بازگشت

العلاقة بين الامام الحسين و معاوية


بدهي أن كل ما أشرنا اليه آنفا من موقف معاوية من آل البيت و انصارهم، لا يجعل العلاقة بين الامام الحسين و معاوية و دية، و كما أنها قد لا تكون علاقة عداء علي الوجه الصريح، و لعلها كانت علاقة ترقب من الجانبين، و كان الامام الحسين كأبيه الامام علي صارما في الحق لا يحب الهوادة لا التسامح فيما لا


ينبغي التسامح فيه، كره صلح أخيه و هم أن يعارض، و لكنه و افق أخيرا، امتثالا لأوامر أخيه، فيما يرجح البعض، و ليس من شك في أن هذا الصلح قد ترك في نفس الامام الحسين أسي مريرا، و لكنه سكت علي مضض وفاء لعهد أخيه، فأطاعه كما أطاع أباه من قبل، و لكنه في نفس الوقت انما كان يتحرق شوقا الي استئناف الجهاد من حيث تركه أبوه، و لا شك أن الامام الحسين انما كان صاحب فطنة، حسن النظر في الأمور، رأي الدولة منقادة الي معاوية قد ضبطت له أمصارها، و عرف هو كيف يسوس النار بالحلم و الرفق و السخاء، و كيق يولي في الأمصار من يسوسون أهلها بالقسوة الصارمة و الخوف المخيف، فلم يحاول الخروج حين أتيحت له الفرصة بما كان من نقض معاوية لما بايع الناس عليه، من الأخذ بكتاب الله و سنة رسوله، وفاء من الامام لعهد الصلح، أو كما قال لأنصاره «انا قد بايعنا و عاهدنا و لا سبيل لنقض بيعتنا»، علي الرغم من أن معاوية قد نقض البيعة مرتين، أحداهما حين قتل من قتل من أهل الكوفة، و الثانية حين بايع لولاية العهد لابنه يزيد، و جعل الخلافة وراثة ينقلها لابنه، كما نقل اليه ماله، مع أن أمر الخلافة ليس ملكا خاصا للخليفة، و انما هو ملك عام لجماعة المسلمين، كما كان اسراف معاوية في أمول المسلمين و توليته الجبابرة علي الأمصار، و اسراف أولئك الجبابرة في أموال الناس و دمائعهم، كل ذلك نقضا منه للبيعة التي أعطاها للناس، تبري ء ذمة الامام الحسين، لو أراد الخروج، و لكنه لم يفعل، وفاء منه للعهد، كما قلنا آنفا.

و كان قتل حجر و أصحابه صدمة عنيفة اهتزلها العالم الاسلامي، كما رأينا من قبل، و حتي قالت عائشة أم المؤمنين «أما و الله لو علم معاوية أن عند أهل الكوفة منعة ما اجترأ علي أن يأخذ حجرا و أصحابه من بينهم حتي يقتلهم بالشام، و لكن ابن آكلة الأكباد علم أنه قد ذهب الناس، أما و الله أن كانوا لجمجمة العرب عزا و منعة و فقها»، فاذا أضفنا الي ذلك ما دار بين الناس من أن معاوية أو ولده يزيد قد أغري جعدة بنت الأشعث زوج الامام الحسن بسمه، الأمر الذي أسخط الناس كثيرا، و جعل جمهرة كبيرة من المسلمين، و علي


الخصوص أهل العراق، يرون أن بغض بني أمية، و حب أهل البيت، لأنفسهم دينا.

