بازگشت

تتميم نفعه عميم


يعجبني ذكر كلام من مدعي العلم و الفضل بالتاريخ، و هو الشيخ محمد خضري بك المصري المفتش بوزاره المعارف و مدرس التاريخ الاسلامي بجامعه مصر، و نحن نذكر كلامه بنصه ثم نذكر ما فيه من المواخذه، قال في الجزء الثاني من كتاب (محاضرات في تاريخ الامم الاسلاميه):

لما حضر معاويه الموت قال لابنه يزيد: اني لست اخاف ان ينازعك في هذا الامر الا اربعه من قريش الحسين و عبدالله بن عمر و عبدالله بن الزبير و عبدالرحمن بن ابي بكر، فاما ابن عمر فانه رجل قد وقذته العباده [1] فاذا لم يبق احد غيره بايعك، و اما الحسين فهو رجل خفيف و لن يتركه اهل العراق حتي يخرجوه فان خرج و ظفرت به فاصفح عنه فان له رحما ماسه و حقا عظيما و قرابه من رسول الله.

ثم قال: و بذل الشكل المحزن انتهت هذه الحادثه التي اثارها عدم الاناه و التبصر بالعواقب، فان الحسين رمي بقول مشيريه عرض الحائط و ظن باهل العراق خيرا و هم اصحاب ابيه و قد كان ابوه خيرا منه و اكثر عند الناس و جاهه و كانت له بيعه في الاعناق، و مع كل ذلك لم ينفعوه حتي تمني في آخر حياته الخلاص منهم. اما الحسين فلم تكن له بيعه و لم يكن في العراق عماله و امراوه، فاغتر ببعض كتب كتبها دعاه الفتن و محبو الشر، فحمل اهله و اولاده و سار الي


قوم ليس لهم عهد. و انظروا كيف (...) الذي صار به، هل كان الا من اهل العراق و هم الذين يرفعون عقيرتهم بانهم شيعه علي. و علي الجمله فالحسين اخطا خطا عظيما في خروجه الذي جر علي الامه و بال الفرقه و الاختلاف و زعزع عماد الفتها الي يومنا هذا.و قد اكثر الناس من الكتابه في هذه الحادثه لا يريدون بذلك الا ان تشتعل النيران في القلوب فتشتد تباعدها.

غايه ما في الامر ان الرجل طلب امرا لم يتهيا له، و لم يعد له عدته فحيل بينه و بين ما يشتهيه، و قتل دونه، و قبل ذلك قتل ابوه فلم يجد من اقلام الكاتبين الا من يتسع امر قتله و يزيد به نار العداوه تاجيجا، و قد ذهب الجميع الي ربهم يحاسبهم علي ما فعلوا.

و التاريخ ياخذ من ذلك عبره، و هي انه لا ينبغي لمن يريد عظام الامور ان يسير اليها بغير عدتها الطبيعيه، و لا يرفع سيفه الا اذا كان معه من القوه ما يكفل له النجاح او يقرب من ذلك، كما انه لا بد ان تكون له اسباب حقيقه لمصلحه الامه، بان يكون هناك جور ظاهر لا يتحمل و عسف شديد ينوء الناس بحمله. و اما الحسين فانه خالف علي يزيد و قد بايعه الناس و لم يظهر منه ذلك الجور و لا العسف عند اظهار هذا الخلاف. انتهي.

و قال ايضا: ان يزيد كان كثيرا يطلب الصيد، و انما عابه من عابه من هذه الجهه لانه ليس من عاده العرب فيعيبونه.

و قال في موضع آخر: ان المقتولين من اصحاب الحسين اثنان و سبعون، و المقتول من اصحاب عمر بن سعد ثمانيه و ثمانون.

(اقول): كما ان حب الشي ء يعمي و يصم كذلك بغض الشي ء يعمي و يصم، فان هذا الرجل قد اعمل حب بني اميه احدي عينيه و بغض آل الرسول عينه


الاخري، و هما قد اعميا قلبه. فان هذا الكلام و امثاله لا يصدر ممن له علم بالتاريخ، بل لا يصدر من مسلم نظر فيما صنفه علماء الاسلام من كتب الاحاديث و التواريخ كالصحاح السته و تاريخ الجزري و الطبري و الاخبار الطوال و اخبار الدول و غير ذلك مما الفوه غير كتب الشيعه و تواريخهم، بل لا يصدر ذلك ممن راي ما كتبه اليهود و النصاري و البوذيين، فانهم اثنوا في كتبهم علي الحسين عليه السلام غايه الثناء، بل قالوا: انه يجب علي الحسين بمقتضي مذهبه مخالفه يزيد و المسير الي الكوفه، بل عدوا ذلك من الامور الطبيعيه، فهذا المعترض اما جاهل او متجاهل عامد او متعمد.

