بازگشت

مجي ء مجموعة من مومني الكوفة


تم للعدو كامل السيطرة علي الكوفة بفعل تخاذل عموم أهلها، و بسبب تهوسهم الذي أعقبه تخليهم عن كل شي ء، فالهوس لايجدي نفعا و لا يمنع صفة الأصالة و لا الجدارة.. و تم للعدو كذلك اغلاق الحدود و نصب الحراسة علي الطرقات، و منع الخارج و الداخل، من، و الي الكوفة، ثم تم له تجهيز الحملة أو الكتيبة التي رشح الرياحي لقيادتها.. ولكن هناك جماعة من المومنين قرروا الخروج سرا لاستقبال ركب الامام القائد حين سمعوا بمقدمه عن طريق المراسل الباسل قيس بن مسهر الصيداوي، الذي أعلن قدوم الامام قبيل اعدامه بقليل، حين امدت اليه يد الجبان ابن زياد فقتلته.

فكل الذين آمنوا من الكوفيين، كانوا ينتظرون مقدم امامهم العظيم، لتكون الجولة الثانية المصيرية بعد نكسة الجولة الأولي التي قام بها الهمج الرعاع من سكنة الكوفة، والتي راح ضحيتها المبعوث و هاني ء و جماعة من الشهداء الأبرار.. ثم ان جماعة من المومنين قد أودعوا السجون [1] أما الجماعة الثالثة فاختفوا بعد أن أفلتوا من يد السلطة و لم تقدر أن تكشف عن مواقع اختفائهم


و غابوا عن الأنظار ترقبا للجولة الثانية، و كان قسم منهم قد رأي أن يخرج لملاقاة الامام فاتفق عدد ممن باعوا أنفسهم لله، للخروج سرا بينما التحق باقي المختفين بالامام حينما صار بكربلاء و سنذكرهم في القسم الثالث.

و هولاء المؤمنون كانوا من ذوي الدوافع العقائديدة الملحة علي تسييرهم و بعثهم باقدام نحو أكبر الأهداف، و هم كل من:

عمرو بن خالد الصيداوي، و سعد بن عبدالله مولي عمرو [2] ، و نافع بن هلال المرادي. أو الجملي [3] و كامل مولاه [4] ، و جنادة - أو - جابر - بن - الحارث السلماني، و مجمع بن عبدالله العائذي، و ولده عائذ بن مجمع [5] .. فهم سبعة ثم كان دليلهم الطرماح بن عدي الطائي ثامنهم، و قد (قيل انه لم يشهد كربلاء و ذهب لايداع بضائع كان قد اشتراها لأهله، و لما عاد ليسهم مع الأنصار، سمع بنهاية الثورة الرهيبة. و قيل انه من الشهداء..) فهم ليسوا أربعة كما قيل حين اشتبه الكثيرون، اذ لو أغفلنا نافعا و كاملا لبقي خمسة و سادسهم الطرماح. هذا و ان الاشتباه قد وقع في التشخيص و الأسماء لا في الرقم فقط..

فهؤلاء لما اتفقوا نظريا علي النهوض و الخروج اتفقوا أيضا كيف يطبقون ما اتفقوا عليه لينفذوا الخطوة في ظروف سياسية متأزمة مشهودة داخل الكوفة. و حراسة مشددة علي أفراد الجمهور الكوفي، اذ العيون و الأرصاد علي الطرقات و الدروب قائمات... فأني للمؤمنين الخروج دونما اصطدام بمفرزة للشرطة، أو حفنة مسلحين، أو كتيبة عسكرية؟؟؟ و لقد شرعوا يطبقون و ينفذون بقوة


المعني الداخلي الكامن و بصلابة الرجولة و تماسك الشخصية فلا وزن للخوف و لا حساب للخطر لأنه لابد من اسهامهم في الجولة الثانية، و لأنه لا ثالث لطريقين: اما الحياة بذلة و ايمان متصدع ينتهي للتلاشي، و اما حياة مع الحسين بعزة العظماء، و هو الثابت الذي لا يتلاشي، فعليهم ان لم يلتحقوا به أن يتصلوا بركبه مهما بلغ الثمن.. و هكذا سحقوا القوانين وفق ارادة الدين. و اخترقوا نطاق الخطر المضروب علي المناطق و الطرق، شوقا للجهاد و تلهفا لامام المجاهدين و سيدهم طرا.. و اجتازوا حدود الكوفة، و انطلقوا حتي رأوا عن بعد ركب سيدهم يسايره جيش الرياحي...

و لما أرادوا الدخول في دائرة المسيرة و هم في غبطة، اذا بالرياحي و جنده يبادرون للقبض عليهم فمنعوهم و حالوا دون دخولهم الركب المجيد، و ذلك بمنطقة (عذيب الهجانات) بيد أن الحسين عليه السلام، ليس مستعدا لاهمال أولئك البواسل من المؤمنين الميامين، الذين جاؤوا وحدهم بقوة ايمان و عزم صلب، و بدوافعهم المخلصة و بواعثهم الذاتية، فهم أدل و أصدق علي الوفاء.. لذلك بادر الامام لتنبيه الحر الرياحي. و تهديده بالمناجزة ان أصر علي القبض عليهم و منعهم قائلا: «لامنعنهم مما أمنع نفسي حتي يأتيك كتاب من ابن زياد.» فقال الحر: أجل لكن لم يأتوا معك. فقال الامام هم أصحابي و هم بمنزلة من جاء معي. فان أتممت علي ما كان بيني و بينك و الا ناجزناك [6] . «فما لبث الرياحي أن تخلي عن موقفه فتنازل.. و أقبل الأبطال ليدخلوا ضمن المسيرة، فسلموا علي الامام وراحوا يحدثونه [7] . فخبروه بمقتل قيس الصيداوي فترقرقت عيناه و قال: «منهم من قضي نحه و منهم من ينتظر و ما بدلوا تبديلا.» ثم قال: «اللهم اجعل منازلهم الجنة و اجمع بيننا و بينهم في مستقر من رحمتك و رغائب


مذخور ثوابك [8] «فما أقواهم جنانا و أعظم مراسهم بسالة و شجاعة!!!


پاورقي

[1] تناولنا شهداء الکوفة و الذين سجنوا والذين أختفوا بکتاب (مبعوث الحسين) فراجع.

[2] وسيلة الدارين - و کتاب أنصار الحسين ص 75 و 88 و هامش ص 179 حيث أغفل اسم سعد بالمرة.

[3] وسيلة الدارين - و حياة الامام الحسين ج 3 ص 82.

[4] وسيلة الدارين - ص 195 - 192 - 185.

[5] وسيلة الدارين و أنصار الحسين حيث هامش الصفحة 179 مع اغفال ادراج اسمه في عداد الشهداء. و يغلب عندنا أن ذلک وقع سهوا.

[6] تاريخ الطبري ج 4 ص 306 - تاريخ ابن الأثير ج 3 ص 281.

[7] کفي بمنزلتهم سموا وصف الامام بأنهم «بمنزلة من جاء معي» للدلالة علي مبلغ قوة ايمانهم، و علي القيمة الخاصة لبواعثهم.

[8] البداية والنهاية لابن کثير ج 8 ص 174.