بازگشت

مع ارنيب


هناك علي شاطي ء دجلة في زاوية خليج البصرة، كانت «الأبلة» [1] مهوي متماجنين و متماجنات، و مهبط وحي الهوي و الشباب، و ملهي كل فتي و فتاة بلور المرح طبيعتهما ثم أطل ينظر الي صورته فيها. و ليس في حس هؤلاء عن الحياة، سوي انها شي ء يحلو و يلهو، كانداء السحر في شفاه الاقاح و الياسمين، و كلؤلؤات الطل في خدود الورود و الرياحين... فهم يفنونها سكري مرح و نشاوي مجون... و لا يطيف بسمعهم سوي نغمات تتناهي متلاشية في هذا القرار:



يا للشباب المرح التصابي

روائح الجنة في الشباب



ففي أعماقهم صوت يهيب بهم الي التجنيح في فضاء المراح، و الفناء في لا وعي الظرف الغزل... و هل الحياة من واجهة الشباب سوي اغراءة تقوم في اللهو العابث الي اخري تستوي في المجانة اللاعبة؟ ثم هل الدنيا سوي اغراء متجلبب باغراء، يبالغ في اسره حتي ليستدني اليه من احتضر الشباب في قلوبهم بالعمر أو بالفكر، فيستويهم و ربما استغواهم أيضا بما يتنفس به من خلب:



ان بالحيرة قسا قد مجن

فتن الرهبان فيها و افتتن



ترك الانجيل حينا، للصبا

و رأي الدنيا مجونا... فركن




هذه قصة شاب احتضر الشباب بين برديه بفكرة التقوي، و لكنه أطل الي الحياة من كوة المعبد المتكلل بالصمت الوقور، فرأي ما تجيش به من اغراء و ما يتموج فيها من فتون. فملأت عليه نفسه و استوت طيوفها في ناظريه، فاستيقظ شبابه الغافي و مشت روح الشباب تتراقص في قلبه سكري.

مضي في ظنه ساخرا.. يجرب هذا المجون حينا فقط و يروي ظمأة الصبا المكبوح، ثم يعود فيحمل كتاب تقواه. بيد أنه رأي الدنيا لا تتكشف الا عن مجون. و كلما نضت ثوبا مسته لمسة فتون، ودب في حناياه عن شواظ الشباب طائف جنون، فكان طبيعيا أن ركن... و اذا بفكرة التقوي لديه تنقلب هي التجربة، و يستنيم مسترخيا علي متن موجة مزبدة، من مجانة هذا الوجود المسحور. بهذا كان يتحدث «الدلال [2] » في جمع من ظرفاء الحجاز جمعهم التصادف في الأبلة بينهم أشعب، فقال له هذا:

من ثم لم يكن من همك أبدا الا جمع الرجال الي النساء، و مل ء الدنيا بصخب المجون و عربدات الجنون. ان كل هذا رأيك فعسي أن تضع الاقدار في طريقك صاحبنا الاعرابي الشوهة، فتمع حوباء قلبك بالمجانة اليه أسخن الله عينك، ان المجون لا يملح الا مع جمال أو ظرف... فقهقه الدلال، و انقلب الصحب يسائلون أشعب عن خبره فحدثهم:

دخلت يوما علي الحسين بن علي، و عنده «أعرابي» قبيح المنظر أشد ما يكون قبحا، مختلف الخلقة مشوهها، فسبحت متأففا، و زاد بي التأفف، فقلت للحسين: بأبي أنت و أمي. أتأذن لي ان أسلح عليه... فابتسم يظن أن الاعرابي يعرفني بالمزاح فيحتملها مني.

فقال الاعرابي متهكما: ان شئت.. و معه قوس و كنانة، ففوق نحوي سهما، و واصل: و الله لئن فعلت لتكونن آخر سلحة سلحتها.. و انقدحت عيناه، و لمست


منه الجد في الشر، فقلت، للحسين: جعلت فداك. أخذني القولنج و عسر الخروج!» و طفق الصحب يضحكون في رنين متجاوب طويل.

كان يوما مفعما بسيل من غرانيق الفتيان و غواني الفتيات، هذا النيروز.. حتي كأن الحياة اتخذت فيه معروضها، فأطلعت أقصي ما في ابداعها الفني من آيات الجمال الناطقة بالهوي و الداعية بألق الاغراء الي الحب، و المشيرة بأسر السحر في العيون و الشفاه الي فردوس الخلد السعيد؛ و لا عجب فنهر الأبلة معدود أحد مسارح الجنان علي الأرض في حس هؤلاء.

و كان يزيد - الشاب الطرير الذي بالغ فيه نزق الشباب و ذاب في لعابه - قد ذهب موغلا في الصحراء منذ حين يصيد الظباء، و يتبع آثار السوانح من الجآذر و الآرام و الوعول و الأيائل كيفما ذهبت و انعرجت. و لذته المطاردة و أخذته نشوتها، فمضي يلهو و لا يألو، و زمرة لهو تتبعه، انه لا يلوي علي شي ء في مداه.

لم يشعر الا و هو بين جموع اللاهين في نهر الأبلة، فالتفت يضحك الي رفاقة متعجبا. لقد قطعنا صحراء الشام الي العراق و نحن لم ندرك... و مال يربت علي كتف ترب من أترابه ضاحكا منتشيا، و يتأبط ذراع هذا، و يدفع ذاك لاهيا عابثا. انه يحس بحياة جديدة و دنيا جديدة.

راح يتنقل بين الجموع و في اثره «سرجون» راعي طفولته و صباه، و لكنه وقف فجأة عند سرادق منيف عرف انه سرادق امير العراق عبدالله بن سلام القرشي. فقد أخذته بغتة وجه غانية نصف، كبغتة بدر انشق عنه الغمام و استعري دونه لل بهيم حالك فرج نفسه رجا عنيفا و تلبسه دوار الجمال الذي مال يتلاشي بطيئا لينكشف عن غفوة في حب القلب و تلهف العقل السليب، مده يقظة في الغرائز المفعمة.

كان في خياله وجه يتنفس بمثل عبق الزهر، و عينان تبثان مثل السحر، و شفتان تنطلقان بمثل ذوب الغرام. و زاده بها أن قلبها لا يتجاوب بصدي عواطفه،


فتدور عاطفته نصف دورة و تنكسر متلاشية فلا تتم دورتها، بل تمحي رسومها في انبهام كالح و غموض يائس منجهم و تغور فيه ضجيج الانتحار..

و المرأة تزيد فيها جاذبية الأنوثة نضجا و رواء اذا أضحت زوجة، فقد انحسرت أكمام طبيعتها المغلفة تنشر أريجها كالزهرة مياسة ناعمة في الهواء. ان المرأة تحس بشي ء مبهم و هو جوهرة الانوثة في أقصي كيانها، فهي ترعاه بسياج الحياء كأنها تحتضنه، فاذا استحالت زوجة فقد استحالت الآن فقط أنثي كاملة المعني. لقد أضحت لؤلؤة الانوثة الخبيثة في حقاقها و المنطوية عليها صدفتها، و هي حلية منشورة.

