بازگشت

الفاتحة


بسم الله الرحمن الرحيم

أنت نجم الهدي لمعت في الديجور، فقبسا من ضياك و تركت في الأفلاك مشكاة النور، فشعلة من سناك و نثرت في الافاق نوار الزهور، ملا بسا [1] من شذاك و خلفت في السماء روحا و علي الأرض الحبور، فلمحة من بهاك

عرضت في الحياة كما يعترض نجم في الآفاق، فيابهجة مرآك و مررت كسهم النور في ائتلاق و محاق، فيالهف سفاك [2] و تناهيت كنغمة السحر العباق...، فما أشجي صداك فأنت في الأرض و العلاء برعمة الطهر اللهاق، تباركت ذكراك


الحسين عليه السلام، ليس غريبا أن يكون حيث نتحدث عنه، فان في انسانيته السامية، تلتقي شعلة النبوة المقدسة بالفطرة المثالية الفذة، و تزدحم المعاني و الصور، و رموز العالم المجهول. فهو روح [3] الهي في طبيعة بشرية، و معني غيبي في حروف من أشباح الوجود. و كذلك تعطي يد الله الصناع بعض المعالم الحية سرا من أسرارها يكون لها به ما للأحجار الكريمة من خلب و بهجة و رواء. و تمسحه بميسم نورها، فتبدو درة وضية في حدود المادة الطامسة المظلمة.

و هذا بعض من اعجاز الله في الخلق أو جانب من دلائل القدرة الغيبية في الناس. و هذه المعالم الحية تشتق من طينة الانسان و طبيعة الانسان، لتبلع بهم العظة و تتم فيهم حجة الله.

و هؤلاء يكونون من النوع الانساني كمعني الانسانية، فيهم حقيقته و فيهم معناه السامي، و هذا هو السر في اكبار الجماعة لأولئك الرموز البشريين لأن فيهم ما توزع في الجماعة علي مثل عدسة البلور تجمع خيوط النور و تضمها في بؤرة لتعكس شكلا متجانسا من أشكال متفاوتة.

فهذه الحبكة و الالفة التي تبدو مصورة في شخص العظيم، هي التي تجمع عليه الاعجاب، و تقدم فيه النفوذ و السيطرة و القوة.

و سر الشخصية و ان لم يتضح في ظاهرة أو ظاهرات محدودة، و لم يتحدد كما لو وضعت عليه اليد. فلم يزل يغزو القلوب؛ و يفتحم الي النفس من مناطقها الخفية، و يسيطر علي الفضاء النفسي سيطرة الاسبات و الاخبات.

و كبرياء الشخصية ترجع الي ما تبالغ به من وجودها بحيث تبدو وحدها فقط، و يتلاشي معها الوجود الشخصي للأفراد.

و حياة الحسين (ع) عظة من التاريخ، و لكن تجمع التاريخ كله؛ فليس معناها في حدود ما وقعت من الزمان و المكان، بل حدودها حيث لا تتسع لها حدود.

و هي بعد ذلك حديث الشخصية الكاملة من أقطارها، ففيها القدوة الصالحة و فيها المثل الأسمي للانسان الكامل، و الصراط السوي للمسلم القرآني. و ربما امتازت سيرة هذه الشخصية بشي ء آخر عن الشخصيات التاريخية، بأنها تقع في مضاعفات كبيرة تجمع شي الصور. بحيث تعطي في كل صورة شخصية فذة و انسانية رفيعة.

و اذا وفق العلم بعض التوفيق الي تحليل الشخصية البسيطة التي تجي ء في وضع واحد و لون واحد. فانه لم يوفق حتي الآن لتحليل هذا النوع من الشخصية المتضاعفة أو المركبة التي تستند علي أوضاع، و تقوم في عدة صور سرية، لكل منها شكل أخاذ و نفوذ عميق الأثر بعيد الغور. و اذا لم يكن لنا أن نقف عند هذه الظاهرة، وقفة العالم الذي يجمع أسبابه في الحقيقة و يتناصر بالأسلوب التجربي. فلا أقل من أن نقف عندها وقفة الشاعر أو الأديب الذي يضع الشي ء علي أشكاله الواضحة، و يقومه علي حدوده القريبة، ليخطط رسومه و ألوانه...



پاورقي

[1] الملاب: المائع من العطر.

[2] السفي: سرعة المغيب.

[3] المعني في هذه الفقرة جاء به القرآن في قوله تعالي: «الله نور السموات و الارض» أي کل شي‏ء قائم بنور الله وحي به، و انما يتفاوت الناس بمقدار ظهور شعاع الله فيهم.