بازگشت

هدم القبر الشريف في زمن المتوكل


في تاريخ الطبري ج 9 ص 185، عن حوادث سنة (236)، قال:

(و فيها أمر المتوكل بهدم قبر الحسين بن علي، و عدم ما حوله من المنازل و الدور، و أن يحرث و يبذر و يسقي موضع قبره، و أن يمنع الناس من اتيانه.

فذكر أن عامل صاحب الشرطة نادي في الناحية: من وجدناه عند قبره بعد ثلاثة بعثنا به الي المطبق، فهرب الناس، و امتنعوا من المصير اليه، و حرث ذلك الموضع و زرع ما حواليه).

و نقل ابن الجوزي في (المنتظم) ج 11 ص 237، نفس الكلام المتقدم باختصار يسير، و زاد في آخره: (و قيل: كان ذلك سنة ثمان و ثلاثين).

و نقل ابن الأثير في كامله ج 7 ص 55 كلام الطبري باختصار، و زاد في آخره:

(و كان المتوكل شديد البغض لعلي بن أبي طالب عليه السلام و لأهل بيته، و كان يقصد من يبلغه عنه أنه يتولي عليا و أهله بأخذ المال و الدم.

و كان من جملة ندمائه عبادة المخنث، و كان يشد علي بطنه


تحت ثيابه مخدة، و يكشف رأسه و هو أصلع و يرقص بين يدي المتوكل، و المغنون يغنون:



قد أقبل الأصلع البطين

خليفة المسلمين



يحكي بذلك عليا عليه السلام، و المتوكل يشرب و يضحك، ففعل ذلك يوما و المنتصر حاضر، فأومأ الي عبادة يهدده، فسكت خوفا منه.

فقال المتوكل: ما حالك؟

فقام و أخبره، فقال المنتصر: يا أميرالمؤمنين، ان الذي يحكيه هذا الكاتب و يضحك منه الناس هو ابن عمك و شيخ أهل بيتك، و به فخرك، فكل أنت لحمه اذا شئت، و لا تطعم هذا الكلب و أمثاله منه، فقال المتوكل لمغنين: غنوا جميعا



غار الفتي لابن عمه

رأس الفتي في حر أمه



فكان هذا من الأسباب التي استحل بها المنتصر قتل المتوكل).

و في تاريخ أبي الفداء المتوفي سنة 732، ج 1 ص 352 - 351، نقل كلام ابن الاثير ملخصا، و زاد في آخره:

(و كان يجالس من اشتهر ببغض علي، مثل ابن الجهم الشاعر، و أبي السمط من ولد مروان بي أبي حفصة، من موالي بني أمية، و غيرهما، فغطي ذمه لعلي علي حسناته، و الا فكان من أحسن الخلفاء سيرة، و منع الناس عن القول بخلق القرآن).

و في تاريخ ابن الوردي ج 1 ص 217 - 216، نقل كلام أبي الفداء المتقدم ملخصا.

و في مقاتل الطالبي ص 395:


(و كان المتوكل شديد الوطأة علي آل أبي طالب، غليظا علي جماعتهم، مهتما بأمرهم، شديد الغيظ و الحقد عليهم، و سوء الظن و التهمة لهم، و اتفق أن عبيدالله بني يحيي بن خاقان وزيره يسي ء الرأي فيهم، فحسن له القبيح في معاملتهم، فبلغ فيهم ما لم يبلغه أحد من خلفاء بني العباس قبله، و كان من ذلك أن كرب قبر الحسين و عفي آثاره، و وضع علي سائر الطرق مسالح له، لا يجدون أحدا زاره، الا أتوه به فقتله أو أنهكه عقوبة).

و في البداية و النهاية لابن كثير المتوفي سنة 774 ج 10 ص 264:

(ثم دخلت سنة ست و ثلاثين و مائتين، فيها أمر المتوكل بهدم قبر الحسين بن علي بن أبي طالب و ما حوله من المنازل و الدور، و نودي في الناس: من وجد هنا بعد ثلاثة أيام ذهبت به الي المطبق، فلم يبق هناك بشر، و اتخذ ذلك الموضع مزرعة تحرث و تستغل).

و في تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 407:

(و في سنة ست و ثلاثين - أي بعد المائتين - أمر بهدم قبر الحسين، و هدم ما حوله من الدور، و أن يعم مزارع، و منع الناس من زيارته، و خرب، و بقي صحراء.

