بازگشت

الخطأ المزعوم للامام المعصوم


ذكرنا سابقا في الأمر الثاني من خلاصة القسم الأول من هذا الكتاب ج 1 ص 102 - 101 عن بعضهم التصريح بخطأ الامام عليه السلام مع كثرة الناصحين له بعدم الخروج، و كان هذا بالنظر الي المؤرخين و أصحاب التراجم، و أما بالنسبة للمحللين الذين كثروا في عصورنا الحاضرة بعدما غلب التحليل العشوائي علي روايات التاريخ في هذه الازمنة فهجمة النواصب أشد و أمر و علي كل قال ابن تيمية في منهاج السنة ج 2 ص 248 - 247:

(و صار الناس في قتل الحسين رضي الله عنه ثلاثة أصناف، طرفين و وسطا، أحد الطرفين يقول: انه قتل بحق، فانه أراد أن يشق عصا المسلمين، و يفرق الجماعة، و قد ثبت في الصحيح عن النبي صلي الله تعالي عليه و سلم أنه قال: من جاءكم و أمركم علي رجل واحد، يريد أن يفرق جماعتكم فاقتلوه، قالوا:

و الحسين جاء وأمر المسلمين علي رجل واحد، فأراد أن يفرق جماعتهم، و قال بعض هؤلاء: هو أول خارج خرج في الاسلام علي ولاة الأمر.

و الطرف الآخر قالوا: بل كان هو الامام الواجب طاعته، الذي لا ينفذ أمر من أمور الايمان الا به، و لا تصلي جماعة و لا جمعة الا


خلف من يوليه و لا يجاهد عدد الا باذنه و نحو ذلك.

و أما الوسط فهم أهل السنة الذين لا يقولون هذا و لا هذا، بل يقولون قتل مظلوما شهيدا، و لم يكن موليا أمر الامة، و الحديث المذكور لا يتناوله، فانه لما بلغه ما فعل بابن عمه مسلم بن عقيل ترك طلب الامر، و طلب أن يذهب الي يزيد أو الي الثغر أو الي بلده، فلم يمكنوه، و طلبوا منه أن يستأسر لهم، و هذا لم يكن واجبا عليه) انتهي، و قال في نفس المصدر ص 256:

(فهذا الغلو الزائد يقابل بغلو الناصبة، الذين يزعمون أن الحسين كان خارجيا، و أنه كان يجوز قتله، لقوله صلي الله عليه و سلم: من أتاكم و أمركم علي رجل واحد، يريد أن يفرق جماعتكم، فاضربوا عنقه بالسيف كائنا من كان، رواه مسلم.

و أهل السنة و الجماعة يردون غلو هؤلاء و هؤلاء، و يقولون: ان الحسين قتل مظلوما شهيدا، و الذين قتلوه كانوا ظالمين معتدين، و أحاديث النبي صلي الله تعالي عليه و سلم التي يأمر فيها بقتل المفارق للجماعة لم تتناوله، فانه رضي الله عنه لم يفارق الجماعة، و لم يقتل الا و هو طالب الرجوع الي بلده أو الي الثغر أو الي يزيد، داخلا في الجماعة معرضا عن التفريق بين الامة.

ولو كان طالب ذلك أقل الناس لوجب اجابته الي ذلك، فكيف لا تجب اجابة الحسين الي ذلك، و لو كان الطالب لهذه الامور من هو دون الحسين لم يجز حبسه و لا امساكه فضلا عن أسره و قتله) انتهي.

أقول: ابن تيمية من أهل القرن الثامن، لأنه توفي سنة 758،


و اعترف بوجود نواصب تعتقد بجواز قتل الحسين عليه السلام، لأنه خارج علي سلطان زمانه.

و لم يصل الينا من كلامهم الا نتف منها:

ما قاله أبوبكر بن العربي المالكي المتوفي سنة 543 ه من أهل القرن السادس حيث قال في كتابه (العواصم من القواصم) ص 247 - 235:

(فان قيل: و لو لم يكن ليزيد الا قتله للحسين بن علي.

قلنا: يا أسفا علي المصائب مرة، و يا أسفا علي مصيبة الحسين ألف مرة، بوله يجري علي صدر النبي صلي الله عليه و آله و سلم - كذا في المصدر من الصلاة علي الآل - و دمه يراق علي البوغاء و لا يحقن - ثم ذكر نصيحة ابن عباس و ابن عمر بعدم الخروج، الي أن قال -:

و ما خرج اليه أحد الا بتأويل، و لا قاتلوه الا بما سمعوا من جده المهيمن علي الرسل، المخبر بفساد الحال، و المحذر عن الدخول في الفتن، و اقواله في ذلك كثيرة، منها قوله صلي الله عليه و آله و سلم: (انه ستكون هنات و هنات، فمن أراد أن يفرق أمر هذه الأمة و هي جميع فاضربوه بالسيف، كائنا من كان) فما خرج الناس الا بهذا و امثاله - الي أن قال -:

(و لو كان للقيام وجه لكان أولي بذلك أبن عباس).

و قال عنه ابن خلدون في مقدمته ص 172:

(و قد غلط القاضي أبوبكر بن العربي المالكي في هذا، فقال في كتابه الذي سماه بالعواصم ما معناه: أن الحسين قتل بشرع جده، و هو غلط، حملته عليه الغفلة عن اشتراط الامام العادل، و من أعدل


من الحسين في زمانه في امامته و عدالته في قتال أهل الاراء) انتهي.

و مازالت النواصب الي يومنا الحاضر تشن حملاتها علي سيدالشهداء عليه السلام، و اذا كان النواصب سابقا يعللون الجواز بالخروج علي سلطان زمانه، فالنواصب اليوم يزيدون في نعيقهم و يحملونه مسؤولية ما جري و ما ترتب عليه من انقسام بين المسلمين، و ينسبون اليه عدم النظر في العواقب، و عدم التأني في العمل و أنه صاحب نزوة شخصية للاستيلاء علي الملك، و أنه أغتر بكتب أهل الكوفة فخرج، و أن أهل الكوفة شيعته قتلوه ثم ندموا و بكوه، و اليك نصين من نصوصهم.

الاول:

ما قاله الشيخ محمد الخضري في كتابه (تاريخ الامم الاسلامية) ج 2 ص 130 - 129، بعد ما ذكر خلاصة مجريات النهضة تبعا لما ارتأه من الاخبار:

(بذلك الشكل المحزن انتهت هذه الحادثة التي أثارها عدم الاناة و و التبصر في العواقب، فان الحسين بن علي رمي بقوله مشيريه جميعا عرض الحائط، و ظن بأهل العراق خيرا، هم أصحاب أبي فقد كان أبوه خيرا عنه - كذا و لعله: منه - و أكثر عند الناس و جاهة، و كانت له بيعة في الاعناق، و مع كل ذلك لم ينفعوه، حتي تمني في آخر حياته الخلاص منهم.

أما الحسين فلم تكن له بيعة، و كان في العراق عماله و امراؤه، فاغتر ببعض كتب، كتبها دعاة الفتن و محبو الشر، فحمل أهله و أولاده و سار الي قوم ليس لهم عهد.


و انظروا كيف تألف الجيش الذي حاربه، هل كان الا من أهل العراق وحدهم، الذين يرفعون عقيدتهم بأنهم شيعته علي بن أبي طالب؟

و علي الجملة فان الحسين أخطأ خطأ عظيما في خروجه هذا، الذي جر علي الأمة و بال الفرقة و الاختلاف و زعزع عماد الفتها الي يومنا هذا، و قد أكثر الناس من الكتابة في هذه الحادثة، لا يريدون بذلك الا أن تشتعل النيران في القلوب فيشتد تباعدها.

غاية ما في الأمر أن الرجل طلب أمرا لم يتهيأ له، و لم يعد له عدته فحيل بينه و بين ما يشتهي و قتل دونه.

