بازگشت

راء يري أثر مقتل الحسين في أهله


فاعلم: أني قد رأيت في نسخة قديمة أنه قد حكي عن رجل قال: في اليوم الذي قتل الحسين عليه السلام و أصحابه، عرضت لي حاجة، فمضيت لقضائها، فمشيت في البادية، فمرت علي نفحات كنفحات المسك و العنبر، فقصدت تلك الرائحة الطيبة، فرأيت رجالا مطروحين و علي وجه الأرض و الرياح سافية عليهم و نورهم يشرق علي الخلائق، و من بينهم رجل عظيم الهيئة، و هو مكبوب علي وجه الأرض و رأسه مقطوع من جثته و الرياح سافية عليه، و نوره قد وصل الي أعناق السماء، فدخل في قلبي هيبة منه، و تقدمت اليه، و ارتعدت فرائصي، و اذا بهمهمة تحت الأرض بين قدمي و قائل يقول:

تنح يا رجل من هذا الشخص الرباني، فقلت: يا ويلك من أنت؟ و من هذا الشخص الرباني؟ فقال: أنا ملك من الجن، و هذا المكبوب علي الأرض، هو الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام، و هؤلاء المطروحون الذين تسفي عليهم الرياح أصحابه، و بنوه.

قلت: هذا الحسين الذي هو مكبوب علي الأرض؟ قال: نعم. فأخذت حجرا من الأرض،و كسرت به رأسي الي أن غشي علي.

فلما أفقت، قلت: يا ويلك ما تصنع في هذه الأرض؟ فقال: ان وطني في الكعبة،فسمعت أن الحسين قد قتل في أرض كربلاء، فجئت الي هنا، أبكي علي الحسين العطشان المذبوح.

فبينما نحن في الكلام، فاذا بخيل قد قصدتني، فخشيت أن يقتلوني، فملت عنهم و اذا بواحد منهم قد تبعني و ضربني بالسوط حتي غشي علي فرجع معهم، و هم يتخطون القتلي، واحدا بعد واحد، حتي أتوا الي جثة الحسين فجعلوا يدوسون الصدر الشريف بسنابك خيولهم حتي كسروا أضلاعه، و ظهره، ثم رجعوا الي المكان الذي أتوا منه، فجعلت أبكي و أنوح يومي كله الي الليل.

فلما اعتكر الظلام و اذا بغلبة عظيمة و بكاء و نحيب من ناحية الشرق فنظرت، فرأيت


رجالا لبسهم السواد، و هم باكون و محزونون و من بينهم رجل ذو شيبة بهية و هو قابض علي شيبته و هو يقول: وا ولداه! وا قرة عيناه! وا ثمرة فؤاداه! وا مقتولاه! وا ذبيحاه! يا ولدي يا حسين. فتقدم الي الجسد الشريف، و رمي نفسه عليه، و وضع فمه الي نحره، و صدره و هو يشمه و يبكي و يقول: من قتلك يا ولدي! و من كسر صدرك و ظهرك، فتارة يشم صدره، و فتارة ينظر الي السماء، و هو يشير بيده الي هؤلاء الرجال واحدا بعد واحد، فهم يقبلون الجسد الشريف.

فلما فرغوا مضوا الي ناحية المغرب، و اذا بملك الجن بين قدمي تحت الأرض باكيا معولا.

فقلت: يا ويلك! أين ذهبت عن هؤلاء الرجال الذين يبكون علي الجسد الشريف أظنهم قرابة لهؤلاء المقتولين. قال: يا هذا و الله أنا حاضر، أتعرف الرجال من يكونون؟ فقلت: لا و الله. فقال: الرجل الذي هو قابض شيبه بيده، هو جده محمد المصطفي. فقلت: و الذين معه من يكونون؟ فقال: ملائكة من السماء. فلما سمعت كلامه خنقتني العبرة. فانكببت علي وجهي، و بكيت و بكي معي فاذا بغلبة عظيمة. ظننت أنها الأولي و لهم بكاء، و نحيب و من بينهم رجل و بيده منديل أسود يمسح دموعه، و هو يقول: و احر قلباه! عليك يا ولدي يا حسين! فتقدم الي الجثة الشيرفة صلوات الله عليها، و جعل فمه علي نحره، و هو يبكي، و يقول: يا ثمرة فؤاد المصطفي! و يا سرور قلب الزهراء! و يا حشاشة قلبي أنا أبوك علي المرتضي.

فجعل يقبل الجثةالشريفة، و دموعه كالدم، تتقاطر من عينيه عليها، فلما رأيت ذلك غشي علي، فلما أفقت من غشوتي رأيت الرجال واحدا بعد واحد، يقبلون الجسد الشريف روحي له الفداء، فمشوا ساعة، فغابوا عن بصري.

فسمعت رجة عظيمة، و بكاء عاليا اهتزت الأرض منها و هم رجال، و نساء، و امرأة من بين تلك النساء، ناشرة شعرها، و عليها ثياب سود، و مشبكة أصابعها علي رأسها و هي تحن من قلب حزين، و الرجال و النساء يبكون لبكائها، ثم تقدمت الي الجثة الشريفة، فرمت بنفسها عليها، ثم أتي رجل من الرجال فرمي بنفسه علي الجثة الشريفة، و هو


يندب: وا أخاه! السلام عليك، يا غريب الغرباء، السلام عليك يا مذبوحا من القفا، أنا أخوك الحسن المجتبي. و الامرأة تقول: وا ابناه! وا مقتولاه! وا عطشاناه! يا ولدي! قتلوك و ما عرفوك، و من شرب الماء منعوك، و من القفا ذبحوك و لا راقبوا جدك و أباك، يا ولدي! كلمني أنا أمك الزهراء، و هذا شقيقك الحسن المجتبي.

فتكلم الحسين عليه السلام و كلامه يخرج من نحره، و هو يقول: يا أماه! يا فاطمة! يا أخاه! يا حسن! قتلوني، و من القفاء ذبحوني، و علي وجهي قلبوني و من شرب الماء منعوني، فعليكم مني السلام. فلما نظرت ذلك حثوت التراب علي رأسي و ما أدري الي أين أتوجه، و مضيت لشأني، و لا حول و لا قوة الا بالله العلي العظيم، و سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون. الدربندي، أسرار الشهادة، / 455 - 454