و كان المتوكل معروفا بالتعصب، فتألم المسلمون من ذلك، و كتب أهل بغداد شتمه علي الحيطان و المساجد، و هجاه الشعراء، فمما قيل في ذلك:



بالله ان كانت أمية قد أتت

قتل ابن بنت نبيها مظلوما



فلقد أتاه بنوأبيه بمثله

هذا لعمري قبره مهدوما






أسفوا علي أن لا يكونوا شاركوا

في قتله فتتبعوه رميما)



و قريب منه ما اورده القرماني في كتابه (أخبار الدول) في حوادث سنة (237) نقلا عن تاريخ كربلاء لعبد الجواد الكيدار ص 207، و في نفس المصدر المذكور نقل عن طبقات الشافعية للسبكي أن الهدم في سنة (237).

و مثل ما قال السيوطي في تاريخ الحلفاء، قاله الكتبي في فوات الوفيات ج 1 ص 292 - 291، تحت رقم (103)، الا أن الأبيات رددها بين البسامي و بين يعقوب بن السكيت).

و قال الطقطقي في الفخري ص 75:

(كان المتوكل شديد الانحراف عن آل علي عليه السلام، و فعل من حرث قبر الحسين عليه السلام ما فعل، و أبي الله الا أن يتم نوره.

و قال من يعتذر له: انه كان كأخيه - و في المصدر: أخيه - و كالمأمون في الميل الي بني علي عليه السلام، و انما كان حوله جماعة منحرفون عن أهل البيت عليهم السلام، فكانوا دائما يحملونه علي الوقيعة فيهم.

و الأول أصح، و لا ريب أنه كان شديد الانحراف عن الطائفة، و لذلك قتله ابنه غيرة و حمية).

و في مروج الذهب للمسعودي ج 5 ص 51 - 50، عندما تكلم عن المنتصر قال:

(و كان المنتصر واسع الاحتمال، راسخ العقل، كثير المعروف، راغبا في الخير سخيا أديبا عفيفا - الي أن قال -:

و كان آل أبي طالب قبل خلافته في محنة عظيمة و خوف علي


دمائهم، قد منعوا زيارة قبر الحسين، و الغري من أرض الكوفة، و كذلك منع غيرهم من شيعتهم حضور هذه المشاهد.

و كان الأمر بذلك من المتوكل سنة ست و ثلاثين و مائتين، و فيها أمر المعروف ب (الذيرج)، بالمسير الي قبر الحسين بن علي رضي الله تعالي عنهما، و هدمه و محو أرضه، و ازالة أثره، و أن يعاقب من وجد به، فبذل الرغائب لمن تقدم علي هذا القبر، فكل خشي العقوبة و أحجم، فتناول الذيرج مسحاة، و هدم أعالي قبر الحسين، فحينئذ أقدم الفعلة علي العمل فيه، الي أن انتهوا الي الحفرة و موضع اللحد، فلم يروا فيه أثر رمة و لا غيرها.

و لم تزل الأمور علي ما ذكرنا الي أن استخلف المنتصر، فأمن الناس و تقدم بالكف عن آل أبي طالب، و ترك البحث عن أخبارهم، و أن لا يمنع أحد زيارة الحيرة لقبر الحسين رضي الله عنه، و لا قبر غيره من آل أبي طالب، و أمر برد فدك الي ولد الحسن و الحسين، و أطلق أوقاف آل أبي طالب، و ترك التعرض لشيعتهم، و دفع الأذي عنهم).

و في مقاتل الطالبين ص 396 - 395، عن أحمد بن الجعد الوشاء، و قد شاهد ذلك قال:

(كان السبب في كرب قبر الحسين أن بعض المغنيات كانت تبعث بجواريها اليه قبل الخلافة، يغنين له اذا شرب.

فلما وليها بعث الي تلك المغنية فعرف أنها غائبة، و كانت قد زارت قبر الحسين، و بلغها خبره، فأسرعت الرجوع و بعثت اليه بجارية من جواريها كان يألفها.

فقال لها: أين كنتم؟


قالت: خرجت مولاتي الي الحج، و أخرجتنا معها، و كان ذلك في شعبان.

فقال: الي أين حججتم في شعبان؟

قالت: الي قبر الحسين، فاستطير غضبا، و أمر بمولاتها فحبست، و استصفي أملاكها، و بعث برجل من أصحابه، يقال له: الديزج، و كان يهوديا فأسلم، الي قبر الحسين، و أمر بكرب قبره و محوه، و اخراب كل ما حوله.

