بازگشت

كفر يزيد


و أقول: (و أما أنه علي فرض ثبوت أمره بالقتل فلعل رحمة الله تدركه، لأن الله يغفر لمن يشاء دون الشرك) ففيه:

أن مغفرة الله للمسلم، و يزيد كافر لعنه الله و أخزاه، قابل السبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص ص 261 - 260:

(و قال جدي: ابن الخوزي - ليس العجب من قتال ابن زياد و الحسين، و تسليطه عمر بن سعد علي قتله و الشمر، و حمل الرؤوس اليه، و انما العجب من خذلان يزيد، و ضربه بالقضيب ثناياه، و حمل آل رسول الله سبايا علي أقتاب الجمال و عزمه علي أن يدفع فاطمة بنت الحسين الي الرجل الذي طلبها، و انشاده أبيات أبن الزبعري: ليت أشياخي ببدر شهدوا..

ورده الرأس الي المدينة، و قد ظن أنه تغيرت ريحه، و ما كان مقصوده الا الفضيحة، و اظهار رايحة الرأس.

أفيجوز أن يفعل هذا بالخوارج، أليس باجماع المسلمين أن الخوارج و البغاة يكفنون، و يصلي عليهم و يدفنون؟

و كذا قول يزيد: لي أن أسبيكم، لما طلب الرجل فاطمة بنت الحسين، قولا يقنع لقايله و فاعله باللعنة، و لو لم يكن في قلبه أحقاد


جاهلية و أضغان بدرية لاحترم الرأس لما وصل اليه، و لم يضربه بالقضيب، و كفنه و دفنه، و أحسن الي رسول الله.

قلت: و الذي بدل علي هذا أنه استدعي ابن زياد اليه، و أعطاه أموالا كثيرة، و تحفا عظيمة، و قرب مجلسه، و رفع منزلته، و أدخله علي نسائه، و جعله نديمه، و سكر ليلة، و قال للمغني: غن، ثم قال يزيد بديهيا:



اسقني شربة تروي فؤادي

ثم مل فاسق مثلها ابن زياد



صاحب السر و الأمانة عندي

و لتسديد مغنمي و جهادي



قاتل الخارجي أعني حسينا

و مبيد الأعداء و الحساد



و قال ابن عقيل: و مما يدل علي كفره و زندقته، فضلا عن سبه و لعنه أشعاره التي أفصح بها بالالحاد، و أبان عن خبث الضمائر و سوء الاعتقاد، فمنها قوله في قصيدته اتي أولها:



علية هاتي و أعلني و ترنمي

بذلك اني لا أحب التناجيا



حديث أبي سفيان قدما سمي بها

الي أحد حتي أقام البواكيا



ألا هات فاسقيني علي ذاك قهوة

تخيرها العنسي كرما شاميا



اذا ما نظرنا في أمور قديمة

وجدنا حلالا شربها متواليا



و ان مت يا أم الأحيمر فانكحي

و لا تأملي بعد الفراق تلاقيا



فان الذي حدثت عن يوم بعثتنا

أحاديث طسم تجعل القلب ساهيا



و لابد لي من أن أزور محمدا

بمشمولة صفراء تروي عظاميا



قلت: و منها - من أشعاره - قوله:



و لو لم يمس الأرض فاضل بردها

لما كان عندي مسحة في التيمم



و منها: لما بدت تلك الحمول و أشرقت، و قد ذكرناها.


و منها قوله:



معشرالندمان قوموا

و اسمعوا صوت الأغاني



و اشربوا كأس مدام

و اتركوا ذكر المغاني



أشغلتني نغمة العيدان

عن صوت الأذان



و تعوضت عن الحور

خمورا في الدنان



الي غير ذلك مما نقلته من ديوانه، و لهذا تطرق الي هذه الأمة العار بولايته عليها، حتي قال أبوالعلاء المعري، يشير بالشنار اليها:



أري الأيام تفعل كل نكر

فما أنا في العجائب مستزيد



أليس قريشكم قتلت حسينا

و كان علي خلافتكم يزيد)



و قال السبط ابن الخوزي في تذكرة الخواص ص 236 - 235: (و أما المشهور عن يزيد في جميع الروايات: أنه لما حضر الرأس بين يديه جمع أهل الشام، و جعل ينكث عليه بالخيزران، و يقول أبيات ابن الزبعري:



ليت أشياخي ببدر شهدوا

وقعة الخزرج من وقع الأسل



قد قتلنا القرن من ساداتهم

وعدلنا قتل بدر فاعتدل



(و في نسخة: و عدلناه ببدر فاعتدل).