و قتل أبوه فلم يجد من أقلام الكاتبين و من يبشع أمر قتله، و يزيد به نار العداوة تأجيجا.

و قد ذهب الجميع الي ربهم، يحابسهم علي ما فعلوا، و التاريخ يأخذ من ذلك عبرة، و هي أنه لا ينبغي لمن يريد عظائم الامور أن يسير اليها بغير عدتها الطبيعية، فلا يرفع سيفه الا اذا كان معه من القوة ما يكفل به النجاح أو يقرب من ذلك، كما أنه لابد أن تكون هناك أسباب حقيقية لمصلحة الامة، بأن يكون هناك جور ظاهر لا يحتمل، و عسف شديد ينوء الناس بحمله.

أما الحسين فانه خائف علي يزيد و قد بايعه الناس، و لم يظهر منه ذلك الجور و لا العسف عند اظهار هذا الخلاف) انتهي.

النص الثاني:

ما قاله محمد عزة دروزة في كتابه (تاريخ الجنس العربي) ج 8 ص 387 - 382، المطبوع في سنة 1983 ه - 1964 م.


(و بعد فهذه قصة خروج الحسين رضي الله عنه، التي انتهت بمقتله المفجع، الذي كانت له علي الاسلام و العرب آثار مشؤومة، غير أن الروايات المروية تسوغ بدون ريب استخراج نتائج عديدة معقولة منها:

أن خروج الحسين كان تمردا علي سلطان يزيد بن معاوية، الموطد ببيعة جماهير المسلمين في مختلف الامصار، و من جملتها العراق، و دعوة الي نقضها، و تحديدا لهذا السلطان، برغبة الحلول محل يزيد شخصيا و أسرويا تستمد بواعثها من اعتقاد شخصي بالافضلية و الاولوية، و المستند بالدرجة الأولي الي كونه ابن بنت رسول الله صلي الله عليه و سلم، و أن شخصية الحسين و صلته برسول الله هما اللتان أسبغتا علي الحادث المعني القدسي الذي اكتنفه، فأدي قتله الي ما أدي اليه من مرارة و ألم و نتائج مشؤومة، في حين أنه ليس هناك ما يبرر له ذلك من الوجهة الشرعية و القومية و السياسية.

فقد كان الحسين معترفا بشرعية خلافة معاوية المستندة الي بيعة جمهور أهل الحل و العقد العامة له، و بتنازل الحسن له، و بيعته هو و اخوته له، و هو يعرف أن خلافة يزيد مستندة الي مثل هذه البيعة، و لا يجهل أن الخروج علي الامام المستند الي مثل هذه البيعة موضوع و عيد و تنديد نبويين شديدين.

و عدم مبايعته شخصيا ليزيد، وصلته برسول الله صلي الله عليه و سلم، و اعتقاده بأفضليته و اولويته، بل و التسليم بذلك، لايمكن أن يبرر له الخروج عليه و الدعوة الي نقض بيعته في نطاق توجيه الاحاديث النبوية العديدة.

و قد اعتبر اصحاب رسول الله ذلك منه تفريقا للجماعة، و ناشدوه


بتقوي الله في ذلك، علي ما تفيده الروايات المروية عن ابن عباس وابن عمر، و ما أثر عنه، و سيق في مجال الدفاع عن كون خروجه انما كان لمكافحة الظلم و الانحراف و احياء احكام كتاب الله و سنة رسوله التي ماتت انما هو تبرير دعائي، لا يتسق مع الظروف و الوقائع، فالحسين كان داخلا في بيعة معاوية، و بالتالي معترفا بشريعة خلافته.

