بازگشت

التياع


في دارة قريبة من الكوفة انعقد أول مؤتمر سياسي ارهابي، و انفض عن مؤامرة دموية واسعة النطاق تولي أمرها ثلاثة نفر فدائيون كلهم خارجي. فقد كان لمعركة النهروان التي انكشفت عن مأساة مريرة، وقع حاد في نفوس الخوارج كافة، فنشطوا تحت الحاح سورة الانتقام يجتمعون هنا و هناك و يوالون الاجتماع في كل مكان. فما من بيت الا و دخلته طائفة من الأرزاء و انطلقت العيون كأفواه القرب تتحدر عن مثل خيوط القطرات المرفضة ارفضاض عقد نظيم، و بالاحري المتحدرة مؤتلفة ائتلاف عقد شتيت.

و كان عبدالرحمن بن ملجم من أبناء الهوي و الشباب، فهو عاشق مدنف الفؤاد متيم الصبوة، لقي قطام ابنة الشجنة من تيم الرباب في أصيل ليلة من ليلات الصحراء التي يختلط فيها سكون الجمال و جمال السكون، برجفات القوافل، و هي تهوم راجعة او منطلقة، كأنها سارحة في طفل الابد أو سانحة مع رأد الامل الخابي.

و قطام هذه فتاة افتنت بها طبيعة الجمال أي افتنان و مشت في تقاطيعها روائع الحسن و آيات الفن، فبرزت كالزهرة أول ما تتشقق عنها الاكمام، أو كالفتنة الحية المائجة التي أضافت اليها الصحراء انبهامها، فجاءت بساطة في


تركيب، و وضوحا في غموض... تخطر كيفما اتفق لها، فتثير في مدي خطاها تهاويل السحر و عبقا من عبق الهوي المسفوح و ضجة الجوي الشرود.

و الجمال، في الغواني و في كل شي ء، أرادته الطبيعة لتعبر عن تذوقها الفني، و عن أن غاية التفاعل الكوني ينتهي بالكون الي الفن و يجتمع عليه، و ان بقاء الوجود قائم علي الارادة الفنية فقط.

فالطبيعة الصامتة تحاول محاولاتها تحت الارادة الفنية لتنتهي الي الفن الصامت الذي هو روح الطبيعة الجمود، و تبتدي ء الحياة أو الطبيعة الحية من الفن الصامت لتنتهي كذلك الي الفن الحي الذي هو روح الحياة أيضا، و تبتدي ء الطبيعة الانسانية من الفن الحي لتنتهي في غايتها الي الفن الواعي الذي هو المثل العليا.

و الي هذا الفن الواعي تنتمي فكرة الروح و الخلد، حتي الله في الاديان فكرة الفن المطلق، و الوجود انما يتحرك بارادة الفن ليسمو تحت هذه الرغبة الجاذبة بالشوق. و الي هذا يشير قول النبي «خلق الله آدم علي صورته»، من حيث ان في الانسان أكبر قسط من جمال فن الوعي أو فن القصد اذ فيه تحولت حركة الطبيعة الفنية من حركة لا قاصدة، الي قصد في الحركة... هذا حديث فاه به ابن أبي عتيق في أمسية من أماسي الطائف، عند مغني نضير، جمعه و عمر ابن أبي ربيعة و الثريا و زمرة كبيرة ممن يطلبون الحياة اللاهية الحالمة كان بينهم ابن ملجم.

فقال عمر يحاوره: لكأني بك - يا ابن أبي عتيق - و أنت حشية فتون و دنيا غرام، و لم أخطئك الصفة حينما قلت:



أهجرنها؟! و أنت زينتها لي

أنت مثل الشيطان للانسان



و قهقه مشيرا الي الثريا.

قال ابن أبي عتيق: لا تثريب عليك «فالله جميل يحب الجمال». و نحن بارادة الفن يستخفنا سحره فنتواقع علي الرمال منتشين بموجة الزبد، و لعل ثرياك أكبر موجات الزبد الحائم في شاطي ء الفن المسحور.


قالت الثريا: فأنا في خيالك اذا - يا ابن أبي عتيق - بعض من غاية الكون في تفاعله الابدي، لانني بعض من فتنة الفن فيه... و راحت ترمق ابن أبي ربيعة...