فمض لذلك و خرب ما حوله، و هدم البناء و كرب ما حوله نحو مائتي جريب، فلما بلغ الي قبره لم يتقدم اليه أحد.

فاحضر قوما من اليهود فكربوه، و أجري الماء حوله، و وكل به مسالح، بين كل مسلحتين ميل، لا يزوره زائر الا اخذوه و وجهوا به اليه.

فحدثني محمد بن الحسين الاشناني قال:

بعد عهدي بالزيارة في تلك الأيام خوفا، ثم عملت علي المخاطرة بنفسي فيها، و ساعني رجل من العطارين علي ذلك.

فخرجنا زائرين، نكمن النهار و نسير الليل، حتي أتينا نواحي الغاضرية، و خرجنا منها نصف الليل، فسرنا بين مسلحتين، و قد ناموا حتي أتينا القبر فخفي علينا، فجعلنا نشمه و نتحري جهته حتي أتيناه، و قد قلع الصندوق الذي كان حواليه و أحرق، و أجري الماء عليه، فانخسف موضع اللبن و صار كالخندق.

فزرناه و أكببنا عليه، فشممنا منه رائحة، ما شممت مثلها قط، كشي ء من الطيب، فقلت لعطار الذي كان معي: أي رائحة هذه؟


فقال: لا و الله، ما شممت مثلها كشي ء من العطر.

فودعناه، و جعلنا حول القبر علامات في عدة مواضع، فلما قتل المتوكل اجتمعنا مع جماعة من الطالبين و الشيعة، حتي صرنا الي القبر، فأخرجنا تلك العلامات، و أعدناه الي ما كان عليه).

و في أمالي الطوسي ص 326، حديث برقم (100) من المجلس الحادي عشر، باسناده عن أبي علي الحسين بن محمد بن مسلمة، و ينتهي نسبه الي عمار بن ياسر، قال:

(حدثني ابراهيم الديزج، قال: بعثني المتوكل الي كربلاء، لتغيير قبر الحسين عليه السلام، و كتب معي الي جعفر بن محمد بن عمار القاضي:

أعلمك أن قد بعثت ابراهيم الديزج الي كربلاء لنبش قبر الحسين، فاذا قرأت كتابي، فقف علي الأمر، حتي تعرف فعل أو لم يفعل.

قال الديزج: فعرفني جعفر بن محمد بن عمار ما كتب به اليه، ففعلت ما أمرني به جعفر بن محمد بن عمار، ثم أتيته.

فقال لي: ما صنعت؟

فقلت: قد فعلت ما أمرت به، فلم أر شيئا و لم أجد شيئا.

فقال لي: أفلا عمقته؟

قلت: قد فعلت، و ما رأيت.

فكتب الي السلطان: ان ابراهيم الديزج قد نبش فلم يجد شيئا، و أمرته فمخره بالماء و كربه بالبقر.


قال أبوعلي العماري: فحدثني ابراهيم الديزج، و سألته عن صورة الأمر، فقال لي: أتيته في خاصة غلماني فقط، و اني نبشت، فوجدت بارية جديدة، و عليها بدن الحسين بن علي، و وجدت منه رائحة المسك، فتركت البارية علي حالتها، و بدن الحسين علي البارية، و أمرت بطرح التراب عليه، و أطلقت عليه الماء، و أمرت بالبقر لتمخره و تحرثه، فلم تطأه البقر، و كانت اذا جاءت الي الموضع رجعت عنه، فحلفت لغلماني بالله و بالايمان المغلظة لئن ذكر أحد هذا لأقتلنه) و المخر: ارسال الماء فيه.

و في نفس المصدر ص 327 - 326 حديث برقم (101)، باسناده عن أبي عبدالله الباقطاني، قال:

(ضمني عبيدالله بن يحيي بن خاقان الي هارون المعري، و كان قائدا من قواد السلطان، أكتب اليه، و كان بدنه كله أبيض شديد البياض، حتي يديه و رجليه كانا كذلك، و كان وجهه أسود، شديد السواد كأنه القير، و كان يتفقأ مع ذلك

مدة منتنة - المدة: القيح -.