و لم يكن قد مر علي ولاية يزيد حينما امتنع من مبايعته، و خرج من المدينة، الا أيام قليلة، لم يرو أحد عنه حادثا ما خلالها، فيه انحراف و بغي و معصية - الي أن قال -:

و كتابة الشيعة في العراق و دعوتهم أو بيعتهم له لا تبرر خروجه في حد ذاتها، بقطع النظر عن كونه خرج من المدينة، و هو مبيت النية علي الخروج، لأن هناك اماما مبايعا من قبل جمهور المسلمين، و من جملتهم أهل العراق، و سلطانه مستتب، و حالة الدولة و المسلمين في كنفه حسنة - الي أن قال -:

و من هذه النتائج: أنه ليس هناك ما يبرر نسبة قتل الحسين الي يزيد، فهو لم يأمر بقتاله فضلا عن قتله، و كل ما أمر به أن يحاط به و لا يقاتل الا اذا قاتل، و مثل القول يصح بالنسبة لعبيدالله بن زياد، فكل ما أمر به أن يحاط به لا يقاتل الا اذا قاتل، و أن يؤتي به اليه ليضع يده في يده، أو يبايع يزيد صاحب البيعة الشرعية.

بل ان هذا ليصح قوله بالنسبة لامراء القوات التي جري بينها و بين الحسين و جماعته فقال، فانهم ظلوا ملتزمين بما أمروا به، بل و كانوا يرغبون أشد الرغبة في أن يعافيهم الله من الابتلاء بقتاله، فضلا عن قتله، و يبذلون جهدهم في اقناعه بالنزول علي حكم ابن زياد ء مبايعة يزيد.


فاذا كان الحسين أبي أن يستلم ليدخل فيما دخل فيه المسلمون، و قاوم بالقوة فمقابلته و قتاله صار من الوجهة الشرعية و الوجهة السياسية سائغا.

و ينطوي في هذا رد حاسم علي الحملة الشديدة التي يشنها الشيعة منذ ثلاثة عشر قرنا علي يزيد و ابن زياد، و تكون مسؤولية ما وقع من الحادث المفجع المشؤوم و نتائجه عليه - أي علي الحسين - بدون ريب.

و لقد تلقي نصائح كثيرة جدا في المدينة و في مكة و في الطريق، و من أقاربه و اوليائه و محبيه بعدم الخروج، و تقوي الله في تفريق جماعة المسلمين و تعريض نفسه للقتل، ثم تيقن من انفضاض الناس عن مسلم، و تيقن أنه لا قبل له بقتال قوات الدولة، و كان في امكانه الرجوع، لأنه تلقي الخبر قبل دخول العراق، و مع ذلك فقد أصر اصرارا يثير أشد العجب علي موقفه، مما يزيد في عظم مسؤوليته.

و ليس في نزوله علي حكم سلطان الدولة نقص في دين و لا كرامة، فصاحب هذا السلطان امام شرعي، و حسين علي كل حال فرد من أمة المسلمين، و لو فعل لما أصابه أذي، و لنال التوقير و الاحترام) انتهي.

و خلاصة الهجمة الناصبية أمور:

الاول: لا موجب لخروج الامام عليه السلام لعدم الجور و الظلم من يزيد، لأنه لم تمض الا أيام قليلة من خلافته.

و يرده: أن الموجب للخروج هو غصب الخلافة من حين وفاة النبي الاعظم صلي الله عليه و آله و سلم مع تلاعب فيها تارة ببيعة شخص و أخري بعهد من السابق و ثالثة بشوري بين ستة.


و توقيت الخروج في زمن يزيد، لأن ولايته لم تكن بشوري بين المسلمين و لا برضاهم، بل كانت بحيل و كذب و ترهيب من معاوية عندما أخذ له بيعة العهد في زمن حياته، و بهذا اصبحت الخلافة ملكا عضوضا بين بني أمية، اعداء الله و رسوله و الشجرة الملعونة في القرآن.