و من عجيب امره انه قال: لا عيب ليزيد في خلافته الا انه كثيرا ما يطلب الصيد و هذا ليس من عادات العرب فتعيبوه. يا ليت ان المعترض نظر في كتب اصحابه و اهل نحلته و طريقته و قد صرحوا و ملاوا الطوامير بان يزيد كان يشرب الخمر جهارا و يلعب بالكلاب و يقتل النفس المحرمه و امثال ذلك، حتي انهم اختلفوا- علي ما في الصواعق المحرقه و غيره [2] - في كفره، و الاكثرون علي كفره، و القائلون باسلامه قاطعون بفسقه، و انه هل يجوز لعنه ام لا، و الاكثرون علي جوازه، بل لا قائل بعدم جواز لعنه الا الغزالي، و قد اكثر القول في ذلك ابن حجر في صواعقه و غيره في غيره، و صرحوا ايضا ان من كان حاله هذا لا يجوز ان يكون امير المسلمين و واليا عليهم، و انما عرفوا منه ذلك قبل ان يكون واليا بل في زمان ابيه معاويه.

فقوله «لم يظهر منه ذلك الجور و العسف عند اظهار هذا الخلاف» غلط واضح و مخالف لما ذهب اليه علماء الاسلام، و انما بايعه من بايعه اما خوفا علي نفسه او طمعا في رئاسته كما نطق في التاريخ.


و حينئذ فنقول للمتعرض: ان قوله «ان هذا و امثاله لا ينافي ولايه المسلمين و الاماره عليهم» خلاف اجماع المسلمين، فانهم قاطبه ذهبوا الي ان ولي الامر يجب ان يكون محافظا علي ظواهر الشرع مراعيا للشوون الدينيه غير متجاهر بما ينافي الدين، اذ المتجاهر بما ينافيه خارج عن ربقه الاسلام، و من خرج عنها كيف يمكن ان تكون امارته شرعيه موافقه للدين، و كيف يكون واليا للمسلمين. و ما ذكرناه لا يخفي علي كل من راجع التواريخ و السير و سير بطون كتب العامه و الخاصه.

و حاصل اعتراض المعترض ينحل الي امرين: احدهما اباوه عليه السلام و امتناعه عن بيعه يزيد و انه لم يبايعه و قد بايعه الناس، الثاني مسيره الي الكوفه مع قله انصاره و علمه بنفاق اهلها و معاملتهم مع ابيه و اخيه.

(الجواب عن الاول) نقضا و حلا:

اما النقض فبجده و امه و ابيه و اخيه:

اما جده صلي الله عليه و آله قام بامره وحيدا فريدا و لم يتبع سبيل المفسدين، و خالفهم و لم يبايعهم و لم يتباعهم، و تحمل الذي من مخالفيه و صبر علي ذلك حتي بلغ امره ما بلغ علي غير مجري الطبيعه، فانه بمقتضي الطبيعه لا يجوز له خلافهم و معارضتم و دعوتهم الي التوحيد و نبذ الاصنام التي الفوا عبادتها منذ عرفوا انفسهم، و مع ذلك قد نال مرامه في تبليغه و حصل مقصوده علي غير مجري الطبيعه بل بتاييد من الله تعالي و نصر اياه. و هذا امر بديهي غايه البداهه يعرفه كل مسلم قرا شيئا من سيره النبي صلي الله عليه و آله.

و اما امه سلام الله عليها، فانه قد ثبت في محله ان البيعه كما تجب علي الرجال تجب علي النساء ايضا، و حديث بيعه النساء للنبي صلي الله عليه و آله و الخليفه


الاول مشهور مسطور في كتب الفريقين. و اما فاطمه فلم تبايع لاحد حتي توفيت، و لذا قد استشكل عليهم بالحديث المروي عن طرق العامه و الخاصه «من مات و لم يعرف امام زمانه مات ميته الجاهليه» و انها ماتت و لم تبايع فلم تكن تعترف بامامه القائم بالامر في عصرها.

و اما ابوه عليه السلام فقد صح و تحقق انه ايضا لم يبايع سته اشهر حتي توفيت فاطمه «ع»، فعندها بايع كرها مخافه ان يرتد الناس عن دينهم.

و اما اخوه عليه السلام فانه ما بايع معاويه و لم يصدق انه اولي منه لولايه المسلمين، فانه بعد الجائه و اضطراره صالح معاويه بتصديه لامور المسلمين مع شروط لم يف بها معاويه، و من تلك الشروط- علي ما في كتب الفريقين- ان يسلم امر السمين بعده الي الحسن و لا يعين احدا لهذا الامر، و قد خالف معاويه هذا الشرط و اخذ البيعه لابنه يزيد كرها و جبرا، حتي جاء في التواريخ ان معاويه نفسه بايع ابنه يزيد و مات و لم يكن خليفه للمسلمين. و ما فعله مخالف للقواعد الاسلاميه بل مخالف للعقل و النقل. و لا يهمنا التفصيل في الموضوع اكثر مما ذكرنا في هذه الرساله.