قال: فلما أنس بي، سألته عن سواد وجهه، فأبي أن يخبرني، ثم انه مرض مرضه الذي مات فيه، فسألته، فرأيته كأنه يحب أن يكتم عليه، فضمنت له الكتمان، فحدثني، قال:

وجهني المتوكل أنا و الديزج لنبش قبر الحسين عليه السلام، و اجراه الماء عليه، فلما عزمت علي الخروج و المسير الي الناحية، رأيت رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم في المنام، فقال: لا تخرج مع الديزج، و لا تفعل ما أمرتم به في قبر الحسين

فلما أصبحنا جاءوا يستحثوني في المسير، فسرت معهم حتي


وافينا كربلاء، و فعلنا ما أمرنا به المتوكل.

فرأيت النبي صلي الله عليه و آله في المنام، فقال: ألم آمرك ألا تخرج معهم و لا تفعل فعلهم، فلم تقبل حتي فعلت ما فعلوا؟

ثم لطمني و تفل في وجهي، فصار وجهي مسودا كما تري، و جسمي علي حالته الأولي).

و في نفس المصدر ص 329 - 328 حديث برقم (103)، باسناده عن القاسم الأسدي الكوفي، و كان له علم بالسيرة و أيام الناس، قال: (بلغ المتوكل جعفر بن المعتصم أن أهل السواد يجتمعون بأرض نينوي لزيارة قبر الحسين عليه السلام، فيصير الي قبره منهم خلق كثير، فأنفذ قائدا من قواده، و ضم اليه كنفا من الجند، ليشعب قبرالحسين عليه السلام، و يمنع الناس من زيارته، و الاجتماع الي قبره.

فخرج القائد الي الطف، و عمل ما أمرني و ذلك في سنة سبع و ثلاثين و مائتين، فثار أهل السواد و اجتمعوا عليه، و قالوا: لو قتلنا عن آخرنا لما أمسك من بقي منا عن زيارته، و رأوا من الدلائل ما حملهم علي ما صنعوا.

فكتب بالأمر الي الحضرة، فورد كتاب المتوكل الي القائد بالكف عنهم و المسير الي الكوفة مظهرا أن مسيره اليها في مصالح أهلها، و الانكفاء الي المصر.

فمضي الأمر علي ذلك حتي كانت سنة سبع و أربعين، فبلغ المتوكل أيضا مصير الناس من أهل السواد و الكوفة الي كربلاء، لزيارة قبر الحسين عليه السلام، و أنه قد كثر جمعهم كذلك، و صار لهم سوق كبير، فأنفذ قائدا في جمع كثير من الجند، و أمر مناديا ينادي ببراءة الذمة ممن زار قبر الحسين، و نبش القبر و حرث أرضه، و انقطع الناس


عن الزيارة، و عمل علي تتبع آل أبي طالب عليهم السلام، و الشيعة رضي الله عنهم، فقتل و لم يتم له ما قدر)، و الكنف هو الجانب كناية عن الجماعة منهم.

و في نفس المصدر ص 329، حديث برقم (104)، باسناده عن عبدالله بن دانية الطوري قال:

(حججت سنة سبع و أربعين و مائتين، فلما صدرت من الحج صرت الي العراق، فزرت أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، علي حال خيفة من السلطان،وزرته ثم توجهت الي زياردة الحسين عليه السلام، فاذا هو قد حرثت أرضه و مخر فيها الماء، و أرسلت الثيران العوامل في الأرض، فبعيني و بصري كنت أري الثيران تساق في الأرض، فتنساق لهم اذا حاذت مكان القبر حادث عنه يمينا و شمالا، فتضرب بالعصي الضرب الشديد، فلا ينفع ذلك فيها، و لا تطأ القبر بوجه و لا سبب، فما أمكنني الزيارة، فتوجهت الي بغداد، و أنا أقول في ذلك:



تالله ان كانت أمية قد أتت

قتل ابن بنت نبيها مظلوما



فلقد أتاك بنوأبيه بمثلها

هذا لعمرك قبره مهدوما



أسفوا علي أن لا يكونوا شايعوا

في قتله فتتبعوه رميما



فلما قدمت بغداد سمعت الهائعة صلي الله عليه و آله و سلم لصوت المفزع، فقلت: ما الخبر؟ قالوا سقط بقتل جعفر المتوكل، فعجبت لذلك و قلت: الهي ليلة بليلة).