فخروج الامام عليه السلام مع علمه بأن الاسباب الظاهرية مؤدية لقتله يوجب هزة في نفوس المسلمين، ليراجعوا مفاهيمهم التي غرسها الغاصبون للخلافة، و المراجعة توجب بطلان القدسية التي أعطيت لهؤلاء الخلفاء، و توجب بطلان لخافتهم لآنها غصب، و توجب وضوح الصورة في تلاعب بني أمية بالدين تبعا لآهوائهم الشخصية، و أي جور و ظلم اعظم و أكبر من جور و ظلم التلاعب بالدين و أحكامه، و التلاعب بالامامة التي سنها الله و رسوله صلي الله عليه و آله و سلم في أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب و بنيه المعصومين عليهم السلام.

الثاني: الصحابة و الاقارب نصحوه و ناشدوه بتقوي الله بعدم الخروج.

و يرده: أن الذي نصحه هو ابن عباس و ابن الحنفية فقط، و تكثير عدد الناصحين من الصحابة و التابعين فهو من التلاعب بأخبار النهضة.

و نصيحة ابن عباس و ابن الحنفية تبعا لرويتهما للاسباب الظاهرية التي كانت مؤدية لقتله، و هما معذوران لعدم اطلاعهما علي ما يطلع عليه المعصوم من أمور مستقبلية من أن قتله هو خير وسيلة للهجوم علي مدرسة الخلفاء المزعومة التي بنوا اطارها و حشوا مفاهيمها بالاكاذيب و الاباطيل، و لذا علل الامام عليه السلام لاحدهما بأن الله شاء أن يراه قتيلا و يري نساءه سبايا.


الثالث: أن يزيد لم يأمر بقتله و لا قتاله، و كذا ابن زياد، و قد خرج الحسين بنزعة شخصية أو أسروية، أو بطلب من أهل العراق.

و علي الأول و الثاني فقد أخطأ خطأ عظيما اذ خرج لأمر عظيم و لم يمهد أسبابه، و علي الثالث فأهل العراق شيعته كاتبوه فخذلوه ثم قتلوه، فلا ذنب علي الأموي، بل الذنب علي الشيعي.

بل لا ذنب علي الجيش الذي قتله، اذ قاتلوه لادخاله فيما دخل فيه المسلمون، فكل النتائج المترتبة علي قتله يتحملها الحسين.

و يرده: أن عدم طلب يزيد القتل و لا القتال، و كذا ابن زياد أمر مكذوب، و يرده الأخبار التي طلب فيها يزيد القتل و قطع الرأس، و التي طلب فيها ابن زياد بالاضافة الي ذلك رضي الصدر، و قد أوردناها في مظانها.

و أما أن الخروج بسبب كتب أهل العراق فيرده: أنه خرج في أواخر رجب و وصلت اليه الكتب في شهر رمضان، فخروجه متقدم فكيف يعلل بالمتأخر و أما أن أهل العراق شيعة فيرده ما قلناه سابقا في مظانه من أن التشيع كان بذرة فردية فيهم قبل كربلاء، و أنهم شيعة آل ابي سفيان.

و أما أنه لا ذنب للجيش الذي قتل فيرده قول بعض قواده بأن قتاله عليه السلام ضلال.

و المسلمون لم يدخلوا بتمامهم في بيعة يزيد، و علي فرض التمام فليس برضاهم، و مع عدم الرضا فلا قيمة لهذا الدخول.

الرابع: خروج الحسين تمرد، لأن يزيد امام شرعي.

و يرده: أن الخروج بسبب غصب الخلافة من زمن السقيفة، الذي أخذ أشكالا و ألوانا، و أفظعها جعل الخلافة ملكا عضوضا لبني


أمية أعداء الله و رسوله، و الحيلة و الدهاء و الرشوة و الترهيب و الكذب لا تجعل يزيد وليا شرعيا، و دعوي أن الحسين معترف بشرعية خلافة معاوية، و خلافة يزيد مستندة اليها مردودة، اذ تسليم الأمر من الامام الحسن عليه السلام الي معاوية لا يعطي معاوية شرعية بعدما كان متمردا علي أميرالمؤمنين الذي نص عليه الله و رسوله، و بايعه المسلمون.

