بازگشت

الانسجام والمحبة


لماذا نري بعض الناس وديعين أليفين قادرين علي التعاون والأنسجام مع الآخرين، ونري بعض الآخر عدائيين مزعجين يتعاملون مع الآخرين بخشونة وقسوة؟.

إن من أبرز العوامل والأسباب التي تؤثر في صنع نفسية الأنسان وتوجيهها نحو الإلفة والوداعة أو العداء والإساءة، هي الأجواء العائلية التي يعيشها الأنسان في طفولته، فاذا عاش الطفل جواً عائلياً تسوده المحبة والأنسجام فانه يتربي ضمن ذلك النموذج، أما اذا ما نشأ في أجواء المشاحنة والبغضاء بين أبيه وأمه، أو بينه وبين والديه، أو فيما بين اخوته، فان ذلك يزرع في نفسه بذور الحقد والقسوة، ويدفعه لممارسة العنف والأيذاء دفاعاً عن ذاته وحقوقه.

يقول الأستاذ الفلسفي: «إن سلوك جميع أفراد البشر وأساليب معاشرتهم مع الناس انما هو خلاصة للأساليب التربوية التي اتخذت معهم في دور الطفولة، من قبل الآباء أو الأمهات في الأسرة أو من قبل المعلمين في المدرسة. فكل خير أو شر لقّنوه أياهم في أيام الطفولة يظهر علي سلوكهم عند الكبر، وعندما يصبحون أعضاء في هذا المجتمع الإنساني الكبير وبعبارة اخري فان الوضع الروحي والخلقي والسلوكي للناس في كل عصر إنما هو حصيلة البذور التربوبية التي نثرت في أدمغتهم أيام الطفولة» [1] .


لذلك يؤكد الإسلام علي أن يغمر الأطفال بالعطف والحنان وأن يتعامل معهم الوالدان بالمحبة والشفقة، وأن يجنبوا ابناءهم حصول المشاكل أمامهم.

وقد عاشت السيدة زينب وترعرعت في جو يغمره العطف والحنان وتسوده المحبة والإنسجام، فعمدا البيت وقطباه علي وفاطمة والدا زينب كانت علاقتهما قمة في الصفاء والحب لا تدانيها أية علاقة زوجية في تاريخ البشر.

يقول الإمام علي (عليه السلام) عن حياته مع الزهراء (عليها السلام):

«فوالله ما أغضبتها ولا أكرهتها علي أمر حتي قبضها الله (عز وجل) ولا أغضبتني ولا عصت لي أمراً، لقد كنت أنظر اليها فتنكشف عني الهموم والأحزان» [2] .

وفي آخر ساعة من حياتها تخاطب الزهراء علياً (عليهما السلام) قائلة:

«يابن عم! ما عهدتني كاذبة ولا خائنة ولا خالفتك منذ عاشرتني»؟!.

فيجبيها الإمام علي: «معاذ الله أنت أعلم بالله وأبر وأتقي وأكرم وأشد خوفاً من الله من أن اُوبّخك بمخالفتي» [3] .


پاورقي

[1] (الطفل بين الوراثة والتربية) محمد تقي فلسفي ج 2، ص 70.

[2] (فاطمة الزهراء من المهد الي اللحد) القزويني ص 212.

[3] المصدر السابق ص 609.