حكي القاضي أبويعلي عن أحمد بن حنبل في كتاب (الوجهين و الروايتين)، أنه قال: ان صح ذلك عن يزيد فقد فسق.

قال الشعبي: و زاد فيها يزيد، فقال:



لعبت هاشم بالملك فلا

خبر جاء و لا وحي نزل



لست من خندف ان لم انتقم

من بني أحمد ما كان فعل




قال مجاهد: نافق.

و قال الزهري: لما جاءت الرؤوس كان يزيد في منظرة علي جيرون، فأنشد لنفسه:



لما بدت تلك الحمول و أشرقت

تلك الشموس علي ربي جيرون



نعب الغراب فقلت: صح أو لا تصح

فلقد قضيت من الغريم ديوني



(و في نسخة: نعب الغراب فقلت: نح أو لا تنح).

و ذكر ابن أبي الدنيا: أنه لما نكث بالقضيب ثناياه أنشد لحصين بن الحمام المري:



صبرنا و كان الصبر منا سجية

بأسيافنا تفرين هاما و معصما



نفلق هاما من رؤوس أحبة

الينا و هم كانوا أعق و أظلما



قال مجاهد: فو الله لم يبق في الناس أحد الا من سبه و عابه و تركه.

قال ابن أبي الدنيا: و كان عنه أبوبرزة السلمي، فقال له: يا يزيد، ارفع قضيبك، فوالله لطال ما رأيت رسول الله صلي الله عليه و سلم يقبل ثناياه.

و ذكر البلاذري: أن الذي كان عند يزيد، و قال هذه المقالة أنس بن مالك، و هو غلط من البلاذري، لأن أنسا كان بالكوفة عند ابن زياد، و لما جي ء بالرأس بكي، و قد ذكرناه.

و قال هشام: لما أنشد يزيد الأبيات، قال له علي بن الحسين: بل ما قال الله أولي: ما أصاب من مصيبة في الارض و لا في أنفسكم الا في كتاب من قبل أن نبرأها.


فقال يزيد: و ما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم و يعفو عن كثير). و أورد ابن أبي الحديد في شرحه ج 14 ص 281 - 278 قصيدة ابن الزبعري التي قال بعد معركة أحد، و فيها: (ليت أشياخي ببدر شهدوا)، ثم قال عن هذا البيت: (انما قاله يزيد متمثلا لما حمل اليه رأس الحسين عليه السلام، و هو لابن الزبعري).

و قال البيروني المتوفي 440 ه قي الآثار الباقية ص 294:

(صفر: في اليوم الأول أدخل رأس الحسين عليه السلام مدينة دمشق، فوضعه بين يديه، و نقر ثناياه بقضيب كان في يده، و هو يقول:



لست من خندف ان لم أنتقم

من بني أحمد ما كان فعل



ليت أشياخي ببدر شهدوا

جزع الخزرج من وقع الأسل



فأهلوا و استهلوا فرحا

ثم قالوا: يا يزيد لا تسل



قد قتلنا القرن من أشياخهم

و عدلناه ببدر فاعتدل)



و قال الالوسي في تفسيره (روح المعاني) ج 26 ص 72 في تفسير قوله تعالي:

(فهل عسيتم ان توليتم أن تفسدوا في الأرض و تقطعوا أرحامكم) محمد آية 23

(و علي هذا القول لا توقف في لعن يزيد، لكثرة أوصافه الخبيثة و ارتكابه الكبائر في جميع أيام تكليفه، و يكفي ما فعله أيام استيلائه بأهل المدينة و مكة، فقد روي الطبراني بسند حسن: (اللهم من ظلم أهل المدينة و أخاهم فأخفه، و عليه لعنة الله و الملائكة و الناس أجمعين، لا يقبل منه صرفا و لا عدلا)

و الطامة الكبري ما فعله بأهل البيت، و رضاه بقتل الحسين علي


جده و عليه الصلاة و السلام، و استبشاره بذلك، و اهانته لأهل بيته، مما تواتر معناه و ان كانت تفاصيله آحادا.

و في الحديث: (ستة لعنتهم: (و في رواية: لعنهم الله و كل نبي مجاب الدعوة) المحرف لكتاب الله (و في رواية: الزائد في كتاب الله) و المذكب بقدر الله، و المتسلط بالجبروت ليعز من أذل الله، و يذل من أعز الله، و المستحل من عترتي، و التارك لسنتي)

و قد جزم بكفره و صرح بلعنه جماعة من العلماء، منهم الحافظ ناصر السنة ابن الجوزي، و سبقه القاضي أبويعلي، و قال العلامة التفتازاني:

لا نتوقف في شأنه، بل في ايمانه، لعنة الله تعالي عليه و علي أنصاره و أعوانه.

