بازگشت

سوء حال يزيد


و أقول: و أما أنه علي فرض ثبوت الأمر بالقتل فلعل كان له حسنة تمحو ذلك أو توبة أو ابتلاء يكفر عنه هذا الاثم) فمردود لما هو المعروف من حاله الدائم علي الفسق و المجون، ففي مروج الذهب ج 3 ص 270 - 264:

(و كان يزيد صاحب طرب و جوارح و كلاب و قرود و فهود و منادمة علي الشرب - الي أن قال -: و غلب علي أصحاب يزيد و عماله ما كان يفعله من الفسوق، و في أيامه ظهر الغناء بمكة و المدينة، و استعملت الملاهي، و أظهر الناس شرب الشراب.

و كان له قرد، يكني بأبي قيس، يحضره مجلس منادمته، و يطرح له متكأ، و كان يحمله علي أتان وحشية قد ريضت و ذللت لذلك، بسرج و لجام، و يسابق بها الخيل يوم الحلبة، فجاء في بعض الأيام سابقا فتناول القصبة و دخل الحجرة قبل الخيل، و علي أبي قيس قباء من الحرير الأحمر و الأصفر مشمر، و علي رأسه قلنسوة من الحرير ذات ألوان بشقائق، و علي الأتان سرج من الحرير الأحمر ملمع بأنواع الألوان، فقال في ذلك اليوم بعض شعراء الشام:



تمسك أباقيس بفضل عنانها

فليس عليا ان سقطت ضمان



ألا من رأي القرد الذي سبقت به

جياد أميرالمؤمنين أتان




- الي أن قال -:

و لما شمل الناس جور يزيد و عماله، و عمهم ظلمه، و ما ظهر من فسقه، و ن قتله ابن بنت رسول الله صلي الله عليه و سلم و أنصاره، و ما أظهر من شرب الخمور، و سار سيرة فرعونية، بل كان فرعون أعدل منه في رعيته و أنصف منه لخاصته و عامته أخرج أهل المدينة عامله عليهم - الي أن قال -:

و ليزيد و غيره أخبار عجيبة و مقالب كثيرة من شرب الخمور و قتل ابن الرسول و لعن الوصي، و هدم البيت و احراقه و سفك الدماء و الفسق و الفجور، و غير ذلك مما قد ورد فيه الوعيد باليأس من غفرانه).

و في أنساب الأشراف ج 5 ص 299: (كان يزيد بن معاوية أول من أظهر شرب الشراب و الاستهتار بالغناء، و الصيد و اتخاذ القيان و الغلمان، و التفكه بما يضحك منه المترفون من القرود، و المعاقرة بالكلاب و الديكة، ثم جري علي يده قتل الحسين، و قتل أهل الحرة، و رمي البيت و احراقه)

و في نفس المصدر ص 300: (كان ليزيد بن معاوية قرد، يجعله بين يديه، و يكنيه أباقيس، و يقول: هذا شيخ من بني اسرائيل أصاب خطيئة فمسخ، و كان يسقيه النبيذ و يضحك مما يصنع، و كان يحمله علي أتان وحشية، و يرسلها مع الخيل فيسبقها، فحمله عليها يوما و جعل يقول:



تمسك أباقيس بفضل عنانها

فليس عليها ان هلكت ضمان



فقد سبقت خيل الجماعة كلها

و خيل أميرالمؤمنين أتان)



و في نفس المصدر ص 300:


(و كان يزيد هم بالحج ثم اتيان اليمن، فقال رجل من تنوخ:



يزيد صديق قل جوارنا

فحن الي أرض القرود يزيد



فتبا لمن أمس علينا خليفة

صحابته ألادنون منه قرود)



و في نفس المصدر ص 302:

(و كان يزيد آدم جعدا معصوبا، أحور العينين طوالا، بوجهه أثر جدري).

و المعصوب من اتسخت أسنانه من غبار و نحوه، و في هذا بيان لاستهتار يزيد بسلوكه و بدنه، فضلا عن استهتاره بالشرع الحنيف، ففي فوات الوفيات ج 4 ص 333:

(و لما تحقق معاوية أن يزيد يشرب الخمر عز عليه ذلك و أنكر عليه و قال: ان رسول الله صلي الله عليه و سلم قال: من ابتلي بشي ء من هذه القاذورات فليستتر، و انك تقدر علي بلوغ لذتك في ستر.

