بازگشت

القالب العددي في التاريخ


فنحن نستطيع ان ندعي اذا بأن المسير في جوهره لم يتغير، و انما تغيرت ملابساته و اشكاله، و ينبغي ان نحدد مقدار هذه النسبة علي سنة عددية، لان التطور يحتفظ بنسبته علي الدوام، كما أن المقايسة الرياضية أدق سبيلا.

و هذا الفرض العددي يظهر أكثر صدقا في ظاهرة التاريخ الطبيعية منه في ظاهرة التاريخ الصناعية؛ و نعني بالظاهرة الطبيعية للتاريخ، حالات النشوء و التكامل في الاستعدادات و القابليات و الامزجة و ما يتبعها. و بالظاهرة الصناعية للتاريخ، درجات التقدم في العمران و النظم و الاوضاع المدنية. و انما كان الفرض العددي المذكور اكثر صدقا في الاولي من يحث انها عمل طبيعي، و الطبيعية تميل الي النظام و الاحتفاظ بالنسبة دائما، بينما الثانية عمل انساني محض و لذا اسميناها صناعية، و هي عرضة للتقدم لا سريع و الانتكاس. و اما الاولي فلا يعتورها هذا الضرب من الانتكاس و الردة الي الوراء.


و ستري بعد اننا فرقنا بين التطور ذي الظاهرة الطبيعية و الارتقاء ذي الظاهرة الصناعية، و حكمنا بان الانحراف يصيب الارتقاء فقط. و عليه فان للتاريخ مظهرين: احدهما طبيعي و الآخر صناعي، و هما خاضعان لنسبة رياضية ثابتة غير ان خضوع الاول اكثر ظهورا، فان المزاج [1] العقلي و خلق الامة، و هما من النوع الاول، كلاهما يحتاجان الي زمن طويل، بينما شكلية الاجتماع شكلية الاوضاع، و هما من النوع الثاني يتمان بطريق ارادي صرف اي صناعي. و لذلك يعرض لا صناف النوع الثاني الارتقاء و الاسفاف، في حين ان صفات الامة النفسية سائرة في طريق تقدمها علي نسبة ثابتة.

فالميزان التاريخي الذي نرغب ان نقيس به اجيال التاريخ لتكون نتائجنا الدراسية اكثر دقة و اقل اختلاطا و اختلافا، انما يتم لنا تقديمه و العمل به بعد التحقق من صلاحية الموازين الاخلاقية و الاجتماعية و النفسية و قيمتها، لان التاريخ يشملها جميعا و يعتمد عليها. و نري لانفسنا الحق بان نزعم هذا الاشتراك الجوهري في المسيرات من حيث التطور العضوي و الغريزي [2] بطأ يشبه السكون. و اذا توافر لدينا هذا الميزان التاريخي، تأتي لنا فهم مدي تطور هذه الدوافع للاجيال المستقبلة أيضا، كما تأتي لنا فهمها في جانب الماضي.

و انا اعتقد بان هذا الشرح لا يوضح الفكرة التي اشتهي تقريرها علي وجه تام، و لكن لا يسعني الآن الا هذا المقدار منه، لئلا تخرج بنا المناسبة الي غير طريق الموضوع. و لكن لا يفوتني ان اتكلم عن النظرية الكلاسيكية (التاريخ يعيد نفسه) هذه النظرية التي توسل بها الاولون الي فهم حوادث المستقبل علي ضوء الماضي، و لكن علمنا الجديد المستند الي الانثر و بولوجي و العلوم التي تحالفه،


اظهرنا علي ان الانسانية تتبع في بقائها ناموسا تطوريا، و ان الانسان في اجتماعه يتبع عين الناموس الذي يتبعه في طبيعته. و هذا اطاح بالنظرية السابقة الي مهوي بعيد، حيث تعود الي مكانها في خيال الانسان.

ان نظرية ان نظرية التطور في التاريخ تجعله دائما في تغير و تزايل علي اساس نسبي ثابت، و بذلك لا ينتظر ان يعيد التاريخ نفسه مرة اخري. و أما التشاكل الذي نفرضه فانما هو من حيث تحليل حركات التاريخ في الحاضر و سابقاتها الي بسائط كل منهما؛ و هو الذي نفيده من الميزان التاريخي الذي نرمي اليه. و حيث كانت هذه الحركات لا تعود مرة اخري باشكالها بل متحولة علي جانب كبير، فمن الخطأ اعتماد مثل قاعدة التاريخ المذكورة.

و مما ينبغي التنبيه عليه قبل مزايلة الموضوع، أن من طبيعة الحي الحركة و لن تترك الحركة الكائن حيث هو، فلابد ان يسير و لابد أن يتقدم، فالكائن في كل جيل ينتظم خطواته الي الامام. و لا ينكر مع ذلك ان خطواته قد تجي ء في بعض الاحيان تصيرة للغاية تشبه الوقوف، لاسباب كالخمول العقلي و الضغط الحكومي، و هذا يظهر جيدا في العلوم و الآداب ازمان الجمود. فان حركة التقدم الطبيعي حين لم تظهر في جوهرها ظهرت في حواشيها، كالفلسفة عند اليونان حينما وقفت في صميمها ظهرت آثار الحركة في الشرح و التفسير؛ و ان الابتكار عند العرب في الادب حينما وقف، ظهرت آثار الحركة ايضا في الصناعة اللفظية و لا زخرفة المجازية.


پاورقي

[1] راجع کتاب سر تطور الامم ص 16 الي 39. و يحسن مراجعة فصول هذا الکتاب الاولي لأنه يوضح شيئا کثيرا من مقاصد هذا التصدير.

[2] ذکر بعض علماء النفس ان رغبة الافتراس في الانسان لا تزال متأصلة فيه غير انها تهذبت بنسبة کبيرة فان ما يصنع الانسان المتمدن من نحر الحيوان و انضاجه صورة مهذبة عما يصنع الانسان الوحشي من قتل الحيوان و التهامة نيئا.