بازگشت

موقف الامام الحسين من الصلح مع معاوية


اختلف المؤرخون في موقف الامام الحسين من صلح أخيه الامام الحسن مع معاوية بن أبي سفيان، فذهب فريق الي أن الامام الحسين لم يكن يري رأي أخيه، و لا يقر رأيه في الميل الي السلم مع معاوية، و أنه ألح علي أخيه في أن يستمسك و يمضي في الحرب، و لكن الامام الحسن امتنع عليه، علي أن وجها آخر للنظر يذهب الي أن الامام الحسين انما كان من رأي أخيه، و أنه قبل الصلح، كما قبله الامام الحسن، فيذهب ابن الأثير في «أسد الغابة» أن الامام الحسين كان كارها لما فعله أخوه الامام الحسن عن تسليم الأمر الي معاوية و قال له: أنشدك الله أن لا تصدق أحدوثة معاوية، و تكذب أحدوثة أبيك، فقال له الحسن: «أسكت أنا أعلم بهذا الأمر منك»، و روي ابن كثير في البداية و النهاية أنه لما أراد الحسن أن يصالح معاوية، شق ذلك علي الحسين و لم يسدد رأيه في ذلك و حثه علي قتال أهل الشام، فقال أخوه: و الله لقد هممت أن أسجنك في بيت و أطين عليك بابه حتي أقضي بشأني هذا و أفرغ منه ثم أخرجك، فلما رأي الحسين ذلك سكت و سلم، و روي ابن حجر في الاصابة، و ابن عساكر في تاريخه عن ابن سعد بسنده الي عمرو بن دينار، أن الامام الحسن عرض أمر الصلح علي عبدالله بن جعفر فوافقه، ثم بعث الي الحسين فقال له: أي أخي


اني رأيت رأيا، و أحب أن تتابعني عليه، قال ما هو، فقص عليه الذي قال لابن جعفر، فقال له الحسين رضي الله عنه أعيذك بالله أن تكذب عليا في قبره، و تصدق معاوية، فقال الحسن: و الله ما أردت أمرا قط، الا قد خالفتني الي غيره، و الله لقد هممت أن أقذفك في بيت فأطينه عليك حتي يقضي أمري، فلم يزل به حتي رضي، و في احدي الروايات: فلما رأي الحسين غضبه قال: «أنت أكبر ولد علي، و أمرنا لأمرك تبع، فافعل ما بدا لك».

علي أن هناك فريقا آخرا يذهب الي أن موقف سيدالشهداء الامام الحسين، عليه السلام، من قضية الصلح كموقف أخيه الامام الحسن، عليه السلام، فقد كان يري ضرورة المهادنة و لزوم المسالمة، و أنه ليس من الحكمة و لا من الصالح فتح باب الحر مع معاوية، فانه يعود بالمضاعفات السيئة علي الاسلام، و يجر الويلات و الخطوب للمسلمين، و ذلك لتفلل الجيش الذي نزح معهم، و يدلل هذا الفريق علي موافقة الامام الحسين علي الصلح أنه حين أبرم هذا الصلح أقبلت الي الامام الحسين طائفة من الزعماء و الوجوه يطلبون منه أن ينقض ما أبرمه أخوه الحسن و يناجز معاوية، فأبي و امتنع، و لو كان يري غير رأي أخيه لأجابهم الي ذلك، و ربما لأن الحسين ما كان يرضي أن يسود المسلمين، و الحسن حي، فضلا عن أن ينقض صلحا أبرمه، و من ثم فقد رأيناه حين اشترط الامام الحسن أن تنص بيعته علي أن يحاربوا من حارب، و أن يسالموا من سالم، أتي المخالفون للامام الحسين و قالوا له: أبسط يدك نبايعك علي ما بايعنا عليه أبوك يوم بابعناه، و علي الحرب المحلين الضالين أهل الشام، فقال الامام الحسين: «معاذ الله أن أبايعكم ما دام الحسن حيا»، و من ثم فاننا نقول، مع الأستاذ أبو علم، أنه مما لا شك فيه أن الصلح قد ترك في نفس الامام الحسن أسي مريرا، و حزنا مرهقا، كما ترك في نفس الحسن أيضا لوعة و حزنا، و لكنهما سلام الله عليهما، ماذا يصنعان و الظروف لم تكن مواتية لهما حتي يقوما بمناجزة معاوية.