بازگشت

خروج مسلم بن عقيل من مكة


و خرج مسلم بن عقيل في منتصف شهر رمضان و دخل الكوفه في الخامس من شهر شوال علي ما سنذكره في ترجمته.

و لما بلغ يزيد خروج الحسين عليه السلام من المدنيه و اباءه عن البيعه و وروده الي مكه مع ابن الزبير، و كان عبدالله بن عباس يومئذ في مكه، كتب الي ابن عباس كتابا في امر الحسين و ابن الزبير، فكتب ابن عباس جوابا ذكر هما بطولهما في الناسخ من اراد فليراجع.

و كبت يحيي بن حكم و الي مكه الي يزيد يخبره بامر الحسين عليه السلام و ارساله مسلم بن عقيل الي الكوفه و توجه اهل الامصار- خصوصا اهل البصره و الكوفه- الي الحسين و اجتماعهم لديه و شخوصهم اليه، فثقل ذلك علي يزيد و كان الموسم قريبا.

خرج الناس من كل جانب الي مكه حجاجا و ليروا ما كان من امر الحسين و يزيد الي ما يصير امر الخلافه، فاضطرب يزيد لذلك اضطرابا شديدا، فدعي عمرو بن سعيد بن العاص الاموي المعروف بالاشدق فامره علي كل الحاج و امره ان يناجز الحسين القتال ان ناجزه او يقاتله ان قاتله، فقدم عمرو بن سعيد الي


مكه في جيش كبير و جند كثيف، و فيهم ثلاثون شخصا من اجلاف بني اميه، و امرهم ان ياخذوا السلاح تحت ثيابهم و احرامهم و ان يقتلوا الحسين و لو كان معلقا باستار الكعبه.

قال الطبري [1] و كان عامل يزيد في سنه الستين علي المدينه و مكه بعدما عزل الوليد عمرو بن سعيد فحج بالناس.

و في كتاب عبدالله بن عباس في جواب كتاب يزيد اليه في امر ابن الزبير قال فيما قال: و قد قتلت يا يزيد ابني عمي و اهل رسول الله مصابيح الهدي و نجوم الدجي، عاذر لهم جنودك بامرك صرعي في صعيد واحد قتلي، انسيت انفاذ اعوانك الي حرم الله ليقتل الحسين، فما زلت وراءه تخيفه حتي اشخصته الي العراق عداوه منك لله و رسوله.

ثم ان بعد ما اتته عليه السلام كتب اهل الكوفه و ارسل اليهم مسلم بن عقيل ظن الناس انه عليه السلام يسافر الي الكوفه لا محاله. و في اواخر شهر ذي القعده الحرام اتاه كتاب مسلم بن عقيل قبل شهادته بسبعه و عشرين يوما يخبره فيه ببيعه اثني عشر الفا من اهل الكوفه و يامره بالقدوم- علي ما في الارشاد و الطبري و غيرهما.

و من الغريب ما في مقتل ابي اسحاق الاسفرايني قال: كتب ابن زياد الي الحسين عليه السلام عن لسان مسلم بن عقيل يقول فيه:

«بسم الله الرحمن الرحيم، اما بعد يا بن العم ان العراق طابت و اتت الينا بالسمع و الطاعه، فعجل الينا و لا تتاخر و قلوب الناس معنا و هم مسترين لقدومك فانهض و احضر الينا سريعا».


ثم ان ابن زياد طوي الكتاب و اعطاه لرجل من اهل الكوفه و قال: اعمد الي الحسين و ان لا قتيه في الطريق او مكه فاعطه، فاخذه و سار- الي آخره.

و بعد وصول كتاب مسلم بن عقيل اليه عليه السلام شاع في الناس ان الحسين سيسافر الي العراق و فشا الخبر بخروجه، فاتاه الناس: منهم من يمنعه عن الخروج الي الكوفه، و منهم من يستثيره الي بيعه يزيد، و منهم من يشير عليه بالخروج الي الكوفه كعبدالله بن الزبير.

قال الطبري [2] : قال ابومخنف: و اتاه ابن الزبير فحدثه ساعه، ثم قال: لا ادري ما تركنا هولاء القوم و كفنا عنهم نحن ابناء المهاجرين و ولاه هذا الامر دونهم، خبرني ما تريد ان تصنع؟ فقال الحسين: و الله لقد حدثت نفسي باتيان الكوفه، و لقد كتب شيعتي بها و اشراف اهلها و استخير الله. قال له ابن الزبير: اما لو كان لي بها مثل شيعتك ما عدلت بها. قال: ثم انه خشي ان يتهمه، فقال: اما انك لو اقمت بالحجاز ثم اردت هذا الامر هاهنا ما خولف عيك انشاءالله. و في روايه قال: و لو اقمت بمكانك فدعوتنا و اهل الحجاز الي بيعتك اجبناك و كنا اليك سراعا، و كنت احق بذلك من يزيد و ابي يزيد.

قال ابومخنف: ثم قام (ابن الزبير) فخرج من عنده، فقال الحسين عليه السلام: ان هذا ليس شيئا يوتاه من الدنيا احب اليه من ان اخرج من الحجاز الي العراق، و قد علم انه ليس له من الامر معي شي ء، و ان الناس لم يعدلوه بي، فود اني خرجت منها لتخلو له.


قال ابومخنف [3] : قال ابوجناب يحيي بن ابي حيه، عن عدي بن حرمله الاسدي، عن عبدالله بن سليم و المذري بن المشمعل الاسديين قالا: خرجنا حاجين من الكوفه حتي قدمنا مكه، فدخلنا يوم الترويه، فاذا نحن بالحسين و عبدالله بن الزبير قائمين عند ارتفاع الضحي ما بين الحجر و الباب. قالا: فتقربنا منهما فسمعنا ابن الزبير و هو يقول للحسين: ان شئت ان تقيم اقمت فوليت هذا الامر فآزرناك و ساعدناك و نصحنا لك و بايعناك. فقال له الحسين عليه السلام: ان ابي حدثني ان بها كبشا يستحل حرمتها [4] ، فما احب ان اكون انا ذلك الكبش. فقال له ابن الزبير: فاقم ان شئت و توليني انا الامر فتطاع و لا تعصي. فقال: و ما اريد هذا ايضا. قالا: ثم انهما اخفيا كلامهما دوننا، فما زالا يتجاجيان حتي سمعنا دعاء الناس رائحين الي مني عند الظهر... و قال ابومخنف: عن ابي سعيد عقيصي، عن بعض اصحابه قال: سمعت الحسين عليه السلام و هو بمكه و هو واقف مع عبدالله بن ازبير، فقال له ابن الزبير: الي يا بن فاطمه. فاصغي اليه فساره. قال: ثم التفت الينا الحسين فقال: اتدرون ما يقول ابن الزبير؟ فقلنا: لا ندري جعلنا الله فداك. فقال: قال: اقم في هذا المسجد اجمع لك الناس. ثم قال الحسين عليه السلام: و الله لان اقتل خارجا منها بشبر احب الي من ان اقتل داخلا بشبر، و ايم الله لو كنت في حجر هامه من هذه الهوام لا ستخرجوني حتي يقضوا في حاجتهم، و الله ليعتدن علي كما اعتدت اليهود في السبت.

و اما من امره و اشار عليه «ع» ببيعه يزيد، فمنهم عبدالله بن عمر بن الخطاب.


قال الطبري [5] : زعم الواقدي ان ابن عمر لم يكن بالمدينه حين ورد نعي معاويه و بيعه يزيد علي الوليد، و ان ابن الزبير و الحسين لما دعيا الي البيعه ليزيد ابيا و خرجا من ليلتهما الي مكه، فلقيهما ابن عباس و ابن عمر جائبين من مكه، فسالهما: ما وراء كما؟ قالا: موت معاويه و البيعه ليزيد. فقال لهما ابن عمر: اتقيا الله و لا تفرقا جماعه المسلمين. و اما ابن عمر فقدم فاقام اياما ينتظر حتي جائت البيعه من البلدان، فتقدم الي الوليد بن عتبه فبايعه و بايعه ابن عباس. انتهي.

و الصحيح الذي عليه جل المورخين: ان ابن عباس و عبدالله بن عمر كانا في مكه حين نعي معاويه و دخل الحسين بمكه. ففي روضه الصفا و تاريخ الاعثم و جمله من التواريخ [6] انه لما قدم الحسين الي مكه و نزل بها اتي ابن عباس و عبدالله بن عمر الي الحسين عليه السلام، و قال ابن عباس ما سياتي عن قريب، و قال ابن عمر و معه ابن عباس: يا اباعبدالله انا نريد الخروج الي المدينه و ارجو منك ان توافقنا و ترجع الي المدنيه و تبايع ليزيد و تجلس في بيتك مطمئنا و الزم روضه جدك، و ان لم ترجع و وقفت بمكه لا يخلون عنك و يلزمونك بيعه يزيد و لا بد لك من ذلك.

قال له الحسين عليه السلام: ان كنت في مخالفه يزيد و الامتناع عن بيعته مخطئا فبين خطاي. قال ابن عمر: حاشاك ان تكون مخطئا و انت ابن بنت رسول الله «ص»، و لكن الدهر و حفظ النفس و العشريه يقتضي ذلك، و اري ان في مخالفتك ليزيد ان ياتيك ما لا تتحمل عليه، و الصلاح التوجه معنا الي المدينه و البيعه. فقال عليه السلام: هيهات يابن عمر، ان بني اميه لا يتركوني علي حالي


حتي يقتلوني.

و في اللهوف [7] : ثم جاء عبدالله بن عمر، فاشار اليه بالصلح لاهل الضلال و حذره من القتل و القتال. فقال له: يا اباعبدالرحمن اما علمت ان من هوان الدنيا علي الله ان راس يحيي بن زكريا اهدي الي بغي من بغايا بني اسرائيل اما تعلم ان بني اسرائيل كانوا يقتلون ما بين طلوع الفجر الي طلوع الشمس سبعين نبيا ثم يجلسون في اسواقهم يبيعون و يشترون كان لم يصنعوا شيئا، فلم يعجل الله عليهم، بل امهلهم و اخذهم بعد ذلك اخذ عزيز ذي انتقام، اتق الله يا اباعبدالرحمن و لا تدعن نصرتي.

و في روضه الصفا و غيره: ثم قال عليه السلام: يا اباعبدالرحمن اذكرني في الدعوات و آخر الصلوات بالسحر، فوالله الذي ارسل جدي بالحق بشيرا و نذيرا لو كان ابوك حيا ويراني مثل ما تراني ليعينني و ينصرني، و ان كان لك عذر في نصرتي فانت معذور، و لكن ارجو منك يا اباعبدالرحمن ان لا تعجل في بيعه يزيد. فقال ابن عمر: يا اباعبدالله ان الله تبارك و تعالي اصطفي جدك نبيا و خيره بين الدنيا و الاخره فاختار الاخره علي الدنيا، و الله انك و اهل بيتك محجوبون عن الدنيا و ان لكم الدرجات الاخره.

قال: و لما راي عبدالله بن عمر انه عليه السلام لا يرجع الي المدنيه تركه و رجع هو الي المدينه.

و الذي يستفاد من التاريخ ان عبدالله بن عمر بعد ما سار الي المدينه رجع الي مكه ثانيا.

و عن الدر النظيم عن امالي السمعاني: ان لابن عمر مزارع في اطراف مكه،


و في الابصار ان له ماء في التنعيم، فلما سمع بتوجه الحسين عليه السلام من مكه الي العراق ركب وجد في السير حتي لقيه و هو عليه السلام بمكه و اراد الخروج، فمنعه عن الخروج غايه المنع، فقال عليه السلام: ان اهل الكوفه كاتبوني و بايعوني، و قد كتب الي مسلم بن عقيل بانقيادهم لي، و لا بد ان اسافر اليهم. فلما راي عبدالله بن عمر امتناعه ضمه الي صدره و بكي و قال: السلام عليك من شهيد و غريب. فقال: اكشف لي موضعا كان يقبله رسول الله صلي الله عليه و آله، فكشف عن صرته فقبله و ودعه و رجع.

و في الصواعق المحرقه: فاتاه ابن عمر و نهاه عن المسير الي الكوفه، فلم يمتنع و ابي، فبكي ابن عمر و قبل ما بين عينيه و قال: استودعك الله من قتيل [8]

و من المانعين عن خروجه الي العراق محمد بن الحنفيه، و قد عرفت مقالته عند خروجه من المدينه. و يظهر من جمله من المقاتل و التواريخ ان محمد بن الحنفيه يوم خرج الحسين عليه السلام من مكه الي العراق كان في مكه.

قالوا: و لما بلغ محمد بن الحنفيه خروج الحسين عليه السلام الي العراق جاءه في الليله التي اراد الحسين الخروج في صبيحتها من مكه، فقال: يا اخي ان اهل الكوفه قد عرفت غدرهم بابيك و اخيك، و قد خفت ان يكون حالك كحال من مضي، فان رايت ان تقيم اعز من بالحرم و امنعها منعه. فقال: يا اخي قد خفت ان يغتالني يزيد بالحرم فاكون الذي يستباح به حرمه هذا البيت. فقال له ابن الحنفيه: فان خفت ذلك فصر الي اليمن او بعض نواحي البر، فانك امنع الناس به، و لا يقدر عليك احد. فقال: انظر فيما قلت.

