بازگشت

اهمال الامام لمن تعمد التخلف


تجلي أخيرا أن الذين تخلفوا بتعمد، لفقدانهم الأعذار، مع ابدائهم المواقف السلبية اللاشرعية، تجلي أنهم قد تركوا مسؤولية خطيرة، بحكم كونها مرتكزا لحفظ وصيانة ما دونها من مسؤليت الدين الحنيف، فقد أهملوا الحكم و تركوا رأي الله و رسوله الواضح بجلاء في القرآن ثم السنة، ثم تجسيد الامام الحسين له عمليا... و تركوا الجهاد و كل متعقاته.

و ذلك بمعني أنهم قد تخلوا بالمرة عن تبيان الصراط السوي المستقيم للناس، لكي يتمسكوا به كعروة وثقي، فلا قائم بالبيان غير الحسين و من معه و ليس للحق غير اهل بيت النبوة، فهم العروة الوثقي، فليس اذن للأمر الا أهله.... و لدليل علي اهمال التخلفين للحكم الاسلامي أن معاوية اعترف بأن عبدالله بن عمر، لا يعتني بقضايا الحكم فطمأن. يزيد علي ذلك بمعرض توصياته له و تحذيراته ممن يشكلون الخطر الداهم علي الكيان الأموري فمها قال له بشأن ابن عمر، هو:

«فأما عبدالله بن عمر فرجل قد وقذته العبادة، و اذا لم يبق أحد غيره بايعك...» [1] «و لا يريد الخلافة لا أن تاتيه عفوا» أما من لا يري للرواية


تلك من صحة التدليل علي اهماله لمهمات الاسلام، أو يقدر كذب الرواية، فالرأي لم يبرح قائما بدلالات تدعمه، و هي مجمل مواقفه... و بعد: فما تدهورات الأمة الاسلامية، متقلبة من يد حكم الي شريد، الا لما وقع ابتداءا من اهمال هذه الأمة، لأكبر جوانب الحياة حساسية و أرقاها بنظرة الاسلام المبدئية اذ عليها، و بظلها يسود كل مبدأ لمتبقيات جوانب الحياة.. و ليس بخاف ذلك علينا و نحن نعيش هذا العصر الذي أسفر عن أنواع الحكام و السياسات!!

و ان الظروف السياسية في كل فترة لتؤكد لنا حقيقة أن ترك الجانب المذكور، بلا اكتراث له، مشفوعا بالخنوع و الخضوع و التخلي حتي عن المساهمة باللسان لجلاء شي ء من الحق، كل ذلك يؤدي الي البعد الكبير عن ال و التقصير بجنب الدين الحنيف فمن الخطل ما يسمي بالعبادة و التنسك مع تطليق كامل المسؤوليات. هذا و ان المدعي بالعبادة أو المدعي عليه بها، طالما يحبه و يدنيه الحكم الفاسد و يرتضيه، و نحن نعلم اليوم بأن الاستعمار و أذنا به، لا يخشون مثله، و يسمونه بالملتزم بقشورالدين.

و لم يطمئن معاوية منه فحسب، بل يفرح بمسرة و سعادة لأنه سيستعمل ابن عمر كغطاء و ستار من حيث يدري و لا يدري لاعاد النظرة عند الناس بأن حكم معاوية لايعادي الصالحين الأتقياء، و بلضبط نجد الاستعمار يري نفس الرأي، و و لا يمس العابد المتنسك، فوجوده - حسبما يعتقد - يزيل نظرة الناس لمعاداته للدين..

تري هل التعبد لله يقود الي العبودية للسلطات الحاكمة؟ و هل التعبد و التنسك يبرران له مبايعة يزيد و أبيه أو أي كان حيث لا يميز الفاسد من الصالح، فهما لديه سيان؟؟ أم هل يريد العابد أن يسمو بالعبادة علي شخص السبط الحسين؟

ألا يعرف الحسين عبادة الله من حيث يجهلها كل ناسك، يلبس مسوح الرهبان؟ و هل العبادة - حق العبادة - تتمثل بممارسات في رتبة معروفة