و قد سلم الامام الحسن عليه الأمر لعدم القدرة علي المحاربة، بالاضافة الي أن تسليم الأمر كان مشروطا برجوعه الي الحسن و الا فالي الحسين، فاين الشرعية لخلافة معاوية بعدما وضع هذه الشروط تحت قدميه كما صرح هو بذلك في أول خطبة له في الكوفة، و بعدما مارس كل أنواع الهجوم ضد علي و امامته و بنيه و شيعته ليطفي ء نوره، و يأبي الله الا أن يتمه.

و مع غض البصر عن شرعية خلافة معاوية، فتلاعبه بأمور الدين و جعل الخلافة ملكا عضوضا لا يجعله شرعيا لأنه خليفة، اذ يجب علي الخليفة تطبيق أحكام القرآن و السنة فقط، فدعوي استناد شرعية خلافة يزيد الي شرعية خلافة معاوية ساقطة كسقوطهما.

الخامس: الذي يكتب في النهضة الحسينية بعد وقوعها علي كثرتهم يريد اذكاء الفتنة بين المسلمين.

و يرده: أن الذي يذكي نار الفتنة هو المصر علي ابقاء التلاعب بالدين علي حاله، و المصر علي قلب الحقائق و جعل الغاصب محقا، و الظالم مظلوما، و القاتل بريئا، ثم الكثرة الكاتبة في النهضة الحسينية من غير الشيعة، ارادوا تحريفها و تزوير حقائقها، فتضطر شيعة علي عليه السلام الي الرد علي هذه الافعال الشيطانية، بابراز الحقائق و ابطال الاوهام.


و الحاصل أن خروج سيدالشهداء عليه السلام بنفسه و عياله و أولاده و اخوته و بني عمومته ليبين للناس مدي اسلام المتسلطين و حقدهم و عدم انسانيتهم و قد أفلح كل الفلاح في ذلك.

لأن مسلمي البلاد المفتوحة كانوا تبعا لدعاية الخليفة الغاصب، يتصورون قداسة الخليفة لقداسة مقامه، و أن ما يصدر منه هو عين شرع الله و رسوله، و أن ما صدر من الجهاز المقرب من الخليفة الغاصب هو عين ما قاله رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم.

و بقتلهم الحسين عليه السلام و من معه، و سبي نسائه تبين بطلان هذه الصورة المعطاة لهم، بل تبين مقدار حقدهم علي رسول اله صلي الله عليه و آله لأنه نبي استطاع أن يغلب كفرهم و جاهليتهم، و تبين مقدار انسلاخهم عن الانسانية، فأصبح الخليفة بعد كربلاء - و الناس معه، لأن الناس علي دين ملوكهم - من دون غطاء اسلامي، و أصبح الاسلام الحقيقي من دون غطاء رسمي و لا شعبي.

فاضطر الخلفاء بعد كربلاء عبر جهازهم من الفقهاء و المحدثين بوضع اسلام يناسب مقامهم الغاصب، و شرع الائمة عليهم السلام بعد كربلاء في توعية الناس للاسلام الحقيقي، من خلال الدعاء في زمن سيدالساجدين، و من خلال بث العلم في زمن الباقريين، و من خلال ترسيخ الشخصية الاسلامية في زمن بقية الائمة عليهم السلام الي حين الغيبة، عجل الله تعالي خروج صاحبها، و عليه و علي آبائه أفضل الصلوات و التحيات.

ما تقدم هو عرض لما برز من الناصبة في الخطأ المزعوم للامام المعصوم عليه السلام، و هو بالواقع خطأ يحمل معني الخطيئة و الاثم، و هناك قول آخر لهم، و هو لجمهورهم علي ما نسبه ابن تيمية الي أهل السنة


في كلامه المتقدم في أول هذه الفقرة و اليك عرض بعض كلامهم مع نقضه:

قال ابن تيمية في منهاج السنة ج 2 ص 248:

(و أما الوسط فهم أهل السنة الذين لا يقولون هذا و لا هذا، بل يقولون:

قتل مظلوما شهيدا، و لم يكن متويا أمر الأمة، و الحديث المذكور لا يتناوله، فانه لما بلغه ما فعل بابن عمه مسلم بن عقيل ترك طلب الأمر، و طلب أن يذهب الي يزيد أو الي الثغر أو الي بلده فلم يمكنوه، و طلبوا منه أن يستأسر لهم، و هذا لم يكن واجبا عليه) انتهي.