و بدأت وفود أهل الكوفة تتردد علي المدينة لتلقي الامام الحسين، و كان أمير المدينة مروان بن الحكم، عدو آل البيت، من قبل معاوية بن أبي سفيان، فكتب اليه «أما بعد، فان عمرو بن عثمان ذكر أن رجالا من أهل العراق و وجوه أهل الحجاز يختلفون الي الحسين بن علي، و أنه لا يؤمن وثوبه، و قد بحثت عن ذلك فبلغني أنه يريد الخلاف يومه هذا، فاكتب الي برأيك»، فكتب معاوية الي الحسين رضي الله عنه «أما بعد، فقد انتهت الي أمور عنك، ان كانت حقا، فاني أرغب بك عنها و لعمر الله أن من أعطي الله عهده و ميثاقه لجدير بالوفاء، و ان أحق الناس بالوفاء من كان مثلك في خطرك و شرفك و منزلتك التي أنزلك الله بها و نفسك فاذكر و بعهد الله أوف، فانك متي تنكرني أنكرك و متي تكدني أكدك، فاتق شق عصا هذه الأمة، و أن يردهم علي يديك في فتنة، فقد عرفت الناس و بلوتهم، فانظر لنفسك و لدينك و لأمة محمد صلي الله عليه و سلم و لا يستخفيك السفهاء و الذين لا بعلمون».

فكتب الامام الحسين الي معاوية «أما بعد فقد بلغني كتابك تذكر فيه أنه انتهت اليك عني أمور، أنت لي عنها راغب، و أنا بغيرها عندك جدير، فان الحسنات لا يهدي اليها و لا يسدد اليها الا الله تعالي، و أما ما ذكرت أنه رقي اليك عني، فانه انما رقاه اليك الملاقون المشاؤون بالنميم، المفرقون بين الجمع، و كذب الغاوون، ما أردت لك حربا و لا عليك خلافا، و اني لأخشي الله في ترك ذلك منك و من الاعذار اليك و الي أولئك القاسطين الملحدين حزب الظلمة و أولياء الشياطين، ألست القاتل حجر بن عدي، أخا كندة و أصحابه المصلين العابدين الذين كانوا ينكرون الظلم و يستفظعون البدع و يأمرون بالمعرف و ينهون عن المنكر و لا يخافون في الله لومة لائم، ثم قتلتهم ظلما و عدوانا من بعدما أعطيتهم الأيمان المغلظة و المواثيق المؤكدة، لا تأخذهم بحدث كان بينك و بينهم جرأة علي الله، و استخفافا، بعهد، أو لست قاتل عمرو بن


الحمق، صاحب رسول الله صلي الله عليه و سلم العبد الصالح، الذي أبلته العبادة فنحل جسمه و اصفر لونه، فقتلته بعدما أمنته و أعطيته من العهود ما لو فهمته العصم لنزلت من رؤوس الجبال، أو لست المدعي زياد بن سمية، المولود علي فراش عبيد بن ثقيف، فزعمت أنه ابن أبيك، و قد قال رسول الله صلي الله عليه و سلم «الولد للفراش و للعاهر الحجر»، فتركت سنة رسول الله صلي الله عليه و سلم تعمدا، و تبعت هواك بغير هدي من الله، ثم سلطته علي أهل الاسلام يقتلهم و يقطع أيديهم و أرجلهم و يسمل أعينهم، و يصلبهم علي جذوع النخل، كأنك لست من هذه الأمة و ليسوا منك، أو لست صاحب الحضرميين الذين كتب فيهم ابن سمية أنهم علي دين علي، فكتبت اليه أن قتل كل من كان علي دين علي بن أبي طالب، فقتلهم، و مثل بهم بأمرك، و دين علي هو دين ابن عمه صلي الله عليه و سلم الذي كان يضرب عليه أباك و يضربك وبة جلست مجلسك الذي أنت فيه، و لولا ذلك لكان شرفك و شرف آبائك بخشم الرحلتين، رحلة الشتاء و الصيف و قلت فيما قلت: أنظر لنفسك و لدينك و لأمه محمد صلي الله عليه و سلم و اتق شق عصا هذه الأمة، و أن تردهم الي فتنة، و اني لا أعلم فتنة أعظم علي هذه الأمة من ولايتك عليها، و لا أعظم نظرا لنفسي و لأمة محمد صلي الله عليه و سلم أفضل من أن أجاهدك، فان فعلت فانه قربة الي الله، و ان تركته فاني استغفر الله لديني، و أسأله توفيقه لارشاد امري، و قلت فيما قلت: «ان أنكرك تنكرني، و ان أكدك فكدني ما بدا لك، فاني أرجوا ألا يضرني كيدك، و ألا يكون علي أحد أضر منه علي نفسك، لأنك قد ركبت جهلك، و تحرصت علي نقض عهدك، و لعمري ما وفيت بشرط، و لقد نقضت عهدك بقتل هؤلاء النفر الذين قتلتهم بعد الصلح و الايمان و العهود و المواثيق فقتلتهم من غير أن يكونوا قاتلوا و قتلوا، و لم تفعل ذلك بهم الا لذكرهم فضلنا و تعظيمهم حقنا فقتلتهم مخافة أمر، لعلل لو لم تقتلهم مت قبل أن يفعلوا أو ماتوا قبل أن يدركوا، فابشر يا معاوية بالقصاص و استيقن بالحساب، و اعلم أن الله تعالي كتابا لا يغادر صغيرة و لا كبيرة الا أحصاها، و ليس الله بناس لأخذك بالظنة و قتلك أولياءه علي التهم، و نفيك أولياءه من دورهم الي دار الغربة، و أخذك للناس بيعة ابنك، غلام حدث يشرب الشراب و يلعب بالكلاب، و ما أراك الا قد خسرت نفسك، و بترت دينك و غششت رعيتك،