فيما بعد عرف يزيد عن عروس أحلامه هذه، أنها أرينب ابنة اسحق الامير، و سيدة السرادق. فعرضت في خاطره كلمات متقطعة هاذية فراح يحدث نفسه:

كيف لي بها؟ بيني و بينها هوة سحيقة و مسافة تزيد مع الايام تنائيا و بعدا...

و تلبث زمانا لم يكن بالقصير، يرود مغناها و يراود قلبها، و لكنها عربية الاعراق و ان كان هو الشاب النضير، فبينها و بين قرينها ما شاء الهوي العبق و ما شاءت سعادة الازواج الخلطاء.

بات كاسفا أرقا يردد و لا يفتأ:



و في الحي نعم قرة العين و الهوي

و أحسن من يمشي علي قدم نعم



و تخوف مربيه سرجون فزين له الرجوع الي الشام لعله يسلو، فأجابه و عاد بصحبه يريدون دمشق. و بينما هو آخذ بمحاجز الصحراء و مفاوزها، حانت من يده لمسة وقعت علي قوسه الذي فصل في غدوه يصيد به الظباء، فتذكر ريمه الذي صاده.. فشد القوس اليه و اعتصره بين يديه في ثورة قلب:



حطم القوس علي صحرائه

و اتكي يسقيه من ماء الشكاة



أيهذا القوس أنت مثل

مثل قلبي، حطمته العاصفات



و سأحييك بمنهل الدموع

انما دمع المحبين حياة...




لم يزده بعاده في دمشق الا كمدا و أسي و لم يورثه الهجران الا لهفة و جوي، شأن الذين يحبون بغرائزهم؛ فعواطفهم أبدا تكون عنيفة مهتاجة علي الذكري لأنها وحي الأعصاب... بينما العواطف اذا كانت من وحي القلب أو حاسة الفن فانها تذكو و تسمو بالتلهف العاطفي، فالحب الذي يكون عامله القلب أو حاسة الفن، يذهب في استحالات متواصلة: عذريا، فمثاليا. بينما حب الاعصاب يشتهي أعصابا و جسدا فقط، يهيج بالفراغ، و يهمد بالامتلاء.

فتناهي «أمر يزيد الي ضمور» و سلوي المتع و الانكماش علي نفسه في أي مكان اشتمل عليه.. فهذا الذي كان يملأ القصر لهوا و مرحا، و يقطع الليل عربدة سكري، و يزين معاني الانس بشاشة و حبورا.. و الذي لم يكن من همه الا أن يقطف من رياض الغواني الكواعب باقات زنابق و ورود، و يهتصر منهن غصونا لدنة، و يعتصر عليهن رمانا شهيا، غدا ذاهلا ذهول المقبل علي الموت، ضاويا كأنه نضو فلاة أو منزوف دماء، حبيس هوي و مبلس خيال، غير شهي الي شي ء من ملاهيه التي كان لا يستطيع عنها صبرا و لها مجانبة و في انتهاجها احتشاما. حتي اضطر معاوية أن يزجره في رفق و يأخذ عليه تهتكه في تحيل، فقال:

«يا بني: ما أقدرك علي أن تصير الي حاجتك من غير تهتك يذهب بمروءتك و قدرك، و أنشده:



انصب نهارا في طلاب العلا

و اصبر علي هجر الحبيب القريب



حتي اذا الليل أتي بالدجي

و اكتحلت بالغمض عين الرقيب



فباشر الليل بما تشتهي

فانما الليل نهار الأريب



كم فاسق تحسبه ناسكا

قد باشر الليل بأمر عجيب»



أما اليوم فهو مدنف كلف مصروف الهوي، لا يري الا منتحيا الي نفسه في ظل شجيرات كان يتشهي فيئها ساعة غزل أو طرب.


و كان سرجون مربيه يراقبه من بعيد، و يلزمه دون أن يراه أو يلمحه. فانتهي الي سمعه من نجوي يزيد لنفسه:

أواه، أرينب! يا من لا تشعرين بوجودي و آلامي و خلجات قلبي، و أراك مل ء الدنيا لذاذة و متعة و نعيما. آه ليتك تشعرين! اذن لكنت سعيدا.

آه! هل تصدق أحلامي فأراك عند يد، تنحنين علي فتضمدين جراح فؤادي، و تملئين وجودي اشراقا بألق وجهك العبقري الحسن. حلم سعيد، و لكن دونه مفاوز الجحيم العبقرية الاشواك و الأهوال أيضا. ثم أطرق و تناهي به الاطراق، و لبث طويلا كأنما ابتلعه ضباب المساء في ليلة رمي بها الشتاء في العاصفة. علي أنه رفع رأسه أخيرا، و عيناه تدوران في بريق مخيف يقول:

لا! لا! انني لن أنتظر هبة الأقدار حتي تضعها في طريقي و ردة مصوحة، ان الضعيف في شرع الطبيعة الحية حمل منهوب، و القوي هو ابن الطبيعة البكر و قد وهبته سائغا زلالا، كل ما استطاعت أن تلفه قوته، أو مر في جوها.

هذه هي الحقيقة الفذة التي نراها بين أدني الاحياء و أعلاها، من بدي النبات الي أرفع الانسان.

و أما أولئك الذين شرعوا الشرائع و النظم، و حددوا مسير الحي فيما سموه أخلاقا فانهم جبناء ضعفاء و أنانيون أيضا، قعدت بهم قوتهم عن أن يدركوا أي نصيب من متع الحياة و لذاتها أو أدركوا نصيبا حقيرا، فابتكروا قانون الأخلاق و القانون، و حددوا سعي الأحياء علي طبقها، فأوجدوا لأنفسهم أوفر فرص الحياة الماتعة.

ان هؤلاء أدنأ من أن أحترمهم، انهم ضعفاء مموهون خلبوا الناس بأساطيرهم، فيا ويح الجاهلين.

انهم شاؤوا العيش علي حسابنا نحن الأقوياء، و حيازة النصيب الأوفر أيضا، ألا كيف يفكر الناس الحمقي التعساء؟! لا أدري...

انني لا أفهم معني لهذه النظم سوي أنها سموم الضعفاء، ينفثونها في جونا


نحن الأقوياء لنسترخي، فيجد الضعف في جو القوة فرصة البقاء.

ان ما أفهم هو هذا فقط: ان الحياة و اللذة و السعادة فرص، و القوة وحدها سبيل الاستحواذ عليها، فالحياة هي القوة.

ان الأسد قد يعف - و هو نهيك جوع - عن الطعام الحقي الوضيع لأنه لا يجد فيه لذة القوة، و لكنه لا يعف البتة عن الضراوة، و عن و الختل و الافتراص أحيانا و هي مجلي القوة. فالذي تمليه طبيعة الاحياء: قسوة، و بغي، و لذات. هذا ما نجده كلما حللنا عناصر الحياة و أنواع الاحياء، فمن أملي علي أولئك الجبناء أساطيرهم؟ انه ليس أحدا، سوي الجبن و العجز و خوف الآلام.



و استبدت مرة واحدة

انما العاجز من لا يستبد



نعم! نعم! انما العاجز من لا يستبد!

أرينب! أنت حلم سعيد و قد بت متعة قريبة المنال مني!