و اما الحل: فبان خلافه يزيد و ولايته علي المسلمين ليست علي اصول الولايه و الخلافه حتي يجوز او يلزم بيعته، و بيان ذلك: ان الخلافه و الولايه علي المسلمين اما من الله و رسوله و النص منه و كون الولي منصوبا من الله و خليفه منه تعالي كما قال تعالي (انا جعلناك خليفه) [3] ، و عليه كل من بايع الحسين عليه السلام و تابعه الي اليوم فيكون وليا من الله تعالي علي خلق الله. و اما من الخلق، بان يجتمع الناس كلهم او جلهم او اغلبهم علي ان شخصا معينا يكون خليفه عليهم


و وليا لهم، كما عليه اهل السنه و الجماعه، فيكون وليا من المسلمين عليهم.

و في كلا القسمين من الخلافه يعتبر شروط خاصه بنظر الجاعل: فعلي الاول فالشروط من الله تعالي بان يكون معصوما و اعلم من غيره و غيرهما من الشروط، و علي الثاني فيشترط فيه ان يسير بسيره النبي صلي الله عليه و آله و سيره الشيخين و امثال ذلك.

و قد مر عند ذكرنا للبيعه: ان بيعه الناس لابي بكر كان علي ان يسير بسيره النبي و لعمر علي ان يسير بسيره ابي بكر، و هكذا... و اما خلافه يزيد فلم تكن من الله و رسوله و لا باجماع المسلمين، بل كان بامر من ابيه معاويه بعد ان بدل الخلافه بالسلطنه و بايعه نفسه علي ذلك كما تابعه الناس بامره علي السلطنه لا علي الولايه. مضافا الي انه لم يكن بسيره الشيخين علي ما هو المعهود و المشاهد منه قبل سلطنته و بعدها من ارتكاب انواع المحرمات و الفواحش و شرب الخمور جهارا و امثال ذلك.

فتحقق من ذلك كله انه لا يرد علي الحسين عليه السلام انه لم لم يبايع يزيد و قد بايعه الناس، بل الاشكال يرد علي الكاتب بانه كيف يري وجوب البيعه ليزيد و لم تثبت شرعيه خلافته و امرته؟

(و الجواب عن الثاني) و هو مسيره عليه السلام الي الكوفه مع قله الانصار و هو يعلم نفاق اهلها و ما فعلوه بابيه و اخيه عليهماالسلام:

ان قلنا ان الحسين عليه السلام رجل الهي معصوم من الخطا و الزلل- كما عليه كل من بايعه و تابعه و اعتقد انه اما مفترض الطاعه لا يسال عما يفعل و هم مسوولون- فواضح لا يحتاج الي دليل و برهان. و ان قلنا انه رجل عاقل فوق العاده ذكي يدرك دقائق الامور بادني تامل و يري بواطن الاشياء و يلتفت الي مالا


يلتفته اكثر الناس، فنسبه الخطا الي مثل هذا الرجل خطا عظيم.

و اما ان قلنا بانه رجل عادي فنقول: كان يجب علي مثله ان يسير الي الكوفه، لانه بعد ما علم انه لو بايع يزيد يتق، و لو لم يخرج من مكه يتقل، و لو سار الي الكوفه يقتل ايضا، الا ان في مسيره يحتمل تاخير قتله او عدمه، لكان الواجب عليه المسير اليها لاحتمال دفع الضرر او تاخيره، كما هو مقتضي الطبيعه و العاده في نوع البشر.

اما انه لو بايع لقتل، فقد راي اخاه الحسن عليه السلام انه سلم الامر الي معاويه و صالح معه و اعتزل الخلافه و صبر علي الاذي و تحمل ما ينوء عنه غيره، و مع ذلك كله قتلوه بالسم علي ما نص عليه تواريخهم و اثبت في كتبهم، و ان الذي دس اليه السم و قتله هو معاويه كما صرح به جلهم، او يزيد علي ما نسب اليه بعضهم، و مع هذا كيف يجوز له بيعته مع علمه بانه يقتله.

و اما انه لو بقي في مكه لكان يقتل ايضا، فقد ذكر في كثير من التوايخ انه ورد مكه في يوم الترويه او قبله عمرو بن سعيد الاشدق و الي مكه في جيش عظيم، و كان مامورا يقبض الحسين و قتله و كان متعلقا باستار الكعبه.

