بازگشت

الرسول و استشهاد الحسين


كان سيدنا و مولانا رسول الله صلي الله عليه و سلم يحب الحسين حبا جما، فهو منه، و هو من الحسين، كما أعلم المسلمين بذلك، و من ثم فقد كان قلبه يتفطر رحمة و حنانا لأقل أذي يصيب الحسين، حتي أنه سمعه مرة يبكي، فاذا به صلي الله عليه و سلم يقول


للزهراء «ألم تعلمي أن بكاءه يؤذيني»، فكيف بقتله، و حز رأسه، و كيف بوطئه، عليه السلام، بسنابك الخيل، و كيف مع ذلك بقتل ولده و اخوته، و لا شك أن النبي صلي الله عليه و سلم، كما يقول الأستاذ حسين يوسف، كان يتابع الأحداث من روضته الشريفة، بكل ما في هذه الأحداث من قسوة و ضراوة، و كان صلي الله عليه و سلم علي صلة وثيقة بسبطه في كل خطوة يخطوها، حتي لقد بشره صلي الله عليه و سلم بالشهادة قبيل المعركة الدامية فقال له في رؤياه «انك تروح الينا» و كان قلبه صلي الله عليه و سلم الذي يتفجر بالرحمة و الرأفة للناس أجمعين، يوشك أن تنقطع نياطه، لما أصاب أهل بيته المطهر من سفك لدمائهم و تقطيع لأوصالهم.

و أخرج الترمذي من حديث سلمي، مولاة رسول الله صلي الله عليه و سلم و زوج مولاه أبي رافع، قالت: دخلت علي أم سلمة، رضي الله عنها، و هي تبكي، فقلت لها: ما يبكيك؟ قالت: رأيت رسول الله صلي الله عليه و سلم و علي رأسه و لحيته التراب، فقلت ما لك يا رسول الله، قال: «شهدت قتل الحسين آنفا» و قد كانت أم سلمي رضي الله عنها، آخر من مات من زوجات النبي صلي الله عليه و سلم، و كانت تحب الحسين، عليه السلام، حبا جما، حتي لقد بلغ من تأثرها لمقتله، فيما يروي الذهبي في سير أعلام النبلاء، أنها ما كادت تعلم به حتي و جمت و غشي عليها، و حزنت عليه حزنا شديدا، و لم تلبث بعده الا يسيرا، حتي لحقت بربها، رضي الله عنها، و روي ابن كثير عن شهر بن حوشب قال: انا لعند أم سلمة، زوج النبي صلي الله عليه و سلم فسمعنا صارخة، فأقبلت حتي انتهت الي أم سلمة، فقالت: قتل الحسين، فقالت: قد فعلوها، ملأ الله قبورهم، أو بيوتهم، عليهم نارا، و وقعت مغشيا عليها.

غير أن رواية اليعقوبي تؤكد أن أول صارخة صرخت في المدينة أم سلمة، زوج رسول الله صلي الله عليه و سلم كان صلي الله عليه و سلم دفع اليها قارورة فيها تربة، و قال لها: ان جبريل أعلمني أن أمتي تقتل الحسين، و أعطاني هذه التربة، و قال لي: اذا صارت دما عبيطا فاعلمي أن الحسين قد قتل، و كانت عندها، فلما حضر ذلك الوقت جعلت تنظر الي القارورة في كل ساعة، فلما رأتها قد صارت دما صاحت: «واحسيناه، و ابن رسول الله، و تصارخت النساء من كل ناحية، حتي ارتفعت


المدينة بالرجة التي ما سمع بمثلها قط»، و قد روي ابن حجر العسقلاني في «الاصابة في تمييز الصحابة»: و قد صح عن ابراهيم النخعي أنه كان يقول: لو كنت فيمن قاتل الحسين ثم أدخلت الجنة، لاستحييت أن أنظر الي وجه رسول الله «صلي الله عليه و آله و سلم».