و قال ابن تيمية في منهاج السنة أيضا ج 2 ص 242 - 241:

(و لهذا استقر أمر أهل السنة علي ترك القتال في الفتنة، للأحاديث الصحيحة الثابتة، عن النبي صلي الله تعالي عليه و سلم، و صاروا يذكرون هذا في عقائدهم، و يأمرون بالصبر علي جور الأئمة و ترك قتالهم، و ان كان قد قاتل في الفتنة خلق كثير من أهل العلم و الدين.

و باب قتال البغي و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر يشتبه بالقتال في الفتنة، و ليس هذا موضع بسطه، و من تأمل الأحاديث الصحيحة الثابتة عن النبي صلي الله تعالي عليه و سلم في هذا الباب، و اعتبر أيضا اعتبار أولي الأبصار علم أن الذي جاءت به النصوص النبوية خير الأمور، و لهذا لما أراد الحسين رضي الله عنه أن يخرج الي أهل العراق لما كاتبوه كتبا كثيرة أشار عليه أفاضل أهل العلم و الدين كابن عمر وابن عباس و ابي بكر بن عبدالرحمان بن الحارث


بن هشام أن لا يخرج و غلب علي ظنهم أنه يقتل، حتي ان بعضهم قال: استودعك الله من قتيل.

و قال بعضهم: لولا الشناعة لأمسكتك و منعتك من الخروج، و هم بذلك قاصدون نصيحته، طالبون لمصلحته و مصلحة المسلمين، و الله و رسوله.

انما يأمر بالصلاح لا بالفساد، لكن الرأي يصيب تارة و يخطي ء أخري فتبين أن الأمر علي ما قاله اولئك اذ لم يكن في الخروج مصلحة لا في دين و لا في دنيا.

بل تمكن أولئك الظلمة الطغاة من سبط رسول الله صلي الله تعالي عليه و سلم حتي قتلوه مظلوما شهيدا، و كان في خروجه و قتله من الفساد ما لم يكن يحصل لو قعد في بلده، فان ما قصده من تحصيل الخير و دفع الشر لم يحصل منه شي ء، بل زاد الشر بخروجه و قتله، و نقص الخير بذلك، و صار سببا لشر عظيم، و كان قتل الحسين مما أوجب الفتن).

و قال ابن خلدون في المقدمة ص 171:

(و أما الحسين، فانه لما ظهر فسق يزيد عند الكافة من أهل عصره بعثت شيعة أهل البيت بالكوفة للحسين: أن يأتيم فيقوموا بأمره، فرأي الحسين أن الخروج علي يزيد متعين من أجل فسقه، لا سيما من له القدرة علي ذلك و ظنها من نفسه بأهليته و شوكته.

فأما الأهلية فكانت كما ظن و زيادة، و أما الشوكة فغلط يرحمه الله فيها، لأن عصبية مضر كانت في قريش، و عسبية قريش في عبدمناف، و عصبية عبدمناف انما كان في بني أمية، تعرف ذلك لهم قريش و سائر الناس لا ينكرونه - الي أن قال -: فقد تبين لك غلط


الحسين، الا أنه في أمر دنيوي لا يضره الغلط فيه علي ذلك، و لقد عذله ابن عباس و ابن الزبير و ابن عمر و ابن الحنفية اخوه و غيره في مسيره الي الكوفة، و علموا غلطه في ذلك، و لم يرجع عما هو بسبيله لما أراده الله) انتهي.

