بازگشت

فريضة الجهاد في روع الانصار


لقد كان الناس قريبي عهد بعصر النبي الأعظم صلي الله عليه و آله و سلم. و رغم ذلك زلت بالكثيرين أقدامهم، بينما تسلق القليل مدارج السمو الاسلامي، و هم من حالف الذات علي نصرة ابن نبي الله، ففاز من فاز ممن قيموا عهدهم القريب، و أدركوا الواقع، و نظروا للمستقبل بينما خاب من خاب...

و جدير بنا ابراز شي ء من معالم ثلة الأصحاب، مقارنا بعكسه لدي غيرهم كمسألة حب الامام الحسين عليه السلام، الحب الصادق، و عكسه الكاذب: الحب العملي، و عكسه اللفظي لمجرد، حسب تفاوت العقليات و النوايا فالأصحاب لا جدال في حبهم الرفيع النزيه لقائدهم و نسبه الشامخ الطود و ما يمثله و يجسده، و لقد بلغ بهم ذلك الحب ذو الأصالة العقائدية، الي ما بلغوه من مواقع المرابطة في ميدان كربلاء، ثم الي ما بلغوه من مقاعد الصدق في السماء وفي جنة الفردوس، مع قائدهم الفاتح سيد شباب أهل الجنة....

ذلك الحب الذي شكل أكبر الخطر علي الوجود الأموري، و الذي كان بذاته بمثابة نار تلهب ألسنتها عروش الظالمين، ذلك الحب، الذي ينبغي للمتكلم و الكاتب أن لا يتورط في وصفه، مها كان أديبا بليغا، اذ يخسر ملكة البيان و تسقط فصاحته و بلاغته دون ذلك كليلتين تافهتين..

فحب الأصحاب علاوة علي كونه نابعا من عقلية تحترم ذاتها، فانه حب منحهم - فوق ذلك - تفكيرا واسعا لبيبا يقدر المسؤوليات حق قدرها، و يتلقي دواعي الواجب الالهي بصدر واسع رحب...... بينما نعثر عند غيرهم علي حب مجرد لفظي، و عقل ساذج يفكر بما لا يرضي، والذين تخلفوا عن عمد كلهم علي


تلك الشاكلة.... و نظرا لتوفر رواية شاهدة مصادقة علي ذلك فسننقلها عن ابن عمر، و هو أكثر الذين تخلفوا تسجيلا للروايات بذلك الموقف من قبل المؤرخين. قال ابن عمر بن الخطاب - فيما قاله للامام: «... و ادخل في صلح القوم، و لا تغب عن وطنك، و حرم جدك رسول الله (ص)» ثم قال: «و لا تجعل لهؤلاء الذين لا خلاق لم علي نفسك حجة» و الحق أن الحجة للحسين لا عليه، فهي له علي الظالم و علي من لاينصره ثم قال: فان يزيد بن معاوية عسي أن لايعيش الا قليلا فيكفيك الله أمره» و هذا هو منطق المتهاون في الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، بل منطق لذي يثبط عن القيام به و يعلم الغيب فيبشر بأن يزيد لا يعيش الا قليلا، ثم يقضي حياته في دوامة من الحزن الممض... فما كان من الامام الحسين الا أن زجره بقوة فقال:

«أف لهذا الكلام أبدا ما دامت السماوات والارض! (ثم تساهل الامام، و لعله سخط عليه بقوله) أسألك يا عبدالله، أنا عندك علي خطأ من امري هذا؟؟؟ فان كنت عندك علي خطأ ردني فاني أخضع و أسمع و أطيع» فدهش ابن عمر و أجاب و هو آسف علي تفريطه و اساءة الأدب: «اللهم لا، و لم يكن الله تعالي يجعل ابن بنت رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم علي مثل يزيد بن معاوية لعنه الله، ولكن أخشي أن يضرب وجهك هذا الحسن الجميل بالسيوف، و تري من هذه الأمة مالا تحب...» الي أخر كلامه و نهاية الرواية المطولة. [1] .