أرينب! لتقم في سبيلك سيول الدماء و رابيات الجماجم و الاشلاء، فانني سأسير عليها اليك في ابتسامة القسوة و قهقهة جبروت البطش! ان أنين الفريسة - و عظامها تتقضقض بين فكي الاسد - يطربه و يشهيه، لأنه مقاطع من أنشودة كبرياء الذات و كبرياء الوجود، فان معني نشيد الأنين: أنت أنت هو الجدير بالوجود وحدك... و لذا كان الأسد لا يطعم الا علي ألحان ناي الأشلاء.

أرينب! أنت عروس أحلامي، و ستصبحين عما قريب عروس لذاتي! فما أجملها نشوة و جسمك البض أهتصره بين ذراعي المشتعلين و اعتصره في وقدة الضلوع المتلظية، و قوامك يتأطر و يتثني تثني الأفعوان و يتلوي تلوي الخيزران. فما أحيلي قربك!.. انه دنيا من اللذات العذاب، و لو لف في جحيم العذاب!

أرينب! انني سوف ألهو بك أمدا كالزهرة ترودها النحال بتلهف الي الامتصاص، ثم سيان عندي أذكرتك أم نسيتك بعد، ألست أمرأة، و المرأة لعبة


الرجل و متعته فقط، و لا شي ء وراءهما؟ ثم أليست النساء في النوع رياحين كما قيل، و هي تذهب في شمات أو دونها و تبلي فتنتها.. فاغتنميها فرصة لذاذة كبري معربدة، و أنت فيها فواحة بالعبير.

آه! ان ظمئي لا يرويه الا سيل من دماء، اذا وقف في وجهي ذل العلج ابن سلام. انني أحس بأسناني تتأكل كأن عليها حكة جرب، انها تشتهي مضغة من كبده ألوكها! انني لأشعر أن في أسناني أسنان هند جدتي يوم أحد و هي تحرق الأرم علي كبد حمزة! سوف أبارزه فأقتله أو أترصده فأغمد فيه وراء السيف يدي.. و لم يزل مع طيوفه التي أخذت تتجسم له، فيراها قريبة منه دانية اليه، و كأن طيف ابن سلام عرض له في بعض الطيوف فهب يخترط سيفه و قبض علي قائمته، و هزه في الهواء هزات، ضحك في اثرها ضحكا عصبيا. و فجأة تقلصت تقاطيع وجهه و ارتد الي الوراء فزعا متعقد الأيدي يقول، و قد عرض له طيف العدالة: انني يزيد! يزيد الامير.. و لكنه لم يزل يرتد الي الوراء في ذعر يقول: لست،لست أنا! هي هي أغرتني!.. و عراه دوار فقد أخذته أعراض حمي خبيثة و كان يهذي تحت وطأة الداء، فوجل سرجون وجلا شديدا، و لم يجد بدا من أن يتعرض له و يقطع عليه ما هو فيه من خيالات.

أفاق بعد حين، و زايله ما كان فيه من هذيان، فقد تماثل نحو الشفاء و الابلال من الداء، و بقي في تصميمه ثابتا اغتيال الرجل و انتزاع معشوقته انتزاعا، رضيت أم أبت. و عرف منه سرجون ذلك العزم و خشي مجازفته، فأسر الي والدته ميسون ابنة بجدل الكلبية بكل خبره، فأطرقت برأسها، و قالت:

فذاك مرضه اذن.. و كان يزيد وليدها الاوحد المفدي، فلم تطق آلامه في سبيل امرأة، و لم تطق البتة لرجل مهما كان خطره و منزلته أن يحول بين ابنها و رغباته، فقالت تخاطب سرجون: و من هذا ابن سلام زوجها؟

قال: هو أمير العراق من قبلك الملك... فانقلبت ضاحكة تقول:

يكون من عمالنا و يقيم له يزيد هذا الوزن؟ اننا نحن نرفعه أو نخفضه. ثم هل


هو الا منفذ لرغباتنا عليه، هو صنيعتنا فيجب أن تكون زوجته احدي امائنا، نتصرف فيه و فيها كيفما نهوي. انني لا أطيق أن أري يزيد و اجما من أجل امرأة يشتهيها، و لست اطيق أن أسمع انه يمنع عنها بالغة ما بلغت منزلتها.

بلغ الملك أني لا أطيق أن أري يزيد محزونا يبكي، بلغه أن هذه المرأة يجب أن تكون في جملة اماء يزيد يعبث بها و يلهو!

قال سرجون: لعل زوجها لا يرضيه تركها، أو لعلها لا ترضي هي ان كان منه ذلك...

قالت و ضربت بيدها علي و سادة بجنب مقعدها: و ما قيمة رضاه أو رضاها؟ اننا نريد ذلك و كفي!

فابتسم سرجون و قال: أظن الاميرة لا تعني تماما ما تقول أو لا تجد كل الجد. فلابن سلام خطره، و لو لم يكن بذي خطر فلا يسعنا انتهاكه انتهاكا مكشوفا و تحديه في شرفه. و لكن نستأتيه في غير شعور منه.

قالت متأففة متبرمة و هي تهز كتفيها: انني لا أفهم معني لخشيتك...

فقال و تمثل له عهده في بلاط الغساسنة و هو أكثر رعاية للحقوق: و لكنك تفهمين فقط معني خدش كرامة الرجل؟!

قالت: اذا كنت تري في ذلك بأسا فاستأت كيف شئت، فأنا أريد أن يصل يزيد الي غرضه كيفما كان، و ليست تهمني الطرق التي ستسلكها. انني أريد أن تقر عين يزيد بها، و لا يعنيني ما وراء ذلك... فاستدار سرجون علي عقبيه و هو يقول:

أما كذلك فنعم...

دخل سرجون مجلس الملك و من حوله حاشيته يتدبرون أمر يزيد و ما عساه أن يكون طرأ عليه. و بدا معاوية مغتما، فهو لا يطيق سماع ان يزيد مكتئب، و هو


بكر الامارة المترع بالدلائل، و في قرارة نفسه أن يقر به عينا و هو ولي عهده، كما زاد به ضنا بعد أن «أصاب منه سيف الخارجي مسري البنين».

كان فيما يسيطر علي المجلس من وجوم، ما جعل سرجون يقف طويلا قبلما أسر الي معاوية بشأن ابنه البكر، رغم قربه من معاوية و منزلته المرفوعة الحجاب لديه. و ظل واجما هو أيضا. فقد عدته روح المجلس و سيطر عليه جوه حتي قطع الوجوم عمرو بن العاص بقوله:

و ماذا تظنون أصابه و هو في جسم الفيل و نشطة النمر؟.. و ابتسم؛ لعل احدي غانياته المدللات فاركته و قطعت أسباب وده.

قال معاوية: ما هذا يا عمرو؟!

قال: لم يقع في مدي خاطري سوي هذا، و علي كل «فهو أمر لا يوقف عليه الا من جهة والدته»، لعلها تنتزع من بين شفتيه كلمة سره الرهيب... و أطالها كالساخر.. و هنا وجد سرجون مناسبة الافضاء اليه، فمال علي أذنه يساره و ما لبث أن ضحك معاوية و هو يقول:

عند ظنك يا عمرو، و لكنها غانية جديدة!