و في نفس المصدر ص 328 - 327، حديث برقم (102)، باسناده عن أبي برزة الفضل بن محمد بن عبدالحميد، قال:

(دخلت علي ابراهيم الديزج، و كنت جاره، أعوده في مرضه


الذي مات فيه، فوجدته بحال سوء، و اذا هو كالمدهوش و عنده الطبيب، فسألته عن حاله، و كانت بيني و بينه خلطة و أنس توجب الثقة بي و الانبساط الي، فكاتمن حاله، و أشار لي الي الطبيب، فشعر الطبيب باشارته، و لم يعرف من حاله ما يصف له من الدواء ما يستعمله، فقام و خرج و خلي الموضع، فسألته عن حاله، فقال: أخبرك والله و استغفر الله، أن المتوكل أمرني بالخروج الي نينوي الي قبر الحسين عليه السلام، فأمرنا أن نكربه و نطمس أثر القبر، فوافيت الناحية مساء، معنا الفعلة و الروزكاريون، معهم المساحي و المرور - جمع مر، و هو المسحاة أو ما كان نحوها - فتقدمت الي غلماني و أصحابي أن يأخذوا الفعلة بخراب القبر و حرث أرضه.

فطرحت نفسي لما نالني من تعب السفر و نمت، فذهب بي النوم فاذا ضوضاء شديدة و أصوات عالية، و جعل الغلمان ينبهوني، فقمت و أنا ذعر، فقلت للغلمان: ما شأنكم؟

قالوا: أعجب شأن.

قلت: و ما ذاك؟

قالوا: ان بموضع القبر قوما، قد حالوا بيننا و بين القبر، و هم يرموننا مع ذلك بالنشاب، فقمت معهم لا تبين الأمر، فوجدته كما وصفوا، و كان ذلك في أول الليل من ليالي البيض، فقلت: ارموهم، فرموا فعادت سهامنا الينا، فما سقط سهم منها الا في صاحبه الذي رمي به فقتله، فاستوحشت لذلك و جزعت و أخذتني الحمي و القشعريرة، و رحلت عن القبر لوقت، و وطنت نفسي علي أن يقتلني المتوكل، لما لم أبلغ في القبر جميع ما تقدم الي به.

قال أبوبرزة: فقلت له: كفيت ما تحذر من المتوكل، قد


قتل بارحة الأولي، و أعان عليه في قتله المنتصر.

فقال لي: قد سمعت بذلك، و قد نالني في جسمي ما لا أرجو معه البقاء.

قال أبوبرزة: كان هذا في أول النهار، فما أمس الديزج حتي مات.

قال ابن خشيش: قال أبوالفضل: ان المنتصر سمع أباه يشتم فاطمه عليهم السلام، فسأل رجلا من الناس عن ذلك، فقال له: قد وجب عليه القتل، الا أنه من قتل أباه لم يطل له عمر.

قال: ما أبالي اذا أطعت الله بقتله أن لا يطول لي عمر، فقتله و عاش بعده سبعة أشهر).

و في نفس المصدر ص 263325، باسناده عن محمدبن جعفر بن محمدبن فرج الرخجي، قال: حدثني أبي، عن عمه عمر بن فرج، قال:

(أنقذني المتوكل في تخريب قبر الحسين عليه السلام، فصرت الي الناحية، فأمرت بالبقر فمر بها علي القبور، فمرت عليها كلها، فلما بلغت قبر الحسين عليه السلام لم تمر عليه.

قال عمي عمر بن فرج: فأخذت العصا بيدي، فمازلت أضربها حتي تكسرت العصا في يدي، فوالله ما جازت علي قبره و لا تخطته.

قال لنا محمد بن جعفر: كان عمر بن فرج شديد الانحراف عن آل محمد صلي الله عليه و آله، فأنا أبرأ الي الله منه، و كان جدي أخوه محمد بن فرج شديد المودة لهم رحمة الله و رضي عنه، فأنا أتولاه لذلك و أفرح بولادته).


و في شرح شافية أبي فراس لأبي جعفر محمد بن أميرالحسيني ص 503 قال:

(في مثير الأحزان: أمر المتوكل العباسي بارسال الماء علي قبر الحسين عليه السلام، فحار الماء بقدرة الله تعالي علي بعد من القبر باثنين و عشرين ذرعا، و صار الماء كالحائط) و علق محققه في الهامش بقوله: (لا يوجد في النسخة المطبوعة، نظرا لنقصها).

