بازگشت

نبأ خيانة الكوفيين و مقتل المبعوث الحسيني


بينما كانت الركائب تحث المسير ممعنة في خطاها، اذ شوهد راكب متجه نحو الركب، مقبلا من جهة الكوفة.. و كان هذا الراكب يحمل أقسي الأخبار عن الكوفيين المتهوسين الذين انتكست حركتهم بخذلانهم المرير و جبنهم القاهر، الأمر الذي أفضي الي مقتل القائد الحسيني الذي ما عرفوا كيف يتجاوبون معه ليحتفظوا بأسمي الأهداف التي زعموا تبنيها باشرافه و هدي قيادته...

و لاحظ الامام الرجل القادم، فمال لكي يلتقي به و يسأله عن الأوضاع الكوفية.. لكن الرجل - كما بدا - كان لا يملك القدرة علي لقاء الامام بقساوة و أولاد مسلم بن عقيل معه.. لذا عدل عن اتجاهه الأول، راغبا عن الانضمام في قافلة المجاهدين فتركه الامام و شأنه..

فما كان من بعض السائرين الا أن انفصلوا عن المسيرة ليلحقوا ذلك الراكب فيسألوه. و عرف منهم رجلان (عبدالله بن سليمان الأسدي، و المنذر بن المشمعل الأسدي) و قد كان التحاقهما بالركب ابتداءا، في الطريق من مكة بعد أداء الحج كانا قد تعجلا اللحوق بالمسيرة حبا بالاطلاع علي شوونها.. و التقيا بالقادم


و حصلا علي ما لديه من أخبار، ثم رجعا الي ركب الامام كي يخبراه [1] .

ولكنهما لم يبادرا بالكلام، حتي بلغ الركب منطقة ما، فحط الرحال للاستراحة، فدخلا علي الامام ليصارحاه وحده، وقالا بتحفظ:

«رحمك الله. ان عندنا خبرا، ان شئت حدثناك به علانية، و ان شئت سرا...»

فالتفت الامام حوله، و لم يكن من حوله سوي شباب هاشم و أخلص الأنصار، فقال،: «ما دون هؤلاء سر..» فأدليا بما لديهما و أخبراه بأوجع الأحداث، و أوقعها علي القلوب!. و هكذا سمع الجميع نبأ استشهاد المبعوث: مسلم بن عقيل بن أبي طالب، ذلك العملاق العقائدي الكبير، فحزن الامام حتي استعبر و دمعت عينه و هو يقول:

«رحم الله مسلما، فلقد صار الي روح الله و ريحانه و تحياته و رضوانه.. ثم أضاف قوله: أما انه قد قضي ما عليه و بقي ما علينا.. [2]

لقد أثار المحدث لوعة قلوب الشبيبة المحمدية الهاشمية، و قلوب الطاهرات المخدرات من نساء البيت النبوي المقدس، و التاع الأنصار من حزب الله جند الحسين.. و ترحم الجميع علي مسلم والقتلي معه.. اولئك هم السابقون الأولون من شهداء الثورة الحسينية، الذين سبقت لهم من الله الحسني...

و يعتبر كلام الامام الآنف منطقا واضحا للاصرار علي مواصلة سلوك الدرب الطويل... فمن أراد فليلحق و ليتابع.. و من لم يرد اذن فليرتد.. لأن الواجب الرسالي لم يكتمل أداؤه و هناك بقية لها رجال باقون اذ للحق رواد


و شهداء منهم من قضي نحبه و منهم من ينتظر و ما بدلوا تبديلا.» 23:33. «بقي ما علينا» اجل بقي ما علينا أيضا...


پاورقي

[1] و قيل ان حامل الخبر للامام کان (ابن يزيد التميمي) کما في الصواعق المحرقة. و قيل (بکر بن المعتقة) کما في أنساب الأشراف. انظر (حياة الامام الحسين) ج 3 هامش ص 68.

[2] اللهوف لابن طاووس ص 28 و في رواية أنه قال: و لا خير في العيش بعد هؤلاء، يقصد مسلما والذين استشهدوا معه.