قال عمرو: و ان شئت قل صيدة جديدة... فابتسم الحضور، و طلب معاوية أن يخلو بنفسه سوي عمرو. فقال:

من ارينب؟ و هل تعرف عنها شيئا؟

قال: نعم. هي من «أعرق الحجازيات نسبا، و أكثرهن مالا و مثل في الجمال بين غرائز زمانها»، كانت عند عدي بن حاتم من قبل، ثم صارت الي عبدالله بن سلام أمير العراق اليوم.

قال معاوية: تري أنه عزز علينا اصطيادها؟

قال: هو ذاك، و أمنع ما تكون.


قال: و لكن كيف برغبة يزيد الحارة، فلانه يحز في نفسي أن يبيت آسفا، لا يقضي لبانته و يشبع شهوة نفسه و يروي ظمأ قلبه.

قال: و ما هذا؟؟ أأنت أيضا تسايره في مجونه و عبثه، و ما يدريك لعل ما يتظاهر به من كمد هو من حيله علي المجون، و من دلاله علي التنويل كي يجعل منا مطايا شهوات و اوطار. ان الناس تحملوا منا ضراوة في السياسة و ضراوة في الاموال الي ضراوة و ضراوة في الأحكام، و لا أراهم الا ثائرين بنا اذا جعلنا بيوتهم هدفا لضراوة شهواتنا ايضا...

قال معاوية: هو ذاك. و لكن كيف لي بالترفيه عن يزيد، فاني لا أقدر أن أراه كاسفا؟ ألا ففكر معي و تحايل ما وسعتك لباقة الحيلة. ففكرا مليا و كان عمرو أسبقهما فهتف: لقد وجدتها، و ان كان فيها تسخيرك اياي حتي لشهوات ولدك ايضا.

قال معاوية بغبطة: هات! هات! و عساها أن تكون من وحي شيطانك يوم صفين، و خدعة كخدعة رفع المصاحف... يعني موفقة...

قال عمرو: أتأخذها علي و بها أنقذتك و بوأتك عرشك، و جمعت بها عليك ما هو مجتمع في يديك من أسباب الملك، و محتبك عليك من مظاهر السلطان؟

قال: كانت من أجل دنيا جزيناك عليها بدنيا، و ما أظنني بخستك الأجر. و كسر جفن عينه اليسري، و كان لا يفعل هذا الا «و هو يتحدي»، و ما يجهل عمر منه ذلك.

فقال و شملته رهبة: رويدك اني لا أتحداك و انما ظننتك تغمز علي.. فضحك و معاوية و قد أدرك سر رهبته و قال:

لك العتبي يا عمرو حتي ترضي، و هل مثلك يبخس قدره و يروع؟ و انما قصدت مداعبتك فلا تثريب عليك. طالما خدمت آل أبي سفيان، فلست أنسي


بالامس كيف أنقذتني و كانت لك عندي، و أنا أعرف اليوم تأتيك لا نقاذيدا يزيد ولدي. و هي يد لك عنده ليس ينقصها.

قال عمرو: حماداك، فاني عند ظنك.. رأيت أن تستدرج ابن سلام بالألطاف «و كرائم الأموال و الخلع»، و تريه جانب الود منك و تغريه بزيارتك و القدوم عليك...

قال معاوية: و بعد؟

قال عمرو: ذلك علي حينه...

فصل عبدالله بن سلام مذ اقترن بأرينب و هو يري حلم سعادته ينتشر ليجتمع في حدودها، فأحلها منه محل القلب، فكان اذا خلا الي قلبه وجد أرينب، و اذا خلا الي أرينب وجد قلبه. و كثيرا ما كان يقول لها: ليخيل الي أنك لست سوي قلبي مصورا، و شاء أن يتجسد في شكل بنات الخلد، فيريني كم هو سعادة و كم يجب أن أكون به سعيدا. لوددت يا أرينب أنني أتحول هالة في أبدية عينيك الفاتنتين... أرينب! آه أرينب!...

آه! يا ما أسعد الأزواج اذا كان لكلهم مثل أرينب!..

و كانت أرينب لا تقل عنه احساسا بسعادتها به، فقد عاطته منها أيضا مثل عواطفه فقالت: أو قل ما أسعدهن حقا اذا كان لكلهن مثل عبدالله.

قالت له صباح يوم و قد قطفا أول اشراقة من شعاعة الشمس: لا أدري لماذا؟ لماذا يعاودني في أقصي هواجسي العميقة خفية منذ ليال، انك لم تعد لي، و تعتادني طيوف خبيثة أظل منها في رهبة؟ و تعلقت به. اني خائفة!

ترقرقت في عينيها دمعتان كبيرتان، تراخت احداهما ساقطة و استمسكت الاخري متبلورة بين جفنيها اللذين كانا في نصف اغماضة، فأهوي يضمها اليه ضما عنيفا كأنه يحاذر، فقد عراه مثل هاجسها أو شر منه، عراه أن هناك


من يحاول اختطافها فهو يشدها اليه يضن بها و يفتديها.

استويا في مقعدهما ثم لم يخطوا الا قليلا في حديقة القصر، حتي استأذن حامل البريد يسلمه كتاب الملك.

استطير فرحا و استخفه الانعام الملكي عليه، و كان مفاجئا حتي لقد ذهل عن أنه يغادر زوجته الحفية عنده دون أن يلقي عليها نظرة وامقة تشير الي انه سيعود اليها بعد متعة قصيرة بالنظر الي ما اهدي اليه.

وقفت تنظر باهتة و عاودتها هواجسها، فلم تطق وقوفها طويلا، فانثنت الي مقعد قامت من فوقه متعانقات «البواري» في شكل جعل منه وكن عاشقين أو طيري حب. و قالت تناجي نفسها: آه! لقد وقع ما كنت أهجس به في خاطري، و الذي كان يحيك في صدري من وساوس. ليت الهدايا التي استخفته كانت عند قدمي لأطأها مستخفة بأنفس ما فيها، و لا أقطع علي نفسي لحظة قلب كان يخفق فيها بمعني الحب و هو كل الحياة و كل السعادة...

أتقطعه عني هدايا حقيرة، مهما بلغت نفاستها فلن تكون الا حقيرة بجنب ما هو دون حسوة طائر من نشوة ما كنا فيه، بل بجنب خلجة راعشة من تلك الخلجات المفعمة...

الآن فقط، بدا لي طفلا تفتنه لعبة عن لعبة، و يأخذ أيما وقع عليه بكل بصره. لم يكن اذا الا طفلا، و لم أكن كل هذا الوقت سوي لعبة كبيرة يلهو بها، و دمية حية تمتع قلبه البارد بحرارة أنفاسها المنداة... و هؤلاء الذي يرون المرأة دمية ذات حرارات، هم باردو القلوب و انما يطلبون فيها الاصطلاء و الدف ء فقط، أما أنا و أحس بقلبي مشتعلا فأريد قلبا مشتعلا أيضا يفنيان علي بعضهما في تلهب جميعا..

أف للرجل! انه طفل في حس القلب و لا يزيد، ثم لا يشعر من العاطفة الا علي مقدار العبث، و ليست للاشياء قيمة عنده الا علي قدر ما تملك من ايحاء اللهو عليه و تشيعه فيه.


لا، لا! لست أرضي أن اكون عنده متاعا صنو هذه الهدايا، بل خيل الي أني أحقر منها في نظره. فغادرني يخف اليها، و لم يترك، عند موقفنا، نظرة أشغل بها حتي يؤوب، انها أخذت بكل هواه حتي لم أعد شيئا أذكر...