و أخربت أمانتك، و سمعت مقالة السفيه الجاهل، و أخفت الورع التقي، و السلام».

و هناك أمر آخر أغضب معاوية و ولدة يزيد من الامام الحسين، و هو زواج الامام الحسين، عليه السلام، من زينب بنت اسحاق، التي كان يهواها يزيد هوي أدنفه و أعياه، و يروي ابن قتيبة و غيره أنها كانت أشهر فتيات زمانها بالجمال، و كانت زوجا لعبد الله بن سلام القرشي، والي العراق من قبل معاوية، و قد مرض يزيد بحبها و أخفي سره عن أهله، حتي استخرجه منه بعض خصيان القصر الذين كانوا يعينونه علي شهواته، و كان من الحزم أن يروض معاوية ولده يزيد، الذي يعده ليكون خليفة المسلمين، و ليكون منهم مكان الخلفاء الراشدين، أن يروضه علي كبح الشهوات و الأهواء، و لا سيما تلك التي تتصل بحرمات الناس، لكن معاوية لم يفعل ذلك، بل انه لم يكد يعرف سر مرضه، و أنه انما يشتهي امرأة في عصمة رجل، حتي احتال حيلته لأمتاعه بما اشتهي، و من فقد أرسل في طلب عبدالله بن سلام، و استدعي اليه أبا هريرة و أبا الدرداء، و قال لهما: أن له ابنة (و قيل أخت) يريد زواجها، و لم يرض لها خليلا غير ابن سلام، لدينه و فضله و شرفه، و رغبته في تكريمه و تقريبه، فخدع ابن سلام بما بلغه، و فاتح معاوية في خطبة ابنته، فوكل معاوية الأمر الي أبي هريرة، ليبلغها، و يسمع جوابها، فكان جوابها المتفق عليه بينها و بين أبيها، أنها لا تكره ما اختاروه، و لكنه تخشي الضر، و تشفق أن يسوقها الي ما يغضب الله، فطلق ابن سلام زوجته، و استنجز معاوية وعده، فاذا هو يلويه به و يقول بلسان ابنته أنها توجس من رجل يطلق زوجته، و هي ابنة عمه، و أجمل نساء عصره، و ذاع الأمر في الناس و قالوا: خدعة معاوية حتي طلق امرأته، و انما أرادها لابنه، فبئس من استرعاه الله أمر عباده و مكنه في بلاده و أشركه في سلطانه، يطلب أمرا بخدعة ممن جعل الله اليه أمره، و هكذا تمت مؤامرة معاوية ضد ابن سلام، غير أن المقادير كانت له بالمرصاد، ذلك أنه ما انقضت اقراء زينب، حتي وجه اليها معاوية أبا هريرة خاطبا علي ابنه يزيد، فخرج حتي قدم