قال عمر: ماذا تقولين؟! لأنت و الله كل فتنة الفن ان كان هذا يفي بموقعك في قلبي، و لأنت كل غاية الكون ان كانت للكون غاية... فراحت تضحك في خفر، و كانت ضحكة تعبر عن نشوتها «فالغواني يغرهن الثناء»؛ و لم تلبث هنيهة حتي قالت:

«لو أنا ناديتك و اعمراه فماذا تقول؟... و كأنها استخفته فهب يفعل كالمثوب. أقول. أقول: لبيكاه. لبيكاه. لبيكاه» و مد صوته...

لاول لقاءة بين عبدالرحمن و قطام، مرت في مخيلته قصة أمسية الطائف و شعر بحلاوة الحلم، لو كان له من قطام من كان لعمر من الثريا.

و كان أن رأت قطام منه ما رأي منها، و أحست بمثل ما اجتمع في أحاسيسه من أحلام، فقد تواصل بينهما هوي، و مشي بين فؤاديهما غرام، و لفهما وجد، و استدار علي قلبيهما جوي و هيام. كان في نقطة الدائرة قلبها، و في اطار الدائرة قلبه يدور و لا يدري من اين ابتدأ او الي اين ينتهي، و دائما يكون قلب المرأة من الثوابت، فهي غنية بالاغراء، و قلما تكون غنية بالحس، و هي قلما تتحرك بالحب، و لكنها دائما تتحرك بالكراهية و البغض.

كان بينهما لقاء اثر لقاء و كم تمنيا لو أفنيا العمر في لقاءة سكري تضل عن صحوها، أو تدفع بهما في لا نهاية الفناء قبل فنائها.

عند مهوي أحد الكثبان الذي حفظ لهما اول انتشاءة من غرامهما و آخر انتشاءة، كانا يحلمان و ما أصحيا الا علي صوت النعي أن وقعة النهروان ذهبت بكل الشيوخ و أكثر الفتيان، و ان تيار الارزاء جري علي كل بيت و غمر أعلي العرصات حتي أدني الاودية. فتمايلت معي النعي مرتعدة كما تمايلت قصبات الغور في حروف الاودية و المنعرجات، و انهمرت عيناها بالدموع المتناثرة تناثر


البرد، و ثارت ثائرة ابن ملجم علي لحن دموعها القانية.. و تحت عوامل الثأر الفائر و سورة الانتقام العاصف، آلي أليته الرهيبة لينتقمن لها و له و ليشفين نفسها و نفسه و ليقرن عينها و عينه!

و طبيعة الجبروت في الرجل تأبي ان تظهر بمبالغاتها الا في فضاء نظر المرأة، كما تأبي طبيعة الاغراء في المرأة ان تظهر بمبالغاتها الا في فضاء نظر الرجل،كأنهما بعد تناحر طويل اصطلحا علي ان تستنيم المرأة الي جبروته، فهي تطالبه به في الخطوب، و علي ان يستنيم الرجل الي اغرائها، فهو يطالبها به في النشوات و هينمات الاحلام و دغدغات السكون الذي يتمدد في فضاء النفس باسترخاء.

في دارة لا تبعد كثيرا عن الكوفة، تسارع اليها مفجوعون و مفجوعات، و للبثوا يرعدون و يبرقون تحت ايحاء الماساة الحمراء التي كانت تتصل باعصابهم فتحركها متصلبة متعقدة تشتهي لو تمددت خانقة ساحقة...

قام الخريت بن راشد الناجي يخطبهم:

لقد كبر علينا و الله مصرع اخواننا الابرار. و ما بقاؤنا بعدهم؟ انتظرون ان يتخطفكم جيش علي زمرة بعد زمرة و طائفة بعد طائفة؟ انه لا ينتظركم منه الا الموت، الموت الذليل الوضيع! الموت الغائل الزؤام! ألا فانفروا و موتوا في عقر الحراب و لا تموتن في عقر الديار!

