بازگشت

تقريظ للمرحوم العلامة محمد تقي الجعفري


بسم الله الرحمن الرحيم

لقد ألف مجموعة من العلماء الفاضلين محبي الامام الحسين عليه السلام سيدالشهداء و شهيد الحق و الحقيقة هذه الموسوعة القيمة بعد أن انفقوا سنين متمادية من عمرهم الشريف فاني لا أستطيع أن أتكلم باختصار حول هذه الموسوعة القيمة التي ظهرت الي الوجود و أنا أستوفي حقها كما هو مطلوب.

و من يستطع أن يقرأ بعض صفحات هذه الموسوعة الفريدة ذات الموضوعات التي لا مثيل لها، جاعلا نصب عينيه الظروف الصعبة التي الفت فيها و ثمراتها فسيعلم انها أثر انساني عظيم حقا و انها من الآثار التي تظهر بعناية الله الي الوجود بين الحين و الآخر و انها يجب أن تقرأ حتي يستفاد منها و ان قراءتها فرصة يجب أن تنتهز.

و لهذا السبب فاني سأبين باختصار أهمية هذه الموسوعة العظيمة معترفا بعجزي عن بيان قيمتها الحقيقية و مشيدا بالعلماء المخلصين الذين عملوا بجد لتأليفها سائلا الله العلي القدير الأجر و التوفيق للعاملين فيها و للمدير المشرف عليها، و هم مما لا شك فيه من الشخصيات العلمية الفذة.

موضوعات هذه الموسوعة تتناول النصوص التي تتعلق بواقعة أرض نينوي الدموية و هي قد أخذت من مراجع و مصادر مختلفة حتي توضع في متناول أيدي القراء و الباحثين لأن هذه الواقعة تعلمنا دروسا مفيدة حول انسان عظيم بالاضافة الي انها تبين لنا الصفات الرذيلة التي تعارض القيم الانسانية، فالباحثون و العلماء الأعزاء الذين


قاموا بهذا العمل الجبار الذي يصنع رجالا يطلبون الحق، انما أرادوا أن يحققوا أهدافا نذكر بعضها و هي:

1 - بيان الأدلة الواضحة و البينة لاثبات المبدأ و المعاد و مفهوم حياة الانسان في هذه الدنيا ذات المفهوم و المعني من خلال واقعة عاشوراء الدموية، لأن هذه الحادثة قد سطرت علي جبين التاريخ أعمال الامام الحسين عليه السلام و أنصاره و مساعيهم و تضحياتهم ضد الظلم، فتحليل هذه الواقعة الفريدة و أثرها في حياة البشر لا يمكن أن يحصل بدون النظر الي الله و الحياة الأبدية، لأن مثل هذه الوقائع العجيبة لا يسجلها في التاريخ الا من امتلك القدرة بايمانه بالله و الحياة الآخرة الأبدية فمنذ وقوع مذبحة الطف لحد الآن قد ألف الشيعة و غيرهم من الفرق الاسلامية و الباحثون غير المسلمين كتبا كثيرة و نشروا مقالات عديدة حول هذه الواقعة المثيرة للاعجاب غير ان هذه التأليفات خالية من التحليل و التمحيص الدقيقين و الاستنتاج العميق الذي يمكن به دفع عجلة الثقافة و القيم الانسانية الي الامام و من جهة اخري فاني لا أشك بأن عدد المفكرين و الباحثين الكبار الذين فهموا هذه الواقعة الكبري - التي تعد من أغلي الانتاجات البشرية - و كان باستطاعتهم أن يؤلفوا و يحققوا و يعرضوا نتاجهم لمن يحب الحقيقة و الكمال، هم أكثر عددا من اولئك الذين حققوا و ألفوا حول هذه الواقعة لحد الآن، من الطبيعي انه يجب علينا أن نمعن النظر في هذا السبب: أكان أولئك المفكرون الكبار لا يعرفون أهمية مذبحة الطف أم انهم ما كانوا يملكون القدرة علي التحليل و الاستنتاج لذا فأننا يمكن لنا أن نطرح عدة احتمالات و لكن الاحتمال المهم هو أن جميع الباحثين الذين بحثوا حول هذه الواقعة التي لا تنسي قد استندوا في بحوثهم - سواء من ناحية وقائعها أم من ناحية العلل و الدوافع لوقوعها - الي الله و المعاد و أصول الدين الاخري، بحيث يمكن أن يقال ان كل باحث أو كاتب يريد ان يعزم علي التدبر و البحث و التأليف حول واقعة كربلاء بجد و اخلاص و اعتقاد بالاصول المذكورة و القيم الانسانية الثابتة، يجب عليه أن يتمتع بانية الخالصة و الايمان العميق بالله و المعاد و السير نحو الفضيلة و الكمال، لأن هذا العمل ليس بحثا و تحقيقا و جمعا للمعلومات حول حضارة أو ثقافة بشرية متعارفة ظهرت في برهة


من التاريخ في منطقة محدودة من الأرض فأزهرت و تطورت ثم غربت و اندثرت بل هو بحث و تحقيق و تمحيص حول مجموعة من الوقائع التي قامت علي أساس دوافع عظيمة لاحياء القيم و التي تفهم الباحث الممحص معني القيم و جداراتها و توجب تنفره و امتعاضه من المواجهة و الوقوف ضدها.

