بازگشت

الوضع الحياتي المعيشي


قد تختلف تأثيرات حياة الترف والرفاه علي نفس الطفل عن تأثيرات حياة التقشف والبساطة، ففي الحالة الأولي ينشأ الطفل علي الدّلع والدلال، وينعدم لديه الشعور بقيمة الأشياء لتوفرها أمامه، ولا تنمو في نفسه حساسية ولا شفاهية تجاه حالات الفقر والحرمان لأنه لم يتذوق مرارتها، كما أن مشاكل الحياة قد تصدمه بقوة لعدم استعداده النفسي لمواجهة الصعوبات والمشاكل.

اما في الحالة الثانية فان شخصية الطفل قد تكون أكثر اتزاناً وأقوي جلداً، وأقل استهانة بالأشياء والأمور، وأقرب الي التفاعل النفسي مع الطبقات المحرومة والضعيفة في المجتمع.

كما أننا يجب أن نفرق بين البساطة والتقشف اللذين يفرضهما الفقر والحاجة وبينها في حالة الأختيار والطواعية، ففي اُولي الحالتين قد تسبب حالة البساطة والتقشف عند الأنسان وجود التطلعات والتمنيّات لرغد العيش ورفاهية الحياة، كما قد يتسرب الي نفس الطفل شيء من عدم الارتياح تجاه الموسرين المترفين كارضية للحقد والحسد والانتقام.

بينما توجد حالة البساطة المختارة كنمط للحياة عند العائلة توجد المشاعر والانعكاسات الايجابية دون تلك السلبيات حيث يري الطفل ان عائلته تمتلك القدرة علي الرفاه لكنها لا ترغبه لمنطلقات أخلاقية، كما لو كانت العائلة تؤثر


الفقراء والمحتاجين، وتجود علي الضعفاء والمعوزين.

والسيدة زينب نشأت في أفضل جو عائلي من هذا الجانب فأسرتها لم تكن فقيرة معوزة، فلربما سمعت زينب في فترة طفولتها عن ثروات جدتها خديجة، كما تري الموقع القيادي لجدها رسول الله (صلي الله عليه وآله) حيث ولدت ونشأت في فترة الانتصارات العسكرية والسياسية والتي كانت تعود علي المسلمين بالغنائم الكثيرة ولجدها النبي (صلي الله عليه وآله) فيها التصرف المطلق الي جانب استعداد المسلمين لبذل كل امكانياتهم ووضعها تحت تصرّف رسول الله (صلي الله عليه وآله).

وتلاحظ السيدة زينب امتلاك عائلتها لبعض الأمكانيات ثم تنازلها عنها لصالح الآخرين، ويخلد القرآن الحكيم نموذجاً لهذه الحالة عند عائلة زينب مشيداً بها في سورة الانسان، حيث يقول (تعالي): (



يوفون بالتدر ويخافون يوماً كان شره مستطيراً

ويطعمون الطعام علي حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً



إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاءً ولا شكوراً) [1] .

ففي كثير من التفاسير أن هذه الآيات نزلت في حق أهل البيت (عليهم السلام) ونثبت منها عبارة الرازي بنصها:



ذكر الواحدي من أصحابنا ـ أي السنة ـ وصاحب (الكشاف) من المعتزلة: ان الحسن والحسين مرضا فعادهما الرسول في أناس معه، فقالوا: يا أبا الحسن لو نذرت علي ولدك.

فنذر علي وفاطمة وجارية لهما إن شفاهما الله تعالي أن يصوموا ثلاثة أيام، فشفيا فاستقرض علي ثلاثة اصوع من شعير، فطحنت فاطمة صاعاً، واختبزت خمسة أقراص علي عددهم، ووضعوها بين ايديهم ليفطروا فوقف عليهم سائل، فقال: السلام عليكم يأهل بيت محمد مسكين أطعموني، أطمعكم الله من


الجنة.

فآثروه ولم يذوقوا الا الماء، وأصبحوا صائمين، فلما امسوا ووضعوا الطعام بين ايديهم وقف يتيم فآثروه، وجاءهم اسير في الليلة الثالثة، ففعلوا مثل ذلك، فلما أصبحوا ابصرهم رسول الله يرتعشون كالفراخ، فقال: ما أشد ما يسوءني ما أري بكم.

فنزل جبرئيل وقال: خذها يا محمد هناك الله في أهل بيتك، فقرأ هذه السورة [2] .

