بازگشت

نظام المال


نجد، في السيرة النبوية، أن أسس هذا النظام المالي الكبير وضعت في زمن النبي (ص). فقد رتب أهم موارد الدولة الاسلامية، و أقامها علي توازن دقيق بين رأس المال و قوته علي الانتاج، و لذلك خالف بين الأنصبة التي تجب فيها الزكاة بحسب


أنواع المال، و فرضها في معادلة مقدرة، بين استفادة الفرد من المجموع بأنتاجه [1] ، و بين استفادة المجموع من الفرد باستهلاكه؛ و بذلك حقق الصلة بين الفرد و الجماعة علي أساس عادل بحيث لم يسمح لنمو الفردية الا بمقدار، كما لم يسمح لنمو الاشتراكية الا بمقدار، فكان نظامه (ص) برزخا بين مد القوتين، و علاجا لمشكلة [2] الانسانية الدائمة. و كان خضوع الأفراد لنظام المال، في أول الأمر، خضوعا فرديا؛ فكل مسلم يخرج الزكاة بنفسه، فلم يكن للحكومة القائمة جباة مخصصون، و لم تكن تشرف بنفسها علي درجة تطبيق النظام. و لكن في أواخر عهد النبي (ص) جعل نظام للصدقات، و وكل الي طائفة من العمال «الموظفين» أمر مقاضاتها. و لما فتحت بلاد اليهود و النصاري و وضعت عليها الجزية اتسع نطاق عملهم.

و مقادير الزكاة «أي ضريبة الاموال» مقدرة مفروضة علي من بلغ عنده النصاب، و يختلف باختلاف الأصناف، و هذا تشريع بقدر موزون قائم علي أدق نظريات المال و قوة انتاجه؛ و هذه القوة هي مدار التفاوت. و أما الجزية فقد ترك النبي (ص) تقديرها لولي الامر، لانها تخضع لأحوال دائبة التغير، كحالة الارض و حالة المال و حالة الزرع و حالة الجو. فكان النبي (ص) يرسل أحد أصحابه الي خيبر ليقسم ثمرها بينه و بين الملاك.


هدا هو العمل في جزية الاراضي، و كذلك كان الحال في جزية الرؤوس، فالمدن الكبري كاليمن مثلا حيث يوجد السكان الذين يشتغلون بالصناعة، فأحيانا تكون دينارا، و أحيانا أقل أو أكثر.

و عندما فتح العرب الشام و العراق وجدوا نوعا آخر اسمه الخراج، فخصصوا الجزية بضريبة الرؤوس، و الخراج بضريبة الاراضي، و عليه فليس الخراج ضريبة جديدة و انما تدخل في حد التشكيلات فقط. و النظام الذي اتبع فيها لا يخرج عن النظام القديم في دولة الرومان و دولة الفرس، فالعرب وجدوا، في الاقاليم المفتوحة، نظام [3] الضرائب و جبايتها، فرأوا الابقاء عليه مع تغيير مال به الفاتح الي التخفيف و ملاءمة روح الشريعة التي يعمل علي نشرها، و هذان اللفظان [4] كانا معروفين قبيل الاسلام.

و الجزية من الموارد المالة الهامة، و زاد في أهميتها أن الشريعة لم تقيدها بنصوص خاصة؛ فهي تقدر كيفما اقتضت حالة الدولة، كما لم تكن مقيدة أيضا في وجوه انفاقها، و لولي الامر حرية التصرف بها في جميع مرافق الدولة.

و الخراج مالوا به، في التصنيف الجديد، الي تخصيصه بضريبة الارض؛ و الاراضي التي يشملها نظام الخراج هي التي تحت يد أهل الذمة فقط، و كانت علي أنواع: ارض عنوة و هي التي تفتح قسرا، و أرض صلح و هي التي تؤخذ عن طريق المفاوضة و الاتفاق. و الأولي تصبح ملكا للفاتحين، و الثانية تظل متمسكة بحريتها واستقلالها، و ملكيتها تبقي في ايدي أصحابها. و من النوع الاول أكثر أراضي الشام و العراق،


فأصبحت ملكا العرب الفاتحين أي غنائم؛ و حكم الغنائم أنها تقسم الي خمسة أقسام: أربعة للجيش، و الخمس الباقي لبيت المال.

و الخراج علي أشكال ثلاثة:

«1»خراج المساحة: أي علي كل مساحة معينة مقدار من المال.

«2»خراج المقاسمة: و هو الذي عرف في زمن الرسول (ص)؛ و يقسم المحصول بين الدولة و بين صاحب الارض.

«3»خراج المقاطعة: و هو أن يفرض علي صاحب الارض مقدار من المحصول يؤديه باستمرار.