فهب القطري بن الفجاءة ينشدهم:



اقول لها و قد طارت شعاعا

من الابطال ويحك لن تراعي



فانك لو سألت بقاء يوم

علي الاجل الذي لك لن تطاعي



فصبرا في مجال الموت صبرا

فما نيل الخلود بمستطاع



و لا ثوب البقاء بثوب عز

فيطوي عن أخي الخنع اليراع



سبيل الموت غاية كل حي

فداعيه لاهل الارض داعي



و من لا يعتبط يسأم و يهرم

و تسلمه المنون الي انقطاع



و ما للمرء خير في حياة

اذا ما عد من سقط المتاع




و وقف فروة بن نوفل الاشجعي فقال:

ألا فاسمعوا: ان عليا أراد ان يتخذ من وقعة النهروان أمثولة رهيبة، يلوح بها في وجه خصمه فيفل غربه و يدخل الروع الي قلبه و يخذل عليه اعصابه، فبطش بنا تلك البطشة الساحقة.

ان عليا في احوج ما يكون - و قد تهيأ لحرب خصمه - الي مثل جبار مرعد يعيد به الي الاذهان مثل رهبة معركة الجمل، و يدخل في روع خصومه مثل آثارها فيمتلئون ذعرا و خوفا، كما اراد ايضا ان يعيد الثقة الي نفوس جيشه، فقد عراها وهن وخور، و ان يعيد الثقة بالجيش و هو يقبل علي مغامرة كبري فاصلة.

و علي لم يضربنا ضربته تلك في النهروان الا بعد ان بذل اقصي الجهد للعودة اليه او الفيئة الي مشاركته في نزال خصمه، و لقد ارخي لنا من عنانه حتي اخذنا سهل بن حنيف، و انتم تعرفون سابقته و لا تجهلون مكانه، فوجد اذ ذاك السبيل لتجربته، و هو و ايم الله قد أعذر.

و لست اقول هذا تثبيطا عنه، بل احتياطا لدمائنا؛ و علي «لم يزل عندنا الشبهة و الشك»... و ها اني معتزل.

فوثب الخريت يخفق برأسه و يبرق بعينيه و يرعد بصوته و يلوح بكلتا يديه: أدعوة الي النفاق و الكفر؟! انتفخ سحرك و جبنت و هدرت دماء الاطهار. ألا فميتة السوء لكم ان كنتم لا تنفرون! و ها اني نافر ثائر!

فاشتعلت حماسة الشباب خصوصا، و اندفعوا في تيار اصواتهم كالجنون يرددون: الا فميتة السوء لنا ان كنا لا ننفر و ننتقم!... و انكشف الجمع عن اعتزال فروة الاشجعي بشهرزور، و نفار الخريت الناجي بالاهواز ثم بالاسياف.

و لكن الشباب تنادوا الي بعضهم و والوا الاجتماع و ترتيب الخطط و برامج السير بالمؤامرة الانتقامية، فهم لا يستطيعون العمل جهرا، فليعملوا سرا، و ليعمدوا الي الغيلة.


و كان اكثر هؤلاء الشبان تحمسا، عبدالرحمن بن ملجم الذي اندفع بحفيظة الحب، و عمل كي يرضي قلبا بات معمودا... انه سيجازف كيفما شاءت المجازفة، و كيفما كانت خطورتها.

أليس فيها ما يرضي محبوبته المفجوعة بأبيها و أخيها؟ أليست ستشيعه برعشات قلبها و خفوقه؟

أما ستحتفظ له بذكري نابضة تشيع بين اهتزازاتها ابتسامة حب باكية و مني هوي كسيف؟

في احساس ابن ملجم ان هذا كاف بل كثير، لا سيما و قد جعلت قتل علي مهر قلبها و حبها و جسدها؛ فليعترض اذا كل خطر، و لتقم في طريقه أية العقبات فهو لابد مقتحمها. انه لم يعد يفكر و لا يري سوي عروس احلامه تباركه و تنظر اليه بتشجيع و تخوف.

أليست الآن تودعه و هي بين عاطفتين متصارعتين تهتز تحت عنيف صراعهما، ها هي تتكه ينطلق، مسرورة تحت فورة الثأر و الموجدة، ثم لا يكاد يخطو، حتي يطغي حبه في حنايا روحها فتنبعث و لهي وراءه، تشده اليها و تعتنقه اعتناقا عنيفا.

