بازگشت

تطور الأحداث في الكوفة


سارت الأمور في الكوفة علي غير ما يريد الامام الحسين، فلقد نزل مسلم بن عقيل الكوفة و أقبل عليه الناس ألوفا ألوفا يبايعون الامام الحسين علي يديه، و بلغوا ثمانية عشر في تقدير ابن كثير، و ثلاثين ألفا في تقدير ابن قتيبة، و أرسل مسلم الي الامام الحسين بذلك، و هال الأمر النعمان بن بشير، أمير الكوفة من قبل يزيد، فحار فيما يصنع بمسلم و أتباعه، و هم يزدادون يوما بعد يوم، فصعد المنبر و خطب الناس معلنا أنه لا يقاتل الا من قاتله، و لا يثب الا علي من وثب عليه، و لا يأخذ أحد بالظنة، فقال له أحدا أنصار بني أمية «هذا رأي المستضعفين»، و عينئذ زجره النعمان قائلا «لأن أكون من المستضعفين في طاعة الله، خير من أكون من الجبارين في معصيته»، و من ثم فقد تسابق أنصار الأمويين الي يزيد ينقلون اليه ما يجري بالكوفة، و طبقا لرواية الطبري و ابن الأثير و غيرهما، فان يزيد استشار سرجون، مولي معاوية، فيمن يوليه الكوفة، و كان يزيد عاتبا علي عبيدالله بن زياد، فقال سرجون: «أرأيت لو نشر لك معاوية كنت تأخذ برأيه، قال نعم، قال: فاخرج عهد عبيدالله علي الكوفة، فقال: هذا رأي معاوية، و قد مات بعد أن أمر بهذا الكتاب، فأخذ برأيه، و جمع الكوفة و البصرة لعبيدالله، و كتب اليه بعهده، و أمرع بطلب مسلم بن عقيل و بقتله أو نفيه، و سواء أصحت هذه الرواية، و من ثم فان اختيار عبيدالله بن زياد من رأي معاوية، أو أن سرجون هو الذي أشار علي يزيد بذلك، فان سرجون، ذلك المجوسي، هو الذي أقنع يزيد بعزل النعمان بن بشير، و توليه عبيدالله، و لم يكن عجبا أن يختار سرجون ابن زياد بالذات، ذلك أن مرجانة، أم ابن زياد، كانت هي الأخري جارية مجوسية، و كان ابن زياد هذا من أحط و أشقي من حملت الأرض علي ظهرها، لا يفوق ولعه بالقتل و سفك الدماء، سوي ولعه بالقتل و سفك الدماء.


و وصل ابن زياد الي الكوفة مستخفيا متنكرا، في وقت كان أهل الكوفة ينتظرون فيه وصول الامام الحسين فما أن رأوا قافلة ابن زياد حتي حسبوها موكب الامام الحسين، فراحوا يفسحون له الطريق هاتفين: «مرحبا بابن رسول الله، قدمت خير مقدم»، و في الواقع فلئن كانت هذه الحفاوة بالامام الحسين قد ملأت نفس ابن زياد مرارة و حقدا، الا أنها ألقت علي قلبه المنخلع الجبان كثيرا من الأمن، اذا اطمأن الي أنهم لم يعرفوه، و بالتالي لن يصلوا اليه بسوء، و هكذا فما أن بلغ هذا الشقي دار الامارة، و احتمي بشرطها و حرسها، حتي راح ينصب شباكه ليقتنص رسول الامام و ابن عمه «مسلم بن عقيل» الذي كان يمارس نشاطه الجليل في همة موفقة و ناجحة، و كان أول عمل ابن زياد أن جمع اليه عرفاء الكوفة، أي مشايخ أحيائها، فأمرهم أن يكتبوا له أسماء الغرباء و من في أحيائهم من طلبة أميرالمؤمنين و الحرورية و أهل الريب، و أنذرهم أيما عريف و جد في عرافته من بغية أميرالمؤمنين أحد لم يرفعه اليه، صلب علي باب داره، و ألغيت تلك العرافة من العطاء»، و التمس وجوه الكوفة من شيعة الامام الحسين يترضاهم و يستخرج خفاياهم، فسأل عمن تخلف منهم عن لقائه، و علي رأسهم هاني ء بن عروة، فقل له انه مريض لا يبرح داره، و كان يتعلل بالمرض تجنبا للقائه و السلام عليه، أو أن «شريك بن الأعور»، و كان من صفوة أهل البصرة الذين اصطحبهم ابن زياد معه الي الكوفة، و لكن شريكا مكان شيعيا يكتم ايمانه و ولاءه، كما كان صديقا لهاني ء بن عروة، الذي يتخفي مسلم بن عقيل في داره، و رغب هاني ء الي صديقه شريك أن ينزل عليه ضيفا في داره فقبل دعوته، حيث التقي فيها بمسلم بن عقيل، فبارك جهوده و جهاده، و حثه علي المثابرة.

