بازگشت

الانصار يؤكدون


و عندما انتهي رجال المحمدية - العلوية من كلامهم، طفق أنصار الحسينية يؤكدون ما هم عليه ماضون.. فقد أرادوا الكلم بادي ء ذي بدء، ولكن سبقهم آل الرسول، فأحجموا احتراما و تأدبا، و ظلوا يتحينون الفرصة حتي حلت، فتكلموا بما سجل التاريخ منه القليل و أهمل الكثير أو أجمله بعبارات مقتضبة..

نهض الشيخ المجاهد (مسلم بن عوسجة) فصرح بتصميمه قائلا:

«أنحن نخلي عنك - أو نتخلي - و لما نعذر الي الله في أداء حقك؟!! أما والله حتي أكسر في صدورهم رمحي، و أضربهم بسيفي ما ثبت قائمه في يدي!!! و لا أفارقك، و لو لم يكن معي سلاح أقاتلهم به لقذفتهم بالحجارة دونك حتي أموت معك.»!!! [1] .

و قد كان صادقا في دعواه بأنه سيقاتل حتي ولو افتقد السلاح.. يقاتلهم ولو بقذف الحجارة ورمي الحطي، حتي يموت ضحية للحقيقة و الحق، في جهاد أدل علي صدق النية، و قوة الباعث و الاندفاع. و وجوب حرب الأموية...

ثم نهض بعده المجاهد (سعيد بن عبدالله الحنفي) فتكلم علي يقين قائلا:


«والله لا نخليك حتي يعلم الله أنا قد حفظنا غيبة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم فيك.. والله لو علمت أني أقتل ثم أحيي ثم أحرق حيا ثم أذر.. و يفعل ذلك بي سبعين مرة ما فارقتك، حتي ألقي حمامي دونك.. و كيف لا أفعل ذلك و انما هي قتلة واحدة ثم هي الكرامة التي لا انقضاء لها أبدا..» [2] .

هذا هو كلام أهل البصيرة و اليقين، أهل الايمان المكين.. و الا فان الذي يقتل لا يرجع، و ان رجع فليس بعدد السبعين.. أجل انه مبالغة في التصميم و المرابطة و الصرامة و عدم الانسحاب، و انه تعبير عن عمق ما هو عليه من يقين...

و هذا المعني نفسه تكرر علي لسان النصير الحسيني (زهير بن القين البجلي) اذ نهض ليدلي بكلمة صادقة:

«والله لوددت أني قتلت ثم نشرت، ثم قتلت حتي أقتل كذا ألف قتلة، و أن الله يدفع بذلك القتل عن نفسك و عن أنفس هؤلاء الفتية من أهل بيتك..» [3] .

و لم يكذب زهير و لم يخدع نفسه! و لم يبالغ.. بل جسد التضحية باليد و الجسد. و قدم أنفس ما لديه، وهي الروح و الحياة، و فعل وفق ما قال، في يوم النزال...

و هكذا أجاب كل نصير حسيني.. و كأنهم أجابوا جميعا بلسان واحد، «أو ما شبه بعضه بعضا» كما نصت مدونات التاريخ: «والله لا نفارقك. ولكن أنفسنا لك الفداء. نقيك بنحورنا وجباهنا و أيدينا. فاذا نحن قتلنا كنا قد وفينا و قضينا ما علينا..» [4] .

و فعلا، كانوا أهلا للعمل وفق القول.. و ما تنازلوا عنه قط.. و قد عقب


خالد محمد خالد بقوله «و قام آخر... و آخر... و آخر»

«هبوا جميعا يعطون أمجد بيعة في تاريخ التضحية و الفداء.. بيعة علي موت محقق!.»

«فليس هناك لما دون الموت أدني احتمال!.

«ألم أقل لكم: ان العظمة و البطولة أرادتا أن تجعلا من ذلك اليوم مهر جانا وعيدا؟!!

«لقد ارتفع الأبطال جميعا الي مستوي الموقف المجيد، الذي سيجعلون منه درسا لأجيال الدنيا كلها في الولاء الباهر للحق، و في التضحية الشاهقة من أجله!!! و ها هم أولاء يعودون لمضاربهم و خيامهم... يتهيأون للقاء الغد بالصلاة و الابتهال و بشحذ سيوفهم و بري سهامهم، و صقل رماحهم الخ...

«و من طريف ما حديث في ليلتهم تلك، أن «نافع بن هلال البجلي» (الجملي) رضي الله عنه و عنهم أجمعين قضي شطر ليله في كتابة اسمه علي سهام نبله، امعانا في طلب المثوبة و الأجر!. و امعانا في السخرية من الخطر!. و امعانا في الترحيب بالموت!!!» [5] .

لقد كانوا علي جانب كبير من الايمان و التقوي و بمستوي المسووليات الرسالية و كانوا من عباد الرحمن، الذين ما كان للشيطان عليهم من سلطان!!! و كانت مرابطتهم الجهادية مشفوعة بتأدية الصلوات و تلاوة الآيات الكريمة، اذ قال الطبري و غيره من المورخين:

«و باتوا ليلتهم هذه فرحين مسرورين، غير وجلين و لا خائفين بما يلاقوا من صبيحتهم هذه. مقبلين علي الله بكل مشاعرهم و أفكارهم!. فهم بين راكع و ساجد، و قائم و قاعد، و بين تال للقرآن و مستغفر، لهم دوي كدوي النحل.» [6] .


لانشغالهم بالصلوات و امعانهم في ممارسة العبادات و انهماكهم في التلاوات...


پاورقي

[1] الطبري ج 4 ص 318 وابن الأثير ج 3 ص 285 و بحار الأنوار - وابن طاووس ص 36 - 35 بتفاوت لفظي..

[2] الطبري وابن الاثير وابن کثير ج 8 ص 177 وابن طاووس في اللهوف ص 36.

[3] تاريخ الطبري و الارشاد المفيد (ر 5) ص 231.

[4] الطبري وابن الأثير و ابن کثير وابن طاووس في اللهوف ص 36.

[5] أبناء الرسول في کربلاء - ص 158.

[6] اللهوف ص 36 و في البداية و النهاية ج 8 ص 177 ما في هذا المعني و کذلک في الکامل في التاريخ ج 3 ص 286.