فيبدو اذن أنه يحب الامام، و يستصوب عمله فيتخذه بمستوي عقيدة أظهرها توا و لم يعد يضمرها فلماذا يا تري ذلك اللف و الدوران. طالما انتفي الخطأ؟! انها عقلية تختلف في الحب، عن عقلية النصير الحسيني، و انه حب لفظي لم يتخذ مكانه في الميدان العملي، كما رأينا النصير الحسيني، الذي يفعلها


ضربات صادقة الايمان حبا باعتقاد متأصل، فالقول الآنف ليس علي مستوي من المسؤولية: «ولكن أخشي أن يضرب وجهك هذا الحسن الجميل بالسيوف» و القول «و تري من هذه الأمة ما لا تحب» منطق غير سليم و لا مستقيم، فقد ضربت وجوه الأنبياء «الجميلة بالسيوف» و عذب أصحابهم بشتي الأساليب، فما سلم أحدهم من القتل و الحتوف. و هذه الأمة بهذا الواقع، تقدم المصاديق المتتابعة علي حتمية التدهور و حلول الضعة، فهل يجد الحسين أكثر كرها من ذلك الواقع و كرها لمؤشرات المستقبل و كرها لموقف ساذج عند المسلمين، بل عند أبرز من فيهم؟؟.. فلو قعد الامام نفسه اذن - كما أمر ابن عمر - فعلي الاسلام السلام، كما قال سلام الله عليه لمروان بن الحكم قبلا...

و يبدو بعد كل ذلك، مدي جهل الذين يزعمون، اجتهاد من تخلفوا عن عمد، فكلام ابن عمر السابق صريح الدلالة علي يقينه بالصواب مع ابتعاد الدلالة علي كونه ذا ملكة اجتهاد، بحكم افتقاره للمعاذير الشخصية المسوغة للتخلف.

فقد كان لا يزال علي رأيه، و كرر محاولته لثني الامام عن الجهاد بلا جدوي، حتي أنه تذرع بعدة كلمات جاءت مضطربة حيث قال للامام:

«ان جبريل أتي النبي (ص) فخيره بين الدنيا و الآخرة فاختار الآخرة و لم يختر الدنيا، و انكم بضعة من رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) كذلك يريد منكم... فأبي فاعتنقه و قال: أستودعك الله و السلام» [2] او قال «استودعك الله من قتيل»

و في رواية أنه قال: «لا تخرج فان رسول الله صلي الله عليه (و آله) و سلم، خير بين الدنيا و الآخرة، فاختار الاخرة، و انك بضعة منه، و لا تنالها، ثم


اعتنقه و بكي وودعه» [3] .

... انه لا يعني ما يقول، فهو مضطرب الحال، مضطرب السلوك و التعبير، و ستري كيف أنه يتجاهل و يتنكر و لايعني ما يقول.

فهو ينهي سبط الرسول (ص) عن الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و عن الجهاد، زاعما أنه يريد الدنيا، و هو بهذا يريد تشويه مقصد الامام أولا، و السبق لتبرير تخلفه عن الخروج مع الامام، لأنه لا يريد الدنيا كالحسين (ع) ثانيا.

ثم انه يظن أن يحمل السامع له و القاري عنه، علي تصديق دعواه بأن الامام يطلب الدنيا و يتنبأ بأنه «لا ينالا» و بنفس الوقت يقول له: انك بضعة من الرسول الكريم!... و نحن لا ندرك مفهوم ابن عمر لبضعة النبي و امتداد النبوة فكيف يكون بضعة النبي يطلب الدنيا، و يخرج لحطامها؟ هذا ما ظهر من اضطراب في منطقه الركيك.

