بازگشت

امتداد لشخصية أبيها


عاصرت السيدة زينب اباها لخمس وثلاثين عاماً، كانت خلالها القريبة الي قلبه والعزيزة عليه، وكان هو الأقرب الي نفسها، والأشد تأثيراً عليها.. لذلك تقمصت السيدة زينب شخصية أبيها علي في شجاعته واقدامه، وفي فصاحته وبيانه، وفي عبادته وانقطاعه الي الله وفي سائر الفضائل والخصال الكريمة التي ورثتها زينب من أبيها علي بعد أن تربت في أحضانه وتتلمذت علي يديه طوال خمس وثلاثين سنة.

ففي مجال البلاغة والفصاحة يقول العلامة الشيخ جعفر النقدي بعد أن يتحدث عن بلاغة علي وبيانه. فأعلم أن هذه الفصاحة العلوية، والبلاغة المرتضوية، قد ورثتها هذه المخدرة الكريمة، بشهادة العرب أهل البلاغة والفصاحة أنفسهم، فقد تواترت الروايات عن العلماء وارباب الحديث بأسانيدهم عن حذلم بن كثير، قال:

قدمت الكوفة في المحرم سنة احدي وستين عند منصرف علي بن الحسين من كربلاء ومعهم الأجناد، يحيطون بهم، وقد خرج الناس للنظر اليهم، فلما أقبل


بهم علي الجمال بغير وطاء، وجعلن نساء الكوفة يبكين وينشدن فسمعت علي بن الحسين يقول بصوت ضئيل وقد أنهكته العلة، وفي عنقه الجامعة ويده مغلولة الي عنقه: أن هؤلاء النسوة يبكين فمن قتلنا؟.

قال: ورأيت زينب بنت علي ولم أرَ خفرة أنطق منها كأنها تفرغ عن لسان أمير المؤمنين.

وهذا حذلم بن كثير من فصحاء العرب أخذه العجب من فصاحة زينب وبلاغتها، وأخذته الدهشة من براعتها وشجاعتها الأدبية، حتي أنه لم يتمكن أن يشبهها الا بأبيها سيد البلغاء والفصحاء، فقال: كأنها تفرغ عن لسان أمير المؤمنين [1] .

وفي جانب العبادة والمناجاة والتضرع كانت تحفظ العديد من أدعية ومناجاة أبيها علي وتواظب علي قرائتها، فقد روي عنها أنها كانت تدعو بعد صلاة العشاء بدعاء أبيها علي وهو: «اللهم إني أسألك ياعالم الأمور الخفية، ويا من الأرض بعزته مدحية، ويا من الشمس والقمر بنور جلاله مشرقة مضيئة..»، الي آخر الدعاء [2] .

كما كانت تناجي ربها بمناجاة أبيها علي، وهي قصيدة روحية تفيض خشوعاً وتضرعاً لله (سبحانه) مطلعها:



لك الحمد ياذا الجود والمجد والعلي

تباركت تُعطي من تشاء وتمنع [3] .



وكانت تلهج أيضاً بأبيات حكمية وعظية لأبيها علي جاء فيها:



وكم لله من لطف خفي

يدق خفاه عن فهم الذكي






وكم يسر أتي من بعد عسر

وفرج كربة القلب الشجي



وكم أمر تساء به صباحاً

فتأتيك الـمسّرة بالعشي



اذا ضاقت بك الأحوال يوماً

فثق بالواحد الفرد العلي [4] .



هكذا تتابع السيدة زينب خطي أبيها علي، وتتقمص شخصيته وتلهج بأدعيته وكلماته.



پاورقي

[1] (زينب الکبري) جعفر النقدي ص 48.

[2] (عقلية بني هاشم) الهاشمي ص 16.

[3] المصدر السابق ص 16.

[4] المصدر السابق ص 19.