بازگشت

موت معاوية و رفض الامام الحسين البيعة ليزيد


مات معاوية بن أبي سفيان في رجب عام 60 ه (680 م) و بالتالي فقد آل الأمر الي ولده يزيد، و هو في الرابعة و الثلاثين من عمره، و هكذا تلقي يزيد دولة عريضة غنية، معقدة السياسة لم يبذل في تشييدها جهدا، و لم يحتمل في تأييدها مشقة و لا عناء، و قد أقبل علي الملك دون أن ينصرف اليه عن لذاته أو يقلع عما كان عاكفا عليه من العبث و اللهو و المجون، أقبل علي الملك واثقا بأن الدنيا قد أذعنت له، و بأن أموره ستجري علي طريق سواء، و لم يكن يزيد يحتمل أن يلتوي عليه أحد بطاعة، و انما كان يري أن طاعته حق علي الناس جميعا، فمن التوي بها فليس له عنده الا السيف، و قد عرفنا من قبل أولئك النفر الذين أكرههم معاوية اكراها علي أن يسكتوا عن بيعته بولاية العهد، حين لم يستطع أن يحملهم علي قبولها، و قد كانوا أربعة، مات منهم عبدالرحمن بن أبي بكر قبل معاوية، و بقي منهم ثلاثة في المدينة هم الامام الحسين و عبدالله بن الزبير و عبدالله بن عمر، و كان يزيد دون أنداده في تجارب الأيام، و ليس حوله من المشيرين و النصحاء، أمثال المغيرة و زياد و ابن العاص، و غيرهم من القروم الذين كانوا حول أبيه، فتهيب ما هو مقدم عليه، و من ثم تذهب المصادر جميعا الي أنه كتب الي عامله بالمدينة، ابن عمه الوليد بن أبي سفيان «أن خذ حسينا


و عبدالله بن عمر و عبدالله بن الزبير، بالبيعة أخذا شديدا ليس فيه رخصة حتي يبايعوا، و السلام» غير أن رواية في اليعقوبي تقول: «اذا أتاك. كتابي هذا، فاحضر الحسين بن علي، و عبدالله بن الزبير، فخذهما بالبيعة لي، فان امتنعا فاضرب أعناقهما، و ابعث لي برؤوسهما، و خذ الناس بالبيعة، فمن امتنع فانفذ فيه الحكم، و في الحسين بن علي و عبدالله بن الزبير، و السلام»، فبعث الوليد الي مروان بن الحاكم يستشيره، و كان مروان يريد الخلافة لنفسه، و لكنه علم بعد موت معاوية و قيام يزيد، أن الأمر أمر بني أمية، فان خرج منهم فقد خرج منهم أجمعين، فنصح للوليد نصيحة ذات وجهين، ظاهرها الشدة في الدعوة ليزيد، و باطنها السعي الي الخلاص من يزيد و منافيسه، فقال: «أري أن تبعث الساعة الي هؤلاء النفر فتدعوهم الي البيعة، أما ابن عمر فلا أراه يري القتال» و لكن عليك بالحسين و عبدالله بن الزبير، فان بايعا و الا فاضرب أعناقهما»، و ضرب عنق الامام الحسين و ابن الزبير معناه الخلاص من أعظم المنافسين ليزيد، ثم الخلاص من يزيد نفسه باثارة النفوس و ايغار الصدر و عليه، و من عجب أن مروان هذا الذي يشير بقطع الرقاب، هو الذي سينقل اليه الملك بعد أربعة أعوام من ملك يزيد، و هو الذي سيظل الملك في عقبه حتي يجي ء العباسيون بعد عشرات من السنين، لا نري فيها و لا في أولئك الحاكمين من هو للقداسة أهل سوي «عمر بن عبدالعزيز» هذا الخليفة العادل، الذي سيضج من مظالم قومه و عائلته، و يبرأ الي الله منها.

و علي أي حال، فلقد ذهب رسول الوليد الي الامام الحسين و ابن الزبير، فوجدهما في المسجد، فعلم الامام الحسين ما يراد منه، و جمع طائفة من مواليه يحملونه السلاح، و قال لهم و هو يدخل بيت الوليد «ان دعوتكم أو سمعتم صوتي قد علا، فاقتحموا علي بأجمعكم و الا فلا تبرحوا حتي أخرج اليكم»، فلما عرضوا عليه البيعة قال «أما البيعة فان مثلي لا يعطي بيعته سرا، و لا أراك تقنع بها مني سرا» قال الوليد: «أجل، قال الامام، فاذا خرجت الي الناس فدعوتهم الي البيعة دعوتنا معهم فكان الأمر واحدا» و في رواية قال الامام الحسين «أيها


الأمير، انا أهل بيت النبوة و معدن الرسالة و مختلف الملائكة، بنا فتح الله و بنا ختم، و مثلي لا يبايع يزيد، و لكن نصبح و تصبحون و ننظر و تنظرون، أينا أحق بالخلافة و البيعة».

و أيا ما كان قول الامام الحسين، فان الوليد كان يحب العافية، فقال للامام الحسين: «انصرف، فانصرف الامام الحسين و مروان بن الحكم غاضب صامت لا يتكلم، و ما هو الا أن تواري الامام الحسين حتي صالح بالوليد «عصيتني و الله لا قدرت منه علي مثلها أبدا، حتي تكثرا لقتلي بينكم و بينه»، علي أن ابن الأثير يري أن ذلك كان بمحضر الامام الحسين، و من ثم فقد وثب عليه و قال لمروان: يا ابن الزرقاء أأنت تقتلني أم هو، كذبت و الله و لؤمت» ثم خرج، و قد أنكر الوليد علي مروان لجاجته و مشورته السوداء، فقال: «أتشير علي بقتل الحسين ابن فاطمة بنت رسول الله صلي الله عليه و سلم و الله ما أحب أن لي ما طلعت عليه الشمس و غربت عنه من مال لدنيا و ملكها، و أني قتلت حسينا، ان قال لا أبايع، و الله أن الذي يحاسب بدم الحسين يوم القيامة لخفيف الميزان عند الله».

و أما عبدالله بن عمر فقد بايع، و أما ابن الزبير فقد خرج الي مكة ليلا متنكبا الطريق العام، ثم كانت بينه و بين يزيد خطوات ثقال، لم تنقض علي أيام يزيد، بل لم تنقض حتي أرهقت جماعة المسلمين من أمرها عسرا، و تعرض فيها البلد الحرام و البيت الحرام لأشد ما يمكن أن يتعرضا له علي أيدي المسلمين.