و اما ان في مسيره الي الكوفه كان يحتمل عاده دفع الضرر او تاخيره، فلما صرح المعترض و نطقت به التواريخ و الكتب من الفريقين بان اهل الكوفه كتبوا اليه و طلبوا منه و الحوا علي المسير اليهم، حتي اجتمع عنده «ع» اثنا عشر الف كتاب من اشرافها، و بعثوا اليه و فودا الي مكه و كلموه و وعدوه بالنصر، و مع ذلك بعث اليهم من وثق به ليطلع علي حالهم و ان كتبهم توافق ما في قلوبهم او لا، فكتب اليه رسوله و من وثق به انه بايعه ثمانيه عشر الف او ستون الفا، و ان قلوبهم توافق السنتهم. فاطمان بحسب العاده الطبيعيه ان له في الكوفه عده وقوه


تتكفل نجاحه عاده.

فقول المعترض «اغتر ببعض كتب كتبها دعاه الفتن و محبو الشر» غلط واضح صدر جهلا او تجاهلا، فان مثل حبيب بن مظاهر و مسلم بن عوسجه و عابس بن شبيب لا يمكن ان يقال انهم من دعاه الشر، و سنذكر ان اكثر من قتل معه في الطف هم من الذين كاتبوه و بايعوا مع مسلم بن عقيل، كما مر ان نحوا من خمسمائه شخص من اشراف الكوفه كانوا بمكه و الحوا علي الحسن بالمسير اليهم.

و قول المعترض «رمي بقول مشيريه عرض الحائط و ظن باهل العراق خيرا» ايضا غلط واضح، و قد مر ان المشرين له بالبيعه او عدم المسير الي الكوفه هم عمر بن علي و عبدالله بن الزبير و عبدالله بن عمر و ابن عباس و جابر بن عبدالله و محمد بن الحنفيه و ام سلمه، فاجابهم عليه السلام بما الزموا به و سكتوا، و اين هولاء و خمسمائه نفر من اشراف الكوفه و اثنا عشر الف كتاب، و هو عاقل ياخذ بقول هولاء العدد من المشيرين و يترك ذلك العدد من الاشراف و الكتب؟

و لو كان عليه السلام اخذ بقول هولاء المشرين و ترك قول المسلمين و كتبهم و بقي في مكه و قتل، لقال هذا المعترض: ان الحسين قد اخطا في قبول قول نفر معلوم حالهم و ترك قول خمسمائه و اثني عشر الف كتابا. فاي امر طبيعي او عادي يحمل الانسان علي جريه مجراه اعظم و اقوي مما حصل للحسين عليه السلام في مسيره الي الكوفه، و اي عاقل لو حصل له في انجاح مقصوده من الامور الطبيعيه و العاديه ما يحصل مثل ذلك او اقل منه ترك مقصوده، بل يذمه العقلاء و يلزمه ترك مقصوده و الوقوف باحتمال الخلاف و المخالفه.

و بالجمله فامر الحسين عليه السلام و مسيره الي الكوفه كان من الامور الطبيعيه العاديه، لا يلومه العقلاء و لا يذمونه بعد الاطلاع علي كيفيه مسيره.


و المعترض كيف يعترض علي الحسين بمسيره الي الكوفه و يقول: اخطا خطا عظيما، و لم يعترض علي معاويه و لم ينسبه الي الخطا في معارضته لعلي عليه السلام، مع تصديق المعترض و كل مسلم مسلمه ان عليا كان امام الحسين و خليفتهم و وليهم و خاصمه معاويه و قاتله في صفين. و غايه ما يقول فيه كما قاله العسقلاني و غيره: ان معاويه مجتهد قد اخطا في اجتهاده، و ان للمخطي ء اجر واحد و للمصيب- و هو علي- اجران، كما صرح بذلك في كتابه الصواعق المحرقه. و هذا جار في الحسين عليه السلام ايضا، اذ باجتهاده سار الي الكوفه، و لو اخطا- بزعم المعترض- كان له اجر واحد.

و اعجب من ذلك ان المعترض لا يقول بان معاويه كيف جعل ابنه يزيد خليفه علي المسلمين و هو ابنه و يعلم من حاله انه فاسق متجاهر بالفسق. و لا يمكن ان يقال ان هذا ايضا خطا في اجتهاده مع علمه بحال ابنه، و ما دعاه الي ما فعل الا الحب لولده و البغض لال الرسول.

و اعجب من هذا كله قول المعترض «ان في مسيره الي الكوفه جري علي الامه و بال الفرقه و الاختلاف في تزعزع الالفه الي يومنا هذا»!

