بازگشت

آل البيت في قصر ابن زياد


لا ريب في أن عب ء الحفاظ علي بيت النبوة انما ألقي كله بعد مذبحة كربلاء علي العقيلة الطاهرة السيدة زينب بنت فاطمة الزهراء و الامام علي، حفيدة النبي صلي الله عليه و سلم و شقيقة الامامين الحسن و الحسين، و من ثم فقد كان عليها أن تقوم وحدها، بعون من ربها، بهذه المهمة الجليلة، أمام أكبر جبارين في عصرها، عبيدالله بن زياد في الكوفة، و يزيد بن معاوية في دمشق، و قد اقتضت حكمة الله أن يصطفي الامام الحسين، عليه السلام، ليخلد به في تاريخ البشرية أروع صور البسالة و الاقدام، و أقوي أمثلة الشمم و الاباء و التضحية و الفداء، كما اقتضت كذلك أن يتخذ الله من شقيقته الطاهرة، مثلا رائعا، و نورا ساطعا، تستمد منه نساء الاسلام القدوة الطيبة، و الأسوة الحسنة، ليروا كيف يكون الصبر الجميل في أشد مواطن البلاء، و كيف يكون الرضا بالله تعالي، مع قسوة القضاء، و كيف تكون العزة و الكرامة، و الايمان بالله و الثقة فيه، و كيف تكون رباطة الجأش أمام الطغاة المتكبرين، و الجبابرة الحاكمين، فكان عقيلة بني هاشم، في ضعفها و وحدتها، أعظم قوة، و أشد بأسا، و كانوا في جموعهم و سلطانهم، أضعف جندا، و أقل عددا، و لكي نقدر موقف العقيلة الطاهرة و ما حل بها من كروب، علينا أن نتذكر أنها شهدت أسعد أيام الاسلام، و بلغت المنتهي في العز و الاكرام، فكانت قرة عين جدها المصطفي صلي الله عليه و سلم ثم عاصرت أيام الخلفاء الراشدين، و ما كانت تفيض به من عدل و رحمة، و كرامة لآل بيت النبي صلي الله عليه و سلم حتي انتهت امارة المؤمنين الي أبيها الامام علي، كرم الله وجهه في الجنة، ثم عاصرت انتقال الخلافة الي شقيقها الامام الحسن، و تنازله عنها لمعاوية بن أبي سفيان، حقنا لدماء المسلمين، ثم عاصرت أيام معاوية و البيعة المشئومة لولده يزيد،ثم امتناع شقيقها الامام الحسين عن هذه البيعة ثم خروه الي الكوفة ثم مجزرة كربلاء، حيث رأت بنفسها أقمار أهل البيت المطهر، من أبناء أبيها، و أبناء شقيقها سيدا شباب أهل الجنة، و هم يسقطون قتلي الواحد بعد الآخر، و منها ابنها و فلذة كبدها عون الأكبر، حول عاهل بيت النبوة، في


ميدان الشرف و الخلود، ثم يحملون اليها، و قد مزقتهم الرماح، و قطعتهم السيوف، ثم رأت اللئام حين يتمكنون من ساداتهم، بل سادة الدنيا كلها، فرأت الامام الحسين صريعا، و واحد من رجالات قريش، و يا للعار، يدعي عمر بن سعد، و ينسب الي سعد بن أبي وقاص، رضي الله عنه، صاحب جدها النبي صلي الله عليه و سلم يأمر بقطع رأس الحسين و رؤوس بقية شهداء آل البيت، ثم يندفع اللئام في خسة، حتي سلبوه و جردوه من سلاحه، كما سلبوا خباءه، و لم يتركوا حتي ثياب النساء من أهل بيته، حيث كانوا ينتزعونها انتزاعا لا تجد فيه السيدة بدا من تركه، ثم يأمر هذا السفيه عمر بأن يدوس اللئام جسد الامام الطاهر بحوافر خيلهم حتي ألصقوه بالأرض، ثم يحزون رؤوس الشهداء ليحملوها الي الزنيم ابن زياد، و معها سيدات آل بيت النبوة، كأنهن سبايا. و ما أن وصل موكب آل البيت الطاهرين الي قصر زياد، و أدخلت العقيلة الطاهرة، و عليها أرذل ثيابها و معها عيال الامام و اماؤها، فجلست ناحية لا تتكلم و لا تنظر الي ما أمامها، لكن جلال النبوة و بهاء الامامة، و نور آل البيت النبوي الشريف، استلفت نظر ابن زياد، فقال: من هذه التي انحازت ناحية و معها نساؤها، فلم تجبه، فأعاد سؤاله ثلاثا و هي لا تجيبه، ثم أجابت عنها احدي الاماء: هذه زينب بنت فاطمة بنت رسول الله صلي الله عليه و سلم، فما كان من اللئيم ابن زياد، الا أن يجترأ قائلا «الحمدلله الذي فضحكم و قتلكم و أبطل أحدوثتكم» و كانت عقيلة بني هاشم حقا جديرة بنسبها الشريف في تلك الرحلة الفاجعة التي تهز عزائم الرجال، كانت كأشجع ما تكون حفيدة محمد النبي، و بنت الامام علي، و أخت الشهيد الحسين، و قد كتب لها أن تحفظ بشجاعتها و تضحيتها بقية العقب الحسيني من الذكور، و لولاها لانقرض من يوم كربلاء، فلم تمهل الطاغية ابن زياد أن ثارت به قائلة «الحمدلله الذي أكرمنا بنبيه صلي الله عليه و سلم و طهرنا من الرجس تطهيرا، انما يفضح الفاسق، و يكذب الفاجر، و هو غيرنا و الحمدلله»، فاشتد غضب ابن زياد، و ازداد حنقه و قال شامتا «فكيف رأيت صنع الله بأهل بيتك»، فأجابت العقيلة الطاهرة: «كتب الله عليهم القتل فبرزوا الي مضاجعهم،