فلما كان السحر ارتحل الحسين عليه السلام، فبلغ ذلك ابن الحنفيه فاتاه فاخذ


زمام ناقته و قد ركبها قال: يا اخي الم تعدني النظر فيما سالتك؟ قال: بلي قال: فما حداك علي الخروج عاجلا؟ قال عليه السلام: اتاني رسول الله بعد ما فارقتك فقال لي: يا حسين اخرج، فان الله شاء ان يراك قتيلا. فقال محمد بن الحنفيه: انا لله و انا اليه راجعون، فما معني حملك هولاء النسوه معك و انت تخرج علي مثل هذا الحال؟

فقال: ان شاء ان يراهن سبايا. فسلم و مضي.

و من المانعين عن خروجه الي العراق عبدالله بن عباس.

و الذي يظهر من التواريخ المعتبره و تشهد له الاحاديث الوارده: ان ابن عباس كان في مكه عند نعي معاويه و دخول الحسين في مكه، ثم ذهب مع عبدالله بن عمر الي المدينه، فبايع ابن عمر ليزيد. و اما ابن عباس فالذي يظهر من كتب العامه و تواريخهم انه بايع يزيد، بل هو المسلم عندهم كما مر عن الواقدي [9] ، و اما عند الخاصه فلم يثبت بيعته ليزيد. و تمام الكلام في ذلك قدحا و مدحا في محله و نشير الي مختارنا عن قريب فانتظر. و قد اتي الحسين عليه السلام [10] تاره مع عبدالله بن عمر بعد ورود الحسين بمكه قبل ارساله مسلم بن عقيل الي العراق و تاره بعد مجيئه من المدينه الي مكه قبل خروج الحسين الي العراق.

اما مجيئه مع عبدالله بن عمر فقد ذكره في روضه الصفا و تاريخ الاعثم و انه اشار الي الحسين برجوعه الي المدينه معهما، فمن اراد التفصيل فليراجع اليهما.

قال ابوالفرج في مقاتل الطالبين [11] : و جاءه عبدالله بن عباس و قد اجمع رايه


علي الخروج و حققه، فجعل يناشده في المقام و يعظم عليه القول في ذم اهل الكوفه، و قال له: انك قوما قتلوا اباك و طعنوا اخاك، و ما اراهم الا خاذليك. فقال له: هذه كتبهم معي، و هذا كتاب مسلم باجتماعهم. فقال له ابن عباس: اما اذا كنت لابد فلا تجرج احدا من ولدك و نساءك و لا حرمك، فخليق ان تقتل و هم ينظرون اليك كما قتل ابن عفان. فابي ذلك و لم يفعله.

فلما ابي الحسين عليه السلام قبول راي ابن عباس قال: و الله لو اعلم اذا نشبت و قبضت بهمتي مجامع ثوبك و ادخلت يدي في شعرك حتي يجتمع الناس علي و عليك كان ذلك نافعي لفعلته، و لكن اعلم ان الله بالغ امره. ثم ارسل الله عينيه فبكي و دمع الحسين عليه السلام و مضي الحسين لوجهه.

قال الطبري [12] : قال ابومخنف: و حدثني الحارث بن كعب الوالبي عن عقبه بن سمعان ان حسينا لما اجمع المسير الي الكوفه اتاه عبدالله بن عباس فقال: يابن عم انك قد ارجف الناس انك سائر الي العراق، فبين لي ما انت صانع. فقال: (يا بن عم) اني قد اجمعت المسير في احد يومي هذين انشاءالله تعالي. فقال له ابن عباس: فاني اعيذك بالله من ذلك، اخبرني رحمك الله اتسير الي قوم قد قتلوا اميرهم و ضبطوا بلادهم و نفوا عدوهم، فان كانوا قد فعلوا ذلك فسر اليهم، و ان كانوا انما دعوك اليهم و اميرهم عليهم قاهر لهم و عماله تجبي بلادهم، فانهم انما دعوك الي الحرب و القتال، و لا آمن عليك ان يغروك و يكذبوك و يخالفوك و يخذلوك، و ان يستفزوا اليك فيكونوا اشد الناس عليك. فقال له الحسين: فاني استخير الله و انظر ما يكون.