و ممن صرح بلعنه الجلال السيوطي عليه الرحمة، و في تاريخ ابن الوردي، و كتاب الوافي بالوفيات: أن السبي لما ورد من العراق علي يزيد، خرج فلقي الأطفال و النساء من ذرية علي و الحسين رضي الله عنهما، و الرؤوس علي أطراف الرماح، و قد أشرفوا علي ثنية جيرون، فلما رآهم نعب الغراب، فانشأ يقول:



لما بدت تلك الحمول و أشرفت

تلك الرؤوس علي ربي جيرون



نعب الغراب فقلت: قل أو لا تقل

فقد اقتضيت من الرسول ديوني



يعني أنه قتل بمن قتله رسول الله صلي الله عليه و سلم يوم بدر كجده عتبة و خالد ولد عتبة، و غيرهما، و هذا كفر صريح، فاذا صح عنه فقد كفر به، و مثله تمثله بقول عبدالله بن الزبعري قبل اسلامه: ليت أشياخي... الأبيات.


الي أن قال -:

قال ابن الجوزي عليه الرحمة في كتابه (السر المصون): من الاعتقادات العامة التي غلبت علي جماعة منتسبين الي السنة أن يقولوا: ان يزيد كان علي الصواب، و أن الحسين رضي الله عنه أخطأ في الخروج عليه، و لو نظروا في السير لعلموا كيف عقدت له البيعة، و ألزم الناس بها، و لقد فعل في ذلك كل قبيح، ثم لو قدرنا صحة عقد البيعة فقد بدت منه بواد، كلها توجب فسخ العقد.

و لا يميل الي ذلك الا كل جاهل، عامي المذهب، يظن أنه يغيظ بذلك الرافضة.

هذا و يعلم من جميع ما ذكره اختلاف الناس في أمره، فمنهم من يقول: هو مسلم عاص بما صدر منه مع العترة الطاهرة، لكن لا يجوز لعنه.

و منهم من يقول: هو كذلك و يجوز لعنه مع الكراهة أو بدونها.

و منهم من يقول: هو كافر ملعون.

و منهم من يقول: انه لم يعص بذلك و لا يجوز لعنه، و قائل هذا ينبغي أن ينظم في سلسلة أنصار يزيد.

و أنا أقول: الذي يغلب علي ظني أن الخبيث لم يكن مصدقا برسالة النبي صلي الله تعالي عليه و سلم، و أن مجموع ما فعل مع أهل حرم الله تعالي، و أهل حرم نبيه عليه الصلاة و السلام، و عترته الطيبين الطاهرين في الحياة و بعد الممات، و ما صدر منه من المخازي ليس بأضعف دلالة علي عدم تصديقه من القاء ورقة من المصحف الشريف في قذر.


و لا أظن أن أمره كان خافيا علي أجلة المسلمين اذ ذاك، و لكن كانوا مغلوبين مقهورين، لم يسعهم الا الصبر، ليقضي الله أمرا كان مفعولا.

و لو سلم أن الخبيث كان مسلما فهو مسلم جمع من الكبائر ما لا يحيط به نطاق البيان، و أنا أذهب الي جواز لعن مثله علي التعيين، و لو لم يتصور أن يكون له مثل من الفاسقين.

و الظاهر أنه لم يتب، و احتمال توبته أضعف من ايمانه، و يلحق به ابن زياد و ابن سعد و جماعة، فلعنة الله عزوجل عليهم أجمعين و علي أنصارهم و أعوانهم و شيعتهم، و من مال اليهم الي يوم الدين، ما دمعت عين علي أبي عبدالله الحسين و يعجبني قول شاعر العصر، ذوالفضل الجلي، عبدالباقي أفندي العمري الموصلي، و قد سئل عن لعن يزيد اللعين:

يزيد علي لعني عريض جنابه فاغدو به طول المدي ألعن اللعنا)

و قال بعضهم:



اذكر اللعن ان لعنت يزيد

انما اللعن شأن ذاك اللعين



و من كلامه المتقدم تعرف حال كلام الغزالي، عندما منع من لعنه، و حكم بأنه من المؤمنين، و أن الترحم عليه مستحب، بل هذا الصادر من الغزالي يكشف عن سوء سريرته و انحرافه عن الدين، و هذا في عهدة من يتكلم في الكشف و الشهود في عصورنا الحاضرة من الشيعة، و يدعو الي الأخذ بقول الغزالي في المجال المذكور.