تقتضيه باقي العبادات؟!! لماذا هذا و العبادة تراعي مستقبل الناس و مستقبل دينهم؟؟ و كيف اذن سيضمن هذا المتعبد الجاهل ديمومة دينه بسلامة و دين قومه؟؟ قان كان ثمة متعبد خالص النية صادق القلب، فما كان له أن يكون، الا جنديا مجندا للاسلام تحت راية الامام الحسين سيد العباد، ولي الله و حجته الذي قام بأمره، فاظهر حق اله و أثبته من دون تشويه، و الذي بلغت عبادته به مبلغا، بحيث صلي بجنده وسط الميدان في ساحة المعركة، والذي بلغ هو و رهطه و صحبه شأوا من العبادة لله وحده حين لبسوا الأكفان و كان طهورهم بدم يسيل بلا انقطاع في سبيل بقاء الدين و المتدينين فليست العبادة اختفاءا و تهربا من الواجب، و خوفا من العمل و خشية من الناس. و لا تكون الممارسات حقا هي تلك العبادة مفهوما و أبعادا، بل هي «رهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم الا ابتغاء رضوان الله، فما رعوها حق رعايتها..» 27:57.

و لو أن بن عمر و غيره أهملوا الأمر و تركوه تماما لهان الخطب، و لقيل عنهم انهم رهبان عباد، لم يعلموا بالوقائع و الأحداث و لم يتدخلوا بها حال سماعهم لها. ولكنهم أيدوا و أرادوا الحكم القائم، ثم تدخلوا سلبيا، فتعدوا الحد - كما قلنا - و عارضوا التدخل بايجابيته، بل - و هذا أنكي وأمر - عارضوا شخص الحسين (ع) بالذات، و هنا يكمن بيت قصيد المأساة...

و بعد كل ما سبق، هل يثبت الزعم بكونهم اجتهدوا بالرغم من وضوح كونهم قد أهلملوا الحق؟؟؟ و هل باهمال الحق اجتهاد؟؟؟ و هنا نشير الي خبط عشواء بنموذج مماثل لهذه القضية، حيث يكتب أحد المعاصرين - تقليدا للأقدمين - أن هؤلاء مجتهدون، ثم يذهب بمنطق العجب الي حد يقول فيه: ان تخلفهم لا بأس فيه طالما تجنبوا حرب الحسين (ع) «فلم ينصروا الباطل!» كأنه يلمس من مواقفهم اللامسؤولة استعدادهم لنصرة الباطل!!! هذا ما أفاده (محمد بن فتح الله بدران) حينما قال:

«و هؤلاء (التخلفون) كان عدم خروجهم اجتهادا منهم، و هم ان قعدوا عما


رآه الحسين حقا، فلم ينصروا الباطل، و لا لوم عليهم فيما فعلوا» [2] هذا هو كل ما توصل اليه الدكتور؟ فهو يشعر بتقصيرهم، و ليس بيده التغطية الا بتلك الالفاظ المظللة الفضفاضة، و العبارات الخائرة التي لا تحمل نفسها؟؟؟ أو هذا ما تنتظره الأجيال المعاصرة، من المعاصرين الذين يكتبون فلا ينتجون لهم الا التموية علي مواقف كار هي الجهاد الذين تهربوا منه، فيبررون مجرد تبرير بلا دليل و لا تفكير، ليتربي الجيل علي القعود و تثبيط الهمم، و هو بحاجة لحقائق و نتائج منصفة و الي شحذ الهمم بكشف المواقف صراحة فيما تقارن، فيظهر لاقوي ليكون نورا يستضاء به، و لتنطوي هذه الصفحة من الدفاع عن جماعة قعودا عن نصرة الحق، في اقوال اعتباطية ألقيت علي عواهنها؟!!

.. و لقد أدرك الامام القائد أن لا جدوي من كل أولئك و لا طائل فم يدعهم اكثر مما دعا العامة، عدا قوله لابن عمر «... اتق الله يا أبا عبدالرحمن و لا تدعن نصرتي..» لتكون حجة تدفع أعذار المشتكين.. و قد كان ذلك، لأنه لمس منهم الخور و التقاعس الفظيع، و خوفهم من المعمعة ولكن الامام ذكرهم بأن الفتنة ستحل (قريبا من دارهم) اذ كرر خبر البيت الحرام و أنه يستحل حرمته كبش ما، أي ثمة مهالك و مجازر. ستشهدها مكة و فعلا وقعت، و شهدت مكة، و سجل التاريخ، ولكن التخلف عمدا لم ترهبه تلك الانباء فلم يرعو منهم أحد أبدا، طالما أنهم لا يخافون من وقائع لم يحددها الامام و الخوف كل الخوف من حرب لاضمان للعودة منها بسلام. و حركة محددة توشك مشاريعها و أعمالها الخطيرة أن تحل..