و قال السيد الجميلي في مقدمة كتابه الذي أورد فيه أخبار الطبري عن مجريات النهضة، و ما قاله ابن تيمية في مدفن رأس الحسين عليه السلام، ص 21:

(ان الحسين بن علي رضي الله عنه قد أحسن الظن بالأعراب، فكان تعويله علي خطاباتهم و رسلهم اليه ثقة مطلقة، لم يضع لها احتمالا لخيانة أو الخديعة.

اصرار الحسين علي الخروج رغم تحذير أقربائه و اصحابه و ناصحيه فلم يأخذ برأي أي منهم كانت نقطة عليه لا له و كأنه نسي قول جده صلي الله عليه و سلم: ما خاب من استخار و ما ضل من استشار).

و خلاصة ما تقدم أمور:

الأول: أنه لما قتل مسلم و علم بذلك الامام الحسين عليه السلام ترك طلب الأمر، و طلب الذهاب الي يزيد أو الي الثغر أو الي بلده.

و يرده: أن الامام عليه السلام علم بمقتل مسلم قبل محاصرته من قبل جيش ابن زياد، و لو ترك طلب الأمر لرجع مع أنه استمر علي الاقدام.

و أما طلب الذهاب الي يزيد فمكذوب، نعم طلب الرجوع الي بلده أو ثغر مع اباءه عن بيعة يزيد، و هم يريدون منه البيعة، و هذا كاشف عن أن رفضه للبيعة الذي رفضها قبل الخروج مازال مستمرا،


و أن رفض البيعة رفض لكل ما زخرفته مدرسة الخلفاء علي ما تقدم بيانه.

الثاني: أن الحسين عليه السلام قد دخل باب الفتن، و هو غير باب قتال أهل البغي، و غير باب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر.

و باب الفتن منهي عنه، و لذا عندما خرج نهاه أكابر أهل العلم و الدين، فلم يكن في خروجه مصلحة في دنيا و لا دين، بل ترتب علي قتله شر عظيم.

و يرده أولا: أن هذا القول الثاني لنفس صاحب القول، و هو ابن تيمية، مع نسبة الأول لجمهور أهل السنة و قد اختاره فمن أين أتي القول الثاني؟

ثانيا: لا فرق في النهي عن المنكر بين ظلم السلطان و ظلم غيره، فهو مندرج تحت النهي عن المنكر، فدعوي المغايرة ليس في محلها، و اما الأخبار التي لوحوا بها من أنه لا يجوز الخروج علي سلطان زمانه و ان كان ظالما فهي علي خلاف القرآن، و ما كان خلافه فمضروب به عرض الحائط، و السبب في وضعها المحافظة علي ملك خلفائهم الظالمين، و أنه شرعي و ان كان ظالما، و أن الخارج عليه مأثوم و ان كان محقا.

الثالث: أن الحسين غلط باعتبار عدم القدرة له، لأن الشوكة لبني أمية، الا أنه غلط دنيوي.

و يرده: أن الامام عليه السلام أقدم علي الخروج مع علمه بأن الأسباب مسوقة لقتله، و قتله سيترتب عليه فتح عظيم، و هذا مقدور عليه و قد أدي خروجه الي القتل.


الرابع: أن ظن الحسين بمن كاتبه و راسله هو السبب في خطئه، لأنه لم يضع احتمالا للخيانة أو الخديعة.

و يرده: أن خروج الامام الحسين عليه السلام من المدينة بعد رفض البيعة قبل علم أهل الكوفة و قبل مكاتبتهم و رسلهم، فم يكن خروجه بسبب كتبهم و رسلهم ليفوته احتمال خيانتهم أو خديعتهم.

و الحاصل: أن العامة يريدون الحفاظ علي قدسية الخلفاء الغاصبين، و يريدون عدم نسبة اثم القتل ليزيد، و في الوقت نفسه لا يستطيعون نسبة الاثم لسيدالشهداء عليه السلام لكثرة الأحاديث النبوية الواردة في حقه عندهم، فكانت هذه التعاليل، الا أنها غير متفق عليها بينهم.