قال: فخرج ابن عباس من عنده...


قال: فلما كان من العشي او من الغد، اتي الحسين عبدالله بن عباس فقال: يابن عم اني اتصبر و لا اصبر، اني اتخوف عليك في هذا الوجه الهلاك و الاستئصال، ان اهل العراق قوم غدر، فلا تقربنهم، اقم بهذا البلد، فانك سيد اهل الحجاز، فان كان اهل العراق يريدونك كما زعموا فاكتب اليهم فلينفوا عدوهم ثم اقدم عليهم، فان ابيت الا انه تخرج فسر الي اليمن، فان بها حصونا و شعابا، و هي ارض عريضه طويله و لابيك فيها شيعه و انت عن الناس في عزله تكتب الي الناس و ترسل و تبث دعاتك، فاني ارجو ان ياتيك عند ذلك الذي تحب في عافيه.

فقال له الحسين عليه السلام: يابن عم اني و الله لاعلم انك ناصح مشفق، و لكني قد ازمعت و اجمعت علي المسير.

فقال له ابن عباس: فان كنت سائرا فلا تسر بنسائك و صبيتك، فوالله اني اخاف ان تقتل كما قتل عثمان و نساوه و ولده ينظرون اليه. ثم قال ابن عباس: لقد اقررت عين ابن الزبير بتخليتك اياه و الحجاز و الخروج منها، و هو يوم لا ينظر اليه احد معك، و الله الذي لا اله الا هو لو اعلم انك اذا اخذت بشعرك و ناصيتك حتي يجتمع علي و عليك الناس اطعتني لفعلت ذلك. قال: ثم خرج ابن عباس من عنده فمر بابن الزبير- الي آخر ما ذكره ابن حجر في صواعقه.

فنهاه ابن عباس و بين له غدر اهل العراق و قتلهم لابيه و خذلانهم لاخيه فابي، و نهاه عن الذهاب باهله معه فابي، فبكي ابن عباس و قال: واحسيناه.

قالوا [13] : و لقي عبدالله بن عباس- بعد خروجه من عند الحسين عليه السلم- عبدالله بن الزبير فقال: قرت عينك يا بن زبير. ثم قال:



يا لك من قبره بمعمر

خلا لك الجو فبيضي و اصفري






و نقري ما شئت ان تنقري

قد رحل الصياد عنك فابشري



و رفع الفخ فماذا تحذري

لابد من صيدك يوما فاصبري



هذا حسين خارجا فابشري

الي العراق راجيا للظفر [14] .



(بيان):

القبر كسكر و كصرد: ضرب من العصافير، واحده قبره بزياده الهاء، و جمعه قنابر و قنبراء، و لا يظهر النون في المفرد الا في لغه- قاله في المجمع. و ظهور النون في الجمع لان الاصل في المفرد قنبر ادغم النون في الباء، قالوا: ثلاثه ترد الاشياء الي اصولها الجمع و التصغير و النسبه.

قوله «معمر». كمنبر اسم مان فيه الماء و الكلاء

قوله «يبضي». من باض بالمكان اي اقام لبيض الطائر.

قوله «نقري». من التنقير شبه الصفير.

قوله «تحذري». اصله تحذرين حذف النون رعايه للقافيه.

و في القمقام [15] : اول من قال ذلك طرفه بن العبد الشاعر، و ذلك انه كان مع عمه في سفره و هو صبي، فنزلوا علي ماء و كان عليه قنابر، فذهب طرفه بفخيخ له فنصبه للقنابر و بقي عامه يومه فلم يصد شيئا، ثم حمل فخه و رجع الي عمه، فتحولوا من ذلك المكان، فراي القنابر يلقطن ما نثر لهن من الحب فقال «يا لك» الخ. و هذا من امثله العرب تضرب في الحاجه يتمكن منها صاحبها. انتهي. [16] .

و الشعر الاخير اما من ابن عباس انشاها او من غيره فالحقها.


(تنبيهان):

(الاول) ذكر الاموي في مقاتل الطالبين بعد ذك ر مقاله ابن عباس للحسين عليه السلام قال: فذكر من حضره يوم قتل و هو يلتفت الي حرمه و اخوته و هن يخرجن من اخبيتهن جزعا لقتل من يقتل معه و ما يرينه به، و يقول: لله در ابن عباس فيما اشار علي به. [17] .