انها بين عاطفتين قاسيتين بموقعهما علي قلبها، فهي تخاف عليه ان يفعل و تخاف منه ان لا يفعل. انها في حيرة يقظي ليس تغفي، و نفسها سكري تعربد. ظلت حينا بين سخاء به فتشرق علي وجهها ابتسامة راعدة، و بين بخل به فتتوله و تذوب ابتسامتها في موجة من الاسي الساهم. بيد أنها لم تطق فأعيت بين عواطفها المتناوحة، فاستندت اليه و جفونها غافية تحت أطباق من الدموع، غير انها رمقته أخيرا و قالت له في كثير من الخفوت:

«التمس غرته، فان أصبت شفيت نفسك و نفسي و يهنئك العيش معي، و ان قتلت فما عندالله خير من الدنيا و زينتها و زينة أهلها»... لقد صح عزمها في النهاية علي الانتقام.


و انطلق ابن ملجم الي حيث كان جماعته ينتظرون عند الحطيم في مكة، و كان لا يسمع كيفما سار الا اصواتا رهيبة النأمات، فيتلفت يمينا و شمالا فلا يري شيئا و لكنه يقف كالمذعور يشده اليه موضعه آنا، و ينطلق آنأ كالهائم المسرور تتقاذفه طريقه مثل كرة، لقد غدا تحت ما تجيش به نفسه و يعتلج بين حناياه منها كالممرور، لم يكن من شي ء بين يديه و لا من خلفه و انما كانت تنعكس أصداء نفسه في أذنيه، و يسمع ضجتها في الخلاء حزينة او مغتبطة.

انتهي الي اصحابه و أترابه «فتذاكروا أمر الناس، و عابوا علي ولاتهم، و ذكروا أهل النهر فترحموا عليهم، و قالوا ما نصنع بالبقاء بعدهم. اخواننا الذين كانوا دعاة الناس لعبادة ربهم و الذين كانوا لا يخافون في الله لومة لائم، فلو شرينا أنفسنا فأتينا الرؤوس فالتمسنا قتلهم فأرحنا منهم البلاد و ثأرنا بهم اخواننا.

قال ابن ملجم - و تعرض له طيف قطام يبتسم له و يباركه - أنا أكفيكم علي بن ابي طالب.

و قال البرك بن عبدالله: انا أكفيكم معاوية بن أبي سفيان.

و قال عمرو بن بكر: أنا أكفيكم عمرو بن العاص.. فتعاهدوا و تواثقوا بالله لا ينكص رجل منا عن صاحبه الذي توجه حتي يقتله او يموت دونه».

بعد ما غاب ابن ملجم عن عيني قطام، شعرت بغبطة لم تلبث ان مازجتها حسرة كانت تنساب الي قلبها علي شكل موجات متدفقة، و لم تلبث ان فارت و اصطخبت. فخفت الي الطريق الذي سلك تود لو أدركته، و لكنها توقفت و لم تسقط له علي اثر و لو في القتام. فظلت ترنو جاحظة و شفتها بين اسنانها، و ظلت تمسك و جيب قلبها بيد و تكفكف من غرب دمعها بيد، و طال بها المقام و لفها الليل كأنه يجلببها بثوب الحداد.

سمعت بعد حين، ان عبدالرحمن هبط الكوفة فهالها ما سوف يقدم عليه، فضمت اليه من قومها رجلا اسمه و ردان، تمنت في أقصي عواطفها لو أنه سقط طعم الفريسة و نجا صيادها الحبيب المفدي.


ما لبث ابن ملجم ان لقي أصحابه في الكوفة و كاتمهم أمره، ثم سار الي «شبيب بن بجرة فقال له: هل لك في شرف الدنيا و الآخرة؟

قال: و ما ذاك؟.

قال: قتل علي بن ابي طالب.

قال: ثكتك أمك. لقد جئت شيئا ادا، كيف تقدر عليه؟

قال: أكمن له في المسجد فاذا خرج لصلاة الغداة شددنا عليه فقتلناه، فان نجونا شفينا أنفسنا و أدركنا ثأرنا، و ان قتلنا فما عندالله خير من الدنيا و ما فيها.

قال: ويحك! لو كان غير علي لكان اهون علي، قد عرفت بلاءه في الاسلام و سابقته مع النبي (ص) و ما أجدني أنشرح لقتله.