و في نفس المصدر ص 505 قال:

(في الدر النظيم: قال هشام بن محمد: لما جري الماء علي قبر الحسين عليه السلام، نضب بعد أربعين يوما، و انمحي أثر القبر، فجاء أعرابي من بني أسد، فجعل يأخذ قبضة قبضة و يشمه، حتي وقع علي قبر الحسين عليه السلام، فبكي حين شمه، و قال: بأبي أنت و أمي، ما كان أطيبك و أطيب قبرك و تربتك، ثم أنشأ يقول:



أرادوا ليخفوا قبره عن وليه

فطيب تراب القبر دل علي القبر)



و في مناقب ابن شهر أشوب ج 4 ص 64:

(وروي جماعة من الثقات: أنه لما أمر المتوكل بحرث قبر الحسين، و أن يجري الماء عليه من العلقمي، أتي زيد المجنون و بهلول المجنون الي كربلاء فنظرا الي القبر و اذا هو معلق بالقدرة في الهواء، فقال زيد: «يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم، و يأبي الله الا أن يتم نوره و لو كره الكافرين».

و ذلك أن الحراث حرث سبع عشرة مرة، و القبر يرجع علي حاله، فلما نظر الحراث الي ذلك آمن بالله و حل القبر، فأخبر المتوكل فأمر بقتله).


و في بحارالانوار ج 45 ص 407 - 401، قال:

(وجدت في بعض مؤلفات أصحابنا قال: روي عن سليمان الأعمش - الي أن قال:

و روي أن المتوكل من خلفاء بني العباس كان كثير العداوة، شديد البغض لأهل بيت الرسول، و هو الذي أمر الحارثين بحرث قبر الحسين عليه السلام، و أن يخربوا بنيانه و يخفوا أثاره، و أن يجروا عليه الماء من النهر العلقمي، بحيث لا تبقي له - كذا - أثر، و لا أحد يقف له علي خبر، و توعد الناس بالقتل لمن زار قبره، و جعل رصدا من أجناده و أوصاهم: كل من وجدتموه يريد زيارة الحسين فاقتلوه، يريد بذلك اطفاء نور الله و اخفاء آثار ذرية رسول الله.

فبلغ الخبر الي رجل من أهل الخير، يقال له: زيد المجنون، ولكنه ذو عقل شديد و رأي رشيد، و انما لقب بالمجنون، لأنه أفحم كل لبيب و قطع حجة كل أديب، و كان لا يعي من الجواب، و لا يمل من الخطاب.

فسمع بخراب بنيان قبر الحسين عليه السلام و حرث مكانه، فعظم ذلك عليه، و اشتد حزنه، و تجدد مصابه بسيده الحسين عليه السلام، و كان مسكنه يومئذ بمصر، فلما غلب عليه الوجد و الغرام لحرث قبر الامام عليه السلام خرج من مصر ماشيا صائما علي وجهه، شاكيا وجده الي ربه، و بقي حزينا كئيبا حتي بلغ الكوفة.

و كان البهلول يومئذ بالكوفة، فلقيه زيد المجنون، و سلم عليه فرد عليه السلام، فقال له البهلول: من أين لك معرفتي فلم ترني قط؟

فقال زيد: يا هذا، اعلم أن قلوب المؤمنين جنود مجندة، ما تعارف منها أئتلف، و ما تناكر منها اختلف.


فقال له البهلول: يا زيد، ما الذي أخرجك من بلادك بغير دابة و لا مركوب؟

فقال: و الله ما خرجت الا من شدة وجدي و حزني، و قد بلغني أن هذا اللعين أمر بحرث قبر الحسين عليه السلام و خراب بنيانه و قتل زواره، فهذا الذي أخرجني من موطني و نقص عيشي، و أجري دموعي و أقل هجوعي.

فقال البهلول: و أنا و الله كذلك.

فقال له: قم بنا نمض الي كربلاء، لنشاهد قبور أولاد علي المرتضي.

قال: فأخذ كل بيد صاحبه، حتي وصلا الي قبر الحسين عليه السلام، و اذا هو علي حاله لم يتغير، و قد هدموا بنيانه، و كلما أجروا عليه الماء غار، و حار و استدار بقدرة العزيز الجبار، و لم يصل قطرة واحدة الي قبر الحسين عليه السلام، و كان القبر الشريف اذا جاءه الماء يرتفع أرضه باذن الله تعالي، فتعجب زيد المجنون مما شاهده، قال:

انظر يا بهلول، يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم، و يأبي الله الا أن يتم نوره و لو كره المشركون.

قال: و لم يزل المتوكل يأمر بحرث قبر الحسين عليه السلام مدة عشرين سنة، و اقبر علي حاله لم يتغير، و لا يعلوه قطرة من الماء.