أما ما ظهر من اضطراب في سلوكه، فهو البكاء اثناء التوديع، و هي ظاهرة لاتخلو من سر، و السر في مشاعره أنه يحس بتقصيره ازاء الحسين السبط، بل بتقصيره ازاء الله و رسوله و فريضة الجهاد، اضافة الي تبريره لتخلفه و قعوده و تقصيره بمبررات واهية. فبكاؤه يأتي نتيجة للألم الذي يعتصره، و يقهر نفسه بالتخلف عن الحق بحيث تتولد - في مثل هذه الحالة - حالات من الأسي و الحزن، تتفاقم فتتحول الي نوبات حادة من تأنيب الضمير، تبدو أعراضه بعدة أشكال

لذا كان يبدو متقصدا بسلوكه أو غير متقصد أو خارجا عن ارادته و وعيه و شعوره يطلق لنفسه العنان تنفيسا عما يجيش بصدره من صراع وجداني.

و بقي في تألمه من صرامة الامام بحيث قال مرة:

«غلبنا (الحسين) بخروجه، و لعمري لقد رأي في أبيه و أخيه عبرة، و رأي


من الفتنة و خذلان الناس لهم ما كنان ينبغي ألا يتحرك» [4] .

هذا صحيح، ولكن الامام الحسين صلوات الله عليه راي في الأنبياء و الاوصياء، و ما أنيط بهم، و رأي طبيعة ظروفهم و كثرة أعدائهم و قلة انصارهم ما كان ينبغي ان لا يؤخره عن التحرك و الجهاد.. أما ابن عمر فضاقت نظرته حين ضاقت به الارض ليخرج من أزمته و حراجة موقفه المتمثل بتخلفه..

فهل يا تري أن جهاد الحسين وجهاد أبيه و أخيه من قبل مع قلة الناصر و حضور المتخاذل و كثرة العدو، لا يعد جهادا؟؟ أم ليس مفروضا و واجبا وجوبا عينيا؟؟

أجل.. لكن المتهرب عنه لايملك حجة او عذرا و يظل يعيش الألم و الأسي، متذكرا تقصيره و تهربه من الجهاد بين يدي أهل بيت النبوة، و تظهر معالم الندم الكبير في الأيام الأخيرة، او الساعات و اللحظات الأخيرة فابن عمر حينما قرب منه الموت، و احتضر صرح متالما بقوله:

«ما أجد في نفسي شيئا الا أني لم أقاتل الفئة الباغية مع علي بن أبي طالب» [5] .

فما أشد أساه حينما يتذكر كلام الحسين (ع)

«اتق الله يا أبا عبدالرحمان و لا تدعن نصرتي!» كما ذكرنا.. و هكذا


تتضح المواقف فتنجلي الدوافع و المثبطات و بتجلي العقلية المتسامية التي كان يتمتع بها نصير الحسين، تحسن الاشارة بالمقابل الي العقلية التي هي علي الضد فنلمح هنا أن مدار حديث المعارض، و منطلق كلامه، كان بعيدا عن جعل الشريعة هي الحاكمة، ذات الكلمة الفاصلة الحاسمة فكلهم تجنبوا الحوار علي ضوء دستور الاسلام لعلمهم بأن الحسين (ع) هو القيم عليه و المدرك له، و المعبر عنه بلسانه و يده، و تجنبوه لاستحالة مغالطة الامام هذا لو دار الحوار بمنطق الدستور و سنة جده الرسول (ص) و بالتالي فانهم ان فعلوا ذلك وقعت الحجة عليهم لتلزمهم ان كانوا يلتزمون ولو أن الحجة قائمة عليهم أولا و أخيرا فلجوءهم لأسلوب سموه النصيحة و الرأي كان تملصا و تخلصا من طوق حكم الدستور، الذي لا مناص منه و لا محيص عنه. و العقل المتفتح المستوعب، بين في جلاء عن غيره، فهؤلاء غير أولئك بشتي السمتويات و من جميع الحيثيات....