2- ان اعتبار وقائع الطف بأنها امتحان ذو أهمية و صعب قد شوهد من الانسان طوال التاريخ، أمر حقيقي لا شبهة فيه و هذا الامتحان قد فتح ميدانا واسعا للمبارزة بين العقل و الضمير و بين المنطق و الأحاسيس حتي تثمر في النهاية جميع الأقوال و الأفكار و الأعمال الالهية التي صدرت من المخيم الرباني للامام الحسين عليه السلام.

3- (فأما الزبد فيذهب جفاء و أما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض).

(الرعد / 17)

لقد تجلي مفهوم هذه الآية في فاجعة كربلاء التي عدها الباحثون بأنها أعظم فاجعة شهدها تاريخ البشرية لحد الآن، لأن سيد الشهداء عليه السلام من أعظم رواد التضحية و الفداء في سبيل الحق و الحقيقة و قد كان في هذه الفاجعة - التي أدارها باطمئنان ادارة تثير اعجاب الناظرين - معتمدا علي أسس القيم الانسانية الثابتة، لذا فان مرور القرون و الأعصار لم يمحها من الأذهان و ان محاربة الحكام و عداوة السياسيين ذوي الطبيعة الماكاولية لم يستطيعوا اخفائها عن الأنظار بل ازداد تلألؤها و أثرها في القلوب بمرور تلك الدهور و الأعصار.

نعم،

قد مضت قرون و جاء قرن جديد - و القر هو ذلك القمر و المياه ليست تلك المياه و العدل هو ذلك العدل و الفضل هو ذلك الفضل - و لكن الامم قد تغيرت وتغير ملكها قد مضت القرون تلو القرون - و المفاهيم و المعاني لا تزال موجودة بمعناها القديم قد تبدلت مياه الجداول عدة مرات - و صورة القمر و النجوم في المياه ثابتة.

اذن النجوم و القمر لم تنقش علي المياه الجارية - بل هي في أعلي السماء مستقرة و ثابتة


4 - الوقائع التي جرت يوم الطف قد بينت مدي التعارض و العداوة بين حب النفس و حب الله و بين العلم و الجهل و بين الوجدان و تباع هوي النفس الحيوانية و بين قبول الحق و رفضه و كذا قد بينت التعاليم الانسانية و موادها علي الأخص في مجال القيم الانسانية و ضدها في المجتمعات البشرية. فان أراد الباحثون في العلوم الانسانية في الشرق و الغرب أن يبحثوا بحثا واقعيا في جوهرة الحياة الانسانية العظيمة و يواصلوا البحث في معرفة الانسان و الاستفادة من قيمه الكبيرة، يجب عليهم أن يدرسوا واقعة الطف باهتمام كبير.

كما أشرنا في بداية هذا التقريظ فان مجموعة من الباحثين الفضلاء قاموا بتأليف هذه الموسوعة القيمة العظيمة من حيث المصادر و تنظيم موضوعاتها بدقة لتفهيم الناس علي الأخص المسلمين مدي عظمة معركة الطف الخالدة.

فينبغي لجميع الشرائح العلمية من طلاب العلوم الدينية و علماء الحوزة العلمية الأعزاء الي المحققين و الباحثين المحترمين في العلوم الانسانية في الجامعات علي الأخص اولئك الذين لهم نظريات و آراء مشهورة في الدين و في تطوير الحياة العقلية الانسانية أن يقرؤوا بدقة هذه الموسوعة و يستفيدوا منها و كذا يجب علي جميع الناس و علي اولئك الذين يرتبطون بنحو من الأنحاء بهذه الحادثة الالهية - مثل المبلغين الدينيين المحترمين و الشعراء و الممثلين الذين يشتغلون بعرض حقائق هذه الواقعة - و لكي يؤدوا دينهم لهذه الواقعة التي تعد رأسمال بناء عليهم ان يدققوا النظر و يمحصوا هذه الموسوعة علي أحسن نحو و يستفيدوا منها كما يجب عليهم و يطالعوها باهتمام و بفكر ثاقب و قلب طاهر.

السلام علي الحسين و علي علي بن الحسين

و علي أولاده و أصحابه جميعا

يوم ولدوا و يوم استهشدوا و يوم يبعثون أحياء

محمد تقي الجعفري

الاثنين 4 من خرداد 1377 الموافق من

28 من محرم الحرام 1419 ه.ق