أف للرجل! انه في دنيا القلب طفل، و أيضا طفل ذو طبع بليد خشن...

يا لك من هدايا مشؤومة! انك هدايا فيك كل ما في السموم من روح، و كل ما في الافاعي من معني مخيف و وجود رهيب.. و ما يدريني فلعلها حبائل و شباك منسوجة من حمات العقارب و أوبارها... و ما هو حتي رأته مقبلا مغتبطا، تشيع الابتسامة المشعة الضاحكة في وجهه، يحمل بين يديه كرائم الجوهر و عقود اللآلي ء البعيدة السطوع، المتماوجة بالسني و السناء، يقول و هو يقلبها في كفيه:

اليك! اليك! لقد جاءت كأنها تقول كنت يتيمة حتي وجدتك! أما تسمعين؟ أما تسمعينها؟... و راح في نشوة ضاحكة، و لكنها ظلت جامدة لا تحير جوابا. فبهت و عراه خدر كالذهول، فاسترخي كفاه و تساقط ما استوي عليهما من ثمين الاحجار الكريمة و هو لم يحس. و كانت تنظر و تري، فألمت بما عراه فاغتبطت، و لم تلبث حتي أخذته بين ذراعيها نشوي.

عند شرفة الصباح، بعد أيام، حيث كانا واقفين ينظران الي الافق البعيد، قال و هو يحبس بعضا من أنفاسه التي أحس أنها تخرج جملة ثم لا تعود:

لعلي لا أغيب عنك طويلا، و سوف... قالت مرتعدة:

تغيب عني؟ ماذا تقول؟! و الي أين؟

قال: رأيت منك يوم الهدايا أنك غير مغتبطة فلم أخبرك، جاء في كتاب الملك أيضا أنه يعزم علي بالحضور، و لا أدري لماذا؟ هدايا مفاجئة و دعوة مفاجئة! و لكني أظن أن سعادتي بك جذبت الي سعادة أخري.. و ربت علي كتفها.

انتفخت أوداج أرينب و غصت الكلمات في حلقها، و لكنها حاولتها كأنها تلوك حروفها لوكا:




أيتها النفس أجملي جزعا

فان ما تحذين قد وقعا



فقال يداعبها: هذا قول أوس بن حجر يرثي به. و ها أنا فجسي يدي.. قالت و وضعت يدها علي فمه تأخذ عليه سبيل الاستمرار، فقد أرهبها ما ذهب اليه ظنه و لو مداعبة:

انني لست أرثي سوي نفسي الي نفسي.. و حاول الكلام فقطعته عليه «بقولها:

لست مغتبطة بسفرك، و بودي انك لا تذهب، بل بودي أن ترد عليه عمله و تعتزل. فلي من أموالي الكثيرة و دنياي ما يغنيك عن أمواله و دنياه، و لك من سيادتك و نشبك ما يغنيك عن التسود به.

انه يرهبني! انني لا أطمئن اليه، و به تحيط عصابة لا أدري بماذا أنعتها... انتزعتها من لسانها كلمة. انها دموية تجري وراء شهوات حمراء، ثم لا يحول بها عنها شي ء من عرف.

قال: هو ذاك. و لكني لا أدري كيف أرد عليه. ان هي الا أيام قصيرات المدي، أعود الي علي اثرها و أصير الي رغبتك باعتزال عمله.. و لكنها ظلت ترغب اليه أن لا يرحل، و حانت منها لفتة فرأت أفراس البريد جاءت تحمله. فلم تطق تراه يسير، فذهبت تدفن وجهها في راحتيها و تجهش في نشيج مرير، وردد عبدالله و قد تمادي به المسير و لفه قتام الركب:



و كم تشبث بي يوم الرحيل ضحي

و أدمعي مستهلات و أدمعه



أستودع الله في بغداد لي قمرا

بالكرخ من فلك الازرار مطلعه



ودعته و بودي لو يودعني

صفو الحياة، و اني لا أودعه..



كان عند معاوية بعد أيام لم تكن طويلة في غير حس أرينب و حساب عبدالله، فتلقاه بالألطاف و الانس الناعم، فعجب كثيرا و فكر كثيرا، و لكنه لم يهتد لوجه


لامر، و تحير به تقديره فلم يطمئن الي أي وجه انصرف اليه. بيد انه مع ذلك كان مغتبطا، و تزايد به الاغتباط ازاء ما يلقي من حفاوة و احترام و رعاية مقام، حتي لم و بعد يفكر بشي ء الا أنه مخلوق جديد لا عهد له بالزمن.

لمس صدقا في كل ما يلقاه من مظاهر، و بات آملا بشي ء لم يدر كنهه الا أنه وجه بشري علي أي حال. لم يكن يري الا مدعوا الا مجالس أنس معاوية و أندية السمر الغزلية، و الا منتشيا علي مثل الطيش في ليالي القصور الشرقية الماجنة التي كانت ذات نسب قريب بليالي الف ليلة الغارقة في أحلام الشهوات المعربدة.

استيقظت في نفس ابن سلام صبوة لم يكن يعهدها، صبوة من نوع الصبوات الحادة، فلم يعد يفكر في مدي انطلاقها الا باروائها، و دارت فيه نهمة كأنها انفطرت من طبيعة الظمأ. فقد هبط من فردوس الحب القلبي السعيد، انبعثت جياشة عليه، نزوات كان يكبتها القلب في نشواته العبقرية الالتهاب، المتلظية بالشعل الحمراء.

كان في هذا الجو الخمري اللذات الممهود بخمائل الشهوات، ما أحال أرينب في جو نفسه الي ذكري من الضباب لم تزل تتلبد و تحتجب، و عاد لا يذكر الا ما هو فيه، و تمني لو طال أمد هذه المتعة اللازوردية في لسان اللهب، و تشهي أن لا تنقضي، و غير منذ قريب لا يستطيع ساعة بعاد عن أرينب مهاته النابضة بالطهر في و ثبات الحب القلبي الخالص...

انه أسف منحدرا الي محيط من الحمأة البعيد القرار، و أضفت علي ناظريه الوحول فلم يعد يري، و انما بات يحس في طراوة الوحول نعومة الزبد، فراح يهيم في خيال الوحول.

ان الحب في حقيقته رغبة بالاستحالة، و بتعبير آخر رغبة في التحول، و لمكان الشعور بوجود الذات يذهب الكائن، اذا صدم مشاعره انفعال خدر كانفعالات اللذة علي أنواعها، يحاول الاستحالة بهذا الانفعال الي وجود شعوري آخر.


و لا يزال يبالغ، تحت تأثير هذا الانفعال الذي يتزايد وضوحا، رغبة بالاستحالة حتي يطلب ملاشاة كيان في كيان حينما تستوي هذه الرغبة في الاعصاب، و كلما زادت تمكنا و استواء زاد الكائن نهما، و هذا الشعور هو الذي انطق ابن الرومي بقوله:



أعانقها و النفس بعد مشوقة

اليها، و هل بعد العناق تداني؟



و ألثم فاها كي تزول صبابتي

فيشتد ما القي من الهيمان



كأن فؤادي ليس يشفي غليله

سوي أن يري الروحين تمتزجان



فالحب البقائي أو الزواجي رغبة بالاستحالة في الولد، و الحب العاطفي رغبة بالاستحالة في العاطفة، و الحب الشهوي رغبة بالاستحالة في الشهوة.

و اذا كانت رغبة الاستحالة في كل الوجود، ففي طبيعة الوجود اذن طبيعة الحب، بل البقاء لحظات متواصلة من رغبة الاستحالة و استحالات بالفعل، فاذا انقطعت تقلصت أسباب البقاء و ذهب مضمحلا.

تملك ابن سلام، في ليالي القصر المسحور، انفعالات حب شهوي طلب معها التمادي في دنيا الشهوات، و امتلأ رغبة بالتعرف الي كل فنونها و شتي ألوانها.

في ليلة ماتعة من ليالي القصر الزاهية العبقة، أدناه معاوية منه و عاطاه حديثا مذهب الأطراف مغري البدوات. و قال له فيما قال:

هل لك زوجة؟

قال: نعم.. فضرب يدا علي يد و أصاب وجهه ببعض يده، فمال علي أذنه عمرو و قد أظهر أنه اغتم من اجابته، و ساره:

يا عبدالله! ان الملك أراد أن يزوجك ابنته لما عرف من شرفك «و أنت نعرف أن بنات الملوك لا تدخل علي ضرائر».

فقال لعمرو: كيف الحيلة؟

قال له: اذا دخلت غدا و سألك، «فقل ليس لي زوجة فقد طلقتها»


و أشهدت أباهريرة و أباالدرداء.... بات ليلته أرقا، فقد استيقظت ذكري أرينب الغافية في أعماق نفسه قوية عنيفة، و أخذته طيوفها البادية كالملائك في أثواب طهارتها...

فراح يتمتم: أأنا أخونها. أأنا؟ كلا يا ملاكي! لن أفعل من أجل شهوات رعناء تذوب لذاتها سريعا، و تبقي آلامها مستطيرة مستفحلة.. و اذا به يبدو مبتسما، قد باركه طيفها. و لكن لا يلبث حتي تستجيش به شهوات موارة، تريه الدنيا و السعادة بل و الخلد في حدودها، و تطلع له رؤوس فتونها فيسترخي و هو يري السلطان و الجاه و كبرياء الحكم تعنو أمام قدميه، اذا استجاب الي معاوية و رضي منه بالاقتران الي ابنته... و تمتم:

حسب أرينب بكرنا خالد، و أنا اذا طلقتها فلم أفارقها و الي الابد، فصلة بيننا أبدا وليدنا العزيز.. و صمت قليلا و عاد يناجي نفسه:

و أنا اذا فعلت، ألست أخون خالدا أيضا فوق خيانتي أمه؟ ألست أكون قد دفعته الي الحقد علي؟ و كيف أطيق هذا و لو في التصور و الخيال؟ انني لا أطيق.. و بدا له طيف ولده خالد في طفولته الساذجة الموحية بالحب، كأنه يرجو اليه أن لا يفعل. و ساورته عاطفة قلبه مساورة، فصرخ معها:

لا. لا. لن أفعل... و استغرق في لحظة تهويم انكشفت له فيها زوايا المجهول من المستقبل، ثم استفاق و علي لسانه:

أليس في هذا التسود الشامخ ما يخدم ولدي في مستقبل أمره، فلا شك في أنه يغفر لي خيانتي، و لا شك في أن أرينب تغفرها لي أيضا. فأصبح و قد عزم علي الخيانة يعلل نفسه: بأنه لم يخنها خيانة قلب و لذلك هو لن ينساها، و حمل الهواء قبلة وداع من بعيد، بهذا آخر العهد بأرينب...

و تعرضت له أطياف راقصة من بدوات الأطماع الكبري، فسار في بهجتها كأنه يجنح طائرا، و كان يجتهد ألا يذكر شيئا، يجتهد أن يشعر أنه مخلوق اليوم، و ليس له عهد سابق بالوجود.


سار غير مثقل بأية ذكري من التاريخ و أية فكرة تتصل بماضيه، انه وليد مصادفة جديدة و وليد بهجة جديدة، يقبل عليها بما تشاء من بهجات. فكان منه ما أشار عليه به عمرو بن العاص، فقال معاوية لأبي الدرداء و ابي هريرة:

«ادخلا علي ابنتي فأعلماها بالامر علي وجهه»... فتظاهرت لديهما بالاهتمام و السرور، و صرفتهما لتسأل عن دخلة أمره «و أثنت علي ابن سلام».

و لكن ابن سلام شعر فور طلاقه أرينب أن معاوية لم يعد له كما كان، بل غدا يلقاه بفتور نفس و انكماش لقاء. فأوجس شرا «و أسرع الي ابي الدرداء و صاحبه يستحثهما»، فأتيا ابنة معاوية فقالت:

«انها سألت عنه فوجدته غير موافق لما تريد»... فلما بلغاه جن جنونه و أسقط في يده، و علم أنه ذهب ضحية خدعة لئيمة ليس يدري غايتها.

انقلب الي الدار التي أعدت لنزوله فوجدها تعج بالأشباح المخيفة، و تزأر في مثل تجاوب الذئاب، فاستطير ذعرا و مشي في أنفاسه هلع نكير. ففر يعدو الي الخلاء و قد انطبعت الاشباح في عينيه، و التفت الاصوات تمور في أذنيه. فراح يغمض عينيه و كفاه علي أذنيه يجري، انه يريد أن لا يري و لا يسمع، يريد غفوة في الذهول و لا هذه اليقظة المجنونة. و ما استرخت كفاه عن أذنيه حتي استعوي به صوت:

خائن! خائن! و علي يديك دماء الجريمة، تمشي عليها أرواح ضحايا ثلاث: قلب زوجة هي تمثال الاخلاص في الحب، و قلب غلام هو تمثال طفولة الأحلام البريئة البيضاء، و الثالثة هو قلبك انت...

بعد ذلك أضحي ينطلق كالذي فار في خياله جنون، ينقل الواقعة و يبث الشكاة و ينثر الطعن نثرا دون رهبة أو وعي. و تسامع الناس بالخبر و علقوا عليه باشمئزاز و نفور، و بات الكثير ينظر بعضهم الي بعض في شفاه مقلوبة و تنكر، «و هكذا ذاع أمره و شاع، و تداقله الناس الي الامصار، و تحدثوا به في الاسمار».


و رثوا كثيرا لما انتهي اليه حاله، فكنت لا تسمع في كل مكان الا من يقول:

أتبلغ القحة بهذه العاصبة حد التآمر بسعادة أسرة هانئة، تمرح في حب و تسرح في اخلاص؟ أما يسرها يوم، أما تحلو لها حياة، الا اذا و لغت في دم أو عبثت بكرامة؟ لقد عدوا أقدار أنفسهم، فلا يرون الا راقصين علي الاشلاء، لاهين بالجماجم.

و تناهت بعبدالله الحال الي حيرة بائسة و ذهول شقي يائس، تلاحقه طيوف و تتنكر له أشباح، و تتفور من حوله الآلام، و كان يفتأ يقول يناجي نفسه:

لوددت اني أفر الي أرينب، و لكن هيهات! أنا الذي نكبتها و أشقيتها، أأزيدها شقاء بوجهي الذي غدا تمثال الخيانة الزوجية علي أقبح صورها؟ فلأ تجرع آلام قلبي و غصص ضميري و مراراتي وحيدا منعزلا! كيف القالها؟ كيف أعتذر اليها؟ كيف أستغفر وليدي الصغير؟...