فتماسك عن الشرب ثم دعته نفسه لما اعتاده، فجلس علي شرابه، فلما استخفه الخمر و داخله الطرب قال يشير الي أبيه:



أمن شربة من ماء كرم شربتها

غضبت علي؟ ألان طاب لي السكر



سأشرب فاغضب لا رضيت كلاهما

حبيب الي قلبي: عقوقك الخمر)



هذا فضلا عن استهتاره بالاسلام و المسلمين ففي فوات الوفيات ج 4 ص 331:

(مات قرد ليزيد بن معاوية كان يقال له: أباقيس، فحزن عليه، و أمر بدفنه بعد أن كفنه، و أمر أهل الشام أن يعزوه فيه، و أنشأ يقول:



لم يبق قرم كريم ذو محافظة

الا أتانا يعزي في أبي قيس






شيخ العشيرة أمضاها و أحملها

الي المساعي مع القربوس و الديس



لا يبعد الله قبرا أنت ساكنه

فيه الجمال و فيه لحية التيس)



و فضلا عن استهتاره بالله جل و علا كما يستفاد مما أورده السعودي في مروج الذهب ج 3 ص 268 عندما أرسل يزيد جيشا الي ابن الزبير، فقال:

(و كتب الي ابن الزبير:



أدع الهك في السماء فانني

أدعو عليك رجال عك و أشعر



كيف النجاة أباخبيب منهم

فاحتل لنفسك قبل أتي العسكر)



و في الفخري ص 83:

(ثم ملك بعده ابنه يزيد، كان موفر الرغبة في اللهو و القنص و الخمر، و النساء و الشعر - الي أن قال -: كانت ولايته علي أصح القولين ثلاث سنين و ستة أشهر، ففي السنة الأولي قتل الحسين بن علي، وفي السنة الثانية نهب المدينة و أباحها ثلاثة أيام، و في السنة الثالثة غزا الكعبة).

و كيف تكون له حسنة و قد أورد ابن حجر الهيثمي الناصبي في كتاب الصواعق المحرقة ص 331 حديثين علي عمل يزيد و هما:

(و علي القول بأنه مسلم فهو فاسق شرير سكير جائر، كما أخبر به النبي صلي الله عليه و سلم، فقد أخرج أبو يعلي في مسنده بسند لكنه ضعيف، عن أبي عبيدة، قال رسول الل صلي الله عليه و سلم: لا يزال أمر أمتي قائما بالقسط حتي يكون أول من يثلمه رجل من بني أمية، يقال له: يزيد.

و أخرج الروياني في مسندا عن أبي الدرداء قال: سمعت النبي


صلي الله عليه و سلم يقول: أول من يبدل سنتي رجل من بني أمية يقال له: يزيد).

و في نفس المصدر ص 332: (و كان مع أبي هريرة رضي الله عنه علم من النبي صلي الله عليه و سلم بما مر عنه صلي الله عليه و سلم في يزيد، فانه كان يدعو: اللهم اني أعوذ بك من رأس الستين، و امارة الصبيان، فاستجاب الله فتوفاه له، سنة تسع و خمسين، و كانت وفاة معاوية و ولاية ابنه سنة ستين، فعلم أبوهريرة بولاية يزيد في هذه السنة، فاستعاذ منها لما علمه من قبيح أحواله بواسطة اعلام الصادق المصدوق صلي الله عليه و سلم بذلك.

و قال نوفل بن أبي الفرات: كنت عند عمر بن عبدالعزيز، فذكر رجل يزيد، فقال: قال أميرالمؤمنين يزيد بن معاوية.

فقال: تقول أميرالمؤمنين؟ فأمر به فضرب عشرين سوطا.

و لاسرافه في المعاصي خلعه أهل المدينة، فقد أخرج الواقدي من طرق:

أن عبدالله بن حنظلة بن الغسيل - غسيل الملائكة - قال: و الله ما خرجنا علي يزيد حتي خفنا أن نرمي بالحجارة من السماء، ان كان رجلا ينكح أمهات الأولاد و البنات و الأخوات، و يشرب الخمر و يدع الصلاة.

و قال الذهبي: و لما فعل يزيد بأهل المدينة ما فعل، مع شربه الخمر و اتيانه المنكرات اشتد عليه الناس، و خرج عليه غير واحد، و لم يبارك الله في عمره - الي أن قال - و بعد اتفاقهم علي فسقه).

و نقل ابن خلكان في وفيات الأعيان ج 3 ص 288 - 287، في


ترجمة الكياهراسي، أنه سئل عن يزيد معاوية، فقال:

(انه لم يكن من الصحابة، لأنه ولد في أيام عمر بن الخطاب رضي الله عنه، و أما قول السلف، ففيه لأحمد قولان: تلويح و تصريح، و لما لك قولان: تلويح و تصريح، و لأبي حنيفة قولان: تلويح و تصريح و لنا قول واحد: التصريح دون التلويح، و كيف لا يكون كذلك و هو اللاعب بالنزد، و المتصيد بالفهود، و مدمن الخمر، و شعره في الخمر معلوم، و منه قوله:



أقول لصحب ضمت الكأس شملهم

و داعي صبا بات الهوي يترنم



خذوا بنصيب من نعيم و لذة

فكل و ان طال المدي يتصرم



و لا تتركوا يوم السرور الي غد

فرب غد يأتي بما ليس يعلم



و كتب فصلا طويلا، ثم قلب الورقة و كتب: لو مددت ببياض لمددت العنان في مخازي هذا الرجل).