و كان السائد في مصر خراج المساحة، و في الشام خراج المقاطعة، و في العراق خراج المساحة، فكل جهة كان لها نظام خاص يلائمها.

و هنا عرضت مشكلة قانونية، و هي كيف نقسم هذه الامبراطورية الجديدة بين الجنود؛ و هذا الامر يؤدي الي فوضي و ارهاق من الناحية الاقتصادية. علي أن أهل البلاد الاصليين يوطنون أنفسهم علي الثورات دائما. فاستشار عمر الصحابة في حل المشكلة علي صورة تضمن حقوق الجميع. فمنهم من أشار باتباع النص، و كان الجند من أنصار هذا الرأي، و لم يرض عمر به، لأن تنفيذه يجر الي مشاكل كبيرة؛ منها حرمان الدولة من الموارد الهامة التي بواسطتها تستطيع حماية نفسها من غارات العدو و ترعي مصالحها، و منها القضاء علي الروح العسكرية في العرب؛ فمال عمر الي رأي آخر، و هو أن تبقي في أيدي أصحابها و يؤخذ منهم الخراج و يوزع علي المستحقين؛ و بذلك أجري الاراضي المفتوحة عنوة مجري الاراضي المفتوحة صلحا.

هذا الرأي يكون موفقا لو كان عند العرب في ذلك الحين خدمة عسكرية دائمة، و لكن أما و الجندية عندهم مؤقتة بالمقدار الذي يقتضيه الظرف، ثم يعود العسكريون الي مدنيين، فمن المنتظر أن يتألب هؤلاء حينما يرون أنفسهم اكثرية فقيرة ثم يتورون، و هذا ما حدث بالفعل. و من ثم يظهر سر التشريع النبوي


الذي كان يرمي الي تمليك هؤلاء الجنود المؤقتين، لكي يعودوا الي اصلاح أنفسهم في حياة مدنية ذات غضارة، و يكون منهم طبقة مالية منتجة يعنون بالارض و الثروة. و الامر الذي لا ريب فيه ان عمر (ض) كان يرمي الي تأسيس نظام الجندية الدائم، و هذا التشريع المالي عنوان علي ما يجول في نفسه.

و عرضت مشكلة اخري و هي تقدير العطاء، و كان العمل في زمن النبي (ص) و أبي بكر جاريا علي التسوية العامة، الا أن عمر رأي - و خالفه علي [5] - أن لا يجعل من قالت رسول الله كمن قاتل معه، فجعل الامتياز بحسب السابقة، فالذي قاتل يوم بدر يفضل من قاتل في فتوح العراق و الشام. و من هنا حدث التفاوت الملموس في الأعطيات، و تشكل في طبقات و مراتب. فطائفة تأخذ عطاء كبيرا، و أخري عطاء متوسطا، و الاكثرية يأخذون عطاء ضئيلا. و كانت الطبقات علي هذه الشاكلة:

«1»زوجات النبي (ص) و أقرب الناس اليه في حياته، و لهم بضعة الآلاف من الدنانير سنويا.

«2»كبار المهاجرين.

«3»كبار الانصار.

«4»من اشترك في الغزوات حسب أهميتها.

«5»كل من جاء من البادية و اشترك في الحرب.

هذا التنظيم المالي أوجد تمايزا كبيرا، و أقام المجتمع العربي علي قاعدة الطبقات، بعد أن كانوا سواء في نظر القانون (الشريعة»؛ فقد أوجد ارستقراطية و شعبا و عامة، و بما أن التجنيد شمل العرب كافة، فقد اشتركوا بالعطاء اشتراكية فذة. و لما ركدت الفتوح و استقر الجند في الامصار، فكروا في أنفسهم و فيما صاروا اليه من


عطاء قليل، و قالوا: لو قسمت الارض علينا لكان أرفق بنا؛ فانتشرت هذه الفكرة انتشارا مريعا، و ذكت حفيظتهم حين قارنوا أنفسهم بما وصل اليه الافراد من قريش، فاستقر في روعهم أن قريشا استأثرت بالمال، و كان هذا مهيئا للثورة و مقدمة الي الفتنة.

و من هذا نستنتج أن الثورة التي دارت علي عثمان (ض) لم تكن نتيجة سياسته الخاصة وحدها، بل و نتيجة مجاوزات سياسية سابقة ظهر أثرها الكامن حين استعد الظرف و حان حينه؛ و قد فكر عمر، لما كثرت الاموال بكثرة الفتوح، أن يدون الدواوين؛ فكان يحصر أسماء الجنود في ديوان، و أمام كل جندي عطاؤه. و رتبت الاسماء علي حسب الانساب، و اعتمد، في ترتيب القبائل و تنظيمها في الديوان، جانب البعد [6] و القرب من قريش.