رحماك ربي و حنانيك! أبق اللهم علي لبي لا يتمزع.!

ظللت أرينب منذ غادرها زوجها الحبيب، لا تشيع علي شفتيها الا ابتسامة متماوتة اذا ألحت عليها أحاديث و صيفاتها بالابتسام.

و كان الاكتئاب يتزايدها يوما بعد يوم، في احساس يلح عليها بهول غامض تشعر به في أعماقها ينذر بالويل.

و كان لها في كل يوم جلسة تارة عند مقعد اصطباحهما في افياء البواري المخيمات، و تارة في شرفة المساء تودع النهار و تستقبل كواكب الليل تبثها نجواها و زفراتها، و تتوله في وقفة الي ذوب الشفق الذي كأنه ذوب قلبها.

و في يوم علي عادتها و هي في شرفة المساء، رأت عند أقصي الصحراء - التي تسترخي متكئة علي عتبة دارها و في فنائها - قافلة كأنها مقبلة من جانب


الشام. فلبثت تنشد فيها أملها، و ان تطمح به فلا أقل من أن ترسم هذه القافلة في نفسها رسوما مبهمة الا أنها مفرحة ايضا، تنتنفس في فؤادها بندي روي.

مرت القافلة تخب تحت شرفتها، و كان حادي الابل يشجي الركب بصوته العذب النغمات:



أرينب ليتني و سدت قبرا

و لم أفعل، ففي الاحشاء نار



«ندمت ندامة الكسعي لما

غدت مني مطلقة نوار»



يطيف علي فؤادي روح آه

و ذوب أسي، و في كبدي انفطار



أرينب، أنت ذكري من نعيم

و من طهر، و من عبق يثار



أرينب، هل ترف علي دنيا

من الاحلام؟ هل ثوب يعار؟



ذكرت و في فؤادي نوح با

ك هوانا، و الضمير به أوار



و هل قدر يطالعنا بفجر

و يمرح في مسارحه النهار



فنسعد، و الأصيل له افترار

و ننشي، و الغدو له ازدهار.



فسقطت علي نفسها هلكي. و لم تك الا أيام من حلول الركب حتي شاع خبر عبدالله في العراق و تناهي الي سمعها، فلم تعد تعي. و كانت لا تري الا مولهة حتي عن وحيدها المفدي. و كانت لا تري الا معتنقة له تشده اليها مدلهة كأنها تطلب فيه ريا، و لكنها ظلت ظمأي و ظلت كأنها لا هثة تطلب الندي و الري.

لم تطق بقاء في العراق بعد، فقد اسودت نواحيه في نواحي نفسها، فانطلقت بحشمها و ذويها الي المدينة تطلب فيها دنيا جديدة، تغري خيالها في أنها أصبحت مخلوقا جديدا احتضر في نفسه الماضي و الذكريات. رثت لها نساء المدينة و ذهبن يواسينها بكل ما عند المرأة من خصب عاطفة؛ و النساء يحسسن بالمآسي بنوع خاص مكبرة ذات مبالغات، و في شعورهن شيوع. فهن يحسسن بأنفسهن في كل مأساة تقع، و يجدن قلوبهن في النكبات، و هذا الشيوع في الشعور جعلهن يشعرن بأحداث الآلام قبل وقوعها، و جعلهن أصدق تطلعا و أرهف حسا بالجانحات الصاعدات من أعماق المجهول، و الغاربات الهابطات الي أعماقه.


فتجاوبت المدينة بمأساة أرينب علي ما أضاف اليها النساء من روحهن الآسية، فكانت مأساة لاذعة الوقع وقيذة الاثر شائكة في نواحي الضمير...

أرسل معاوية أباالدرداء و أباهريرة رسولين من قبله يخطبان أزينب علي ابنه يزيد، فذهبا الي العراق، فبلغهما انها انتقلت الي المدينة، فثنيا رواحلهما اليها.

و كان الحسين اذ ذاك قبس الهداية و مشكاة الطهر و نموذج الاخلاق الفاضلة و قبلة الأنظار، و كان الي ذلك مفزع الهاربين من وجه الظلم، و في رحابه ينتصف مهضومو الحقوق الضعفاء، فما من أحد الا و يحس في أعماقه أن واجبا عليه أن يخشع بالمثول بين يديه، بل يشعرون فوق ذلك أنه رأس الواجبات. فلم يجد كل من أبي الورداء و صاحبه حينما هبطا المدينة بدا من أن يبدآ بزيارته قبل أي واجب آخر مهما سمت به قيمته، فلما مثلا بين يديه يقدمان اليه أنواع الاحترام بمناسبة قدومها، أنس اليهما و قابلهما بحفاوته التي تعودها الناس منه علي اختلاف منازلهم، و كانت فيه خليفة و طبيعة.

لكنه أحس مع ذلك أن في مقدمهما المفاجي ء حدثا هاما، فقال لهما:

ألأمر قدمتما؟

قالا: نعم.

قال: و ما هو؟ فما كتماه ان معاوية وجههما في خطبة أرينب علي ابنه يزيد. فابتسم الحسين ابتسامة من قد أدرك كل شي ء، و من قد فهم غاية المناورة التي بات معاوية يحيك خيوطها و ينسجها كالعنكبوت حول فريسته.. و نغي الي نفسه «خدعة معاوية حتي طلق امرأته، و انما أرادها لابنه. فبئس من استرعاه الله أمر عباده و مكنه في بلاده و أشركه في سلطانه، يطلب أمرا بخدعة من جعل الله اليه أمره».. و واصل: لن تهنأ لي حياة الا باعادة مياه حياتهما الي مجراها، و لن تقر عيناي و أسعد، الا اذا قرت عيناهما بالعودة و سعدا، ففي سعادة قلبين


مخلصين ينبضان بالحب و يخفقان بالعاطفة البريئة سر سعادتي. فعلي أن أهدم علي معاوية أحابيله و أصيده بشباكه. أف للغاشمين الذين يرقصون علي الأشلاء و يبتسمون في دموع الناس؟ لقد استغواه فبات ابن سلام طعما في الطعم.

فقال الحسين لهما: لقد «كنت أردت نكاحها، و قصدت الارسال اليها، فاخطبا علي و عليه و اعطياها من المهر مثل ما بذل معاوية عن ابنه و لتتخير».. استأذناها بالدخول، و بعد أن استوي بهما مقعدهما، قال ابوالدرداء:

أي بنية! انك لم تزالي شابة في عنفوان الشباب و ميعة النشاط، و انا بك جد ضنين أن تذهبي نهبا للخواطر، و تذهب نضارتك شعاعا في اكتئاب. و اذا ساءك من ابن سلام ما ليس من الوفاء و ما لم تكوني به جديرة، فعسي أن يكون لك في سواه بدل خير.

قالت: معاذ الله يا أبت، فقد خبرت الرجال و بلوت عاطفة قلوبهم فما حمدتها، و بحسبي فتاي أرعاه.