الكوفة، و بها يومئذ الحسين بن علي، عليهماالسلام، فبدأ أبوهريرة بزيارته، فسلم عليه الحسين و سأله عن سبب مقدمه، و علم منه مكيدة معاوية و ولده، فطلب اليه أن يذكره عند زينب خاطبا، فصدع أبو هريرة، بأمره، و قال لزينب؛ «انك لا تعدمين طلابا خيرا من عبدالله بن سلام قالت: من، قال: يزيد بن معاوية، و الحسين بن علي، و هما معروفان لديك بأحسن ما تبتغيه في الرجال»، و استشارت زينب أبا هريرة في اختيار أيهما، فقال: «لا أختار فم أحد علي فم قبله رسول الله صلي الله عليه و سلم تضعين شفتيك في موضع شفتيه، فقالت: لا أختار علي الحسين بن علي أحدا، و هو ريحانة النبي صلي الله عليه و سلم و سيد شباب أهل الجنة».

و هكذا تزوج الامام الحسين زينب، و ساق اليها مهرا عظيما، فبلغ ذلك معاوية فتعاظمه، و لام أبا هريرة لوما شديدا لما عاد اليه، بما له و هداياه، و أما عبدالله بن سلام، فان معاوية أطرحه و قطع عنه روافده لسوء قوله فيه، حتي قل ما في يديه، فرجع الي العراق، و كان قد استودع زينب مالا عظيما، فظن أنها تجحده لطلاقها من غير شي ء كان منها، فلقي الامام الحسين فسلم عليه و قال له: «انه استودعها مالا و أثني عليها و طلب أن يحضها علي رد ماله، فبلغها الحسين ذلك، و قال لها: أدي أمانته و ردي عليه ماله، فقالت صدق استودعني مالا لا أدري ما هو، فادفعه اليه بطابعه، فأثني عليها الحسين، ثم لم يلبث الامام الحسين أن طلقها ثلاثا، و قال: «ما أدخلتها في بيتي و تحت نكاحي رغبة في مالها و لا جمالها، و لكن أردت احلالها لبعلها»، فلما انقضت آقراؤها تزوجها عبدالله، و حرمها الله تعالي علي يزيد بن معاوية. [1] .


هذا و هناك ما يشير الي أن معاوية يبدو و أنما كان مهموما بشهوات ولده يزيد في زواج أو غير زواج، فلقد روي الحافظ ابن كثير في البداية و النهاية (152 / 8) عن الحافظ ابن عساكر في ترجمة «خديج الخصي» مولي معاوية: أن معاوية اشتري جارية بيضاء، فأدخلها الخصي عليه مجردة، و بيده قضيب، فجعل يهوي به الي متاعها - و يقول: هذا المتاع لو كان لنا متاع، اذهب بها الي يزيد بن معاوية، ثم قال: «أدع لي ربيعة بن عمر الجرشي، و كان فقيها، فلما دخل عليه قال: ان هذه أتيت بها مجردة فرأيت منها ذاك و ذاك، و أني أردت أن أبعث بها الي يزيد، فقال الجرشي: لا تفعل يا أميرالمؤمنين، فانها لا تصلح له، فقال معاوية: نعم ما رأيت، ثم وهبها لعبد بن مسعد الغزاري، و كان أسودا، فقال له: بيض بها ولدك.

و نعود فنقول أن رواة الخبر يسندونه الي أصحابه، و لا يسوقونه مساق التشهير، و انما يتخذونه دليلا علي فقه معاوية، فيقولون: و هذا من فقه معاوية و تحريه، حيث كان نطر اليها بشهوة، و لكنه استضعف نفسه عنها، فتحرج أن يهبها ولده يزيد، لقوله تعالي في النساء: (و لا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء)، و قد وافقه علي ذلك الفقيه الجرشي الدمشقي.



پاورقي

[1] وردت هذه القصة في کثير من کتب الأدب و التاريخ، باختلاف في الاسم و الجهة، فقد تحدث عنها: ابن قتيبة في الامامة و السياسة، و النويري في نهاية الأرب، و الميدان في مجمع الأمثال، و ابن بدرون في شرح قصيدة ابن عبدون، و السيوطي في تحفة المجالس، و الشبراوي في الاتحاف بحب الأشراف، و العلايلي في الامام الحسين.