بازگشت

انضمام جماعة من اليمن


و وصلت المسيرة الي منطقة تدعي ب «التنعيم» فمرت علي ركب الامام قافلة تحث الخطي، مكونة من الجمال و الابل حاملات البضائع يصحبها حراسها و هم مجموعة رجال... انها تحمل هدايا باهظة الثمن من «الورس و الحلل» قد بعثها و الي اليمن - بجيرين يسار - الي سيدة يزيد بن معاوية - فهي اموال طائلة تمثل اقل الحقوق المسروقة من الأمة المسلمة قد رام والي اليمن ارضاء الحاكم يزيد بها، لا سيما و تقتضي ذلك مناسبة اعتلائه دست الحكم فليقدم له ما يهواه من الهدايا.

واستوقف الامام تلك القافلة برجالها ليطرح السؤال: ما هذه؟ و من أين مصدرها، و الي أين موردها؟ فأجابوه انها من اليمن ليزيد... فضرب الامم عليها


يدا من حديد و صادرها جميعا، بحكم انها محرمة علي آل ابي سفيان، و من يدور في فلكهم من غاصبي الحقوق و منتهكي الحرمات.. و الامام والذين آمنوا أحق بها، و أولي ثم أولي، و ان لم يكن الامام محتاجا اليها..

فهو القيم و الوصي علي كل شي ء، ان شاء المرء اعتماد التفكير بضوء الفكر الاسلامي.. و استهدف الامام بذلك تسجيلا لبطلان أي تصرف لأنظمة الحكم الغاشم بمقدرات الأمة. و كان ذلك هو الهدف الأصيل الداعي لمبادرته بعملية المصادرة، و ليست الحاجة للمال، و لقد حاول الحجة السيد مهدي بحرالعلوم تنزيه الامام عن المصادرة و أنه «أسمي و أرفع» من فعل ذلك، فهو ينفي وقوع مصادرة الأموال [1] بينما سبق «في زمن حكم معاوية»أن صادر الامام قافلة قبل هذه، جاءت من اليمن في طريقها الي معاوية [2] .. و قد كان ذلك اعرابا عن أنه حقيق بالتصرف بالحقوق علي الأوجه المحقة، و أنه الحاكم و الامام الوصي علي الأمة من الله وجده الرسول بلا منازع، و أنه انما يهلك المتنازعون، ففي سبيل احراز التيجان المرصعة و العروش المتصدعة.. و أما رجال القافلة أنفسهم، و موقف الحسين بعدما صادر الممتلكات تماما، فانه منحهم حرية اختيار طريق ذي نجدين بلا اغراء و لا اكراه فقال:

«لا اكرهكم، من أحب أن يمضي معنا الي العراق أوفيناه كراءه «أي أجرته» و أحسنا صحبته، و من أحب أن يفارقنا من مكاننا هذا، أعطيناه من الكراء علي قدر ما قطع من الأرض... [3] الخ.

فأحب بعضهم «حب الخير عن ذكر ربه.. حب المال و أجور سيره من اليمن


فاستلمها و هرب لواذا، بينهما لم يهتم الباقي بالمال، و لم يأبه بالدنيا، فأحب الخير مشفوعا بذكر ربه و أحب صحبة ابن رسول الله (ص) و الاسهام بجهاده «فبقي بعضهم مع الحسين (ع) و ذهب آخرون».

و غير خفي أن الجميع قد فهموا الأمر، و أنه رفض للأموية و أن الحق يتحدي باطلها و يصرخ صرخته بوجهها.

أما الذين آثروا الصحبة فليسوا بغفلة عن معني المصادرة، و معني اقتراح الامام، و معني الحاكم الجديد، و فوضي الأمة، و أزمة الواق، و مغزي تحرك آل الرسول و لماذا كان بالاتجاه هذا، نحو العراق، لا سيما و قد اختلطوا برجال الركب.

هذا و قد شدد الامام شرط الاختيار، فالذي يمضي، معناه أنه يلازم الي حيث الهدف المنشود و المكان المقصود: «معنا الي العراق»، لا أن يذهب معهم ثم ينسحب، أي ليوطن نفسه من أجل تحقيق كامل الأهداف السامية. أما الذي لا يرغب بالذهاب فليأخذ أجوره و ليرجع من هاهنا «يفارقنا من مكاننا هذا» كيلا يترك في نفس أحدهم، حب الذهاب علي ضعف و مضض، فان حلت الخطوب انهزم بهمة و هروب.

انه لموقف رسالي قد أدي الي انخراط عدد منهم في صفوف أصلب السائرين بأسلوب حصيف رزين، و منطق سليم حكيم: «لا أكرهكم».

فتلك هي المجموعة التي انضمت علي غير ميعاد بمقدمها و لقائها، و بلا سابقة نية للجهاد و الانتماء للحركة الحسينية، بل كانوا علي سابق ايمان و لا شك [4]


و أنت تلاحظ رائعة الأمر، بوعد اعطاء الأجور نقدا لمن يريد الرجوع، و خلاف ذلك لمن أرادوا الانتماء، فلم يغرهم الامام، و لم يقدم اليهم أجورهم في مكانهم ذاك كيلا يقال: انه أغري بعض قومه و جندهم، بل لعلهم لم ينالوا الا تلك الأجور التي لا تحسب بالارقام و العملات النقدية الدنيوية، أولئك يؤتون أجرهم مرتين.. بل أكثر فان «الله يضاعف لمن يشاء».


پاورقي

[1] ج 3ص 159.

[2] حياة الامام الحسين ج 2 ص 232 - 231.

[3] تاريخ الطبري ج 4 ص 290 و البدايه و النهاية ج 1 ص 166 والحق أنه لم يستاجر أحدا منهم، فقد صرف من أراد أجوره و دفعها له، و صحبه من أراد مواساته بعدما طرح عليهم الاختيار دونما جبر و لا اغراء.

[4] يعد من أسرار الدعوة و طرح الاختيار، علم الامام عليه‏السلام، بأن جمهور اليمن علي صلة وثيقة وحب و شيج مع الرسول و أهل بيته، فقد لمسوا الايمان الحق و العدالة من أبيه الامام علي أميرالمؤمنين، يوم بعثه الرسول الأعظم (ص) و أميرا علي اليمن. و بالمناسبة نذکر أن أغلب ثوار الحرکة و شهدائهاهم من قبائل عربية يمنية نزحت فوصلت حتي العراق. لاحظ تراجم الأنصار في کتب الرجال، لاسيما کتاب «أنصار الحسين» للشيخ محمد مهدي شمس الدين، موضوع عرب الشمال و عرب الجنوب ص 185 - 177.