يا ليت المعترض نظر الي ما كتبه المسيحيون في تاريخ الاسلام بل المسلمون في تواريخهم: ان اول فتنه جرت علي الاسلام و زعزعت اركانه و اوقع الاختلاف بين المسلمين و جري و باله علي الامه الي يومنا هذا خلافه معاويه و معارضته لعلي عليه السلام و مقاتلته معه. و لو اغمضنا عن ذلك و نظرنا بعين الانصاف نعرف بادني تامل ان الفتنه التي جرت الويلات علي الاسلام و المسلمين الي يوم الناس هذا جائت من خلافه يزيد و تصديه لامور المسلمين، فانه في السنوات الثلاث من خلافته اعلن الكفر و النفاق بقوله «لا خبر جاء و لا وحي


نزل»، و فعل باهل المدينه ما فعل، حتي ان دعاهم الي انهم عبيده و اماوه، و فعل بمكه ما فعل مما هو معروف مشهور. و مع هذا لا يقول المعترض بان و بال خلافه يزيد عي الامه جاريه ساريه الي هذا اليوم.

و من سخافات هذا المعترض ان يقول: و قد اكثر الناس من الكتابه في هذه الحادثه لا يريدون بذلك الا ان تشتعل النيران في القلوب فيشتد تباعدها فلم يجد من اقلام الكاتبين الا من يشبع انه قتله و يزيد به نار العداوه تاججا.

و قد سبقه الي ذلك ابن حجر في صواعقه [4] حيث قال بعد ما نقل عن الغزالي و غيره: انه يحرم علي الواعظ و غيره روايه مقتل الحسن و الحسين و حكايه ما جري بين الصحابه من التشاجر و التخاصم فانه يهيج علي بغض الصحابه و الطعن فيهم، الي ان قال: و ما ذكر من روايه مقتل الحسين و ما بعد فيما ذكرت في هذا الكتاب، لان هذا البيان الحق الذي يجب اعتقاده من جلاله الصحابه و مراتبهم من كل نقص، بخلاف ما يفعله بعض الوعاظ الجهله فانهم ياتون بالاخبار الكاذبه الموضوعه و نحوها و لا يبينون المحامل و الحق الذي يجب اعتقاده، فيوقعون العامه في بغض الصحابه و تنقيصهم- انتهي.

و ليت شعري من اراد بقوله «اكثر الناس» من الكنايه، و هل هم الا اهل نحلته و مذهبه و مسلكه من العلماء و الفقهاء و اهل الفضل و الدرايه و الحديث، و هم الذين اسسوا اساس الدين و المذهب، هل الكتابه الا الصحاح و التواريخ المعتبره من زمن الخلفاء الراشدين الي يومنا هذا، و هل يجرو احد اسناد الكذب و الافتراء عليهم باجمعهم، و هل يمكن الاسناد الي ابن حجر و ابن اسحاق الاسفرايني و الطبري و الجزري و امثالهم ان مقصودهم في ذكر مقتل الحسن و الحسين اشعال النيران في القلوب فيشتد تباعدها او الاتساع في قتله و يزيد به نار العداوه


و البغضاء. حاشا ثم حاشا.

و ما ذكر في كتب الشيعه اكثره ماخوذ من كتب العامه خصوصا في مقتل الحسين عليه السلام و هذا واضح لمن نظر في مولفات الفريقين، حتي قيل ان ما اخفوه اكثر مما ذكروه.

و ما ذكره الغزالي من حرمه روايه مقتل الحسن و الحسين، تفسيق لجل المصنفين و الرواه ممن كان قبله و من كان بعده الي الان، لارتكابهم- علي قوله- المحرم. و ليت شعري ان في ذكر مقتل الحسن و الحسين اي طعن علي الصحابه و اي نقص عليهم، اما قاتل الحسين فليس بصحابي اجماعا و اتفاقا، و اما قاتل الحسن فنسب ابن حجر في الصواعق [5] قتله الي يزيد ايضا. و اما علي قول الاكثر بان معاويه هو الذي سمه فليس هذا الا طعنا بمعاويه خاصه، فيعتذر فيه ما يعتذر في سائر افعاله.

و بالجمله فليس في ذكر مقتل الحسن و الحسين عليهماالسلام طعنا علي الصحابه و اشعال النيران في القلوب و ازدياد نار العداوه باكثر من الطعن علي الصحابه في ذكر مقتل عثمان باتهام شركه بعض الصحابه في دمه ثم الاخذ بثاره ممن اسهم فيه لشركته في قتله و اشعال النار في القلوب و ازدياد العداوه الي يومنا هذا، مع تصريحهم ان الصحابه كلهم عدول و ثقات.