و في تذكره السبط بعد نقل قول ابن عباس للحسين: اني اخاف ان تقتل كما قتل عثمان و نساوه و عياله ينظرن اليه. قال: قلت: و هذا معني قوله عليه السلام: لله در ابن عباس، فانه ينظر من ستر رقيق. انتهي.

و اظن ان هذا من مجعولات هذا الاموي و اكاذبيه، و قد ملا طواميره- خصوصا في الاغاني- من هذه الاكاذيب، و ليس ذلك بغريب منه كما ستعرف جمله من ذلك في تراجم النساء.

و قد صرح المحقق العلامه في شفاء الصدور في شرح زياره العاشور و المحدث القمي في السفينه بجمله من اكاذيبه، و اخذ منه غيره ممن تاخر عنه تقليدا له من غير رويه و فكر. و الشاهد علي ذلك انه ليس في كتب اصحابنا رضوان الله عليهم من المتقدمين و المتاخرين ذكر لهذا الكلام، و انما ذكر من ذكر ذلك مستندا الي كتبه مع الاختلاف في وقت قوله: فقيل انه عليه السلام قال ذلك في ليله عاشورا، و قيل قاله في صبيحه يوم عاشورا بعد الخطبه و صراخ النساء، و قيل عند شهاده بني هاشم و اتيان الجثث الي خيمه القتلي. و هذا ايضا مما يوهن ذلك.


نقل الطبري [18] عن الضحاك المشرقي قال: بعد ما خطب الحسين عليه السلام في صبيحه عاشورا فصرخن النساء فامر اخاه العباس و ابنه علي الاكبر و قال لهما: «اسكتاهن». قال: لا يبعد ابن عباس. قال: فظننا انه انما قالها حين سمع بكاءهن، لانه قد نهاه ان يخرج بهن. انتهي. فانظر في الراوي و المروي عنه و اجتهاده و ظنه.

و مما يوهن ذلك: انه ليس في الكتب الادبيه ايضا ذكر لهذا الكلام مع انها اولي بنقل ذلك، حتي ان العسقلاني الذي يدور علي مثل هذه الكلمات قال في صواعقه: و مر قول اخيه الحسن له: اياك و سفهاء الكوفه ان يستخفوك فيخرجوك و يقتلوك و يسلموك فتندم ولات حين مناص، و قد تذكر ذلك ليله قتله فترحم علي اخيه الحسن. انتهي. [19] .

و ذكر ذلك بعد نقل ملاقاه ابن عباس له عليه السلام، و لو كان ذلك منه «ع» لنقله. فتدبر.

مع ان قوله «فتذكر ذلك ليله قتله فترحم علي اخيه» من اجتهاد ابن حجر و ظنه. اذ لم يسند ذلك الي روايه. مضافا الي ان ما مر من قول اخيه ليس علي ما ذكر هنا، لانه ذكر في باب الحسن عليه السلام انه لما احتضر قال لاخيه: يا اخي- و ساق الكلام من الاكاذيب الي ان قال- ربما استخفنك سفهاء الكوفه فاخرجوك، و ليس فيه فيقتلوك و تندم ولات حين مناص. فراجع.

و بالجمله فالمظنون بل المقطوع ان هذه الكلمه- و هي قول «لله در ابن عباس» و اشباهها- لم تصدر من الحسين عليه السلام في وقعه الطف، و انما اسندوها اليه


لاغراض لا تخفي علي المتامل، و سياتي عن قريب الاشاره الي ذلك.

نعم يظهر من المحقق الكاظمي في التكمله و الطريحي في مجمع البحرين ان هذه روايه مستقله وردت في حق ابن عباس، بل يظهر من التكمله انها نبويه. قال في محكي التكمله [20] : و في روضه الواعظين: قال رسول الله صلي الله عليه و آله: لكل شي ء فارس و فارس القران عبدالله بن عباس. و عنه [21] : ويح ابن عباس كانه ينظر الي الغيب من وراء ستر خفي. انتهي.

و في مجمع البحرين: ويح كلمه ترحم و توجع لمن وقع في هلكه، و قد يقال للمدح و التعجب، و منه «ويح ابن عباس».

و هذا اقوي شاهد علي ان ما ذكر في مقاتل الطالبيين من زيادات الاموي و اغلاطه.