قال: أما تعلم انه قتل اهل النهر العباد الصالحين؟

قال: بلي.. فأجابه، و أتي الثلاثة الي قطام و هي معتكفة في المسجد الاعظم، فدعت لهم بالحرير فعصبتهم به و أخذوا أسيافهم و جلسوا مقابل السدة التي يخرج منها علي... قال محمد بن الحنفية: اني لأصلي تلك الليلة في المسجد الاعظم في رجال كثير من أهل المصر، ما هم الا قيام و ركوع و سجود ما يسأمون من اول الليل الي آخره، اذ خرج علي لصلاة الغداة فجعل ينادي: أيها الناس، الصلاة، الصلاة. فنظرت الي بريق و سمعت: الحكم لله يا علي لا لك و لا لأصحابك! فرأيت سيفا ثم رأيت ثانيا ثم سمعت عليا يقول: لا يفوتنكم الرجل! و شد الناس عليه من كل جانب، فأخذ و أدخل علي علي فقال:

النفس بالنفس ان أنا مت، و ان بقيت رأيت فيه رأيي.. ثم التفت الي ذويه فقال: يا بني عبدالمطلب. لا ألفينكم تخوضون دماء المسلمين تقولون: قتل أميرالمؤمنين. قتل أميرالمؤمنين. ألا لا يقتلن الا قاتلي، انظر يا حسن، ان انا مت من ضربته فاضربه ضربة بضربة و لا تمثل بالرجل، فاني سمعت رسول الله (ص) يقول: اياكم و المثلة و لو أنها بالكلب العقور... و لما أحس دنوه جمع اليه الحسن و الحسين فقال:


اوصيكما بتقوي الله و الا تبغيا الدنيا و ان بغتكما و لا تبكيا علي شي ء زوي عنكما، و قولا الحق و ارحما اليتيم و أغيثا الملهوف و اصنعا للآخرة و كونا للظالم خصما و للمظلوم ناصرا، و اعملا بما في الكتاب و لا تأخذكما في الله لومة لائم.. ثم نظر الي محمد بن الحنفية فقال: هل حفظت ما أوصيت به أخويك؟ قال: نعم. قال: فاني أوصيك بتوقير أخويك، العظيم حقهما عليك، فاتبع أمرهما و لا تقطع أمرا دونهما. ثم قال: أوصيكما به فانه شقيقكما و ابن أبيكما، و قد علمتما أن أبا كما كان يحبه... ثم لم ينطق الا بقول: لا اله الا الله. حتي قبض»...



فليتها اذ فدت عمرا بخارجة

فدت عليا بمن شاءت من البشر!



خاض علي الكفاح الاسلامي و لم يدرك مدرك الرجال، و قضي في ساحة هذا الكفاح و هو أسمي الرجال...

و كأنه بكفاحه أتم علي الاسلام كفاحه؛ فالنبي كافح الشرك، و علي كافح النفاق...

و النبي ظفر بالمعركة الاسمة، و علي ظفر بمعركة التطهير الحاسمة أيضا...



في كل عين أنت قرتها

في كل جيل أنت علياه!



شاء الحق أن يقدم في دنيا الناس نموذجه فكان عليا...

و شاءت الانسانية العليا أن تعترض متألقة في أفق الأحياء فكانت عليا...

و شاءت السماء أن لا تسلمه الي أطباق الثري المظلم، فاختارته مل ء عين الحق شهيدا!...


استعبر الحسن و توله الحسين ملتاعا فقد دقت ساعة مات فيها البطل...

و أعوزه الدمع و لكن عليا لا يشيع بالدموع...

فان تكريم البطل لا يكون الا بتضحية في بطولة و بطولة في التضحية...

فبكاه و لكن لم يبكه بالدموع بل بالدماء الخالدات!...

تنظم علي رأس الحسين الكليل أسي، و لكنه اكليل غار يعبر عن خالد المجد.. فقد ضم جده و أمه و أباه في احتباك و ضي ء...

و كان شعاره أني سار و كيف سعي...

و ظل الاكليل كأن فيه محلا لزهرة حمراء أيضا...

فلم يلبث أن كان بنفسه تلك الزهرة الحمراء...

و ظل الكليل الغار العظيم ذكري رائعة في ضمير الوجود!...

استغرق الحسين في أسي مذيب و جري علي لسانه من مرثية أبي الأسود الدؤلي:



اذا استقبلت وجه أبي حسين

رأيت البدر راع الناظرينا



لقد علمت قريش حيث كانت

بانك خيرها حسبا و دينا...



ثم تمتم: لماذا؟ لماذا يقول «أبي حسين»؟...

لا شك أن اباالأسود يناديني، يناديني أنا...

و خليق بي أن أجيب النداء!...