بازگشت

كلمات في البدء


يُعترف للمرأة بدورها الخلفي المساعد في صناعة العظماء وابرازهم، حيث لاحظ العقلاء حضوراً مميّزاً للمرأة في حياة الكثيرين من العظماء والزعماء الناجحين، فقالوا: «خلف كلّ عظيم امرأة».

ولكن هل يعني ذلك أن حظ المرأة من العظمة هو في حدود دورها الخلفي (اللّوجستيكي)؟ وأنها غير مؤهلة للعظمة ذاتاً؟ أم ماذا؟

إن العظمة تعني وجود مواصفات نفسية عالية، وامتلاك كفاءات ذهنية وعملية متقدمة، وإحداث تأثير فعلي هام علي ساحة الحياة.

وبهذا المعني للعظمة لا شيء يقصّر بالمرأة عن بلوغ درجتها. والتاريخ يخلّد لنا ذكري العديد من النساء اللاتي ارتقين سنام العظمة، وبلغن ذروتها، كما لا يخلو حاضر البشرية من نماذج نسائية عظيمة.

وتأتي السيدة زينب في طليعة ومقدمة النساء العظيمات في تاريخ الإنسانية.

واقع المرأة في مجتمعاتنا يحكي عمق التخلف والأنحطاط الذي انحدرنا اليه،


فمع أننا نعيش أدني درجات التطور والنمو، ومع حاجتنا إلي أقل وأبسط الطاقات والقدرات من أجل دفع عجلة التنمية والتطور في بلادنا، إلا أن نصف مجتمعنا المتمثل في المرأة قد فرضنا عليه حالة الشلل والعزلة والجمود.

وإذا ما عاشت المرأة جاهلة منغلقه علي هامش الأحداث فإن تأثيرات وضعها الخاطيء سينعكس علي كل المجتمع. وهل أبناء المجتمع إلا ثمرات أحشائها والمتربون في أحضانها؟.

وأسوأ ما في الأمر أن يتم تجهيل المرأة واحتقارها وتهميشها بإسم الإسلام!! حيث يري بعض المتدينين كراهة تعليم المرأة، واستحباب الأمّيّة والجهل لها! ويرون أفضلية انزوائها في بيتها فلا تخرج حتي للمشاركة في البرامج الدينية كصلاة الجماعة!.

وان صوتها عورة فلا يبلغ مسامع الرجال!.

وان لا دخل لها في الشؤن السياسية فجهاد المرأة حسن التبعل لزوجها فقط!.

ويبالغ بعضهم أن علي المرأة أن لا تخرج من بيتها الا مرتين في حياتها الأولي: من بيت ابيها إلي بيت زوجها عندما تتزوج. والثانية: من منزلها الي القبر حينما تموت!!.

ويستندون في نسبة هذه الآراء الرجعية للدين علي نصوص وروايات وفتاوي إما أن تكون مختلقة مصطنعة لا أساس لها، وإما انهم أساءوا فهمها وحرّفوا تفسيرها بما يتناسب مع أفكارهم المتحجرة.

وأفضل رد يكشف زيف هذه الآراء، ويفضح الواقع المتخلف للمرأة في مجتمعاتنا، ويثبت مخالفته للدين وبراءة الإسلام منه.

نقول: أفضل ردّ هو القراءة الواعية لحياة السيدة زينب.

وهل أحد يستطيع المزايدة علي السيدة زينب في الدين، وهي وليدة النبوة، وخريجة بيت الوحي والرسالة، وعقلية بني هاشم؟.


وحينما نقرأ شخصيتها العظيمة، ونراها العالمة العارفة، والمعلّمة المحدّثة، التي كانت تعلّم النساء، ويروي عنها الرجال.

ونراها الثائرة المجاهدة حيث غادرت بيتها العائلي الهاديء والتحقت بقافلة الثورة، لتنتقل من المدينة إلي مكة، ومنها إلي كربلاء، ثم إلي الكوفة والشام.

ونراها الحاضرة الشاهدة في جميع أحداث النهضة الحسينية، تحاور أخاها الإمام، وتحرض أصحابه الأبطال، وتهرول الي ساحة المعركة وتصرخ في وجوه العسكر، وتقود قافلة العائلة.

ونراها الخطيبة المفوهة ترتجل الخطاب أمام جماهير الكوفة وفي مجلس ابن زياد ومجلس يزيد حيث رجالات الحكم والجمع الحاشد من الجند والأعيان.

هذه الصور الحية التي نراها في حياة السيدة زينب تناقض ما نراه من واقع المرأة في مجتمعاتنا فأين يقف الدين إذاً؟.

وأيُ من الواقعين يمثل رؤية الإسلام ويجسد تعاليمه؟.

