بازگشت

انضمام نخبة من البصرة


قرر جماعة من البصريين ان يلحقوا بالامام من البصرة الي مكة، بتأثير ورود رسالة الامام لرجالات و أقطاب هذا الاقليم. و قد سبق أن أشرنا للرسالة و نقلناها.

غير أنه من الصعب جدا علي المجاهدين أن يخرجوا ليلتحقوا، فالبصرة تحت حكم شديد الارهاب، و تسلط مستبد يقوم به الوالي الأموي عبيدالله بن زياد بن أبيه قبل ذهابه للكوفة. بل اكثر من ذلك فان حدود البصرة قد أغلقت بتأثير ورود رسالة الامام و رسوله المجاهد (سليمن بن رزين) الذي قبض عليه بطريقة عادية (اذ اشتبه المنذر بن الجارود فشك بصدق الرسول و ظن أنه اختيار و احتيال من ابن زياد له، فصارح ابن زياد و سلمه الرسول، بسذاجة و قلة بصيرة)!!!.


فقدمه ابن زياد ليقتله، و ليؤكد للناس صدق عزمه علي التنكيل بهم بعد عودته من سفره. و تقدم البطل صابرا محتسبا، صامدا أمام سيف الجلاد..

و اطمأن ابن زياد الي أنه قد تم له ادخال الرعب و الفزع في قلوب البصريين، و خلف أخا له يدعي عثمان بمكانه، و غادر البصرة الي الكوفة بأوامر من يزيد و بدوافع من سرجون النصراني المستشار السياسي للبلاط الأموي.

فكيف يتمكن أي مجاهد من الخروج و العيون قد وضعت علي الحدود، لمراقبة من يخرج بلا اذن من السلطة للقبض عليه؟؟؟

و قد كانت رسالة الامام لاتتضمن دعوة اجبارية، كما يضطر احدهم الي تلبية دعوته. و لا تتضمن من الاغراء ما يلح علي المرء أن يبلغ مناه، أي أن خطر لخروج و عب ء المسير يبرر اهمال الأمر، و التعذر من تلبية نداء الحق الحسيني..

غير أن المومن بقضية تسخو دونها دماء و ارواح الرجال، لا يعرف المبرر أو لذريعة و لا التعذر، كما أنه لا يعرف خوفا و لا رعبا و لا فزعا.. و قد كانوا رجالا - و ليسوا كالرجال - كان علي رأسهم المجاهد العنيد (يزيد بن نبيط العبدي) الذي كان هو و جماعته و أعداد كبيرة، يجتمعون في البصرة، ببيت امرأة موالية لآل الرسول الأعظم (ص 9 تدعي مارية بنت منقذ [1] .. و كان ابن نبيط من المتشددين بالاخلاص و الولاية للرسول و آله الاطهار (كما جاء عن العسقلاني في الاصابة، و عن أبي جعفر الطبري) و كان له عشرة أولاد، انتدب منهم للجهاد (عبدالله، و عبيدالله)...

ثم نوي تحريض جمع من أصحاب بلا اجبار و لا اغراء كطريقته هو الآخر، حيث قام علي رؤوس جمع ببيت مارية فتكلم باختصار قائلا:

«اني قد أزمعت علي الخروج، و أنا خارج، فمن يخرج معي.»


فتضامن معه عدد، و قال آخرون: «انا نخاف عليك أصحاب ابن زياد» ذلك لأن حدود البصرة قد أقيمت عليها المراصد للقبض علي من يخرج ولكنه تحدي مخاطر السلطة، غير مكترث لعائق، و لا حاسب للخوف حسابه، مقابل لقاء الامام و الجهاد بين يديه، و أكد تحديه و قراره النهائي بقوله:

«اني والله لو لقد استوت أخفافها بالجدد لهان علي طلب من طلبني.» [2] . ثم انطلق مع جماعته، و غادرو بلا تردد ولا عودة. وهم: عامر بن مسلم العبدي، و مولي عامر، و سيف بن مالك العبدي، و الأدهم بن أمية العبدي فكانت عدتهم سبعة مع ابن نبيط نفسه و ولديه [3] ... و قد كانت لهم صفحات مجيدة بيضاء في سوح الجهاد و ميادين العمل لاعلاء كلمة الله و راية الاسلام... (و سنطالع دروسا عنهم في الكتاب التالي: الوعي الرسالي لأنصار الحسين).

و المدهش أن أولئك السبعة كلهم لم تصل اليهم رسالة واحدة، و لم تقصد فردا واحدا منهم أبدا... و انما تسامعوا بالرساء فتأهبوا، و قد تركوا ابن الحدود أولا، و في وقت أوعز فيه ابن زياد بن أبيه، لأخيه في البصرة أن يتشدد بوضع النظارة وبث العيون، فاظحت المهمة عسيرة شاقة، ولكنهم اسقطوا اي اعتبار يقف حائلا دون جهادهم فجازفوا بصلابة، و حدابهم حاديهم في الطريق و كان الحادي خالص نواياهم، و كان نشيدهم الحب الوفي لأسمي عقيدة و أقوي امام... و ألحت بهم رغبة الوصول سريعا بسلام، فسحقوا جميع الاعتبارات القانونية الصادرة من أنظمة الحكم الارهابي و عبروا الحدود فواصلوا نحو الامام و هم يغنون أغاني العقيدة، و أنا شيد صرامة الايمان بتراتيل لآيات من القرآن!.


ثم بلغوا رحل الامام و ركبه في منطقة يقال لها - الابطح من مكة - و حين التقوا بشخص الحسين (ع) و ما ان رآه ابن نبيط حتي هش اليه مسرورا و قال لشدة سعادته و اغتباطه: «بفضل الله و برحمته فبذلك فليفرحوا - السلام عليك يا ابن رسول الله - فسلم عليه و جلس اليه و أخبره بالذي جاء له فدعا له الحسين بخير -» [4] «ثم ضم رحله الي رحل الحسين عليه السلام» [5] ..

و هكذا نلمس بالغ الانس عندهم و الفرح، بحيث يعبر كبيرهم بشوقه الكبير بهذه الاية: «بفضل الله و برحمته فليفرحوا» 58:10. و حري بهم أن يفرحوا، و جدير بمثلهم أن لا يحزنوا منذ يومهم ذاك «فلاخوف عليهم و لاهم يحزنون». 69:5.

«و يستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم» 170:3.


پاورقي

[1] أو بنت سعد - تاريخ الطبري ج 4 ص 263.

[2] تاريخ الطبري ج 4 ص 263.

[3] وسيلة الدارين في أنصار الحسين - للسيد ابراهيم الزنجاني ط 1 بيروت 1975، الصفحات 211 -170 -161 -153 -99-...الخ.

و کتاب (انصار الحسين) للشيخ محمد مهدي شمس الدين ط 1 يروت 1975.

[4] تاريخ الطبري ج 4 ص 263.

[5] وسيلة الدارين ص 212.