و لمس اهمالهم لما أهملوه... فلم يسعه الا نبذهم علي سواء و اهمالهم، ذلك أنه كان غير مستعد لدعوتهم التي ستفتح أبوابا لكلامهم، فيكثر الجدل و الحوار، فالقضية مصيرية، و ليس ثمة رأي لأحد فيها يومذاك و لا لكاتب هذا اليوم. فالقضية أنزه من أن تتداولها الألسن فتتلاعب بها الآراء و الأواء، لأن حتمية


أداء الواجب المقدس تفرض الزاما امتثال كبير الأمة و سيدها الامام، في جميع أعماله، دون لف أو دوران...

غير أن الذي تسني لهم من خلاطه طرح آرائهم، ينحصر في عدة أسباب منها أن السماحة الحسينية، والمعاملة النبوية و أخلاقها، لاظهار مدي عدم تحمل البعض لأضخم المسؤليات و عجزهم عن مواجهة خطوب الدهر و صروفه، و أن سبيلهم الوحيد هو اللجوء للخضوع و الصمت، علي حساب ما يزعمونه من دين و تدين... ثم ان الامام لم يردهم بعنيف الردود و خشن الأجوبة بل ردهم بهدوء و نزاهة تحاكي نزاهة شخصه الشريف... و هذا سر تجرئهم و تجاوزهم بمنطقهم التعسفي أخيرا. و يجدر القول بأنه انما أهملهم الامام لصعوبة القضية عليهم، نظرا لما يكتنف القضايا و الأمور التي انيطت بجميع أهل البيت الرسالي، من عقائدية صرفة و مبدئية بحتة، فلا مؤيد لها و لا نصير الا من رحمه ربه فرباه و امتحن قلبه و زكاه، و لذا فقد صرح آل الرسول صلي الله عليه و عليم بأن حديثهم - و عملهم - صعب مستصعب لا يحمله (أو يؤمن به) الا نبي مرسل أو ملك مقرب أو مؤمن أمتحن الله قلبه للايمان [3] .

و واضح كنه النص الشريف، فلا يحتمل أمرهم الا نبي، لما له من تمحض رسالي و أمر صادر من السماء الي رسول الله (ص) اليهم.... و عليه فالمؤمن لابد له من الدخول بمرحلة الامتحان الالهي العسير، كي يحظي بموقع في نطاق أمرهم الصعب المستصعب، و الا فجوابهم «لا تبتلي بطريقتنا».. و قد اظهر مؤمنو كربلاء ما يخلب الألباب فيزيدك ايمانا علي ايمان، لان الذين سلكوا الطريقة المحمدية العلوية ليسوا الا نخبة اختارتهم العقيدة ذاتيا و انتخبهم الرحمان فانتشلهم و عزز مكامن ايمانهم فاطعمهم يقينا و غذاهم برحيق الهدي، فما يبالون أين و متي يصيبهم الردي بعد جهاد قاهر ضد العدي.... أولئك هم الذين رآهم


الامام يستحقون ارساء سفينته ليحملهم بمركب الحق، و ليزفهم الي السماء... و قد أهمل - علي أسي منه و قدر قدره - كل من تخلف بارزا أو من عامة الناس الكثيرين: «و ما أكثر النا ولو حرصت بمومنين..» 103:12


پاورقي

[1] جاء ذلک في مصادر عدة کتاريخ ابن الأثير و غيره و کتب حديثة متعددة: أنظر العقاد في أبو اشهداء ص 32 و خالد محمد خالد في (أبناء الرسول في کربلاء) ص 91. والخ.

[2] في تقديم کتاب (غصن الرسول: الحسين بن علي) لفؤاد علي رضا - طبع بيروت 1970.

[3] أصول الکافي م 1 ص 4 -2 -4 - 1- الطبعة الثالثة 1388 هجرية بطهران.