ثم انه يظهر من كلام المعترض ان الحسين عليه السلام انما قام بالامر و نهض نهضته للشهوات النفسانيه و طلب السلطان، و مقصوده ليس الا الدنيا و طلب الرئاسه. و نزاعه مع يزيد دنيوي لا ديني. قال: ان الرجل طلب امرا لم يتهيا له فحيل بينه و بين ما يشتهيه و قتل دونه و قبل ذلك قتل ابوه. بل نسب ذلك الي اميرالمومنين ايضا.


و نحن نعذره في ذلك، اذ لم يعرف المعترض الدين و ما الدين، و الخلافه و الولايه و السلطنه في نظره بمعني واحد، و ان نزاع الحسين و من قبله كله للدنيا و الرئاسه، اذ ليس للدين عنده معني الا الرئاسه و السلطنه، و الا فمن كان له ادني شعور و ميز بين الدين و الدنيا و الولايه في الدين و السلطنه علي المسلمين لا يتفوه بهذه الكلمه.

ثم نقول: ايها المعترض لو فرض ان الدين له معني و الولايه لها معني تغاير السلطنه، و حينئذ فمن نظر الي كتب تواريخ الاسلام من الفريقين- لا بل نظر الي كتب المسيحيين و غيرهم ممن كتبوا في تاريخ الاسلام و ذكروا نهضه الحسين عليه السلام- يقطع بان الحسين رجل ديني و كذا ابوه، و لم يكن قيامه و نهضته الا للدين. فراجع الكتب حتي تعرف هذه الحقيقه.

و لله در العلائلي حيث نقح هذا المبحث تنقيحا و اجاد فيه و جاء بما هو فوق المراد و قال فيما قال انه كان علي الحسين واجبا ان ينهض و يسير الي الكوفه. فراجع كتاب «سمو المعني في سمو الذات» فهو احسن من كتب في هذا الموضوع.

و لنذكر جمله من كلمات الفيلسوف المعروف مسيو بارالبين المسيحي تاييدا لما ذكرنا و الزاما للمعترض و امثاله، فقال في رسالته «السياسه الحسينيه»: اجمع المسلمون متفقين علي حسن عقائدهم بالحسين، حتي ان الطوائف التي كانت تسي ء القول في ابيه و اخيه تثني عليه و تمدحه، و كتبهم مشحونه من الملكات الحسنه و سجاياه السجيه. الا ان قال: اذا اردنا ان نقول في الحسين ما لا سبيل الي انكاره قلنا انه اول شخص سياسي في ذلك العصر، و يمكن ان يقال انه ما اختار احد من ارباب الديانات مثل السياسته الموثره، وكان ابوه علي حكيم الاسلام و مع ذلك لم يظهر منه مثل السياسه الحسينيه.

الي ان قال: و كان الحسين مع انه بايع لاخيه الحسن لا يري طاعه بني اميه و لا


مخالفتهم، كان الحسين يعلن قائلا: اني ساقتل في طريق الحق و لا الحق و لا اعطي بيدي للباطل، و كان بنو اميه يخافونه، و دام الخلاف حتي مضي الحسن و جلس يزيد مكانه علي اصول ولايه العهد، لان اصول اكثريه الآراء تركت بعد علي، غير ان ولي العهد يتعين برضي الاكابر و مبايعه روساء القبائل، راي الحسين ان بني اميه بما تم لهم من السلطنه المطلقه و رئاسه الاسلام الروحانيه شارفوا ان يزعزعوا عقائد المسلمين عن دين جده، ومن جهه اخري علم انهم بما اشتملوا عليه من العداوه القديمه لا يرعوون عن محو بني هاشم اطاعهم ام لم يطعهم، فصمم علي امر يحمل الناس علي خلاف بني اميه، فانه لما جلس يزيد بمكان معاويه اوجب الحسين علي نفسه مخالفته. علي هذا جد يزيد في اخذ البيعه، و كذا الحسين لنجاح مقاصده العليه وطن نفسه علي الموت عالما عامدا، اقدم علي القتل بكيفيه يهيج الاسلام و كل صاحب وجدان اذا اطلع علي اوضاع ذلك الزمان و نفوذ بني اميه و وضع تزعزع الاسلام و استيلاء الامويين علي عموم المسلمين صدق بلا توقف ان الحسين احيي بقتله دين جده و قوانين الاسلام، و لولا هذه الواقعه و ما نشا بسبب قتل الحسين من هياج المسلمين ما كان الاسلام يبقي علي حاله الي الان، و بما ان افعال يزيد كانت في اول الاسلام اوشكت رسومه تنمحي و قوانينه تبدل دفعه واحده.