و بعد هذا فالقضية، في روع الأنصار تبلغ شأوها من علو مرتقاها، و مدي رفعة علاها، بناءا علي احرازهم العقل المبدئي الحصيف، و احساسهم بالحب العقائدي الرهيف اللذين أودعهما الله في روعهم، فكمنا عندهم، ليكتنفاهم في خطاهم عبر مسيرهم علي طريق مناهضة أعداء الدين الحنيف... ففي روعهم ودائع الله سبحانه و تعالي، التي أودعها الله في كتابه و سنة جد قائدهم نبي الله الاعظم، و بروعهم الاقتداء النزيه بالقدوة المثلي، و التمسك - دونما تخل - بالعروة الوثقي و هم الأسوة، حيثما كانت و مهما كان خطرها، اذ «ولكم في رسول الله أسوة حسنة» و بروعهم ذلك مع غيره كثير من أوامر الأخذ و نواهي الرفض «ما أتاكم الرسول فخذوه و ما نهاكم عنه فانتهوا» 7:59 فلا آراء و لا هراء أهواء، و القضايا لاتخضع لاختيار حتي المؤمن أو المؤمنة الصادقين، لانه «ما كان لمومن و لا مومنة اذا قضي الله و رسوله أمرا أن تكون لهم الخيرة» [6] .


36:33. و ان اختار فقد فعل عكس الايمان و كان في صف من لم يسمع أمر الله و ذلك الخسران المبين، و ان قيل بحصر الهجرة، و اغلاق بابها، أو تحديد معناها، فذلك ما يستحيل كونه في باب الجهاد، و باب الامر بالمعروف و النهي عن المنكر و لا مؤيد في ذلك، كذلك أيضا في مبدأ رفض موالاة من لا يوالون الله و يحادونه و في تحريم اتخاذهم من دون أوليائه: عترة نبيه، بطانة أو وليجة.

هذا كله و غيره كثير، كان في روع الأنصار. فما بال غيرهم علي غير اصغاء لصوت السماء، و انذار الرسول؟ و الكل كانوا في عصر غير بعيد عن عهد نداءات النبي صلي الله عليه و آله و سلم، و الكل - أنصارا و متخلفين - هم من ارعيل الأول و أبناء الرعيل الأول، فأين القرآن و السنة و مضامينهما؟؟؟

أتذهب كلها سدي، بفعل مواقف السادرين جهلا، لتبقي خلفهم أثرا بعد عين ثم نلفق لهم؟!! كلا.. لأن الله لايغرب عنه شي ء، و هو الذي قدر و قضي - بقاءا للرحمة التي أنزلها و أراد لها الديمومة للبشرية كافة - أن انتخب صفوته من نسل حبيبه محمد (ص) و الناس تنظر لهم بتفاوت في الايمان.. و هذا الامام الحسين ينهض.. و «الله أعلم حيث يجعل رسالته» 124:6 فينهض حوله الذين «صدقوا ما عاهدوا الله عليه». و في روعهم، مآل الدين و الأمة الي التقويض في ظل حكم الأموية الهرقلية الكسروية.. و لما كان الله يأبي ذلك، فقد خرجوا ليذودوا عن حياض الدين، قبل تمكن الأموية من نفوس الأمة ككل، اذ استحوذ وجودها علي عقو البعض، اذ كان من أهداف الأموية غلق باب الجهاد، و هدم صرح الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، و بالتالي زحزحة أسس جميع أركان الكيان الاسلامي، كتمهيد لانقلاب جذري..


أجل، كان في روعهم السير قدما، و بلا تأجيل يومل فيه موت يزيد، فما تأثروا بالقول «فان يزيد بن معاوية عسي أن لا يعيش الا قليلا فيكفيك الله أمره..»

كلا و هيهات، فالرسالة موكلة برجال مصطفين، لا الي محتملات الزمن، والله لا يكفي شر العوادي بمعزل عن البذل في سبيله سبحانه، اذ عسي أن يعيش يزيد.. كأبيه.. طويلا، فما عسي أن يكون المستقبل للرسالة و الأمة؟!! انه لكلام رخيص.. فالله تبارك و تعالي يكرر ابتلاءه للأمة، و قد يطول كثيرا، اذ يملي للظالم، و يمتحن المظلوم لو كان مؤمنا. و لذا لم يكتف الانصار بالانكار القلبي، و مضض القلوب، فذلك ضعف ادراك و ارادة، و سوء ظن بالله «و ذلك أضعف الايمان» فهم من الايمان علي أقواه و أصبه و أعلاه.