و سيجمع الله بينك و بينهم، فتحاجون الله و تتخاصمون عنده، فانظر لم الفلج يومئذ ثكلتك أمك يا ابن مرجانة»، فتهافت الطاغية ساخرا و قال: هذه سجاعة، لعمري لقد كان أبوها سجاعا شاعرا، فقالت زينب: ان لي عن السجاعة لشغلا، ما للمرأة و السجاعة.

و عندما أراد ابن زياد قتل علي، ابن الامام الحسين، و بقية النبوة، تعلقت العقيلة الطاهرة به مستميتة، فاستخزي الطاغية من شجاعتها عندما قالت «ان قتلته فاقتلني معه»، فقال ابن زياد: عجبا للرحم، و الله اني لأظن أنها ودت لو أني قتلته أن أقتلها معه، دعوا الغلام، ثم التفت اليه و قال «انطلق مع نسائك».

و روي الطبري و ابن الأثير أن ابن زياد أمر فنودي الناس الي الصلاة جامعة، فاجتمع الناس بالمسجد الأعظم بالكوفة، ثم صعد المنبر و قال «الحمدلله الذي أظهر الحق و أهله، و نصر أميرالمؤمنين يزيد بن معاوية و حزبه، و قتل الكذاب بن الكذاب، الحسين بن علي و شيعته»، و لم يكد يفرغ من مقالته الذكوب حتي وثب اليه «عبدالله بن عفيف الأزدي»، و هو من أتباع الامام علي، و كان قد حارب معه و فقد عينيه، الواحدة يوم الجمل، و الأخري يوم صفين، فكان لا يكاد يفارق السمجد الأعظم يصلي فيه الي الليل ثم ينصرف، فصاح بابن زياد «يا ابن مرجانة، ان الكذاب ابن الكذاب، أنت و أبوك، و الذي ولاك و أبوه، يا ابن مرجانة، أتقتلون أبناء النبيين و تتكلمون بكلام الصدقين»، فهاج الطاغية الأثيم و صاح: علي به،و أمر بقتل ابن عفيف، و صلبه في المسجد، فصاح عبدالله بن عفيف: «لقد كنت ادعوا الله أن يجعل نهايتي علي يد أشر خلقه،فالحمدلله الذي حقق لي أملي»، و انصرف الناس و هم في جزع و حزن عميق، و ما كادت مرجانة، أم عبيدالله بن زياد تعلم أن ابناه قد اقترف هذه الجريمة الشنعاء، حتي صرخت في وجهه قائلة: «يا خبيث، قتلت ابن بنت رسول الله صلي الله عليه و سلم و الله لا تري الجنة أبدا».

و لم يتعظ ابن زياد بكلامه أمه، و لم يكتف بكل آثامه و خطاياه التي ارتكبها في حق آل بيت النبي صلي الله عليه و سلم من القتل و التنكيل، فضلا عن العبث بالرأس


الشريف، و من ثم نراه يأمر عصابة السوء من اللئام بأن يطاف برأس مولانا الامام الحسين في شوارع الكوفة و أزقتها، مبالغة منه في التشفي و الانتقام، و ارضاء لنفسه الدنيئة، و احساسا منه بوضاعة الأصل و سوء المنبت، بالمقابل بالنسبة لهؤلاء الشهداء، حفدة سيد الأولين و الآخرين، و سادة العرب في الجاهلية و الاسلام، هذا فضلا عن اثارة الرعب في النفوس باظهار صورة من بطشه و جبروته، حتي لا يفكر أحد في أن يبدي أسفا، أو يظهر اعتراضا، خاصة و أن بوادر الغضب قد بدت علي الناس، و من ذلك ما يرويه ابن الأثير في أسد الغابة من أن قيس بن خرشة القيسي» صاحب رسول الله صلي الله عليه و سلم كان من أشد الناس تنديدا بابن زياد، و انكارا عليه بما فعله بعترة النبي صلي الله عليه و سلم، فلما بلغ ابن زياد ذلك أرسل اليه و قال: «أنت الذي تفتري علي الله و رسوله، فقال قيس: لا و الله، لكن ان شئت أخبرتك بمن يفتري علي الله و رسوله، قال من هو، قال قيس: من ترك العمل بكتاب الله و سنة رسوله، قال: و من ذاك، قال أنت و أبوك، فاستشاط ابن زياد فقال: و أنت الذي تزعم أنه لا يضرك بشر، قال نعم، قال: لتعلمن اليوم أنك كاذب، ائتوني بصاحب العذاب، فمال قيس عند ذلك، فمات رضي الله عنه.