بازگشت

لعن يزيد عليه لعائن ربي، بل كفره و خزيه


قال ابن خلكان في و فيات الأعيان ج 3 ص 289 - 288 في ترجمة الكيا الهراسي:

(و قد أفتي الامام أبوحامد الغزالي، رحمه الله تعالي، في مثل هذه المسألة، بخلاف ذلك، فانه سئل عمن صرح بلعن يزيد، هل يحكم بفسقه أم هل يكون ذلك مرخصا فيه؟ و هل كان مريدا قتل الحسين رضي الله عنه؟ أم كان قصده الدفع؟ و هل يسوغ الترحم عليه أم السكوت عنه أفضل، ينعم بازالة الاشتباه مثابا.

فأجاب: لا يجوز لعن المسلم أصلا، و من لعن مسلما فهو الملعون، و قد قال رسول الله صلي الله عليه و سلم: المسلم ليس بلعان.

و كيف يجوز لعن المسلم و لا يجوز لعن البهائم، و قد ورد النهي عن ذلك، و حرمة المسلم أعظم من حرمة الكعبة بنص النبي صلي الله عليه و سلم، و يزيد صح اسلامه، و ما صح قتله الحسين رضي الله عنه، و لا أمره و لا رضاه بذلك، و مهما لم يصح ذلك منه لا يجوز أن يظن ذلك به، فان اساءة الظن بالمسلم أيضا حرام، و قد قال تعالي:


(اجتنبوا كثيرا من الظن ان بعض الظن اثم) الحجرات آية 12.

و قال النبي صلي الله عليه و سلم: ان الله حرم من المسلم دمه و ماله و عرضه، و أن يظن به ظن السوء.

و من زعم أن يزيد أمر بقتل الحسين رضي الله عنه، أو رضي به فينبغي أن يعلم به غاية حماقة، فان من قتل من الأكابر و الوزراء و السلاطين في عصره لو أراده أن يعلم حقيقة من الذي أمر بقتله، و من الذي رضي به، و من الذي كرهه، لم يقدر علي ذلك و ان كان قد قتل في جواره و زمانه و هو يشاهده، فكيف لو كان في بلد بعيد و زمن قديم قد انقضي.

فكيف يعلم ذلك فيما انقضي عليه قريب من أربعمائة سنة في مكان بعيد؟ و قد تطرق التعصب في الواقعة فكثرت فيها الأحاديث من الجوانب، فهذا أمر لا يعرف حقيقته أصلا، و اذا لم يعرف وجب احسان الظن بكل مسلم يمكن احسان الظن به.

و مع هذا فلو ثبت علي مسلم أنه قتل مسلما فمذهب أهل الحق ليس بكافر، و القتل ليس بفكر بل هو معصية، و اذا مات القاتل فربما مات بعد التوبة، و الكافر لو تاب في كفره لم تجز لعنته، فكيف من تاب عن قتل؟ و بم يعرف أن قاتل الحسين رضي الله عنه مات قبل التوبة؟ و هو الذي يقبل التوبة عن عباده.

فاذن لا يجوز لعن أحد ممن مات من المسلمين، و من لعنه كان فاسقا عاصيا لله تعالي، و لو جاز لعنه فسكت لم يكن عاصيا بالاجماع، بل لو لم يلعن ابليس طول عمره لا يقال له يوم القيامة: لم لم تلعن ابليس، و يقال للاعن: لم لعنت؟

و من أين عرفت أنه مطرود ملعون؟ و الملعون هو المبعد من الله


عزوجل، و ذلك غيب لا يعرف الا فيمن مات كافرا، فان ذلك علم بالشرع.

و أما الترحم عليه فهو جائز، بل هو مستحب، بل هو داخل في قولنا في كل صلاة: اللهم اغفر للمؤمنين و المؤمنات، فانه كان مؤمنا و الله أعلم، كتبه الغزالي) انتهي.

قال الغزالي في احياء علوم الدين ج 3 ص 125:

(فان قيل: هل يجوز لعن يزيد، لأنه قاتل الحسين أو آمر به؟ قلنا: هذا لم يثبت أصلا، فلا يجوز أن يقال: انه قتله، أو أمر به ما لم يثبت، فضلا عن اللعنة، لأنه لا تجوز نسبة مسلم الي كبيرة من غير تحقيق - الي أن قال -:

فان قيل: فهو يجوز أن يقال: قاتل الحسين لعنه الله؟ أو الآمر بقتله لعنه الله؟.

قلنا: الصواب أن يقال: قاتل الحسين ان مات قبل التوبة لعنه الله، لأنه يحتمل أن يموت بعد التوبة) انتهي.

و قال ابن حجر الهيثمي في الصواعق المحرقة ص 333:

(و قال آخرون: لا يجوز لعنه، اذ لم يثبت عندنا ما يقتضيه، و به أفتي الغزالي، و أطال في الانتصار له، و هذا هو اللائق بقواعد أئمتنا، بما صرحوا به من أنه لا يجوز أن يلعن شخص بخصوصه، الا ان علم موته علي الكفر، كأبي جهل و أبي لهب، و أما من لم يعلم فيه ذلك، فلا يجوز لعنه) انتهي.

و قال ابن تيمية في منهاج السنة ج 2 ص 252:

(فمن أين يعلم الانسان أن يزيد أو غيره من الظلمة لم يتب من


هذه، أو لم تكن له حسنات ماحية تمحو ظلمه، و لم يبتل بمصائب تكفر عنه، و أن الله لا يغفر له ذلك، مع قوله تعالي: ان الله لا يغفر أن يشرك له، و يغفر ما دون ذلك لمن يشاء.

و قد ثبت في صحيح البخاري، عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلي الله تعالي عليه و سلم قال: أول جيش يغزو القسطنطينية مغفور لهم، و أول جيش غزاها كان أميرهم يزيد - الي أن قال -:

و يقال: ان يزيد انما غزا القسطنطينية لأجل هذا الحديث) انتهي.

و قال ابن تيمية في نفس المصدر ج 2 ص 246:

(الناس في يزيد طرفان و وسط، قوم يعتقدون أنه من الصحابة أو من الخلفاء الراشدين المهديين أو من الأنبياء، و هذا كله باطل، و قوم يعتقدون أنه كافر نمافق في الباطن، و أنه كان له قصد في أخذ ثأر كفار أقاربه من أهل المدينة و بني هاشم و أنه أنشد:



لما بدت تلك الحمول و أشرقت

تلك الرؤوس علي ربي جيرون



نعق الغراب فقلت: نح أو لا تنح

فلقد قضيت من النبي ديوني



و انه تمثل بشعر ابن الزبعري:



ليت أشياخي ببدر شهدوا

جزع الخزرج من وقع الاسل



قد قتلنا القرن من ساداتهم

و عدلناه ببدر فاعتدل



و كلا القولين باطل، يعلم بطلانه كل عاقل، فان الرجل ملك من ملوك المسلمين و خليفة من الخلفاء لملوك، لا هذا و لا هذا) انتهي.

و قال في نفس المصدر ج 2 ص 238:


(فان أراد بذلك أنه أعتقد أنه من الخلفاء الراشدين و الأئمة الهتدين كأبي بكر و عمر و عثمان و علي فهذا لم يعتقده أحد من العلماء المسلمين، و ان اعتقد مثل هذا بعض الجهال، كما يحكي عن بعض الجهال من الأكراد و نحوهم أنه يعتقد أن يزيد من الصحابة، و عن بعضهم أنه من الأنبياء، و بعضهم يعتقد أنه من الخلفاء الراشدين المهتدين، فهؤلاء ليسوا من أهل العلم الذين يحكي قولهم).

و قال في نفس المصدر ج 2 ص 239:

(و أما علماء السنة الذين لهم قول يحكي، فليس فيهم من يعتقد أن يزيد و أمثاله من الخلفاء الراشدين، و الأئمة المهتدين، كأبي بكر و عمر و عثمان و علي رضي الله عنهم، بل أهل السنة يقولون بالحديث الذي في السنن: خلافة بالنبوة ثلاثون سنة ثم تصير ملكا).

و نقل ابن حجر الهيثمي في صواعقه ص 335 - 334، عن بعضهم فقال: (ثم رأيت ابن الصلاح من أكابر أئمتنا الفقهاء و المحدثين، قال في فتاويه لما سئل عمن يلعنه، كونه أمر بقتل الحسين:

لم يصح عندنا أنه أمر بقتله رضي الله عنه، و المحفوظ أن الآمر بقتاله المفضي الي قتله كرمه الله انما هو عبيدالله بن زياد والي العراق اذ ذاك.

و أما سب يزيد و لعنه، فليس شأن المؤمنين، و ان صح أنه قتله أو أمر بقتله و قد ورد في الحديث المحفوظ أن لعن المسلم كقتله، و قاتل الحسين رضي الله عنه لا يكفر بذلك، و انما ارتكب اثما عظيما و انما يكفر بالقتل قاتل نبي من الأنبياء.


و الناس في يزيد ثلاث فرق: فرقة تتولاه و تحبه، و فرقة تسبه و تلعنه، و فرقة متوسطة في ذلك لا تتولاه و لا تلعنه، و تسلك به مسلك سائر ملوك الاسلام و خلفائهم غير الراشدين في ذلك.

و هذه الفرقة هي المصيبة، و مذهبها هو اللائق بن يعرف سير الماضين، و يعلم قواعد الشريعة المطهرة، جعلنا الله من أخيار أهلها آمين.

انتهي لفظه بحروفه و هو نص فيما ذكرته، و في الأنوار من كتب أئمتنا المتأخرين: و الباغون ليسوا بفسقة و لا كفرة، و لكنهم مخطئون فيما يفعلونه و يذهبون اليه، و لا يجوز الطعن في معاوية، لأنه من كبار الصحابة، و لا يجوز لعن يزيد و لا تكفيره، فانه من جملة المؤمنين، و أمره الي مشيئة الله، ان شاء عذبه و ان شاء عفا عنه، قاله الغزالي و المتولي و غيرهما) انتهي.

خلاصة ما تقدم: أن يزيد خليفة و ملك من ملوك المسلمين فلا يجوز لعنه، لأنه لم يثبت.مره بقتال الحسين، و علي فرض الثبوت فلا يجوز لعنه أيضا لاحتمال توبته قبل موته، أو احتمال وجود حسنات له تمحو ظلمه، أو احتمال ابتلائه بما يكفر عنه هذا الاثم، أو احتمال غفران الله له، لعموم مغفرة الله، قال تعالي:

(ان الله لا يغفر أن يشرك به، و يغفر ما دون ذلك لمن يشاء) النساء آية 48، و القاعدة في اللعن عندهم أنه لا يجوز لعن شخص بخصوصه الا اذا علم موته علي الكفر.

و هذا لم يثبت في حق يزيد، بل ثبت في صحيح البخاري أن جيش القسطنطينية مغفور له، و يزيد كان أميرهم، علي أن قتل الحسين


لا يوجب الكفر، اذا الموجب للكفر في القتل هو قتل نبي من الأنبياء.

هذا بالاضافة الي أن اللعن ليس من شأن المؤمنين، بل اللعن مساوق للقتل، كما في الحديث المحفوظ، و لعن المسلم كقتله فلا يجوز لعن يزيد.