بازگشت

الكل يسيرون بلا تعهد و لا بيعة


لقد بلغوا شوطا في المسير، فقطعوا مسافة طويلة، وابتعدوا عن مباني مكة. أما نحن فنقف لنلتفت الي أمر مهم، حيث لم يقدم أحد ممن سار ما يوثق شخصه و توطينه علي ما هو ذاهب اليه، و لم يأخذ الامام القائد أية تعهدات علي كونهم معه الي النهاية، لأن ذلك يستدعي أخذ البيعة منهم، نظرا لكونهم يقدمون علي أمر ذي نصب و احتمالت هرب، لاسيما و أخذ البيعة منهم، يعد موقفا مستساغا فلو تعذر أخذها من كل أهل مكة - كما سبقت الاشارة - فلم لا يأخذها ممن افقوه و رضوا بالسير وراءه، ثم لو تعذر أخذها منم بمكة فخارجها قد تسني.


و الامام - بل كل نبيه يومذاك - يعلم أن فيمن سار أصنافا عديدة و فئات، و بناء علي هذا، اتخذ الامام موقفا حكيما ذا أبعاد، و هو تجنب الزامهم بشكل تام، ذلك لأنهم عموما علي قسمين:

اما كاذب العزم، ذو غوائل، ماكر متخف... و اما صادق العزم مخلص بار وفي.

أما الأول: فلا يهمه اعطاء العهد و الميثاق مع الله، ثم ينزعه كنزع البردة و الملبس، و الامام لا يلزم و لا يجبر أمثال هؤلاء الذين يحملون بذور التراجع و الهزيمة، و معني أخذ البيعة و الميثاق اكراههم، و هم ينوون العودة بسلام ودعة.. اذن فلا حاجة لبيعة معرضة لهتك حرمتها بالنكث والنقض.

ثم ان الامام من طبيعة لطفه و اشفاقه سلام الله عليه، تجنب أن يجمع عليهم جريمة من خطيئتين: الأولي: التخلف و التقاعس عن واجب الهي، و الثانية: هتك حرمة رعاها الله أشد الرعاية وشدد عليها فلا يغريهم بأن «يقسموا بالله جهد أيمانهم انهم لمعكم» فضلا عن الجزاء العسير لترك الجهاد...

اما الثاني: فقسم الأوفياء أهل البصيرة، و ذوي الشهامة و النبل. و لما كان الامام يدرك كون ما لديهم من عزم و يعلم بوجود عصبة منهم شديدة البأس عند الخطوب، فليس ثمة حاجة لأخذ بيعة ممن ألزموا أنفسهم و عاهدوا الله و بايعوا الحق فصافحوه و بايعوه أنفسهم واتفقوا مع ما بدواخلهم و ذواتهم..

ثم نعود لنقول، ان هناك حوادث و وقائع تاريخية، طالما يطلب الجنود فيها من قادتهم أن يأخذوا البيعة منهم فلماذا يا تري لم يطلب أحد من هؤلاء البيعة؟!..

أما القسم الثاني، ففي قرارة نفس كل منهم ثبات حتي الممات لاتساورهم أو تحالبهم خطرات الشيطان كي تفت في عضد أحد منهم، فهم في حسن ظن - بأنفسهم وثقة بذواتهم وفي روعهم جلال الجهاد.. و جمال مجد الاستشهاد فما


دواعيهم لطلب أخذ البيعة، و هم علي استعداد لتسليم الروح و الدم

و هكذا نجدموقف الامام و أنصاره و باقي السائرين.. و صحيح أن توثيق العهود أمر جديد بالاهتمام بيد أنه ليس مهما و لا جديرا بتلك الحركة حسب مارسمته و قررت انتهاجه من قبل نظرة القائد الفاتح.. فلا ايمان بالتشكيلات الظاهرية.. و لا اعتراف بالمعاملات التقليدية.. و لا اعتبار بالعلاقات الروتينية.. و لا وزن لما لا وزن له عند من يسهل نبذه كالنواة.

و هكذا امتازت الحركة، و أحرزت أخص خصائص الحرية و التحريك الذاتي. و استقلت بهذا المعني عن أي نظير ينافسها..، فالانصار هم الثقة و البيعة «رجال لاتلهيهم تجارة و لا بيع عن ذكر الله.»