الي ان قال: و قد كره المسلمون حكومه بني اميه و سيرتهم، و قلوبهم كانت متوجهه الي الحسين، فمن يوم جلوس يزيد علي اريكه الخلافه صمم علي قتل الحسين قبل كل احد. و هذا البر غلط سياسي صدر من الامويين، و بهذا الخطا السياسي محي اسمهم من صفحات التاريخ.

و اكبر دليل علي ان الحسين سار الي مقتله و لم تكن نهضته لاحراز السلطنه


و الرئاسه، هو ان الحسين بما له من العلم فلم ان مقاومه يزيد غير ممكنه، لعدم استعداده لذلك و كثره استعداد يزيد. ثم ان الحسين بعد ابيه كان يخبر بقتله، و ساعه خروجه من المدينه كشف الغطاء و صرح بانه يمضي للقتل، و لاجل اتمام الحجه علي اصحابه اعلمهم بذلك جميعا ليترك صحبته من طمع في نيل الجاه و الجلال.

الي ان قال: و لا يخفي ان الحسين عليه السلام بالمحبه التي كانت له في قلوب المسلمين لو اراد القوه لجمع حوله الجيش العظيم، و لو قتل في هذه الحاله لقيل انه قتل في طلب السلطنه و لم تثبت مظلوميته المبيحه لتلك الثوره العظمي، و لذا لم يترك معه سوي الذين لا يمكن انفاكاكهم عنه كولده و اخوته و اولاد اخوته و بني عمه و عده من خواص تابعيه الذين اذنهم في الانصراف فلم ينصرفوا، هولاء ايضا كانوا عند المسلمين موصوفين بالقدسيه و الجلاله، و قتلهم مع الحسين زاد في عظم تلك الواقعه و شده تاثيرها.

و علم الحسين ان بني اميه لشده عداوتهم له و لاهل بيته سياسرون بعد قتله نساءه و اطفاله، و هذا يزيد في تاثير الواقعه في المسلمين و خصوصا العرب، كما وقع ذلك بان افعالهم الظالمه و معاملاتهم القاسيه مع حزبهم و اطفال نبيهم اثر في قلوب المسلمين تاثيرا لم يكن اقل من قتل الحسين و اصحابه، و لهذا اجاب الحسين اصدقاءه المانعين له سفر العراق قال اني امضي للقتل، و بما ان افكارهم كانت محدوده و لم يطلعوا علي مقاصد الحسين الجليله الحوا عليه بعدم المسير، فكان آخر جواب له ان الله شاء ذلك و جدي امرني به. و لما قالوا هب انك تمضي للقتل فما وجه حملك النساء و الاطفال، اجابهم ان الله شاء ان يراهن سبايا، و لم يمكنهم الرد علي ما قاله.

كل ذلك يدل علي ان الحسين لم يخطر بباله سوي اجراء مقاصده الدينيه، و لم


يحتمل هذه المشاق لنيل السلطنه الدنيويه. و ايضا لم يقدم علي هذه الهلكه العظمي عن غير علم كما توهمه بعض مورخينا.

الي ان قال: و باخر لمحه سياسيه في شان طفله الرضيع حير عقول اولي النهي. الي ان قال: ثم ان الحسين بوفور عقله و سياسته الي حين قتله لم يرتكب امرا يلجي ء بني اميه الي مقاومته، فانه مع ما كان له يومئذ من نفوذ الكلمه و القدره لم يتغلب علي بلد من بلاد الاسلام و لم يحمل علي محل حكومه ليزيد. نعم قبل ان يظهر منه خلاف او يسلك قصد الفتنه حاصروه في فلاه مجدبه، ثم ان الحسين ما قال قط اني سلطان او اريد السلطنه. انتهي ما اردنا ذكره من مقاله هذا المسيحي.

و لا باس ان نختم المقال بذكر ما ورد في المقام عن الائمهم الهداه عليهم السلام في عله سفر الحسين عليه السلام الي العراق:

1-قال الشيخ ابوالقاسم جعفر بن محمد بن قولويه [6] : حدثني ابي رحمه الله، و علي بن الحسين، جميعا عن سعد بن عبدالله، عن محمد بن ابي الصهبان، عن عبدالرحمن بن ابي نجران، عن عاصم بن حميد، عن فضيل الرسان، عن ابي سعيد عقيصي قال: سمعت الحسين بن علي عليه السلام و خلا به عبدالله بن الزبير و ناجاه طويلا. قال: ثم اقبل الحسين بوجهه اليهم و قال: ان هذا يقول لي كن حماما من حمام الحرم، و لئن اقتل بيني و بين الحرم باع احب الي من ان اقتل و بيني و بينه شبر، و لئن اقتل بالطف احب الي من ان اقتل بالحرم.

(بيان):

عقيصي بفتح العين و القاف قبل الياء المنقطه و الصاد لقب دينار التيمي من بني


تيم الله من ثعلبه، تابعي مشهور و يكني بابي سعيد. و قد يقرا «عقيصان» بالنون، و الاول هو الاصح، ذكر الشيخ في اصحاب علي و الحسين عليهماالسلام [7] .

قوله «هذا يقول لي» يعني ابن الزبير يمعني عن المسير و يشير علي الاقامه بمكه و يقول لي كن حماما، و في هذا التعبير اشاره الي ان الرجل لا بد و ان يكون متحركا في امر الله تعالي ترويج دينه و الامر بالمعروف و النهي عن المنكر و ارشاد الجاهل و تنبيه الغافل، و ان يكون سائرا في البلاد لا صلاح امر العباد و قضاء حوائجهم و انقاذهم من الهلكات و نجاتهم عن الشدائد، و يعلمهم ما يصلح معادهم و معاشهم، و يعينهم علي امر آخرتهم و دنياهم و يظهر لهم علمه، لا ان يكون كالحمام همته الماء و الرزق و الراحه و غايه مقصده العباده لينقذ نفسه و يصلح شخصه كحمام الحرم و من يجلس في بيته تاركا للدنيا و يتخذ الرهبانيه المذمومه وسيله لنجاه نفسه. و قد ورد في باب قضاء الحوائج و المسير الي الامر بالمعروف و النهي عن المنكر: ان لكل خطوه ثواب عباده سنه او ازيد، بل لكل خطوه ثواب مائه عابد، و لهذا قال عليه السلام: و لان اقتل في مسيري في ترويج الدين و بيني و بين الحرم باع احب الي من ان اقتل و بيني و بينه شبر.

قوله «بالطف». الطف هو البحر و ساحل البحر و جانب البر، و منه الطف الذي قتل فيه الحسين عليه السلام، سمي به لانه طرف البر مما يلي الفرات- قاله في مجمع البحرين، و لا يخفي لطفه.

2- و قال الشيخ في كامل الزيارات بعد نقل الروايه المتقدمه [8] : و عنهما عن سعد، عن محمد بن الحسين، عن صفوان بن يحيي، عن داود بن فرقد عن ابي


عبدالله عليه السلام قال: قال عبدالله بن الزبير للحسين عليه السلام: لو جئت الي مكه فكنت بالحرم. فقال الحسين: لا نستحلها و لا تستحل بنا، و لئن اقتل علي تل اعفر احب الي من ان اقتل بها.

(بيان):

يظهر من الروايه ان ملاقاه عبدالله بن الزبير له عليه السلام كان بعد خروجه من مكه.

قوله «و لا تستحل بنا» اشاره الي ان استحلال مكه بغيرهم عليهم السلام، و هم عبدالله بن الزبير.

قوله «تل اعفر» في المجمع: التل من التراب معروف و هو الرابيه، و الجمع تلال مثل سهم و سهام. و الاعفر الرمل الاحمر، و كثيب اعفر ذو لونين الحمره و البياض و تل اعفر بموضع من بلاد ديار ربيعه. و فيه ايضا اشاره الي ان موضع قبره عند الرمل الاحمر، و هو كذلك.

3- و قال الشيخ في الكامل [9] : حدثني ابي رحمه الله، و محمد بن الحسين، عن سعد بن عبدالله، عن احمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن ابيه، عن ابي الجارود، عن ابي جعفر عليه السلام قال: ان الحسين خرج من مكه قبل الترويه بيوم، فشيعه عبدالله بن الزبير فقال: يا اباعبدالله لقد حضر الحج و تدعه و تاتي العراق؟ فقال يابن الزبير لئن ادفن بشاطي ء الفرات احب الي من ان ادفن بفناء الكعبه.

(بيان):

قوله «خرج من مكه قبل الترويه بيوم» الظاهر انه خرج من البلد و نزل


خارجه علي ما هو المرسوم، فلا ينافي ما دل و اتفقوا عليه انه عليه السلام خرج من مكه يوم الترويه.

قوله «لان ادفن» صريح في تعيينه عليه السلام موضع قبره و ان شاطي ء الفرات افضل من فناء الكعبه. و سياتي في ذلك زياده بيان انشاءالله تعالي.


پاورقي

[1] اي ترکته العباده عليلا لا يقدر علي شي‏ء.

[2] الصواعق المحرقه ص 131.

[3] سوره ص: 26.

[4] الصواعق ص 133 س 32.

[5] الصواعق ص 84 س 1.

[6] کامل الزيارات ص 72. و قريب منه في تاريخ الطبري 385:5.

[7] رجال الطوسي ص 40 و 76. و انظر ايضا اعيان الشيعه 428:6.

[8] کامل الزيارات ص 72.

[9] کامل الزيارات ص 73.