بازگشت

شهداء آل البيت


و تقدم آل محمد صلي الله عليه و سلم، تقدم فتيان بني هاشم، سادة العرب في الجاهلية و الاسلام، الي ميدان القتال، يتشوقون الي الجنة، و هم في لحظاتهم المجيدة تلك انما كانوا يشمون عبير جدهم رسول الله صلي الله عليه و سلم و جدتهم خديجة الكبري، و عبير حمزة و جعفر و علي و فاطمة الزهراء، فيدركون أنهم صاروا من الجنة علي قرب ذراع، فينطلقون نحوها في هيام، روي ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة أنه قيل لرجل شهد يوم الطف مع عمر بن سعد، ويحك أقتلتم ذرية رسول الله صلي الله عليه و سلم فقال «عضضت بالجندل أنك لو شهدت ما شهدنا لفعلت ما فعلنا، ثارت علينا عصابة أيديها في مقابض سيوفها كالأسود الضارية تحطم الفرسان يمينا و شمالا، و تلقي أنفسها علي الموت، لا تقبل الأمان و لا ترغب في المال، و لا يحول حائل بينها و بين الورود علي حياض المنية أو الاستيلاء علي الملك «؟» فلو كففنا عنها رويدا لأتت نفوس العسكر بحذافيرها، فما كنا فاعلين لا أم لك.

و كان أول آل البيت انطلاقا «علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب»، فتي لم يجاوز التاسعة عشرة من عمره، تقدم الفتي الهاشمي، ابن الحسين، و حفيد الامام علي، و سليل النبي صلي الله عليه و سلم شاهرا سيفه، مدافعا عن أبيه الامام يتوسط حراب الأعداء و سيوفهم، و هو ينشد:



أنا علي بن الحسين بن علي

نحن و رب البيت أولي بالنبي



تالله لا يحكم فينا ابن الدعي

فذكر القوم لو كانوا يذكرون، بما كان يصنع جده الامام علي، حين كان يقتحم المعارك في عنفو انه اللجب، فلا يقف في وجهه من فارس و لا بطل،




و هكذا أراد الفتي الهاشمي، و كأنه يعيد سيرة جده الي الحياة مرة أخري، و صدق الله العظيم حيث يقول: «ذرية بعضها من بعض»، ثم أراد ابن الحسين أن يذكر الناس، لو كانوا يذكرون، بنسبه الشريف و اتصاله الوثيق بشجرة النبوة و الرسالة، فأخذ ينشد و سيفه مصلت في يده:



أنا ابن علي الحبر من آل هاشم

كفاني بهذا مفخرا حين أفخر



و جدي رسول الله أكرم من مشي

و نحن سراج الله في الناس يزهر



و فاطمة أمي سلالة أحمد

و عمي يدعي ذا الجناحين جعفر



و فينا كتاب الله أنزل صادقا

و فينا الهدي و الوحي و الخير يذكر



و مضي الشهيد ابن الشهيد، مضي علي بن الحسين بن علي، يضرب بسيفه و يضرب حتي تصيبه طعنة رمح فيقع علي الأرض، و قبل أن يتحامل علي جراحه لينهض من جديد، كانت عشرات السيوف الباغية قد مزقت جسده الغض الشريف، و يراه أبوه الامام الحسين، مجدالله الحسين، فيسرع نحوه، و يسرع معه شاب بني هاشم، و في رباطة جأش تذهل كل حي، حمل الامام البطل ابنه الحبيب، ثم سجاه علي ذراعي واحد من بني عمومته، و أمره أن يذهب به الي فسطاطه، و لا تكاد الطاهرة البتول «زينب بنت علي» رضي الله عنها و أرضاها، تبصر جثمان ابن أخيها حتي تعلو زفرات أساها، فانكبت علي الأشلاء الطاهرة الناضرة تضمخها بدموعها و شجنها، و تقدم الامام الي أخته يسألها الصبر، و ان لم يملك نفسه، و قد فجعته المصيبة الا أن يقل «قتل الله قوما قتلوك يا بني، ما أجرأهم علي الرحمن، و علي انتهاك حرمة الرسول صلي الله عليه و سلم فعلي الدنيا بعدك العفاء».