(الثاني) في البحار، عن المناقب لابن شهر اشوب، عن كتاب التخريج، عن العامري بالاسناد عن هبيره بن يريم، عن ابن عباس قال: رايت الحسين عليه السلام قبل ان يتوجه الي العراق علي باب الكعبه و كف جبرئيل في كفه و جبرئيل ينادي: هلموا الي بيعه الله عز و جل، و عنف ابن عباس علي تركه الحسين فقال: ان اصحاب الحسين لم ينقصوا رجلا و لم يزيدوا رجلا، نعرفهم باسمائهم من قبل شهودهم. و قال محمد بن الحنفيه: و ان اصحاب الحسين عندنا لمكتوبون باسمائهم و اسماء آبائهم. انتهي. [22] .

(بيان):

العامري هبيره بن المفاوضه العامري مجهول الحال، و كذا هبيره بن يريم. قال


في التنقيح [23] : لم يتبين حاله، وعده الشيخ من اصحاب اميرالمومنين، و قال: عربي كوفي [24] . فسند الروايه في غايه الضعف.

و اما متن الروايه فالاشكال فيه من جهتين:

الاولي- في تجسم الملائكه. و الظاهر كما دلت عليه الاخبار المتكاثره المتظافره المستفيضه، امكان تجسمهم و تصورهم بصور مختلفه و اشكال متفاوته، بل وقوع التجسم خلافا لجمع من الفلاسفه.

الثانيه- في رويه ابن عباس جبرئيل عليه السلام و قد اطنب الفاضل المعاصر في اربعينه و اتعب نفسه في ذلك، و حاصله: ان ابن عباس قد بلغ من صفاء النس و تكميل القوي بحيث يشاهد الملائكه، بل قال: انه يمكن من وجوه الاعجاز و خوارق العادات مشاهدته اياه. و ما ابعد بين هذا و من قال انه بايع يزيد بن معاويه و انه نزل في حقه (و من كان في هذه اعمي فهو في الارخه اعمي). [25] و نحن لو تنزلنا عن تكفيره و تفسيقه و قلنا فيه بمقاله بعض اصحابنا من توثيقه بل و عدالته، لا نعتقد في حقه هذا المقام و المرتبه.

و قد صرح المجلسي في مرآه العقول في كتاب الحجه في باب ما ورد في شان سوره القدر في ترجمته ما رواه مرسلا عن ابي عبدالله عليه السلام، و فيه ان ابن عباس راي جبرئيل، قال: لعله سمع كلامه لا انه رآه بعينه، فراجع. [26] .

نعم في كتب العامه و رواياتهم ما يدل علي ازيد من ذلك، بل صرحوا بان ابن


عباس راي جبرئيل مرتين. [27] و تمام الكلام في الجرح و التعديل و المدح و الذم في محله.

الا ان الذي في النفس منه شي ء: ان العامه رووا احاديث في مدحه و اخذوه اخذا شديدا غايه الاخذ، مع انهم يتركون روايه من يتهم بالرفض و التشيع و من في قلبه حب علي اولاده عليهم السلام. فكيف ذلك مع ان ابن عباس يظهر المحبه لعلي و رووا في كتبهم و تواريخهم انه بايع يزيد بل بايع معاويه بل اشار علي الحسين عليه السلام برجوعه الي المدينه و البيعه ليزيد كما مر.

و بالجمله فانا و ان لم نقطع ببيعته ليزيد و لا لمعاويه الا انه لم نقطع ايضا ببيعته للحسين عليه السلام و لا لعلي بن الحسين، بل المظنون عدم بيعته للحسين، ضروره ان من بايع الحسين و قال بامامته- لا سيما من كان مثل ابن عباس الذي شاهد ما شاهد و روي عن ابيه وجده ما ورد في شانه و شان اخيه و انه المتقول بالطف- لا بد و ان يكون سلمان له عليه السلام و تبعا و رعيه له. و هذا ينافي ما مر منه من نصيحته و منعه من الخروج و بعض ما قاله له. و ليس حاله عندي الا كحال انس بن مالك و اضرابه، الا انه يظهر المحبه لعلي و اولاده و يظهر الصداقه لبني اميه. و حينئذ فما ورد في شان بني العباس يشمله، الا ان يدل دليل عقلي او قطعي بخروجه عنهم، و لم نظفر الي الان علي مثل هذا الدليل.

و علي ذلك فيما نقل عنه من الاحاديث و الاخبار- ان كان من الفضائل او الاخلاق- نقبله و نقول به كما نقبل من انس بن مالك و غيره من علمائهم، و اما ما كان من احاديثه و رواياته في الاحكام فلا نعتمد عليه خصوصا ما تفرد به.