و هنا يقدم لنا التاريخ واحدة من صور عظمة آل البيت النبوي الشريف و أخلاقهم و شرفهم في النضال و القتال، ذلك أن شريك بن الأعور مرض و خف ابن زياد لعيادته، حيث هو في دار ابن هاني ء و رآها شريك نفسه فرصة سانحة للاجهاز علي ابن زياد و التخلص منه، فاتفق مع مسلم أن يفاجي ء ابن زياد


عندما يجي ء اليه، و يضربه بسيفه ضربة تريح منه البلاد، و العباد، و لكن مسلما لم يقتله، و حين عوتب في ذلك بعد انصراف ابن زياد قال «لقد منعني من ذلك أمران، أولهما، كراهية هاني ء أن يقتل في داره، و ثانيهما، أن رسول الله صلي الله عليه و سلم نهانا عن الغيلة، و قال «ان الايمان قيد الفتك، فلا يفتك مؤمن بمؤمن» فقال له هاني ء؛ لو قتله لقتلت فاسقا فاجرا كافرا غادرا»، و لبث شريك ثلاثة أيام ثم مات فصلي عليه ابن زياد، فلما علم أنه حرض مسلما علي قتله قال: «و الله لا أصلي علي جنازة عراقي ابدا، و لو لا أن قبر زياد فيهم لنبشت شريكا».

و أخذ ابن زياد يبحث عن مسلم بن عقيل ففشل، و هنا لجأ الي حيلة خبيثة، فدس واحدا من مواليه علي أنه من شيعة الامام الحسين، و تمكن بذلك من معرفة مكان مسلم بن عقيل في دار هاني ء بن عروة، و قبض علي هاني ء الذي أعلن «أن مسلما في داري، و هو ضيفي، و لن أسلمه أبدا»، و جن جنون الطاغية ابن زياد، و أمر جلاديه أن ينزلوا به كل عذاب، دون القتل، حتي لا يستريح بالموت، و هكذا فعل المجرمون بهاني ء، حتي اذا ما شفي ابن زياد نفسه المظلمة بتعذيبه، أمر بضر عنق هاني ء في السوق، و طار الخبر الي مسلم بن عقيل، فجمع رجاله و أنصاره و سار بهم الي قصر الامارة، حيث ضربوا حوله حصار رهيبا، و لكنه لم يقتحم القصر علي ابن زياد، و يستغل الثورة العارمة التي كانت تشتعل في أنفس الناس نقمة و غضبا لمقتل هاني ء، ذلك لأن مسلما يعلم أن الامام الحسين انما أرسله ليأخذ له البيعة، و لم يأذن له بقتال، و هو جد حريص علي أن يلتزم بتعاليم الامام، و هكذا قضي اليوم كله مكتفيا بالحصار الذي ضربه و أحكمه، بينما قضي بن زياد و بطانته يومهم في نسج الشباك و اعمال الحيلة لفك الحصار، و قد نجحوا في ذلك آخر الأمر، بعد أن أعلنوا أن جيش الشام في طريقه الي الكوفة، و أنه سيصلها غدا أو بعد غد، و سيحيل أحياءها قتلي، و دورها ترابا، و هكذا انصرف الثوار، بعضهم صرفة الفزع، و بعضهم صرفة احتمال الوصول الي تفاهم بحق الدماء، بعد أن أعلن ابن زياد أنه سوف يعالج الامور بالتفاهم و المفاوضة.


