بازگشت

الاختلاف في مكان دفن الرأس الشريف


لعل من الأهمية بمكان الاشارة، بادي ء ذي بدء، الي حقيقة هامة يخشي ألا تظهر بوضوح في هذا الجدل الذي طال بين المؤرخين حول المكان الذي دفن فيه رأس الامام الحسين، و الذي تنازعته ما يقرب من ثماني مدن اسلامية هي: كربلاء و المدينة و دمشق و عسقلان و الرقة و مرو و حلب و القاهرة، تلك


الحقيقة هي أن كثيرا من البقع الاسلامية راحت تتنافس ادعاء شرف ايواء رأس مولانا الحسين، و تدعي كل منها أن الرأس الشريف عندها يعطر أرضها، و يبارك حماها، و يشرف أهلها بأن الله تعالي أكرمهم بأن جعل رأس الامام الحسين من نصيبهم، دون سواهم من بقاع أرض الاسلام المختلفة، و من المعروف أن للتاريخ اختلافات كثيرة، ربما جاز لنا أن نسميها بالاختلافات اللفظية أو العرضية، لأن نتيجتها الجوهرية، سواء بين جميع الأقوال، و منها الاختلاف علي مدفن رأس الامام الحسين، عليه السلام، فأيا كان الموضع الذي دفن فيه الرأس الشريف، فهو في كل موضع أهل للتعظيم و التشريف، و انما أصبح الامام الحسين بكرامة الشهادة، و كرامة البطولة، و كرامة الأسرة النبوية، معني يحضره الرجل في صدره، و هو قريب أو بعيد من قبره، و أن هذا المعني، لفي القاهرة، و في عسقلان، و في دمشق، و في الرقة، و في كربلاء و في المدينة، و في غير تلك الأماكن سواء.

و بدهي أن كل ذلك، انما يتسق مع حياة البطل و مصيره، و من ثم فرأس الامام الحسين، بكل ما مثله و يمثله الي أبد الآبدين، من صمود و عظمة و تضحية، و فداء و نبل و شهامة، و دفاع عن الحق بالنفس و الولد و الأهل، لم يعد ملكا للامام الحسين وحده، و لا ملكا لرأس الامام و جسده الشريف، كما أنه لم يعد ملكا لأرض دون أرض، بل ولا دين دون دين، و انما صار ذلك منذ استشهاد الامام البطل، و الي أن يغير الله الأرض غير الأرض، صار ملكا للحق وحده، يرفعه في أوديته العامرة و الثائرة، لواء و قدوة، و يملأ بسناه ارادة الحياة عزما، و ضميرها نورا، و كذلك صارت رؤوس أهله و أصحابه، مشاعل فوق طريق الحق و الشرف و الايمان، و سلام الله علي مولانا الامام الحسين يوم ولد، و يوم استشهد و يوم يبعث حيا.

هذا و قد تعددت الآراء بشأن الأماكن التي دفن فيها رأس الامام الحسين، كما أشرنا من قبل و تنازعته ثماني مدن، هي كربلاء و المدينة المنورة و حلب و مرو الرقة و دمشق و عسقلان و القاهرة، و هي تدخل في بلاد الحجاز و العراق


و الشام و الديار المصرية، و تكاد تشمل علي مداخل العالم الاسلامي كله من وراء تلك الأقطار، فان لم تكن هي الأماكن التي بها دفن رأس الامام الحسين، عليه السلام، فهي الأماكن التي تحيا بها ذكراه، لأمراء. و لنحاول الآن مناقشة هذه الآراء بشي ء من التفصيل: