بازگشت

الانقلاب الأموي أو الثورة علي حكومة الخلفاء


و يبدو للمتأمل أن توتر الخواطر، و شيوع الاستنكار في أواخر عهد عثمان (ض) ثم الثورة التي صرعت الخليفة أو الملك، مازالت تدور في التفافات ذات موار و ميد، حتي أتت علي خليفة آخر و طغت علي المدائن و الامصار، و لم تستقر استقرارا حقيقا الا بقيام عبدالملك بن مروان علي يد الحجاج رجل الحديد و الدم. كان حادثا انقلابيا كبيرا، أفاد العرب حين أشعرهم بوجود الامة من وراء القبيلة، و كان يشبه أكبر شبه الثورة الفرنسية الكبري، لا من حيث المقدمات و النتائج، بل من حيث الضبط و النظام و المصارع و تولد النزعات و تألب الثورة علي نفسها أحيانا، حتي بدت كالحية المحرورة تعض نفسها و تعض كل شي ء. و ضعف الرجالات القائمين وسط هذه الزعازع عن ضبط العاصفة و تسييرها علي المقتضي اللازم.

و من ثم يتضح خطأ كل الذين و سموا سلطة علي (ع) بالسلطة الضعيفة، فان من طبيعة الثورات أن لا تستقاد الا في آخر مرحلة، و قلما يوفق القائم وسطها مهما كانت الامة مهذبة و منزلتها في سلم الارتقاء عالية. و بالأخص اذا كانت الثورة تتعاكس عنده تياراتها، فلقد يسلم من غولها القائم في الجوانب أو علي الضفاف، و أما سلامة القائم وسطها في حالة الاعصار، فمما لم يصح في التاريخ أبدا و لا يصح في التقدير أيضا، و من هنا يظهر خطأ المقارنة بين علي (ع) و معاوية الذي لم يكن يستجوب [1] في شي ء و علي يستجوب في كل شي ء، و فشل الاول المحقق لطبيعة الظروف، و نجاح الثاني المحقق لطبيعة الظروف أيضا.

و لقد قلت فيما سبق أن الثورة لا تقاد الا في المرحلة الاخيرة، فلم يكن عجيبا أن تسلس قيادها في يد معاوية. و ربما كان انبعاث الخوارج الذي كان علي غير


انتظار و مفاجئا يشبه من كل وجوه انبعاث الحزب الجمهوري الذي نادي بسقوط الملك و كان غير منتظر؛ فقد قال الدكتور «سنيوبوس» في كتاب [2] «تاريخ التمدن الحديث» في الكلام عن دستور سنة 1793.

«ان الدستور عام 1791 أبقي علي الملك و الوزراء؛ و مع انه صيرهم ضعفاء فقد حاولوا أن يعترضوا علي مجلس التشريع بأنه أراد النهوض بكل السلطة. و بحث شؤون الكهنة و المهاجرين وعدهم أعداء، و سن القوانين ضدهم، فأبي الملك التصديق عليها و رفضها، و قام خلال ذلك حزب جمهوري قليل الانصار الا أن له الكلمة النفاذة في أهل ضاحية باريس فهاج يومئذ و استولي علي التويلري و أكره المجلس علي المناداة بخلع الملك و استدعي مجلسا جديدا و هو الكونفانسيون في 10 اغسطس 1792 الخ». و ليس عندنا ريب في أن هذه الثورة الانقلابية الكبري في محيط العرب كانت من عمل الامويين و لقد استطاعوا أن يثيروها و استطاعوا أن يوجهوها لصالحهم و فائدتهم، و أعتقد بأن كل قاري ء لا يخالفني في أنها لم تقم علي مبادي ء نبيلة كالثورة الفرنسية تبررها مهما جاءت قاسية؛ بل كانت علي عكس ذلك، اذ فصمت اطراد الروح القرآني و ذبذبت تسلسل الدين و وضعت حدا لحكومة القرآن و لا أكتم هنا موافقتي للاستاذ الأمركي (مير) في ملاحظة قيمة و هي (أن القرآن لم يكن قانون الدولة الا في حكومة الخلفاء) و هذه حقيقة لا ريب فيها، فان الحكومات الأخري كانت تتستر بالقرآن و لكن من ورائه أهواء الملك و ارادته، فالقرآن هو القانون الصوري أو الشكلي، و الارادة الملكية هي المادة و الموضوع أو هي كل شي ء.

و قد يستبعد كثيرون نسبة هذه الثورة الانقلابية الي العصبة الاموية و انها كانت مقصودة منهم، و لكن عندنا من النصوص و القواطع ما لا يحتمل معارضة أو مناصبة، و اني أنصح لكل الذين يشتغلون بتأريخ هذا الظرف أو هذه الفترة أن يقدموا بين يدي درسهم كتاب (النزاع و التخاصم فيما بين بني أمية و بني هاشم)


لتقي الدين المقريزي، فقد كشف غوامض لا يتسق البحث علي أكمل وجوهه أو أدني وجوهه الا بتحقيقها، و المقريزي بعد ذلك المؤرخ الناقد الذي لا تفوته فائتة و لا يدخل عليه، أو هو الناقد التاريخي الفذ في كل ما عرفل الأدب العربي من مؤرخين بعد استاذه ابن خلدون. و نحن ننقل عنه الآن طرفا مما نستجلي معه صفحة التاريخ التي بين ايدينا و التي تهمنا بنوع خاص قال - لله در من قال -:



عبد شمس قد أضرمت لبني ها

شم حربا يشيب منها الوليد



فابن حرب للمصطفي و ابن هند

لعلي و للحسين يزيد



و قد كان من الأمويين عمال في زمن أبي بكر و عمر و لم يول أحد من بني هاشم. فهذا و شبهه هو الذي حدد أنياب بني أمية و فتح أبوابهم و أترع كأسهم و فتل امراسهم، حتي لقد وقف أبوسفيان بن حرب علي قبر حمزة (ض) فقال (رحمك الله أباعمارة قاتلتنا علي أمر صار الينا).

هل بعد قول ابي سفيان علي قبر حمزة (ض) ما يترك شبهة في أن هناك حزبا أمويا يعهمل و يستفرص الفرص بدون رادع و لا وازع، و قد لاقي أنصارا و أثر في سياسة الدولة تأثيرا كبيرا قبلا أن تنتقل اليه مقدراتها. و نقدر أن الحزب قد أحكم الخطة للانقلاب و لكن لم يجد الفرصة الا في أواخر عهد عمر (ض) من حيث ان المسلمين متجهون للتوسع و الفتح، و عمر هو العقبة الوحيدة في سبيل تحقيق الانقلاب الذي يعمل له الامويون فاغتالوه. و لابعاد الشبهة استخدموا فارسيا ليسارع الظن الي.نه بمحض الانتقام؛ و هذا الاختيار من احكام الخطة.

و غاية هذا الحزب الرئيسية جمع مقدرات الحكم في أيدي الأمويين و الاستيلاء علي السلطة العليا بأية أسباب كانت، منذ وفاد النبي (ص). و كما سبق كان لهم تأثير كبير في سياسية الدولة من طريق غير مباشرة في الأكثر، و أحيانا من طرق مباشرة. و يكفي أن نعلم، كما يحدثنا المقريزي، انه لم يول أحد من بني هاشم في زمن ابي بكر و عمر رضي الله عنهما. و لكن بما انهم كانوا مكروهين من الطبقات الدينية كافة لم يستطيعوا أن يأخذوا الا خطة العنل تدريجيا. و بما أن


المسلمين أسلسوا قيادهم لغير الهاشميين و تعودوا الخضوع لغير آل البيت النبوي، تقوي أمل الاموين؛ و كان هذا اكبر موطي ء للانقلاب الذي يسعون الي احداثه. و في نظري أن كل بلبلات و بليات المحيط الاسلامي في عهد الخلفاء يمكن تعليلها بالأصبع الأموية.