وقد سجّل الشيخ الأميني في موسوعته (الغدير) قائمة تحتوي علي المصادر التي روت هذه الحادثة من كتب التفسير والحديث لأهل السنة والجماعة بلغت (34 مصدراً) [3] .

ونموذج آخر تسجّله الروايات يعطينا صورة عن بساطة الحياة والزهد المتعمد الذي اختارته عائلة زينب انطلاقاً من منهجية خاصة في فهم الحياة والتعامل معها.

عن زرارة عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) قال: كان رسول الله (صلي الله عليه وآله) إذا أراد سفراً سلم علي من أراد التسليم عليه من أهله، ثم يكون آخر من يسلم عليه فاطمة، فيكون وجهه الي سفره من بيتها، وإذا رجع بدأ بها ـ أي يزورها قبل كل أحد ـ فسافر مرة وقد أصاب علي شيئاً من الغنيمة ورفعه الي فاطمة، فأخذت سوارين من فضة، وعلقت علي بابها ستراً ـ أي ألبست الباب ثوباً للزينة ـ فلما قدم رسول الله (صلي الله عليه وآله) دخل المسجد، فتوجه نحو بيت فاطمة كما كان يصنع، فقامت الي أبيها صبابة وشوقاً اليه، فنظر فاذا في يدها سواران من فضة وإذا علي بابها ستر، فقعد رسول الله (صلي الله عليه وآله)


حيث ينظر اليها، فبكت فاطمة وحزنت وقالت: ما صنع هذا بي قبلها.

فدعت ابنيها، فنزعت الستر عن بابها، وخلعت السوارين من يديها ثم دفعت السوارين الي احدهما والستر الي الآخر، ثم قالت لهما:

انطلقا الي أبي فأقرئاه السلام وقولا له: ما أحدثنا بعدك غير هذا فشأنك به.

فجاءاه فأبلغاه ذلك عن أمهما، فقبلهما رسول الله (صلي الله عليه وآله) والتزمهما وأقعد كل واحد منهما علي فخذه، ثم أمر بذينك السوارين فكسراً فجعلهما قطعاً، ثم دعا أهل الصفة وهم قوم من المهاجرين لم يكن لهم منازل ولا أموال فقسمه بينهم.

وروي ابن شاهين في (مناقب فاطمة) عن أبي هريرة وثوبان هذا الحديث مع تغيير يسير الي أن قال: قال رسول الله (صلي الله عليه وآله) فعلت فداها أبوها ـ ثلاث مرات ـ مالآل محمد والدنيا؟ فانهم خلقوا للآخرة وخلقت الدنيا لهم.

وفي رواية أحمد بن حنبل: فان هؤلاء أهل بيتي ولا أحب أن يأكلوا طيباتهم في حياتهم الدنيا.

وقد روي هذا الحديث الخطيب العمري في (مشكاة المصابيح) والطبري في (ذخائر العقبي) والثوري في (نهاية الارب) والقندوزي في (ينابيع المودة) والطبراني في (المعجم الكبير)، والزبيدي في (أتحاف السادة) وغيرهم [4] .

لم تكن عائلة زينب تمتلك بيتاً تقطنه لكن أحد الصحابة المتمكنين من أهل المدينة وهو (حارثة بن النعمان) وضع أحد منازله تحت تصرف علي حينما أراد الزواج من بنت الرسول فاطمة، وبعد فترة بني رسول الله (صلي الله عليه وآله) بيتاً ملاصقاً لمسجده له باب شارع الي المسجد، كبقية الحجرات التي بناها لزوجاته، وانتقلت عائلة زينب الي ذلك البيت الجديد الملاصق لبيت الله المجاور


لبيت رسول الله (صلي الله عليه وآله) [5] .

ويُروي أن سلمان الفارسي رأي فاطمة الزهراء مرة فبكي، وقال: إن قيصر وكسري في السندس والحرير وابنة محمد في ثياب بالية [6] .


پاورقي

[1] سورة الإنسان، الآيات (7 ـ 9).

[2] (التفسير الکاشف) محمد جواد مغنية ج 7، ص 483.

[3] (الغدير) عبد الحسين الأميني ج 3، ص 107 ـ 111.

[4] (الزهراء من المهد الي اللحد) القزويني ص 279.

[5] (الزهراء من المهد الي اللحد) القزويني ص 188 ـ 213.

[6] (مع بطلة کربلاء) محمد جواد مغنية ص 25.