بازگشت

طبيعة موسم الحركة


من المشهور أن الفترة التاريخية للحركة، قد وقعت في وقت الحر بموسم


الصيف من سنة ستين للهجرة. و ليس معني الصيف في كل مكان نفس معناه في شبه الجزيرة العربية أو في العراق من الهلال الخطيب، ثم ان الفرق يتجلي بين المدن و الصحاري، حيث تكون الصحاري النجدية محرقة و العراقية ملتهبة فالصيف عندنا معناه الحر الشديد، و هو عند البدو و الأعراب في صحراء شبه الجزيرة معناه الحر المهلك لولا الوقاية و العادة..

فقد سار رجال النصر و الفتح من مكة الي وسط العراق - كربلاء - في وقت حر شديد الوطأة ثقيل الحمل، و من تصور مبلغ حرارة الصحراء هاله الأمر، اذ أن الصحاري علي امتداد تتميز بما يوهلها لاستقبال اشعاعات الشمس المحرقة، فقيها من الحجر و الحصي والرمل ما يزيد من تعاملها مع الشمس بشكل دائم، و لذلك تختزن الصحراء حرارة مميته تتصاعد منها بفظاعة، ثم يزداد تأجيجها و تسعيرها بفعل الكثبان الرملية التي تثيرها خطي السائرين. الأمر أكثر هولا لو علمت بأن النصف الأكثر من الأنصار يسيرون بلا رواحل كما سيأتي... و قد تتخذ حرارة الصيف هذه ذريعة و عذا للتخلف عن الجهاد، كما ذكر الله سبحانه في كتابه المجيد من باب التنديد: «و قالوا لا تنفروا في الحر..».

و كما ذكر الامام علي سلام الله عليه، مسفها الذين يتذرعون بالحر و القر فلا يخرجون للجهاد، فوبخهم مرة بكلام طويل نقتطف منه الشذرات التالية:

«... فاذا أمرتكم بالسير اليهم في أيام الحر قلتم: هذه حمارة القيظ، امهلنا يسبغ عنا الحر، و اذا أمرتكم بالسير اليم في الشتاء قلتم: هذه صبارة القر، أمهلنا ينسلخ عنا البرد، كل هذا فرارا من الحر و القر. فاذا كنتم من الحر و القر تفرون فأنتم والله من السيف أفر [1] !!!».

فلعل بعض من تراجع متقهقرا كان متأثرا أيضا بقساوة الحر، أو أنه جعله


مسوغا للعودة الي الوراء بضعف أو خيبة أمل في المصالح الدنيا..

وقع واصل الأنصار السير ببطولة و بسالة، و هم يتحملون ما تكبدوه من مصاعب و مشاق، بلا ندم و بلا شكوي و لا افتراق، و هم في صبر علي الابتلاء بشدة و طأة حر الصيف، و اصطبار في ذات الله و مرضاته و التبعية لحبيب الرسول و ريحانته الحسين بن علي، فلم يأبهوا لهجير جو الفضاء، و لا اهتموا بالرياح الحارة اللاذعة بسخونتها، اذ كانت من تحتهم رمضاء صحراء نجد و العراق، تستعر و تلفح الأجساد الصابرة علي هجيرها، فقد قطعوا مئات الأميال و الفراسخ ما بين مكة و كربلاء و هم علي تلك الحالة.. و قضوا أكثر من خمسة عشر يوما و هم في ذلك الوضع...

أما انقطاع الماء فمعناه الظمأ الخطير.. هكذا كانت الحرارة بالغة الأوج.. فما أجل قدر أولئك الأفذاذ؟!. و ما أخطر ايمانهم في الوجود؟؟؟ لقد كافحوا جميع العوائق، و اجتازوا كل العقبات، و ذللوا كامل الموانع، و جاهدوا الشيطان فلم يكن له عليهم أي سلطان، و سخروا من الذين استحوذ عليهم قرينهم الخبيث و عدوهم ابليس... و هكذا، فلم يصرعهم لهيب الحر، و لم يقيدهم الصيف بتعسفاته، فاستهانوا بالدنيا و أحبابها، بل استخفوا بمن احتجوا بالحر حينما تخلفوا «و قالوا لا تنفروا في الحر، قل نار جهنم أشد حرا لو كانوا يفقهون.» 81:9.


پاورقي

[1] نهج‏البلاغه ج 1 ص 77 شرح الشيخ محمد عبده.