و كانت الاموال تنفق علي صورة أن يبدأ كل قطر بسد حاجته، و يرسل الباقي الي المدينة؛ و أول شي ء يفعله الخليفة هو أن يعطي كل جندي عطاءه، و في آخر كل سنة يوزع ما يبقي في الخزينة علي المستحقين. و اذا علمنا أن كل عربي خرج غازيا، الا من لم يستطع احتمال الجهاد لهرم أو لمرض، نعلم انه بعدما ركدت الفتوح انقلب العرب و هم أفقر الناس، لأن الميزانية لا تتحمل علي الدوام مدهم بما يكفيهم، و ليست لهم ثروة عقارية يعتمدون عليها في سد حاجاتهم، لأنه حيل بينهم و بينها بمقتضي النظام الذي جري عليه عمر (ض) في قسمة الارض.



پاورقي

[1] نعني بهذا ان الفرد يستفيد من المجموع بما ينتجه و المجموع مستهلک، فللمجموع حق في ثروة الافراد الذين استغلوه في جمعها بزيادات تکون في اغلب الاحيان فاحشة بالنسبة الي رأس المال و المجهود، فللجمهور اذن حق اکيد. و علي هذا النظر بني تشريع الزکاة کما يتضح. و هذه ملاحظة وقعت في خيال ابي العلاء فصورها بصورة نثرية جميلة قال: ان الخلائق دعوا الي مائدة الله فسبق اليها اقوام، و ليس من حقهم ان يمنعوا الآخرين، و انما عليهم اذا لم يتمکنوا من الوصول ان يناولوهم مما ثبت علي المائدة و ان يساعدوهم علي الوصول اليها.

[2] و بحق نقول انها مشکلة الانسانية التي لا تفتأ عابثة بالقوي البشرية و دافعة لها في مضايق تبعثها بعثا عنيفا الي النزاع و التخاصم. و لوضوح هذه الظاهرة ذهب المارکسيون الي النظرية المادية في تعليل حرکات التاريخ. و اذا وفق المصلحون ان تقرير التکافؤ بين الشعب الواحد فلم يوفقوا الي تحقيقه بين الشعوب المختلفة و الدول الآخذة بأسباب التقدم الحيوي. فالمجال الحيوي الواسع هو هدف کل شعب و کل دولة. و في الاسلام تحقيق مکين راسخ لهذا التکافؤ البشري العام.

[3] و علي هذا بني من قال من المستشرقين بتأثير الفقه الروماني في الفقه الاسلامي من حيث التفصيلات، لان الاسلام ورث الشعب و النظام الاجرائي، فتأثر به من الناحية العملية الي حد کبير. و بما ان هذه التفصيلات و الاجراءات اقرها الخلفاء و فقهاء الصحابة کسنة من سنن الادارة، اعتمدها المجتهدون في عهد التقنين العظيم و فرعوا عليها، و هذا يجعلنا نذهب الي ان تأثر الفقه الاسلامي في المادة الحقوقية کان طفيفا للغاية و محدودا للغاية؛ و انما التأثر العظيم اتصل بطرائق العمل و الادارة. و الذين يزعمون غير ذلک تنقصهم الشواهد الضرورية.

[4] يقال انهما من اللغة النبطية (جزيت) و (خرجة).

[5] راجع کتاب الاحکام السلطانية للماوردي ص 177.

[6] يظن بعض المستشرقين الذين ذهبوا الي الشک في الانساب عند العرب، ان ترتيب الديوان علي الشکل الذي تم عليه في زمن عمر هو الاساس الذي بنيت عليه مشجرات الانساب المحکمة. و نحن نستند الي هذا الترتيب ايضا في تصحيحها و نفي الشک عنها، لانها لو لم تکن اصح ما يکون و احکم ما يکون لما جنح اليها عمر في التنظيم المالي الذي يبني عادة علي ادق الاشياء و اصحها. و النظاميون في عهد عمر (ض) لما لم يجدوا ادق من الانساب، ليجعلوه قاعدة للتنظيم، اعتمدوها قاعدة للسير النظامي، فاذا لم تکن تلک الانساب مقررة معروفة فکيف يحقق البعد و القرب من قريش. و نحن من تنظيم عمر علي الانساب، بين امرين: اما ان نشک فيها و هذا الفرض لا يتم الا بتقدير ان عمر اخترع ايضا مشجرات الانساب ثم اقام الديوان عليها، و اما ان نعتمدها اعتمادا لامرية فيه و لا شک.