فلما نظر الحارث الي ذلك قال: آمنت بالله و بمحمد رسول الله و الله لأهربن علي وجهي، و أهيم في البراري، و لا أحرث قبر الحسين ابن بنت رسول الله، و ان لي مدة عشرين سنة انظر آيات الله، و أشاهد براهين آل بيت رسول الله، و لا أتعظ و لا أعتبر.


ثم انه حل الثيران و طرح الفدان، و أقبل يمشي نحو زيد المجنون.

و قال ل: من أين أقبلت يا شيخ؟ قال: من مصر.

فقال له: و لأي شي ء جئت الي هنا، و انه لأخشي عليك من القتل.

فبكي زيد و قال: و الله قد بلغني حرث قبر الحسين عليه السلام، فاحزنني ذلك، و هيچ حزني و وجدي.

فانكب الحارث علي أقدام زيد يقبلهما، و هو يقول: فداك أبي و أمي، فوالله يا شيخ من حين ما أقبلت الي أقبلت الي بالرحمة و استنار قلبي بنور الله، و اني آمنت بالله و رسوله، و ان لي مدة عشرين سنة و أنا أحرث هذه الأرض، و كلما أجريت الماء الي قبر الحسين عليه السلام غار و حار و استدار، و لم يصل الي قبر الحسين منه قطرة، و كأني كنت في سكرة، و أفقت ألان ببركة قدومك الي، فبكي زيد و تمثل بهذه الابيات:



تالله ان كانت أمية قد أتت

قتل ابن بنت نبيها مظلوما



فلقد أتاه بنوأبيه بمثله

هذا لعمرك قبره مهدوما



أسفوا علي أن لا يكونوا شاركوا في قتله فتتبعوه رميما

فبكي الحارث و قال: يا زيد قد أيقظتني من رقدتي، و أرشدتني من غفلتي، و ها أنا الآن ماض الي المتوكل بسر من رأي، أعرفه بصورة الحال، ان شاء أن يقتلني و ان شاء أن يتركني.

فقال له زيد: و أنا أيضا أسير معك اليه، و أساعدك علي ذلك.

قال: فلما دخل الحارث الي المتوكل، و خبره بما شاهد من


برهان قبر الحسين عليه السلام استشاط غضبا، و ازداد بغضا لأهل بيت رسول الله، و أمر بقتل الحارث، و أمر أن يشد في رجليه حبل، و يسحب علي وجهه في الأسواق، ثم يصلب في مجتمع الناس، ليكون عبرة لمن اعتبر، و لا يبقي أحد يذكر أهل البيت بخير أبدا.

و أما زيد المجنون، فانه ازداد حزنه و اشتد عزاؤه، و طال بكاؤه و صبر حتي أنزلوه من الصلب، و ألفوه علي مزبلة هناك، فجاء اليه زيد فاحتمله الي الدجلة و غسله و كفنه و صلي عليه و دفنه، و بقي ثلاثة أيام لا يفارق قبره، و هو يتلو كتاب الله عنده، فبينما هو ذات يوم جالس، اذ سمع صراخا عاليا، و نوحا شجيا، و بكاء عظيما، و نساء بكثرة منشورات الشعور، مشققات الجيوب، مسودات الوجوه، و رجالا بكثرة يندبون بالويل و الثبور، و الناس كافة في اضطراب شديد، و اذا بجنازة محمولة علي أعناق الرجال، و قد نشرت لها الأعلام و الرايات، و الناس من حولها أفواجا، قد انسدت الطرق من الرجال و النساء.

قال زيد: فظننت أن المتوكل قد مات، فتقدمت الي رجل، و قلت له: من يكون هذا الميت؟

فقال: هذه جنازة جارية المتوكل، و هي جارية سوداء حبشية و كان اسمها ريحانة، و كان يحبها حبا شديدا، ثم انهم عملوا لها شأنا عظيما و دفنوها في قبر جديد، و فرشوا فيه الورد و الرياحين، و المسك و العنبر، و بنوا عليها قبة عالية، فلما نظر زيد الي ذلك ازدادت أشجانه، و تصاعدت نيرانه، و جعل يلطم وجهه و يمزق أطماره، و يحثي التراب علي رأسه، و هو يقول:

وا ويلاه، وا أسفاه عليك يا حسين، أتقتل بالطف غريبا وحيدا


ظمآنا شهيدا، و تسبي نساؤك و بناتك و عيالك و تذبح أطفالك، و لم يبك عليك أحد من الناس، و تدفن بغير غسل و لا كفن، و يحرث بعد ذلك قبرك ليطفئوا نورك، و أنت ابن علي المرتضي و ابن فاطمة الزهراء، و يكون هذا الشأن العظيم لموت جارية سوداء، و لم يكن الحزن و البكاء لابن محمد المصطفي.

