بازگشت

الرأس الشريف في المدينة


روي ابن سعد في الطبقات الكبري أن يزيد بن معاوية بعث بالرأس الشريف الي عمرو بن سعيد بن العاص، نائب


المدينة، فدفنه عند قبر أمه الزهراء و أخيه الحسن بالبقيع، و قد أخذ القرطبي و ابن بكار و الهمداني بهذا الرأي، كما ذهب الامام البخاري في تاريخه الي أن رأس الحسين حمل الي المدينة و دفن في البقيع عند قبر أمه رضي الله عنها، و الأمر كذلك بالنسبة الي ابن فضل العمري، حيث قال في «مسالك الأبصار»: جاء من أخبار الدولة العباسية أنهم حملوا أعظم الحسن و رأسه الي المدينة المنورة حتي دفنوه بقبر أخيه الحسن.

و لعل هذا الرأي ربما كان أكثر ضعفا من الرأي الأول لسببين، أو لهما: أن ارسال رأس الامام الحسين الي المدينة انما يزيد من ثورة أهلها اشتعالا علي يزيد و بقية الأمويين، و لم يمكن يزيد بحاجة الي زيادة الثورة التي انتشرت في الحجاز بمجرد أن علم القوم هناك بمقتل آل البيت، و علي رأسهم الامام الحسين، في مجزرة كربلاء، ثم أن فيه نوعا من الاستخفاف بمشاعر المسلمين التي بدأت تغلي بالغضب، بعد أن علم الناس بما فعله ابن زياد في الكوفة بالرأس الشريف، و كيف أخذ ينكث فيها بقضيب في يده، ثم أمر أن يطاف بها في شوارع الكوفة، امعانا في الكيد و التشفي، و ارهابا للناس حتي لا يفكر أحد في الخروج عليه، و بعد أن أشبع رغبته الجامحة، أمر بها أن تنقل الي يزيد بن معاوية في دمشق، الذي كرر فعلة ابن زياد الدنيئة، فوضع الرأس الشريف بين يديه، و أخذ ينكث الفم الشريف بقضيب في يده، كما فعل الزنيم ابن الدعي، ثم أمر يزيد بأن يطاف بالرأس الشريف في مدن الشام و أقاليمه، كما أمر الخطباء أن يسبوا الامام علي و ابنه الامام الحسين علي المنابر، كما فعل سلفه، و كما سيفعل خلفاؤه، الا عمر بن عبدالعزيز، الأمر الذي أهاج الناس جميعا و ما أظن أن يزيد في حاجة الي زيادة هياج بارسال الرأس الشريف الي المدينة المنورة.

أما ثاني السببين، فهو النص الذي ذكره المسعودي عن دفن الامام الحسين ببقيع الغرقد مع أمه الزهراء، و قد جاء فيه «و هناك الي هذا الوقت «أي القرن الرابع الهجري» رخامة مكتوب عليها «الحمدلله مبيد الأمم و محيي الرمم، هذا قبر فاطمة بنت رسول الله صلي الله عليه و سلم سيدة نساء العالمين، و الحسن بن


علي بن أبي طالب، و علي بن الحسين بن علي، و محمد بن علي، و جعفر بن محمد، رضوان الله عليهم أجمعين»، و هذا يعني أن الذين دفنوا في البقيع انما هم: سيدة نساء العالمين، فاطمة الزهراء، و سيد شباب أهل الجنة الامام الحسن، و قرة عين الاسلام، الامام علي بن زين العابدين، و ولده الامام محمد الباقر و ولده شيخ علماء الأمة الامام جعفر الصادق، و أنه لو كان الامام الحسين معهم لذكر اسمه بينهم، كما يقول الأستاذ حسن عبدالوهاب في كتابه «تاريخ المساجد الأثرية» و لما أغفل صاحب النص ذكر سيدالشهداء، الامام الحسين.