بازگشت

الرحيل علنا بتحد و كفاءة


مما يلفت النظر، و يدعوا للوقوف هنيهة، هو أن الخروج كان علنا، في وضح النهار، دونما تكتم أو سرية، و دونما تنكب عن الطريق العامة، و قد كان يمكن البدء بالخروج علي حالة من الخفاء ليلا تحت جنح الظلام، بعد اتفاق مع جميع رجالات الاخلاص فقط، و لا حاجة لاحتمال عرقلة و عتداء - ولكن وقع فلا صدام غاشم سيأتي ذكره بعد صفحات - و انما بدأ الرحيل بتلك العلنية فلأسباب مهمة تخص النظرة للسلطة المحلية، و تخص الاعلام لعموم الناس.. فمن الأسباب، صراحة كون الامام لايخشي سلطان أي أمير أو وال. فالرحيل تحد للسلطة و اسقاط لاعتبارها و ايماء لبسطاء الناس حتي من تخلف، بأن الوالي لا أثر له أو قدر يعينه علي التحكم بمقدورات جهاد جبار، فهو لا شي ء بمنظار قائد


الحقيقة و طلابها. و هذا كله شكل بعض الدوافع للوالي ببعث مفرزة شرطة لتصطدم مع القافلة حالما وصله نبأ الرحيل...

و ثمة أسباب اعلامة، لحالة الرحيل العلنية.. منها نبذ من يخشي لمساهمة علنا، مجاملة للسلطة و محاباة لها أو خوفا منها. فهذا اذن لا يملك بيده مقبض سيف ضارب للسلطة المركزية.. و منها أن تلك العلنية التامة تشكل حجة علي من يخفي رأسه، كما يتجاهل القضية، أو من سيتذرع - فيما بعد - بأنه لا يعلم. و لو علم فلا فائدة بعد اذ بعد الركب، أو من سيحتج بالخروج المكتوم بابتعاد الجند، فيعتبره استغناء عن النصرة و اهمالا للناس جميعا بلا مراعاة لهم..

و منها سهولة قدوم بعض المخلصين الأفذاذ ممن لا يعلموم وقت المغادرة لو كتمت، فسيسمع و يبادر للانضمام من البداية لئلا يتأخر، أو أنه يسرع لينضم خارج مكة، بينما الكتمان قد يبقي ذلك المخلص في مكانه النائي و هو علي نية و علو همة قبل الاسهام.. فحالة المغادرة العلنية ذات قوة تستمدها من القوة الكلية للمسير نحو الهدف الأخير و كيفية بدء المسير تستمد كفاءتها من كفاءة منهج الامام القائد في التحضير الذاتي، لتمنح رجال المصير كفاءة المسير، علنا أو سرا أو بأي حال، علي أن «لا تأخذهم في الله لومة لائم»