فمنطلق المحتملات التي تقضي بالتوكل علي الزمن، يفيد بأن الوقت عصيب متأزم، فهل يفت ذلك بعضد النصير؟؟ و الحق ان خطورة الموقف تفسر لماذا يكون أمرهم.هل البيت.. صعب مستصعب، فمذ لمس النصير شدة أزمة الظرف، ظهر أنه يملك قلبا امتحنه الله للايمان. فاحتمل عسير حلول الخطوب و ثقيل وقع الأحداث، و ذلك ما يلذ المؤمن المتصرف بعناد لله و تعصب لال الله كحق يعرض ذاته بذاته، و ذلك اروع ما يشتاقه المتفاني فداءا للحسين و وفاءا.. و بهذه المناسبة، يقول خالد محمد خالد: «و متي تكون التضحية، اذ لم تكن اليوم، و دين المسلمين يتحول الي «مزرعة أموية» و امجادهم العظيمة يستولي عليها مخلوق عابث... و مصايرهم الكبري تمسك بها أيدي وصوليين جباة، و جلادين طغاة،...؟!» [7] .

هذا و ان التضحية، قضية يتطلبها - و يطالب بها - دين الاسلام النحيف بما لا تساهل فيه من باب الجهاد، و الأدلة علي ذلك ليست قاصرة، و حسبنا نقل ما جاء في كتاب الاستراتيجية العسكيرية الاسلامية كلمحة فحسب، نصها:


«و التقصير في الجهاد - فوق أنه اخلال بواجب ديني، مستوجب لغضب الله، لان الاسلام أعتبره عاملا يؤدي الي التهلكة و الفساد و الذلة و اختلال نظام الاسلام»

«و كذلك اعتبر الاسلام التثبيط و التعويق و التخلف و التقاعس عن الجهاد بريمة دينية تستحق عقوبة الله و غضبه و سخطه، و جريمة سياسية تعطي أولي الامر حق مؤاخذة أصحابها بالشدة و القسوة» [8] يعني مواخذتهم، لا سيما عند اثبات الجهاد بمشروعيته و النص عليه، و سمو وجهته، و نزاهة أساليبه الخ.. و هذا ما أظهره الذين تخلفوا عن أن الامام الحكيم لم يتخذ الاجراءات الصارمة بحقهم لعدم مناسبة ذلك مع الظرف الذي يمر به، و استغناءا عنهم، و حفظا و حرصا علي المسلك الثوري و المسعي الرسالي الذي يميز من يقف بجانب الحق و من يقف بجانب غيره..

و لعل عدم مؤاخذة الامام القائد لهم و كشف حقائقهم، أغرت بعض المسملين، فسمح له ضميره أن يقول و يكتب ما فيه الضلال و التموية، و استغل الموقف فقال متجرءا علي الله و رسوله و آله: ان الحسين أخطا، و لم يقل ذلك الا بدافع التعصب و الغروب، و لنترك العقاد يقول عن أولئك و أمثالهم:

«و كان خليقا بهؤلاء ان يذكروا أن مسألة العقيدة الدينية في نفس الحسين، لم تكن مسألة مزاج أو مساومة - الي آخر قوله [9] ..... و بمكان قبل ذلك قال أيضا «ان القول بصواب الحسين معناه القول ببطلان تلك الدولة، و التماس العذر له معناه القاء الذنب عليها. و ليس بخاف علي أحد كيف ينسي الحياء و تبتذل القرائح في تنزيه السلطان القائم و تأثيم السلطان الذاهب فليس الحكم علي صواب الحسين أو علي خطئه اذن بالأمر الذي يرجع فيه الي أولئك الصنائع المتزلفين الذين يرهبون سيف الدولة القائمة. و يغنمون من عطائها، و لا


لصنائع مثلهم يرهبون سيفا غير ذلك و يغنمون من عطاء غير ذلك العطاء.» [10] .