و هذه نتائج انتهي من قبلنا اليها المستشرق [3] الالماني (ماربين) في كتابه (السياسة الاسلامية) قال:

يلزمنا الالتفات قليلا الي تاريخ العرب قبل الاسلام لنفهم الدور الذي لعبه الامويون فانا نري قرابة قريبة بين بني هاشم و بني أمية و كان بينهم نفور شديد و حصلت بينهم مجالدات كبيرة و كان بين الطرفين ثارات، بلغت نهايتها بظهور الاسلام و لكن تم للنبي (ص) الفوز الحاسم بفتح مكة، فدخل الامويون في في طاعته، و كانوا علي استعداد للايقاع ببني هاشم حقدا عليهم، فلما توفي النبي (ص) اتسع لهم المجال لذلك فسعوا:

أولا أن لا يكون الخليفة [4] علي أصول ولاية العهد و لم تدع شدة مخالفة بني أمية أن تكون أكثرية الآراء في الخلافة بجانب بني هاشم، فكان هذا أول فوز ظفر به بنوأمية. و بسبب الخلافة تمكنوا من الحصول علي مقام منيع، فشقوا الطريق لمستقبلهم و عملوا علي توطيد مكانهم عند الخلفاء [5] حتي أصبحوا ركنا من أركان السلطنة الاسلامية، و كان هذا فوزا آخر تم بوصول عثمان الي العرش الذي به أصبحوا متفوقين تفوقا مطلقا، فاضطهدوا خصومهم القدامي باسم الدين مما حرك بني هاشم للصل باعتبارهم الهدف الثابت و انتهي الأمر بالانقلاب و الثورة،


و سجدوا لأنفسهم الفوز النهائي بصلح الحسن. فكان معاوية من جهة يسعي لتقوية ملكه و من جهة أخري يسعي لخضد شوكة بني هاشم و لم يفتر دقيقة واحدة عن محوهم. و مع أن الحسين (ع) كان تحت نفوذ أخيه الحسن (ع) لم يطع بني امية و أظهر مخالفته لهم، و كان يقول علنا لابد أن أقتل في سبيل الحق و لا أستسلم للباطل. و كان بنوامية في اضطراب منه. و بقي هذا الاضطراب الي أن مضي الحسن و معاوية، و جلس يزيد في مقام أبيه علي أصول ولاية العهد و أبطلت المراسم الخاضعة لأكثرية الآراء، و بما أن الحسين (ع) لا يطأ أرضا الا تولد فيها النفور لبني امية و هو مقدمة الثورة، أحرجه يزيد واقتنصه و لكن بعد أن ترك تربة حمراء و وشيجة دامية، و كانت هذه أكبر الغلطات السياسية الأموية التي محوا بها اسمهم و رسمهم من صفحة العالم الخ...


پاورقي

[1] و من ناحية اخري لم تکن لمعاوية صفة الخصم بالذات بل کان له صفة المتظلم الذي يطلب النصفة من الخليفة، و بذلک يکون عمل للخصومة بدون ان يثير من حوله شبهة من الانتقاد. و بدون تعليق فان من الظاهر ان الموقف حرج جدا، و من هذا يظهر خطأ المقارنة بين الرجلين.

[2] راجع صحيفة 86 و ما بعدها.

[3] راجع ترجمتها الفارسية في مجلة الحبل المتين السنة الثامنة عدد 28 من سنة 1911.

[4] رأينا کيف يحدثنا المسعودي عن الانصار بأنهم ما سکتوا عن حقهم في الخلافة الا لانهم انشقوا علي انفسهم و خشي الاوس اذا هم عاضدوا سعدا ان يفوز بها الخزرج و يعودوا الي احنهم فنقلوها الي يد اخري راجع المسعودي ج 2 ص 196.

[5] يفسر هذا ما ذکره المقريزي من ان عمالا عديدين کانوا من بني‏امية في عهد الخلفاء و لم يول احد من بني‏هاشم. و منع بني‏هاشم يحمل علي التساؤل الشديد؟.