بازگشت

لا يخفي علي الامر


و هنا كذلك سنطلع علي حالتين، أو ثلاث حالات، اذ قد يصح الشك بأولاها.

الأولي: قيل ان الامام وصل بركبه ماء من (مياه العرب) و قد كان هناك عبدالله بن مطيع العدوي. الذي طب من الامام ألا يواصل مسعاه خشية قتله، اذ لا يهاب آل أبي سفيان أحدا أبدا، فرفض الامام عرض العدوي و تركه و انصرف [1] ..

و نحن نشك بوقوع لقاء العدوي هذا. لأنه سبق و ذكرنا أنه لاقي الامام في الطريق بين المدينة و مكة، عندما خرج الامام من المدينة. و اذن فاما أن نصادق علي ذلك اللقاء و يسقط هذا، و اما أن يكون العكس و الأخذ بالروايتين معا و المصادقة عليهما يستلزم الكثير من التروي و النظر الممعن...

الثانية: و من معالم الخطر وصول خبر اغلاق حدود بعض المناطق، و سد أبواب الطريق الرئيسية عدا طريق مكة للآتين منها دون الذاهبين اليها.. و هنا رواية تقول: ان الامام سأل بعض الأعراب فصرحوا بأنهم لا يعلمون. غير أنهم لايستطيعون دخولا أو خروجا: «والله ما ندري غير أنا لانستطيع أن نلج و لا أن نخرج..». لأن ابن زياد أمر أن لا يخرج و لا يلج أحد «ما بين واقصة الي


طريق الشام الي طريق البصرة. [2] «فما علي الضعيف الا أن يستجيب لضعفه و ما علي القوي الا أن يحسب لأكثر من ذلك الخطر حسابه، فيعد و يتعبأ ليكفل اصابة الهدف و الفتح...

الثالثة: مروا بمنطقة (بطن العقبة)، فلقيهم أحد مشايخ العرب (قيل من بني عكرمة، يدعي عمر ابن لوذان.). و قد تقدم للامام ليطرح رأيا في القضية، بناء علي الخطر المحدق كأن الخطرم برر للصمت و التراجع!!! و لم يختلف رأيه عمن سبقه من ذوي الآراء الأولين... فأجابه الامام مبينا كونه ليس علي غفلة من الأمور و معضلات الأوضاع، بل علي بينة من ربه مهما كذبوه أو آخذوه أو لاموه.. فقال عليه السلام كلمة الفصل بلهجة الحسم، للكف عن الآراء اللامسؤولية.

«يا عبدالله، انه ليس يخفي علي الرأي. و ان الله تعالي لا يغلب علي امره.» [3] و أضاف بحسب رواية أخري: «والله لا يدعوني (أي بني أمية) حتي يستخرجوا هذه العلقة من جوفي!. فاذا فعلوا ذلك سلط الله عليهم من يذلهم حتي يكونوا أذل من فرق الأمم» [4] .. و قيل - في رواية ثالثة - أنه قال: «انه لا يخفي علي ما ذكرت، ولكن الله عز و جل لا يغلب علي أمره... ثم ارتحل [5] ...

أو قال: لايخفي علي شي ء مما ذكرت، ولكني صابر محتسب الي أن يقضي الله أمرا كان مفعولا..» [6] .

فالأمر من الله، بالاتكال علي الله، و هو الي الله.. والله لا يغلب علي أمره ولكن أكثر الناس لايفقهون. و ان خفي البسيط أو المهم علي عقول الناس، فانه


لايخفي عن الامام القائد شي ء مهما كان بسيطا أو خطيرا. فخطوط المستقبل مرسومة أمام ناظريه بجلاء لاغموض فيه و لا ابهام و لا خفاء، فهو من هو علي خلقه و اصطفائه و حجيته.. يقول عنه الشيخ أحمد فهمي محمد - الحامي الشرعي بالجيزة «مصر»:

«ألامام الحسين عليه السلام، ممن طهره الله تعالي و زكاه، و صفي طبعه و اسناه، و هذب شيمه و نقاه، الي ما خصه الله عزوجل به من الهام نفسي، و وحي قلبي، و ما حباه الله من فراسته و ذكائه يكشف الله عز شأنه بذلك كله ما يقدم عليه، الي صفاء سريرة، و نقاء فطرة، هما أثر من آثار صلته بصفوة خلقه جده - رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم. فانه عليه السلام، انما أقدم بما أقدم عليه و هو مقدر لكل أمر خطره، عارف بما يؤول اليه أمره، نصاحة حس و بسالة نفس..» [7] فجدير بالمرء أن يتورع قبل أن يقدم علي كلام فيه سخط الله الذي لا راد لما قضاه، من أجل تقويم الخطوط المنحرفة الملتوية الزائغة عن الحق و عدالة الصراط المستقيم... أن يتورع فينظر من جمعي الجهات و كل الحيثيات، لاسيما اذا كان المرموق شخص الامام، حيث انه لمن التحرج في الدين أن يعارض شخصيته أو يؤاخذه كل من أمسك القلم و أدلي بالرأي الرخيص و الكام التافه!.

فالموقف ببطن العقبة، ترك أثره في نفوس السائرين كل حسب حالة تفكيره و مستواه. أو رقيه العقائدي، فكلمة القائد الجوابية تفيد الاصرار علي تنفيذ قرار الله و ارادة رسالته، و توحي باستشهاد محتمل بل مؤكد، فليستمع جيدا من سمع...


پاورقي

[1] البداية و النهاية لابن کثير ج 8 ص 170.

[2] اعيان الشيعة ج 4 ص 183.

[3] البداية و النهاية ج 8 ص 171 و غيره.

[4] الوثائق الرسمية لثورة الامام الحسين ص 82 - 81.

[5] الکامل لابن الأثير ج 3 ص 278.

[6] نورالأبصار للشبلنجي ص 129.

[7] بکتابه ريحانة الرسول الشهيد المظلوم الامام الحسين ص 165 طبع القاهرة.