بازگشت

حادثة نجيب باشا


قد جاء في زنبيل فرهاد لميرزا معتمد الدولة عن هذه الحادثة ما ترجمته: بواسطة كثرة الاوباش في كربلاء - و كانت آنذاك ملجأ كل مجرم هارب من العقاب حتي صار ينطبق عليها القول المأثور (من دخلها كان آمنا) - ان بلغ الامر بها الي حد أن خرج الأمر من يد حاكم كربلاء و لم يطع هؤلاء أوامر والي بغداد و امتنعوا من دفع الضرائب. و كانوا يعتمدون علي الزائرين و المجاورين حتي ان سكنة كربلاء لم يبق لهم المجال في السكني بها، و كان اليارماز - الاسم الذي عرف به هؤلاء الاوباش - يشكلون عصابات رفعت كل منها راية العصيان. و لم يتمكن علي رضا باشا والي بغداد الذي مر علي حكمه في بغداد اثني عشر عاما - من اخماد هذه الفتنة.

حتي ان نصبت الدولة العثمانية محمد نجيب باشا واليا علي بغداد بعد ان كان واليا علي الشام. (في الدولة العثمانية كان والي بغداد بمثابة وزير ثاني) و كان هذا سفاكا غدارا معروفا بالمكر و لم يكد يستقر في مركز ولايته الجديدة حتي جهز جيشا جرارا و بعثه صوب كربلاء.

و بعد حصار دام ثلاثة أيام دخل كربلاء. و قد اجري القتل و الأسر بدرجة فظيعة. و في 11 ذي الحجة سنة 1258 ه أمر بالقتل العام لمدة ثلاث ساعات. و من المحقق ان تسعة آلاف شخص قد ابيدوا عن آخرهم في تلك المدينة المقدسة، فضلا عما نهب من الأموال و الأحجار النفيسة و أثاث البيوت و الكتب التي لا تعد و لا تحصي.

و في صحن سيدنا العباس، ربطوا الخيل و الجمال، و قتلوا كل من لاذ بأروقة الحرم الحسيني و العباسي و كذلك فعلوا في البلدة، سوي دار السيد كاظم الرشتي، التي كانت دار أمان، و كل من تمكن من الهروب نجا و من بقي كان نصيبه القتل، و هدموا الالواح التي كانت تزين جدران الروضة الشريفة. و بعد القتل العام أصدر الوالي أمرا بتعيين حاكم علي كربلاء. و في اليوم الرابع عشر من الشهر المذكور رجع نجيب باشا قافلا الي بغداد.

و لابن الالوسي - و كان من فضلاء أهل السنة، و قاضي عسكر نجيب باشا بيتان من الشعر قالهما ارتجالا بعد وقوع الحادثة:



احسين دنس طيب مرقدك الألي

رفضوا الهدي و علي الضلال ترددوا



حتي جري قلم القضاء بطهرها

يوما فطهرها النجيب محمد



و قد رده الشيخ عزيز ابن الشيخ شريف النجفي بقوله:



اخسأ عدو الله ان نجيبكم

رفض الهدي و علي العمي يتردد



و لئن به و بك البسيطة دنست

فابشر يطهرها المليك محمد



و قد رده أيضا الحاج ملا محمد التبريزي بقوله:



اخسأ عدو الله ان نجيبكم

كيزيدكم شرب الدماء تعودوا



هذا ابن هند و المدينة والد

م المهراق فيها و النبي محمد



و له أيضا:



تبا لأشقي الأشقياء نجيبكم

نصب الحسين و في لضي يتخلد



لا تعجبوا مما أتي اذ قد أتي

بصحيفة ملعونة يتقلد



.

و في سنة (1258 ه) شق أهالي كربلاء عصا الطاعة علي الدولة، و أبوا أداء الضرائب و المكوس و كان والي العراق نجيب باشا قد جهز جيشا بقيادة سعد الله باشا، و سيره الي كربلاء فحاصرها حصارا شديدا، و امطر المدينة بوابل قنابله. و لم يساعده الحظ علي افتتاحها لأن سورها كان منيعا جدا و قلاعها محكمة لا يمكن للقائد الدنو منها، و لما اعيت به الحيل الحربية، التجأ الي الخداع فأعطي الأمان للعصاتا، و ضمن لهم عفو الحكومة فأدخلوا القلاع و جاؤوا طائعين، قبض عليهم و سلط المدافع علي الجهة الشرقية فهدم السور و أصلي المدينة نارا حامية، ففتحها و ارتكب فيها كل فظاعة و شناعة، و دخل بجيشه الي الصحن العباسي، و قتل كل من لاذ بالقبر الشريف.

و بهذه الموبقات عادت سلطة الحكومة الي تلك الربوع و الله علام الغيوب.