بازگشت

الامام يدعو بمنطق الفاتح المبدئي


كتب الامام القائد:

«بسم الله الرحمن الرحيم.

من الحسين بن علي بن أبي طالب الي بني هاشم. أما بعد من لحق بي فقد استشهد و من تخلف لم يبلغ مبلغ الفتح و السلام...» [1] انها الصراحة التامة، و الكشف الصادق و الأمين، لمصير و مستقبل الخروج معا. ليكون كل ملتحق علي بينة من الأمر سواء قرأ أو سمع بها. و قيل ان من تأخر من الهاشميين - و هم قلة - لحقوا به و الحقيقة أن المراد أيضا من الرسالة بيان القضية و مدي مستواها لجميع الناس


بعد أن يسمعوا أو يتسامعوا بها. انها محاولة دعوة و تحريض، ولكن بأي منطق عميق اتسم هذا التحريض؟.. انه كما أن لا شبيه له، و أسلوب يغاير الأساليب، و دعوة تباين الدعوات، بالضبط كما أن الحسين و جهاده العظيم، و هو مأخوذ من عمق نظرته، و ابعاد دعوته فلم يرغب أحدا الا بأسمي ما يوجد، الا و هو المضي لله بصفة شهيد، ولكن أية شهادة هذه؟.. انها تضاهي النصرة المؤزر، و تحاكي الظفر بالفتح المبارك، الفتح المعروف بصفته العسكرية، والمنصوص عليه في القرآن الكريم، بمعرض ذكر فتح مكة علي يد جده الأعظم (ص)

فالفتح العسكري المبين، و الجديد من نوعه، يمنحه صفة (الفتح) بما يعقبه من ارساء لأسس كيان الدين و أركان الرسالة، كفتح مكة المكرمة.. أما هذا السير و التحرك الجهادي الشاق العسير فهو محاولة كبري لفتح عظيم يعتبر الثاني من نوعه بعد فتح مكة، ذلك لان فتح مكة حقق الحق بضرب الأموية عصر الجاهلية، و أتي علي الأموية و الجاهلية تماما. ولكن الأموية نشطت من جديد علي حسابات معينة مرعية باسم الاسلام، فاستجدت تلك الجاهلية، و أعلنت اسمها الصريح «أموية» بلا قرينة أخري. ثم كادت أن تحيق بمعالم الحق، فما كان لها غير سبط الفاتح الأول صلي الله عليه و آله و سلم، ليكون الفاتح الثاني، فيحقق ما اندرس من الحق، ثم يحقق ما كاد أن يندرس و ينطمس، فتحا مبينا بما سيتوصل اليه في سيره من اعادة ارساء قواعد المبادي ء العملاقة في دين جده المصطفي، بعد أن انتقل الي الرفيق الأعلي بعد أن غرس أسمي معاني الشرعة في القلوب، و الأخلاق النبوية في النفوس، و أجري الخلق السمح - خلق الاسلام - علي الالسنة، و مشي في شرايين الصحابة الأبرار الزكية... و في الرسالة الكريمة أن من يريد اللحاق، أو من يروم البقاء في الركب عليه أن يوطن النفس علي تحقيق الفتح، و بالتوطين علي الشهادة، وليفهم شهادته ماذا تضاهي و تحاكي، و بأي مستوي سيكون تسليم نفسه للشهادة.. ذلك لكي يتسني له أن يمضي ذاتيا الي سواء السبيل بلا تردد أو خوف أو احتمال للنجاة..


انها رسالة كتبت بالأمس لرجال الأمس، و هي لرجال اليوم و غدا. بما تتحمله من صريح الدلائل، و صادق المعني عما أعلنته. فلا مجال لجاهل أو متعصب أن يتخبط أو يفتري الكذب، لأن القضية، قد أضحت جلية، و الفتح - حسبما أراد الامام - بالضبط كالجهاد الذي له ممارسات متنوعة و أساليب مختلفة، و ليس معناه القتال بالسيف فقط، و كالعبادة غير المحدودة بمجرد أداء الفرائض فحسب.. و ليس معناه غزوة للخارج فاتحلال لاقليم أو فسحة أرض جغرافية، و لا خير بمثل هذا الفتح حين يكون الداخل - داخل بلاد المسلمين أحوج ما يكون للفتح لأنه في طريقه لنغلاق المبادي ء التي يحاول ان يقتلها الجلادون...

فالمدرك الفطن النبيه من يفوز بفك شيفرة هذه الرسالة و ألغازها. و لذلك أخذت تلعب دورها في كلماتها النارية و عباراتها المصيرية لتلتهب النفوس المومنة شوقا و لتفزع القلوب الضعيفة تراجعا، بتأثير روعة بلاغة الامام و سديد منطقه.. ثم لحق بنو هاشم، و من سمع من عموم الناس المؤمنين، حبا بالشهادة المقدسة و بحوافز ذاتية للزحف المقدس «و من تخلف لم يبلغ مبلغ الفتح!..»


پاورقي

[1] اللهوف لابن طاووس ص 25. و بحارالأنوار للمجلسي ج 44 ص 330 و قد تفاوتت کتب التاريخ في تسجيل النص، بتفاوت يسير لا يمس المعني و المضمون. کما الاختلاف في زمن ارسالها فقيل عند الخروج من المدينة الي مکة، و قيل في مکة موجهة للمدينة، و هذا أقرب و أصوب، اذ تدل الرسالة بذاتها و من حيث لهجتها علي أن الامام في مکة کتبها و هو عازم علي الخروج عاجلا، أو تدل بأنه خرج توافليلحق به من يقرأها أو يسمع عنها: هاشميا کان أو غيره.