و أخرج الامام أحمد في المسند و الفضائل، و عبد بن حميد في منتخب مسنده، و الحاكم في المستدرك، و صححه علي شرط مسلم، و وافقه الذهبي في تلخيصه، و الطبراني في الكبير، و ابن عبدالبر في الاستيعاب، عن حماد بن سلمة عن عمار بن أبي عمار عن ابن عباس قال: رأيت النبي صلي الله عليه و سلم في المنام بنصف النهار، أشعث أغبر، معه قارورة فيها دم يلتقطه أو يتتبع فيها شيئا، قلت يا رسول الله ما هذا، قال: دم الحسين و أصحابه، ثم لم أزل أتتبعه منذ اليوم، قال عمار، فحفظنا ذلك فوجدناه قتل ذلك اليوم، عليه السلام، و في رواية أخري للامام أحمد، قال ابن عباس: رأيت النبي صلي الله عليه و سلم فيما يري النائم بنصف النهار، قائل أشعث أغبر بيده قارورة فيها دم، فقلت بأبي و أمي يا رسول الله ما هذا، قال: دم الحسين و أصحابه، فلم أزل ألتقطه منذ اليوم، فأحصينا ذلك اليوم، فوجدوه قتل ذلك اليوم، عليه السلام «تكرر الحديث في كتاب فضائل الصحابة للامام أحمد بن حنبل بأرقام (1396، 1389، 1381،1380) و في رواية لابن أبي الدنيا أن ابن عباس استيقظ من نومه فاسترجع و قال: «قتل الحسين و الله، فقيل له لم يا ابن عباس، قال رأيت رسول الله صلي الله عليه و سلم و معه زجاجة من دم فقال: «أتعلم ما صنعت أمتي من بعدي، قتلوا الحسين، و هذا دمه و دم أصحابه أرفعها الي الله»، فلم يمض أربعة و عشرون يوما حتي جاءهم الخبر بالمدينة، أنه رضي الله عنه، قتل في ذلك اليوم و تلك الساعة».

و بدهي أن يتابع مولانا و سيدنا رسول الله صلي الله عليه و سلم أحداث مذبحة كربلاء من قبره الشريف، فالأنبياء أحياء يصلون، روي أبو يعلي بسنده عن أنس بن مالك أن النبي صلي الله عليه و سلم قال: «الأنبياء أحياء في قبورهم يصلون» و روي الامام أحمد و ابن ماجة عن أبي الدرداء أن النبي صلي الله عليه و سلم قال: «ان الله حرم علي الأرض أن تأكل


أجساد الأنبياء» و يقول ابن القيم في «الروح» أن للأرواح المطلقه من أسرار البدن من التصرف و القوة، و النفاذ و الهمة، ما ليس للروح المحبوسة في علائق البدن و عواتقه، و قد تواترت الرؤيا علي فعل الأرواح بعد موتها، ما لا تقدر علي مثله حال اتصالها بالبدن، من هزيمة الجيوش الكبيرة بالواحد و الاثنين و العدد القليل و نحو ذلك، و كم قد رئي النبي صلي الله عليه و سلم و معه أبوبكر و عمر، قد هزمت أرواحهم عساكر الكفر و الظلم، فاذا بجيوشهم مغلوبة مكسورة، مع كثرة عددهم و عددهم، و ضعف المؤمنين و قلتهم» و قد أكد النبي صلي الله عليه و سلم هذه المعاني في الحديث الشريف الذي يرويه ابن سعد بسنده عن بكر بن عبدالله، حيث يقول صلي الله عليه و سلم «حياتي خير لكم، تحدثون و يحدث لكم (أي تحدثون شئونا و تحدث لكم أحكامها) فاذا أنامات كانت وفاتي خيرا لكم، تعرض علي أعمالكم، فان رأيت خيرا حمدت الله، و ان رأيت شرا استغفرت لكم».