و تبع علي بن الامام الحسين الي جنات الفردوس ابن عمه «عبدالله بن مسلم بن عقيل» الذي سقط شهيدا بعد أن أصيب بسهم في جبهته، و آخر في قلبه، ثم جاء من بعده محمد بن عبدالله بن جعفر، حيث تجمع من حوله اللئام فقتلوه، بعد جولات مجيدة في الدفاع عن عميد آل بيت النبي صلي الله عليه و سلم، و ما أن رأي عون الأكبر ما فعله أعداء الله و رسوله بأخيه حتي اندفع اليهم في بأس و غضب،


و أخذ يصرع جنود العدو حتي طوقوه، و أحاطوا به و انهالوا عليه بسيوفهم، الي أن استشهد، و تقدم اخوة الامام الحسين، عبدالله و جعفر و عثمان و محمد الأصغر، و أبوبكر و العباس، يقذفون بأنفسهم وسط الهول، و أخوهم العباس يهتف فيهم قائلا: «تقدموا حتي أراكم قد نصحتم لله و لرسوله» فيتقدمون الي قلب الجيش المسعور بسيوفه العاوية، و رماحه الباغية، و كلما لمحوا خطرا يقترب من أخيهم الامام الحسين البطل تلقوه بأجسادهم حتي سقطوا جميعا صرعي، بل قولوا: صعدوا جميعا شهداء.

و تقدم أبناء الامام الحسين و أبناء الامام الحسن، كما تقدم أبناء جعفر و عقيل، تقدموا جميعا في بطولات تتحدي نفسها، و اندفع أصغرهم، القاسم بن الحسن، يهز سيفه في الهواء الساخن، ثم يهوي به فوق الأغناق الضالة، حتي سقط بسيف ظلوم من عمرو بن سعد الأزدي، فاستغاث الغلام بعمه الامام الحسين الذي انطلق كالصقر نحو قاتل ابن أخيه، فشد عليه شدة الليث و ضربه بسيفه، فبتر يده الشقية، ثم طرحه أرضا، حيث داسته خيل ابن زياد، الذي كان في صفوفها، فهلك تحت حوافرها، ثم رجع الامام الي ابن أخيه حيث حمله الي حيث أرقده بجوار ابنه علي، و لأول مرة سالت عبرات الأسد، و هو يخاطب الجثمان المسجي بالمجد «عزيز و الله علي عمك أن تدعوه فلا يجيبك أو يجيبك فلا ينفعك في يوم كثر واتره، و قل ناصره».

و هكذا ظل آل البيت النبوي الشريف يتساقطون واحدا بعد الآخر، و اشتد العطش بالأطفال، و الامام الحسين يصول هنا و يقاتل هناك، و انه لفي هذا الهول كله، و بعضه يهد الكواهل، و يقصم الأصلاب، اذا بالرماح و السيوف تنوشه من كل جانب، و اذا بالقتل يتعدي رجاله المقاتلين الي الأطفال و الصبيان من عترته و آل بيته، و سقط كل من معه واحدا بعد واحد، فلم يبق حوله غير ثلاثة يناضلون دونه، و يتلقون الضرب عنه، و هو يسبقهم و يأذن لمن شاء منهم أن ينجو بنفسه، و قد دنت الخاتمة و وضح المصير، و نهض السجاد، علي زين العابدين ابن الامام الحسين، يتوكأ علي عصا لأنه مريض، فصاح الحسين بأم كلثوم «أحبسيه لئلا


تخلو الأرض من نسل آل محمد» فأرجعته الي فراشه، ثم أمر عياله بالسكوت، و دعا ولده الرضيع يودعه فأتته السيدة زينب بابنه عبدالله و أمه الرباب، فأجلسه في حجره يقبله و يقول: بعدا لهؤلاء القوم اذا كان جدك المصطفي خصمهم، ثم أتي به نحو القوم يطلب له الماء، فرماه «حرملة بن كاهل الأسدي» بسهم فذبحه، فتلقي الامام الحسين الدم بكفه و رمي به نحو السماء، و يقول الامام أبو جعفر الباقر «فلم يسقط منه قطرة»، ثم سرعان ما لحق بالصبي الشهيد بقية الثلاثة الذين بقوا مع أبيه الامام الحسين، و هكذا راح الأبرار جميعا، و بقي الامام الحسين، وحده، روي الحافظ ابن عبد البر في الاستيعاب عن الحسن البصري: «أن الذين قتلوا مع الحسين من أهل بيته رجال ما علي وجه الأرض يومئذ لهم شبه»، و لم يقف اللئام عند هذا الحد في الخسة و الدناءة من تقتيل أصحاب الامام و أبنائه و أهل بيته، بل تعدوه الي تكرار محاولتهم الدنيئة للوصول الي خيامه، حيث أطفال و نساء بيت النبوة، و من ثم فقد صرخ الامام الحسين فيهم صائحا «ويلكم، ان لم يكن لكم دين، و كنتم لا نخافون يوم المعاد، فكونوا في أمر دنياكم أحرارا و ذوي أحساب، امنعوا أهلي و رحلي من طغاتكم و جهالكم»، و كان قائد ذلكم النفر هو «شمر بن ذي الجوشن»، الذي قاد نفرا آخر من قبل لهذه المهمة الدنيئة، و كما استخزي في المرة الأولي، استخوذي هذه المرة.