائرة التكليف الا أن غيرتها أبت عن دخول ما بمنزلة الأوساخ، الي البطون الطاهرة.

(فان قلت): ان هاهنا سؤالا آخر، و هو أن أيدي أهل البيت قد كانت صفرات من الزاد و الطعام و النفقة كسائر الأموال بعد أن شن الكفار عليهم الغارة [9] الشعواء و نهبوا الأموال فمن أين كانت معيشتهم؟ و من أين كان ارتزاقهم؟ مع كونهم بعد الارتحال من [10]


كربلاء في المسير في الصحاري و السباسب و القفار في أقتاب الجمال الي أن وصلوا الشام، و لم يلبثوا في الكوفة الأ قليلا من الأيام، بل ان هذا السوال يتمشي بالنسبة الي أزمنة مكثهم في الكوفة و الشام أيضا.

فهذا السوال مع كونه مما يختلج ببال الأكثر لم يشير الي ما يكون جوابا عنه لا في الروايات و لا في كلمات العلماء من أصحاب المقاتل، و غير هم، و يزيد الاشكال اذا لوحظ ما مر اليه الاشارة، من أخذ أم كلثوم التمر و الجوز، من أفواه الأطفال و رميها بذلك الي الأرض. و به عبارة أخري: ان أهل البيت ما كانوا يقبلون ما يكون من الصدقة و لا شيئا مما يعطيه الأعداء الكفار.

(قلت): ان الأمر و ان كان علي نمط ما أشير اليه من أن ذلك لم يبين لا في رواية، و لا في قول واحد من العلماء الا انا نقول: أن الجواب عن ذلك ليس في غاية الصعوبة و الاشكال:، فان ذلك قد مرت الاشارة اليه في بعض المجالس المتقدمة، أي في المجلس المتضمن نزول قصعة اللحم مع القرصين من الخبز الي أهل البيت بعد دعاء فضة التي كانت جارية فاطمة الزهراء، فالنسوة و الحرم كن لم يذقن شيئا من الطعام الي ذلك الزمان و تلك الليلة أي ليلة نزول قصعة اللحم من الغيب، لما فيهن من كثرة الحزن و شدة احتراق القلب الا أنهن كن يعطين الصغار الأطفال مما كان باقيا من التمر و الطعام بعد النهب و الغارة، فان الظن من مطاوي جملة من الأخبار و لوازم طائفة من كلمات العلماء، أنه قد بقي شي ء قليل من الزاد و النفقة بعد النهب و الغارة، ثم نقول بعد الغض و الاغضاء عن رواية نزول قصعة اللحم مع القرصين مع الخبز: ان طائفة من مخلصي الشيعة كانوا يوصلون الي أهل البيت علي نهج السر و الخفية في كل مكان من المنازل جملة مما يحتاجون اليه، و لو قطعنا النظر عن ذلك ايضا لقلنا انه كان عند النسوان و الحرم و الأطفال من كان يرزق بوجوده كل دابة يدب في الأرض انسانا كان [11] أو غيره، فهو سيد الساجدين عليه السلام حجة الله علي الخلق أجمعين فالعجب كل العجب ممن يبقي في


ورطة [12] الشبهة و الاشكال في مثل المقام و هو ممن يذعن و يقر بأن جميع خلق الله تعالي الذين يحتاجون الي الرزق انما يرزقون بسبب محمد و آله المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين. الدربندي، أسرار الشهادة، / 473 - 472.



پاورقي

[1] الوصيفة: الجارية، الجمع وصايف. و قد يطلق الوصيف علي الخادم غلاما أو جارية.

[2] المأدبة: موضع الضيافة.

[3] [عن ط البحرين].

[4] الشيمة: الدأب و العادة.

[5] قوله تعالي اشمئازت: أي انقبضت.

[6] الضغث بالکسر: قبضة حشيش يختلط فيها الرطب باليابس.

[7] التوبيخ: التعيير.

[8] [في المطبوع: «الطلع»].

[9] شن عليهم الغارة: فرقها عليهم من کل وجه.

[10] [في المطبوع: «في»].

[11] [في المطبوع: «کانت»].

[12] الورطة: التهلکة.