و بقي مسلم بن عقيل وحيدا، حتي اضطرته الظروف الي أن يختبي ء عند امرأة، يقال لها «طوعة»، أم ولد كانت للأشعث بن قيس فأعتقها فتزوجها أسيد الحضرمي، فولدت له بلالا، و هو الذي أخبر عن مسلم، و ما هي الا سويعات حتي جي ء بمسلم، بعد أن دافع الشرطة عن نفسه ما استطاع، كما أمنه ابن الأشعث، ثم وقف أمام ابن زياد صامتا و رافضا أن يلقي عليه السلام، و سأله ابن زياد أتراك ترجوا الحياة و البقاء؟ فأجابه مسلم: اذا كنت تريد قتلي، فدعني أوصي الي بعض الذين هنا من قومي»، فأمر ابن زياد عمر بن سعد بن أبي وقاص أن يسمع له، فأوصاه مسلم «ان علي بالكوفة دينا اقترضته، فاذا قتلت فبع سيفي و درعي، و خذ من غلتي بالمدينة حتي تقضيه عني، و اني قد أرسلت الي الحسين أخبره أن الناس ينتظرونه و ادعوه الي القدوم، و لا أراه الا مقبلا، فابعث اليه من يرده و يخبره أن أهل الكوفة لا عهد لهم»، غير أن عمر سرعان ما أفشي السر لابن زياد، رغم أن أهل الكوفة لا عهد لهم»، غير أن عمر سرعان ما أفشي لاسر لابن زياد، رغم أن مسلم قد ناجاه به و أوصاه أن يكتمه، فرد ابن زياد علي عمر بقوله «لا يخونك الأمين، و لكن قد يؤمن الخائن» ثم أسلم الطاغية مسلما الي جلاديه، فضربوا عنقه ثم رموا برأسه الكريم من حالق الي قارعة الطريق، و أتبعوا الرأس الجسد، ثم انصرفوا الي لهوهم و مرحهم، و كان ذلك في يوم الثامن من ذي الحجة عام 60 ه، و هو نفس اليوم الذي خرج فيه الامام الحسين من مكة الي الكوفة، و في صباح يوم الجمعة العاشر من ذي الحجة عام 60 ه «يوم عيد الأضحي» أمر ابن مرجانة برأس مسلم بن عقيل، و رأس هاني ء بن عروة، فغرسا في أسنة الرماح، ثم أرسلها الي الشام، هدية لمن يدعوه أميرالمؤمنين يزيد، و من ثم لم يعلم الامام الحسين بهذه الأخبار المؤلمة الا و هو بالثعلبية في طريقه الي الكوفة.

و هناك حدث آخر، حدث في الكوفة، و الامام في طريقه اليها، ذلك أن الامام الحسين ما كاد يبلغ العراق حتي أرسل الي أنصاره كتابا مع «قيس بن سهر الصيداوي» يخبرهم بمقدمة و يحضهم علي الجد و التساند، فوافي قيس القادسية، و قد رصد فيها شرط عبيدالله بن زياد، بقيادة الحصين بن


نمير التميمي، فاعتقلوه و صحبوه الي ابن زياد الذي أمره أن يشرف علي الناس من شرفة قصره، و يطعن الحسين (و العياذ بالله) و يعلن علي الملأ أنه، حاشاه ثم حاشاه، كذاب و ابن كذاب، فصعد قيس مع الحراس، حيث أمر ابن زياد، متظاهرا بالطاعة، حتي يستطيع ان يبلغ رسالة الامام الحسين الي أهل الكوفة، ثم صاح في المجموع التي حشدها الطاغية اللئيم فقال: «ايها الناس، ان الحسين بن علي من خير خلق الله فأجيبوه و انصروه، و ان الكذاب بن الكذاب هو عبيدالله بن زياد فالعنوه و العنوا اباه»، فجن ابن مرجانة كالكلب المسعور، و راح يلعن و يرجم شياطينه الذين تركوه حيا حتي أكمل عبارته القاسية، ثم أمرهم أن يلقوا به حيا من أعلي سور القصر فقذف به حيث اندقت عظامه و غربت حياته، و ان ذهبت رواية الي أن ذلك كان مع عبدالله بن يقطر.