بازگشت

موقف الامام ازاء آرائهم


و حق للامام الحسين (ع) أن يتأسف ويلتاع بحزن شديد ولوعة ثقيلة الوطأة!. فيرثي لأولئك و آرائهم، ثم يهملم و ينبذهم علي سواء، و هو الحريص علي مستقبل هذه الأمة، و قوام أفكار دينها.. المستقبل الذي أناط الله بأيدي أولئك «القوم» فأحسن اصطفاء غيرهم... المستقبل الذي لو افترضنا توقفه علي أمثالم لكان الاسلام أثرا بعد عين..ولئك الذين تمتعوا بجهل للرسالة ذي أبعاد و حملوا فوقه تبعات مترتبة «واحدة اثر الاخري» دون ان تفلت احداها او تفوت، حتي تسعي بهم حثيثا لحب الجبت و الطاغوت!!! فأولئك من الذين لايملكون ارادة صيانة أي مستقبل غير مستقبل الفشل، و لايتمتعون بأي ادراك سليم لما آلت اليه الاوضاع من امراض.

فبماذا يجيبهم الامام، و ما موقفه من كل منهم و هم علي ما هم عليه من ضيق العقلية؟!! لقد أهمل بعضهم، و بسط القول مع البعض الآخر، فقد أهمل أبا و اقد الليثي، الذي لم يكن محبا للامام، فعارض خوفا علي ملك بني أمية، فلم يعتن به الامام و أعرض عنه كما ذكر القرشي معتمدا علي تاريخ ابن الأثير،


و تاريخ ابن عساكر و تاريخ الاسلام للذهبي.

و بماذا يجيب ابن عمر، صاحب اقتراح الصلح بمبايعة يزيد؟!! لقد تسامح الامام فرد عليه موحيا له أن جهاده و مصرعه لايختلف عن سنة الأنبياء و الرسل، كنبي الله يحيي بن زكريا عليهماالسلام، ثم شبه يزيد و الأموية بالمفسدين من بني اسرائيل حين قال لابن عمر صاحب النصحية الامسؤولة:

«أما تعلم ياعبدالله، أن من هوان الدنيا علي الله تعالي أنه أتي برأس يحيي بن زكريا عليه السلام الي بغي من بغايا بني اسرائيل، و الرأس ينطق بالحجة عليهم؟.. أما تعلم أن بني اسرائيل كانوا يقتلون ما بين طلوع الفجر الي طلوع الشمس سبعين نبيا ثم يجلسون في أسواقهم يبيعون و يشترون كلهم كأنهم لم يصنعوا شيئا، فلم يعجل الله عليهم بل أخذهم بعد ذلك أخذ عزيز مقتدر؟!!» ثم ختم الامام بقوله: «اتق الله يا أبا عبدالرحمن، و لا تدعن نصرتي [1] .. «

و جدير بالقاري ء النبيه ان يكشف شيئا آخر، غير تلك المقارنة و المشابهة بين الامام و يحيي، و بين يزيد و قتلة يحيي بن بني اسرائيل، و هو تقديم الدليل واضحا علي أن وجوب حرب الأموية هو بمستوي وجوب حرب بني اسرائيل المفسدين دونما فرق، لأن كلا من هؤلاء و هؤلاء لايتورع عن سفك دماء الأزكياء من الانبياء و ابناء الأنبياء، بلا حساب أو تخرج.. و بتقديمه لماهية الأموية و نظيرها من عتاة اسرائيل، كان الامام قد انتهي الي اقامة الحجة - علي كل مستمع - ناصرا أو ممتنعا - الحجة في وجب الجهاد بلا هوادة و بلا تأخر، الأمر الذي يفسر لنا منطق ختم الامام جوابه الشريف بدعوة المخاطب «ابن عمر» بقوله: «اتق الله يا أبا عبدالرحمن و لا تدعن نصرتي» دعوة هائدة جاءت بعد بيان للحقائق بطريق المشابهة.. فهو لم يدعه جبرا ولكن حذره التقصير بجنب الله سبحانه، و ان لم يكن ثمة جدوي و لا تقوي تكفل له العدول


عن المعارضة بحكم تأصيل بواعثها... و للامام جواب آخر لابن عمر اذ قال له مرة «لو كان أبوك عمر بن الخطاب حيا لنصرني [2] ... و هناك غيره مما سنذكره فيما بعد..

علي أن الامام لم يكن ليعتد بأحدهم حتي يقدم له جوابه المناسب، و انما تكلم بما يناسب الشخص و باعثه الداعي لرأيه، متجنبا الاطالة مع من لاثقة في اهتدائهم للتجارة الرابحة رساليا... و يقول المرحوم السيد عبدالرزاق المقرم عن موقف الامام في جواب كل من يطرح رأيه، انه «لم يسعه المصارحة بما عنده من العلم بمصير امره لكن من قابله، لأن الحقائق كما هي لا تفاض لأي متطلب بعد تفاوت المراتب، و اختلاف الأوعية سعة وضيقا. فكان عليه السلام يجيب كل واحد بما يسعه ظرفه و تتحمله معرفته» [3] .


پاورقي

[1] الفتوح لابن أعثم ج 5 ص 43، 42 و بحارالانوار ج 44 ص 365 و أعيان الشيعة ج 4 ق 1 ص 177.

[2] مع الحسين في نهضة - أسد حيدر ص 145 ط بيروت 1974.

[3] مقتل الحسين للمقرم ط 2 ص 173 سنة 1956.