أرأيت كيف يغتنم بعض الكتاب، آراء بعض الصنائع - كما ذكرهم العقاد، فيركبون ركابهم؟ و هم لا ينظرون باعتبار لمن تخلف، و لا ينظرون الحسينية باعظام الي من تجند والي ما في نفسه، وفي نفسه و في روعه من ايمان بالقضية الحسينيه العادلة؟!! أولئك ممن لا يمكنهم اعطاء الرأي الصائب لو سألهم السائل عمن تخلف تهربا من المسؤوليات أو عن غيره لأنهم مغرضون، و قد قال خالد محمد خالد، عن محاولات المعارضة و الاشفاق:

«كل تلك المحاولات الحريصة علي سلامته و حياته، لم تلن له قناة. و لم توهن له عزما...!!»

«ذلك أن القضية التي خرج البطل حاملا لواءها لم تكن قضية شخصية تتعلق بحق الخلافة... أو ترجع الي عداوة شخصية يضمرها ليزيد... كما أنها لم تكن قضية طموح يستحوذ علي صاحبه و يرفعه الي المغامرة التي يستوي فيها احتمال الربح و الخسران...

«كانت القضية أجل، و أسمي، و أعظم...

«كانت قضية الاسلام و مصيره، و المسلمين و مصيرهم... و اذا صمت المسلمون جميعهم تجاه هذا الباطل الذي أنكره البعض بلسانه و ينكره الجميع بقلوبهم، فمعني ذلك، أن الاسلام قد كف عن انجاب الرجال!!.. «معناه أن المسلمين قد فقدوا أهلية الانتماة لهذا الدين العظيم. و معناه أيضا ان مصير الاسلام و المسلمين معا قد أمسي معلقا بالقوة الباطشة فمن غلب، ركب.. و لم يعد للقرآن و لا للحقيقة سلطان «هذه هي القضية في روع الحسين». «و بهذا المنطق أصر علي الخروج»..

و الي هنا يبدو كافيا ابراز مجمل معالم الشخصيات التي ناصرت الامام


الحسين و شايعته، مع ايضاح عن الشخصيات المتخلفة، و بواعثهم بالجملة، أو أفرادا. و لعلنا أطلنا نسبيا، بل لقد أبطا الركب الحسيني، و ذلك بسبب الضجة الساذجة من صدور الآراء غير الناضحة لمن تلكموا....

و يتحرك الركب في مسيرته التاريخية المجيدة تلك المسيرة التي لم يقض عليها تقادم الزمن و تعاقب الحقب، رغم عوادي العدي...

ثم انطلق بقيادته و بجنوده.، و لحقه حفنة ناس بنية نيل المنافع الدنيا... فانسحب بعضهم كباقي الذين تخلفوا... و بعضهم تملص في الطريق كما سيظهر..

«فالناس عبيد الدنيا و الدين لعق علي ألسنتهم يحوطونه ما درت به معايشهم. فاذا محصوا بالبلاء قل الديانون».


پاورقي

[1] الفتوح - ج 5 ص 42 - 41.

[2] دخائر العقبي ص 250.

[3] سيرة اعلام النبلاء للذهبي ج 3 ص 199.

[4] سير اعلام النبلاء ج 3 ص 199.

[5] سير أعلام النبلاء ج 3 ص 155.

[6] أجل ان الله سبحانه و تعالي بالجهاد و قدر النضال في تلک الفترة عينها من أجل اعلاء کلمته و احقاق الحق سواء کان علي نحو القضاء بصفة منه مباشرة الي نبيه صلي الله عليه و آله ثم للحسين، أو کان علي نحو القضاء و الأمر غير المباشر و المتمثل بما تنطوي عليه شريعة الله و ما تضمنته من توجيهات و نداءات للجهاد في الظروف الماسة. و قد سبق لنا الاشارة لهذا المعني في التمهيد بموضوع: بواعث الامام القائد.

[7] أبناء الرسول في کربلا ء - لخالد محمد خالد ص 105 ط 1972 - 4.

[8] الاستراتيجية العسکرية الاسلامية - محمد فرج ص 219 مصر 1975.

[9] أبو الشهداء ص 115.

[10] نفس المصدر - ص 107 - 106.