قال أبوهريرة: تمنيت لو كنتك، و فعلت ما يشير به أبوالدرداء... فابتسمت و هي لا تنتظر من مثله مداعبة، و واصل: و هل مثل ابي الدرداء يرد و يختلف عليه... و لم يزالا بها، و تعرضت لها خيانة عبدالله فمالت الي النكاية و رغبت بالانتقام.

فقالت: و بعد... فعرفا بذلك اجابتها.

فقال أبوالدرداء: أرادك لنفسه «أمير هذه الامة و ابن ملكها و ولي عهده و المليك من بعده يزيد بن معاوية، و كذلك أرادك الحسين ابن بنت رسول الله و سيد شباب أهل الجنة. و قد جئناك خاطبين عليهما، فاختاري أيهما شئت».. و هي ما سمعت اسم معاوية و يزيد حتي و جمت و كظمت بركان حفيظتها، و هل هدم سعادتها و هناءة ما كانت فيه الا هذان و عصابتهما؟ و هي التي طالما حذرت شقيق قلبها من شباكهما و ودت لو اعتزل عملهما، فهل تلقي نفسها بكل اختيار و طواعية في قبضتهما القاسية الرهيبة، فتعتصر؟ لا! لا! اني لست فاعلة و لو أوطأني يزيد الديباج و أحاطني بمثل زغب النعام!


ليت شعري! كيف أرضي به، و هل اجتويت الحياة الا بسبيل منهما؟ و هل فررت و تشردت الا عنهما؟. لوددت اني أعيش في دنيا لا تعرف عصابتهما أو لا يعرفونها. و طال بها الصمت و هي في معرض خواطرها، فقال أبوالدرداء:

علام عولت؟ و أيهما اخترت؟ فقد خيل لي صمتك انك غدوت دمية لا تنطقين.. فانقطعت سلسلة خواطرها و كرهت رد و سيلتهما، فقالت:

و من تختار انت؟

قال الأمر اليك.

فقلت محرجة له و علمت أنه لن يفضل يزيد بحال: لو أن «هذا الأمر جاءني و أنت غائب، لأشخصت فيه الرسل اليك و اتبعت فيه رأيك، فكيف و أنت المرسل. فقد فوضت أمري اليك»، فاختر لي أرضاهما.

فقال: أي بنية! ان «ابن بنت رسول الله أحب الي و أرضي عندي، و الله أعلم بخيرهما اليك»... فانبعث أبوهريرة يقول:

نعم. نعم. و أنا و الله «لا أقدم أحدا علي صاحب فم قبله رسول الله»، فيا لغبطتك بهذا الفم و هاتين الشفتين! ليتني كنت أرينب اذن لسال لعابي! و تلمظ.. فقالت و هي تضحك من قوله:

قد اخترته... فتزوجها الحسين و ساق لها مهرا عظيما، و بلغ ذلك معاوية فتعاظمه و لامهما أشد لوم، و لكنه انقلب مع ذلك يردد «ان الباطل كان هوقا».

كان جهد الحسين بعد ذلك معها أنه يواسيها، و اذا ذكرت ابن سلام و ما سمته خيانة زوجية، أثني عليه و هون فعلته، و أفهمها اياها غير الوجه الذي راحت تفهمها عليه، و أبان لها أن الحادث ان كان فيه ما هو عظيم نكير، فانما هو اقدام من هيأ لهما أسباب الشقاء، ثم ألم تقولي في بعض كلامك أنه طفل، فلا عجب اذا اختلبوا فيه عقله و استبدوا بهواه. فاذا بها تنظر الي ما اقترف ابن سلام من


أفق جديد، و اذا بها تري فيه أنه لم يكن الا ضحية أغراض و أهواء و شهوات مثلها، و اذا بها تدرك أن من واجبها أن تواسيه جهدها و قد بات شقيا. فبدأت تحن اليه، و بدأت تعاودها ذكراه في رغبة قلب. و كان الحسين يحس هذا منها، فيفيض بشرا و يطفح بشاشة و اشراقا، فقد نجح و أدني قلبا بات نفورا، من قلب بات و قد تشطر ويلا و ثبورا.

أما عبدالله بنت سلام فقد ظل في الشام يرمي الهيئة الحاكمة بكل شناء، و يطعن فيها أبلغ ما وسعه الطعن، و هو لا يبالي غضبا و لا رضي، انه مفجوع موتور.

فاطرحه معاوية لمكان هذا الطعن و التعريض بالتشنيع، و عزله من امارة العراق و قطع عنه روافده، فقل ما في يديه قلة بات معها معدما، و غدا مثلا للبؤس المالي و الشقاء النفسي.

و تحت الحاج البؤس عليه، تذكر أنه كان قد استودع أرينب مالا عظيما، و تذكر أنها أضحت في عصمة الحسين: و هو لن يدع لها سبيلا للانتقام «فتجحده اياه لطلاقها من غير شي ء». فانتقل الي المدينة و لقي الحسين و ذكر له ذلك، و هو في شكل الضحية الشقية و الفريسة الطرية التي لم تزل آثار أنياب السبع بارزة فيها، راسمة انكر آيات وحشيتها، فرثي لمرآه، ورق له كثيرا و واساه كثيرا، فدخل الحسين عليها و حضها علي رد ماله اليه، فقالت:

ها هو بطابعه لم أمسسه.. و قصد حسين أن يدخله عليها بشقائه، فلابد أن تتلقاه بشفقتها و حنانها دون غلظة أو جفوة، و كذلك كان. فتلاقيا و استصبرا طويلا في ذهول و وجوم، و غفلا عن وجود الحسين يقربهما، فتواقفت نظراتهما ناطقة بالحب و الدمعة طافية، يخيل لمن رآهما أن من وراء عينيهما قلبين يطلان، و قد تدانيا كثيرا حتي رسما دائرة تدور فيها لحظة حب نشوي.


و كانت عينا الحسين تشعان بالسرور... و أخذ طريقه الي الهيكل و قد انصرف عنهما زوجين، كي يشتمل عليه المحراب من جديد، انه جد مغتبط الروح...

حطت فراشة بيضاء كأنها الزهرة علي كتف غصن يميس، و كانت ناعمة تلهو بأغاني سعادتها..

فبصر بها عنكبوت صغير، ود لو يروي بهناءتها شهوات نفسه الحري...

و ما لبث حتي جاء قرم العناكب يبادر، و راح ينسج شباكه من حولها...

و اذا ذاك حوم بلبل غريد كان ينشر بألحانه في الأرواح نشوات منعشات، و حط حيث انتصبت أشراك المأساة...

فنقد القرم نقدة، و مضي يغرد تغريدا كان معناه: و مكروا و مكر الله و الله خير الماكرين...

ظن «الصغير» ان القوة هي كل شي ء و فوق كل شي ء...

و ظن «الكبير» ان الحيلة هي كل شي ء و فوق كل شي ء...

و لكن حين وقع الحق في شخص الانسان الكامل، بطل ما كانوا يعلمون فغلبوا هنالك و انقلبوا صاغرين!...



پاورقي

[1] نهر الابلة کان منتزها معدودا في جنات الدنيا الثلاث.

[2] شخصية فنية غزلة، و کان يتعاطي سمسرة الزواج، و له اشبه ما يسمي اليوم بمکتب الزواج، راجع اخباره في الاغاني.