و علي ما ذكرنا فيمكن حمل الروايه علي ما هو الظاهر انه كان من باب


الاعجاز و اتمام الحجه علي ابن عباس من ارائه جبرئيل و وضع كفه في كفه، كما فعل علي عليه السلام بالاول في حديث رويه النبي صلي الله عليه و آله بعد موته، كما هو مشهور و مذكور في كتب المناقب.

و ما اشبه ذلك بما روي السيد البحراني في مدينه المعاجز، عن ثاقب المناقب، عن مناقب السعداء، عن جابر بن عبدالله قال: لما عزم الحسين عليه السلام علي الخروج الي العراق اتيته فقلت له: انت ولد رسول الله و احد سبطيه، لا اري الا انك تصالح كما صالح اخوك، فانه كان موافقا رشيدا. فقال عليه السلام لي: يا جابر فقد فعل اخي ذلك بامر الله تعالي و رسوله، و انا ايضا افعل بامر الله و رسوله، اتريد ان استشهد رسول الله و عليا و اخي الحسن بذلك الان. ثم نظر الي السماء قد انفتح بابها و اذا برسول الله و علي و الحسن و حمزه و جعفر و هم نازلون منها حتي استقروا علي الارض، فوثبت فزعا مرعوبا، فقال لي رسول الله صلي الله عليه و آله: يا جابر الم اقل لك في امر الحسن قبل الحسين لا تكون مومنا حتي تكون لائمتك مسلما و لا تكون معترضا، اتريد ان تري مقعد معاويه و مقعد الحسين ابني و مقعد يزيد قاتله؟ قلت: بلي يا رسول الله. فضرب برجله الارض فانشقت و ظهر بحر فانفلق ثم ظهرت ارض فانشقت، هكذا انشقت سبع ارضين و انفلقت سبعه ابحر، و رايت من تحت ذلك النار قد قرنت في سلسله الوليد بن المغيره و ابوجهل و معاويه و يزيد و قرن بهم قرده الشياطين، فهم اشد اهل النار عذابا. ثم قال صلي الله عليه و آله: ارفع راسك، فرفعت فاذا ابواب السماء مفتحه و اذا الجنه اعلاها، ثم صعد رسول الله و من معه الي السماء، فلما صار في الهواء صاح بالحسين: يا بني الحقني، فلحقه الحسين، فصعدوا حتي رايتهم دخلوا الجنه من اعلاها، ثم نظر الي رسول الله صلي الله عليه و آله من هناك و قبض علي يد الحسين و قال: يا


جابر هذا ولدي معي هاهوهنا، فسلم له الامر و لا تشك فتكون مومنا. قال جابر: فعميت عيناي ان لم اكن رايت ما قلت عن رسول الله صلي الله عليه و آله.


پاورقي

[1] تاريخ الطبري 399:5.

[2] تاريخ الطبري 383:5.

[3] نفس المصدر 384:5.

[4] هذه اشاره الي وقعه الحجاج و قتل ابن‏الزبير بمکه کما هو معروف.

[5] تاريخ الطبري 343:5.

[6] الفتوح لابن الاعثم 89:2.

[7] اللهوف ص 13.

[8] الصواعق المحرقه ص 117.

[9] نقل ذلک عن تاريخ الطبري.

[10] يقصد ان ابن‏عباس اتي.

[11] مقاتل الطالبين ص 110.

[12] تاريخ طبري 383:5.

[13] هذا من تتمه حديث الطبري.

[14] ينسب ثلاثه اشطر الاولي من الرجز الي طرقه بن العبد.

[15] القمقام 334:1.

[16] انظر: مجمع الامثال 239:1.

[17] مقاتل الطالبين ص 110.

[18] تاريخ الطبري 424:5. و هو منقول باختصار.

[19] الصواعق المحرقه ص 117.

[20] تکلمه نقد الرجال 78:2.

[21] قائله الامام علي عليه‏السلام. انظر التعلقه علي الموضع المذکور من المتکلمه.

[22] مناقب ابن‏شهر اشوب 60:4.

[23] تنقيح المقال 290:3، و فيه «هبيره بن مريم».

[24] رجال الطوسي ص 61، و فيه «بن مريم».

[25] سوره الاسراء: 72.

[26] هذا هو المفهوم من مجموع الکلام في مرآه العقول 77 -74 :3.

[27] انظر: الاصبه 90:4.