وبعد:

قادني التوفيق الإلهي منذ بضع سنوات لمجاورة السيدة زينب (عليها السلام) والعيش قرب مقامها الشريف في المنطقة التي تعرف بإسمها جنوب دمشق الشام.

وقد افاض الله عليّ الكثير من ألطافه ونعمه ببركتها، وكنت أهرع الي مقامها وأتوسل الي الله (سبحانه) بحقها وفضلها كلما واجهني مشكل من مشاكل الحياة، فأعود مطمئناً برحمة الله واثقاً من عنايته وتسديده.

وأداءً لبعض حقها الكبير فكرت في تقديم خدمة متواضعة لساحة قدسها الشامخ بالكتابة عن شيء من حياتها المجيدة وسيرتها المشرقة.

ورأيت آلاف الزائرين يتقاطرون علي حرمها الشريف من مختلف بقاع الأرض يقصدون التقرب الي الله (تعالي) بزيارتها، ويعبّرون عن عظيم حبّهم وولائهم


لها ولأسرتها النبوية الكريمة.

لكن أكثر هؤلاء الزائرين كانوا يعانون من قلة المعرفة وضعف الاطلاع علي حياة السيدة زينب (ع) وأبعاد شخصيتها العظيمة.

بالطبع فإن مستوي الفائدة والثواب من الزيارة يترتب علي مستوي المعرفة بشخصية المزور كما ورد ذلك في العديد من النصوص والروايات التي تتحدث عن ثواب وفضل زيارات قبور الأولياء ومشاهد أئمة الهدي (عليهم السلام) حيث تجعل المعرفة شرطاً في حصول كامل الفائدة والثواب كالحديث الوارد عن الإمام الصادق (عليه السلام) حول زيارة الإمام الحسين (عليه السلام):

«من زار الحسين عارفاً بحقه كتب الله له ثواب ألف حجة».

وما ورد عن الإمام علي بن موسي الرضا (عليه السلام):

«ما زارني أحد من أوليائي عارفاً بحقي إلا تشفعت فيه يوم القيامة».

ومن الواضح ان المعرفة بالإمام أو الولي تدفع الانسان للاقتداء به واستلهام القيم الخيرة من حياته.

وقد يرغب الكثيرون في التعرف علي شخصية السيدة زينبت وخاصة زوار مرقدها الشريف، لكن وسائل هذه المعرفة وأدواتها ليست في متناول أيدي الجميع.

فمن المتداول في البلدان المتقدمة أنك حينما تزور متحفاً أو معلماً تاريخياً أو مقاماً لتخليد شخصية معينة، فان وسائل التعريف بذلك المكان أو تلك الجهة متوفرة عند البوابة أو المدخل من كتب ونشرات مصورة وافلام ومرشدين سياحيين يشرحون لك ما تشاهده وتتساءل عنه.

فلماذا لا يتوفر عندنا شيء من هذا القبيل لإفادة الزائرين لمقامات الأئمة والأولياء ومعالم تاريخنا المجيد؟.


من هذا المنطلق، وبدافع الأداء لبعض حق السيدة زينب، شرعت في اعداد هذا الكتاب، لاُقدم من خلاله صورة واضحة مبسطة عن حياة السيدة زينب (ع) وابعاد شخصيتها العظيمة.

بالتأكيد فان التاريخ لم يحتفظ لنا بكل تفاصيل حياة السيدة زينب (ع)، كما أن بعض جوانب سيرتها أصبحت مسرحاً لأختلاف الرواة والمؤرخين كتحديد زمان ومكان وفاتها وتعيين مدفنها وقبرها.

وقد اطلعت حين اعداد هذا الكتاب علي مجموعة من المؤلفات والكتابات عن شخصية السيدة زينب وحياتها، وكان في بعضها جودة وفائدة، لكن اعتماد بعض المؤلفين علي الروايات غير الموثوقة، والمصادر الضعيفة واتباع طريقة السرد التاريخي والقصصي دون أي تحليل أو استنتاج، ودون تركيز علي المواقف والجوانب الأساسية في شخصيتها وسيرتها.. كل ذلك يجعل استفادة القاريء محدودة، والمعرفة التي يكسبها عن السيدة زينب غير وافية.

واذا كان الالمام بسيرتها، أو ابراز كامل حقيقة شخصيتها أمراً صعب المنال، فان المطلوب هو بذل الجهد لرسم أجلي صورة عن ملامح شخصيتها العظيمة وسيرتها العطرة.

وهذا ما حاولته في هذه السطور مع اعترافي المسبق بالقصور والتقصير أسأل الله (تعالي) القبول.

وأن يجعلنا من السائرين علي خطي السيدة زينب وعلي نهج اُسرتها النبوية الطاهرة.. وأن يكفينا الاسواء بحقهم وأن يحشرنا يوم القيامة في زمرتهم إنه ولي التوفيق والحمد.

حسن الصفار

2/5/1993م