قال: و لم يزل يبكي و ينوح، حتي غشي عليه و الناس كافة ينظرون اليه، فمنهم من رق له، و منهم من جني عليه، فلما أفاق من غشوته، أنشد يقول:



أيحرث بالطف قبر الحسين

و يعمر قبر بني الزانيه



لعل الزمان بهم قد يعود

و يأتي بدولتهم ثانيه



ألا لعن الله أهل الفساد

و من يأمن الدنية الفانيه



قال: ان زيدا كتب هذه الأبيات في ورقة و سلمها لبعض حجاب المتوكل.

قال: فلما قرأها اشتد غيظه و أمر باحضاره، فأحضر و جري بينه و بينه من الوعظ و التوبيخ ما أغاظه حتي أمر بقتله.

فلما مثل بين يديه سأله عن أبي تراب، من هو؟ استحقارا له.

فقال له: و الله انك عارف به، و بفضله و شرفه، و حسبه و نسبه، فوالله ما يجحد فضله الا كل كافر مرتاب، و لا يبغضه الا كل منافق كذاب، و شرع يعدد فضله و مناقبه، حتي ذكر منها ما أغاظ المتوكل، فأمر بحبسه فحبس.

فلما أسدل الظلام و هجع، جاء الي المتوكل هاتف، و رفسه برجله، و قال له: قم و أخرج زيدا من حبسه، و الا أهلكك الله


عاجلا، فقام هو بنفسه، و أخرج زيد من حبسه، و خلع عليه سنيه، و قال له: أطلب ما تريد.

قال: أريد عمارة قبر الحسين عليه السلام و أن لا يتعرض أحد لزواره، فأمر له بذلك.

فخرج من عنده فرحا مسرورا و جعل يدور في البلدان، و هو يقول:

من أراد زيارة الحسين عليه السلام فله الأمان طول الأزمان).

أقول: بالاضافة الي هذه الأخبار ما تقدم في أول هذه الفقرة من خبر تسلية المجالس

و مفاده أن المتوكل أمر بهدم القبر الشريف، و هودم ما حوله من المنازل و الدور علي بعد مائتي جريب، و لم تجرأ الفعلة علي ذلك حتي أقدم الديزج علي هدم أعالي القبر الشريف، فاقدم الفعلة علي هدم البقية، و أحرق الصندوق الذي كان علي القبر، و انخسف مكانه حتي صار كالخندق.

و بقي للقبر رائحة طيبة لا تشبه شيئا من روائح الدنيا، و كان ذلك في سنة (236) كما هو المشهور بين المؤرخين.

نعم علي قول كما في المنتظم أنه في سنة (238)، و في حديث أمالي الطوسي رقم (103) أنه في سنة (237) و نقل عن طبقات الشافعية و أخبار الدول.

و يستفاد من خبر الأمالي رقم (103) أنه في سنة (247) و هي سنة وفاة المتوكل أمر بنبش القبر و حرث أرضه بعد علمه بتوافد الشيعة الي القبر للزيارة.


و يبقي السؤال: أنه اذا تم الهدم سنة (236) و منع الزوار و أقيمت المسالح مدة خلافة المتوكل فكيف تم البناء و كثر الزوار و أقاموا سوقا حول القبر حتي يأمر المتوكل بالهدم مرة أخري سنة (247)، و منه تعرف ضعف من ذهب الي أن الهدم تم مرتين علي يد المتوكل، و أضعف منه أن الهدم تم أربع مرات سنة (232) و سنة (236) و سنة (237)، و سنة (247) كما ذهب اليه عبدالجواد كليدار في كتابه (تاريخ كربلاء).

و أما خبر زيد و بهلول المروي في البحار ففيه غرابة اذ زيد المجنون خرج من مصر لما سمعه من خراب بنيان القبر الشريف و لما وصل الي الكوفة و التقي بالبهلول، أجاب بهلولا عندما سأله عن سبب قدومه: بأن الذي أخرجه هو أمر المتوكل بالهدم، و طلب منه أن يذهب الي كربلاء ليشاهدا القبور، و هذا دال علي عدم الهدم حينئذ.

و غرابة أخري أن المتوكل أمر بحرث القبر مدة عشرين سنة و مدة خلافة المتوكل خمس عشرة سنة تقريبا.